كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أصبح ممثل الملاحم بعد “سيد الخواتم” و”قراصنة الكاريبي”

أورلاندو بلوم: حياتي كادت تنتهي على كرسي متحرّك

إعداد: محمد هاني عطوي

 

يقال إن أورلاندو بلوم هو ممثل "كل الملاحم"، إذ انتقل من "سيد الخواتم" إلى "قراصنة الكاريبي" . ولكن في سن ال36 يظهر بلوم عن وجه غير متوقع، حيث يغوص هذا النجم البريطاني في أدوار أكثر جدية وعمقاً بدءاً من "الزولو" لجيروم سال (الزّولو هم شعب ناطق بلغة البانتو في ناتال بجنوب إفريقية) الذي ظهر في أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى خشبة المسرح في برودواي وإلى مسرح رودجرز ريتشارد في نيويورك، ليلعب "روميو وجولييت" حتى يناير/كانون الثاني الجاري بنكهة أمريكية . مجلة "باري ماتش" تجولت في المسرح مع بلوم أثناء التحضيرات لعرض "روميو وجولييت"، وجلست معه في حوار عن أعماله الجديدة هذا جزء مما جاء فيه:

·        مع فيلمك الأخير "الزولو"، نجد أنفسنا بعيدين عن أدوار الشاب الوسيم الرومانسي التي عودتنا عليها، فهل أنت مشتاق لدور آخر في "زولو"؟

- نعم، عندما قرأت السيناريو، أدهشني طابع ذلك الشرطي المجنون المتهالك نحو المخدرات والمتهور . وأنا لم يسبق لي أن مثلت دوراً كهذا قط . وكنت مستعداً لأسخر نفسي تماما لهذا الدور وشعرت أن جيروم سال قد لاحظ حماستي له . وما أحبه في الفيلم هو أنه يعكس الواقع في جنوب إفريقيا، لكنه لم يسع إلى تنميق العنف، أو جعله براقاً .

·        كيف يمكنك تفسير عدم إتاحة الفرصة لك للعب مثل هذا الدور القوي؟

- على مدى عشر سنوات شاركت في ملحمتين شعبيتين هما: "سيد الخواتم" و"قراصنة الكاريبي"، ورغم أنني انتهزت الفرصة كي أظهر في أفلام لريدلي سكوت وأوليفر ستون، واستقررت في سجل معين لم ينتبه أحد إلى أنني يمكن أن أمثل شيئاً آخر .

·        هل كنت ضحية للأفكار المسبقة؟

- حتما، ولكنني أدركت ذلك بعد سنوات عدة من عمل الأفلام، خصوصاً بعد آخر حلقة من "القراصنة"، والحقيقة أنني عندما بدأت كنت صغيراً جداً، وكنت لا أعرف شيئاً عن صناعة السينما، بل وجدت نفسي بين عشية وضحاها وأنا غارق في عالمها، ولقد استغرق الأمر مني بعض الوقت لفهم كيفية التطور في هذه المهنة .

·        هل النجاح في فيلم ما يكون فخاً للممثل؟

- الأمر ليس بسيطاً كما نتخيله، بل كمن يقود سفينة، إذ يجب علينا إبطاء الوتيرة ثم التوقف ومن ثم الاستدارة للذهاب مرة أخرى في اتجاه آخر . وإذا لزم الأمر، فأنا على استعداد لإغراق السفينة للاستمرار في قارب صغير مع محرك أخف وزناً وأكثر سرعة، ولكن أحتاج إلى مَن يدفعني .

·        هذا يعني أن العمل مع مخرج مثل جيروم سال هو خطوة في الاتجاه الصحيح؟

- بالطبع، وإن كنت قد صرت ممثلاً فلأتذوّق طعم الحرية، وجيروم سال أعرب عن ثقته بي، قائلاً: "ليس ثمة استوديو يكبح خطواتنا، ولا أحد يمنعنا من القيام بالضبط بما نريد، لذلك دعنا نتحرك بكل قوتنا، وهذا هو التشجيع المثير الذي يقود الممثل نحو الإبداع .

·        هل أخذت وقتاً لزيارة جنوب إفريقيا من أجل فهم أفضل لعالم السينما؟

- وصلت قبل ستة أسابيع من التصوير للحصول على دراية كافية بعلم "الأفريكانية"، وقضيت معظم الوقت في "كيب تاون" مع ضباط الشرطة للتعرف إلى التوتر الذي يعيشون فيه . وعلمت أنه في عام 2000، كان نصف الذين لقوا حتفهم في سنة واحدة من بين ال 500 رجل من ضباط الشرطة من المنتحرين، لذا أعتقد أن تكون شرطياً في هذا البلد هو أمر مقيت .

·        كنت عاملاً محفزاً جداً لهذا النوع من الأفلام مع فورست ويتيكر، فكيف حدث ذلك؟

- فورست ويتيكر هو "زولو" في الفيلم وقصته هي أمر مأساوي، وأنا ألعب شريكه المضطرب جداً، والقصتان تجريان بالتوازي وتلخصان الصراعات التي تدور اليوم في جنوب إفريقيا، والتي تتمثل في تعلم كيفية التفريق بين المغفرة والنسيان . ونحن نقضي بعض الوقت معاً على الشاشة، ولكن عندما يرانا أحدهم يفهم بسرعة أن هذين الرجلين يتبادلان الاحترام والصداقة بشكل قوي .

·        شخصيتك تجد صعوبة في تقبّل ذاتها، فهل هذه المشكلة تتعرف من خلالها إلى نفسك؟

- مررت بفترة صعبة، مثل جميع المراهقين وكنت مصاباً بالديسليكسيا وطالباً بليداً جداً في المدرسة . وفي وقت لاحق وبينما كنت أتظاهر بالشجاعة فوق مزراب للمياه، سقطت من الطابق الثالث وكسرت فقرات ظهري وكان يمكن أن تنتهي حياتي على كرسي متحرك . ولكن بعد خضوعي لجراحة دقيقة وبضعة أشهر من إعادة التأهيل، أصبحت قادراً على استخدام ساقيَّ ولاحظ أهلي أنني كنت ضعيفاً جداً وبحاجة إلى عناية .

·        ما الذي دفعك لتكون ممثلاً؟

- لقد نشأت في كانتربري، وهي مدينة غنية في التاريخ، مع كاتدرائيتها الرائعة وشوارعها المملوءة بالعروض التي قضيت فيها ساعات طوالاً . وبفضل والدتي الكاتبة، اكتشفت الموسيقى والأدب . وفي وقت مبكر شاهدت مسلسلات تلفزيونية مثل "نائب ميامي" وبدأت أعمل في المسرح منذ سن 16، وتركت المدرسة وانتقلت إلى لندن للانضمام إلى مسرح الشباب الوطني . لذا فأنا ثمرة لتحفيز فني كبير .

·        ظهرت للمرة الأولى في برودواي من خلال تقديم معاصر لمسرحية "روميو وجولييت"، فهل قرأت كل المقالات النقدية؟

- لا، لأنها لا تساعدني على التقدم، بل سافعل ذلك في وقت لاحق . ولكن مهما اعتقد النقاد، فهذه التجربة قد غيرتني وأشعرتني بأنني دخلت إلى شيء أكثر عمقاً، وأكثر واقعية، لأن المسرح لا يقبل التَحَايُل أو المُخَادَعَة، وأنا أشعر أن كل أداء يزيدني خبرة، لذا فأنا فخور بأنني امتلكت من الشجاعة ما أهلني الصعود على خشبة المسرح .

·        هل شكسبير أمر واجب، عندما نكون بريطانيين؟

- إنه واجب عندما نكون ممثلين، فكل قطعة من مسرحياته صيغت بنسيج الواقع والمشاعرالإنسانية نفسها، بل نجد في نصها الحقيقة والنقاء، إلا أن لعب دور روميو لم يكن سهلاً على الإطلاق، ووجدوا أنني بت كبيراً من ناحية السن على هذه الدورة وأشياء أخرى .

·        مشكلة العنصرية الموجودة في قلب "زولو" نجدها في النص الذي تظهر فيه "جولييتك" سمراء، فهل هذا موضوع يحتل أهمية كبيرة عندك؟

- بالطبع، فزوج والدتي، هاري بلوم، الذي اكتشفت أنه لم يكن والدي البيولوجي في سن ال 13 ناضل ضد الفصل العنصري جنباً إلى جنب مع مانديلا قبل أن يلوذ بالفرار للاسقرار في بريطانيا . علماً بأنني ما عرفته لأنه توفي عندما كنت في الرابعة من عمري، لكن مع ذلك لا يزال في ذهني على قيد الحياة . ولقد كرمت ذكراه من خلال استلامي لمهمته في كفاحه ضد العنصرية .

·        في سن ال36 هل لديك الشعور بأنك على مفترق طرق في حياتك؟

- نعم، وبشكل واضح، فأنا أفتح فصلاً جديداً في حياتي بطرق عدة، حيث أشعر أنني بت أكثر نضجاً، وأكثر ثقة بالنفس وعلى استعداد للمضي قدماً . كما أنني قمت بعدد من التغييرات في حياتي الخاصة، حيث انفصلت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن النجمة ميراندا كير، وهذه الفترة مثيرة وعملية جداً، حيث أصبحت أرى الأمور أكثر وضوحاً .

الخليج الإماراتية في

19.01.2014

 
 

التجربة الإسرائيلية

أمستردام – محمد موسى 

يُشِير الجندي الإسرائيلي الى مجموعة الصور والخرائط المُعلقة على الجدار خَلفه ثم يتوجه بالحديث الى مجموعة الشباب والشابات أمامه والآتين من دول غربية مُختلفة:" إنظروا الى الفرق بين أرضنا وأرضهم، الى خَضّار أشجار الزيتون في إسرائيل، وقارنوه بالصحراء المُقفره في أرض العرب. نحن بنينا هذه الأرض وهم لا يبالون". رغم لؤم وعنصرية ما تفوه به الجندي الإسرائيلي الشاب، إلا إن شيئا ما في لكنته الإنكليزية الثقيلة والامبالاة في صوته، وهو يُعيد تكرار العبارة للمرة الألف رُبَّما، حولا المشهد، من إحتفال بغيض بالكراهية، الى " كاريكاتير " عن حال الماكنة الإعلامية الرسمية الإسرائيلية اليوم، والتي كانت في زمن ما، شاغلة الدنيا وشديدة التأثير في العالم، قبل أن تتحول في السنوات الأخيرة لأداة حرب منبوذة ومُنهكة مازالت تَضرب بكل الإتجاهات، من دون أن تصيب أهدافها إلا نادراً.

المحاضرة القصيرة التي ألقاها الجندي الإسرائيلي ذاك، هي جزء من مشروع إسرائيلي إعلامي مُثير للجدل، يدعو منذ عقدين تقريبا مئات الشباب اليهود من كل دول العالم، للقدوم الى إسرائيل والتعرف على الدولة العبرية، وبالخصوص قوتها العسكرية وتاريخ حروبها الطويل مع جيرانها العرب. فيلم "إسرائيل لميتيد." للمخرجة مور لوشي يقترب من مجموعة من الشباب الغربيين، في "تجربتهم" الإسرائيلية. ورغم إن تاريخ إنتاج الفيلم يعود الى ثلاث أعوام ماضية، الا إنه وصل لأول مرة قبل إسبوع فقط الى التلفزيون الهولندي، الذي عرضه في الوقت الذي تواجه هولندا إنتقادات حادة من إسرائيل، بسبب قوانين حكومية هولندية جديدة، تفرض عقوبات تجارية على الشركات التي تقوم بإنتاج بضائع في الأراضي الفلسطينية المحتلة من عام 1967.

يُرافق الفيلم مجموعة من المشتركين بالتجربة الإسرائيلية من لحظة وصولهم الى المطار الإسرائيلي. لكن التعريف بشخصياتهم وخلفياتهم الإجتماعية سيتأجل لأوقات لاحقة من الفيلم. المجموعة التي يركز عليها الفيلم متكونة في أغلبها من أمريكيين يهود. الفيلم سيهتم بثلاثة أفراد من المجموعة، منهم شاب من كندا. هذا الأخير، سيقف وحيداً أحياناً في موقفه الذي لن يتزحزح برفضه الصارم لكل أشكال الحروب او الإحتفاء بالمجد العسكري، والذي توليه التجربة الإسرائيلية هذه أهمية كبيرة. فيما ستتأثر مواقف زملائه في التجربة بما يشاهدوه في الأسابيع التي قضوها في إسرائيل. إذ رَسَخَّت "الأيام الإسرائيلية" الأفكار العنيفة التي يحملها أصلاً شاب أمريكي لم يتعدى الثامنة عشر وقتها، صَّرح، وحتى قبل أن يصل إسرائيل، بأن السياسة والحروب هما ما يَّشغل إهتمامه. سيجد الشاب ما يبحث عنه في إسرائيل. هذا الشاب نفسه سيتصل هاتفياً بوالده من مرتفعات الجولان، ليخبره بحماس عن مكانه، وكيف تسللت الإنتصارات الإسرائيلية لروحه.

يتجزأ الفيلم التسجيلي لأقسام، على عدد الأسابيع الخمس التي قضتها المجموعة في إسرائيل. يعقب نقل كل نشاط في التجربة، مساحة في الفيلم لتسجيل ردود أفعال الشخصيات الرئيسية الثلاث والتي ستتاثر وتتصاعد حميتها مع تواصل البرنامج العسكري التاريخي المُكثف. من نشاطات البرنامج، هو زيارة قرية عربية في إسرائيل يسكنها مسلمين دروز. التحضيرات التي سبقت الزيارة كانت من الغرابة التي حولتها سريعاً الى نوع من الكوميديا السوداء، فالجندية الإسرائيلية الشابة  التي رافقت المجموعة ستفرش مجموعة من صور فوتغرافية على الأرض، وتؤمي للشباب:"هكذا يبدو العرب!"، ثم تُكمل " الشباب منهم بشوارب وبدون لحى، والمسنون بالأثنين معاً". مجموعة الشباب سترقص مع عرب القرية، وسيقضون وقتاً ممتعاً. هذا الإختلاط بين الجنسيات المُختلفة، لن يكون غريباً على الطالب اليهودي الكندي، فهو من صميم هويّة مجتمعه. فيما بقيت الشكوك تُساور الشخصيتين الأخريتين في الفيلم بإتجاه عرب إسرائيل، والعرب بالمُطلق!

يُوفر الفيلم، وربما بدون تخطيط، نافذتين مهمتين، إحداهما على التجربة الإسرائيلية المُثيرة للجدل، والإخرى على علاقة يهود من العالم مع إسرائيل. فالبرنامج التعليمي الإسرائيلي لم يَّعد ينتمي الى هذا العالم، و الفيلم التسجيلي هذا ، هو دليل جديد على إهتراء الجهاز الإعلامي الإسرائيلي، والذي عرَّف فترات نجاح طالت لعقود أيضاً. من جانب آخر يبرز الفيلم، والذي لم يتحدى شخصياته بأسئلة عن البرنامج نفسه وجدواه وشرعيته، بأن كل  "بروباغاندا" حتى السيئة منها، ممكن أن تؤثر بالبعض. الفيلم من جانبه يوفر فرصة نادرة ، للتقرب من شباب وشابات من دول غربية، من الذين لازالت تغريهم الدولة العبرية ، بوعودها وبشاراتها التي أطلقتها في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، قبل أن تطيح أحداث التاريخ المعروفة بالإسطورة تلك وربما للأبد.

الجزيرة الوثائقية في

19.01.2014

 
 

"الانتخـابات".. والسـينما الأمريكيـة!!

قائمة طويلة من الأفلام عبرت عن أيام حاسمة في حياة الشعوب

بقلم: خيرية البشلاوي 

تعتبر الافلام الأمريكية ترجمة شبه فورية لتجليات الحياة السياسية.

جميع الاحداث المهمة مرصودة علي الشاشة من خلال معالجات درامية.. علي سبيل المثال ستجد للدين المسيحي بايدولوجياته المتنوعة حكايات مستمدة من الكتاب المقدس وستجد الحروب العالمية الأولي والثانية والحروب الأهلية التي شاركت بها العسكرية الامريكية أو ما دار فوق أراضي الولايات المتحدة اعمال كثيرة تضم قائمة طويلة ومن زوايا مختلفة للمعارك. أيضا الحروب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والغربي بعد انتهاء المعارك الساخنة تحتل بدورها قائمة. والأعمال التي شنتها صناعة الفيلم الأمريكية ضد النازية ومعسكرات الإبادة ضد اليهود وبالأرقام الكبيرة التي روجت لها هوليوود وبالذات فيما يتعلق باعداد الضحايا المبالغ منها هذه الأعمال بطول حصرها سواء في المجال الروائي أو التسجيلي اضف إلي هذا الإرهاب العربي والصورة المشوهة للإنسان المسلم والمقاتل الفلسطيني وصراعات الشرق والغرب وفي سلاسل أفلام ألف ليلة وليلة وهناك العدو "الأصفر" "الصين" والأحمر "الشيوعي" والصراع ضد الفرس "إيران" وضد العرب لصالح إسرائيل.. فلا شيء متروك للصدفة. ولا فيلم تعتبره غير منحاز وهذا من طبائع الأمور حين يكون الصراع ظاهرا أو صعبا. ساخنا أو باردا. تاريخ هوليود ومنتجات صناعة الصورة تعد انعكاسا لسياسات الإدارة الأمريكية علي امتداد تاريخها ومن اكتشاف العالم الجديد الذي لا يتجاوز عدة قرون لا تزيد علي اصابع اليد الواحدة.

من الموضوعات التي احتلت اهتمامات كتاب وصناع السينما من الولايات المتحدة موضوع "الانتخابات" الرئاسية والأعمال التي عالجت هذا الحدث الكبير كثيرة ومهمة وكاشفة بطبيعة الحال. ومنها ما يحتل مساحة كبيرة من الاهتمام وما يستحق بالفعل أن يشاهده المتفرج واعتقد ان قنوات التليفزيون العديدة المعتمدة علي المخزون السينمائي الامريكي بصفة خاصة عرضت بعض هذه الأعمال ومنها ما يمثل قيمة كبيرة من حيث مستواه الفني فيلم "الرئيس الأمريكي" نموذج و"خطبة الرئيس".

وعادة ما تتكئ المعالجة علي الشرائط التسجيلية من أجل إضفاء قدر من المصداقية وحتي يكون الفيلم وثيقة للتاريخ وليس مجرد عمل ترخيص. الشيء اللافت أن هذه الأعمال تحقق نجاحا تجاريا وتنتشر في العالم عبر شبكة التوزيع الهائلة التي تختفي بعرض هذه الأعمال السينمائية المتكاملة موضوعيا وفنيا.

من هذه الأفلام فيلم "الرئيس الأمريكي" "1995" للمخرج الامريكي رون راينر وكاتب السيناريو ارون سوركين. نفس الثنائي الذي حقق نجاحا كبيرا من خلال فيلمهما "حفنة رجال طيبون" الذي رشح للاوسكار "كأحسن فيلم" الفيلم يعكس النظرة النموذجية للسياسات الامريكية. يؤدي مايكل دوجلاس دور الرئيس ذو الميول اليسارية شديد الجاذبية الذي يفتن بسحره ناشطة في مجال البيئة تلعب دورها الممثلة انيت بينج. ويتناول الفيلم الصراع الذي يخوضه الرئيس ضد منافسه السيناتور اليميني "ريتشارد درفبوس" ويلعب دور المساعد والداعم القوي للرئيس ومستشاره وصديقه "مارتن شين" ودوره هنا يعتبر امتدادا لدور مشابه في مسلسل "الجناح الغربي" دور الرجل السياسي الناجح والفيلم يكشف قدرة كاتبه "سوركين" في تضمين عنصر الحوار دلالات صائبة وقوية ودالة علي فهم جوهر السياسات التي تحكم المناخ السياسي الامريكي حيث يشير الي حجم المشكلات العظيمة التي تعتبر اكبر من تلك التي خسرها.

ويتساءل باستخدام نفس اللماصية "كم من الصبر تحتاجه حتي تواجه هؤلاء الذين يدعون حبهم لأمريكا" ولكن من الواضح انك لا تستطيع الصمود أمام الأمريكيين؟ والسؤال دهشة من الممكن ان يطرح امام من يريد دخول سباق الرئاسة هنا في مصر. وخصوصا ان "المشتاقين" للجلوس في الاتحادية لا يدركون أحجامهم الفعلية!!

اللافت ان فيلم المخرج والسيناريست "راينر وسوركين" ينتمي إلي الكوميديا الرومانسية وقد اختار الاثنان البيت الابيض مكانا للأحداث التي تدور في عصر كلينتون ولكن في وقت لم تكن فضيحة مونيكا لوبيسكي قد تكشفت وكان كلينتون وقتئذ الرئيس الوسيم صاحب الكاريزما.

يقول الناقد جاي فرناندز: ليس من الصعب تخيل المتعة التي يشعر بها الرئيس أوباما وهو يشاهد فيلم "الرئيس الامريكي" متمنيا ان تخفف من ثقل جماهيرية الرئيس "روني" "كلينتون" مثلما فعل مايكل دوجلاس في نهاية الفيلم.

وتكشف الافلام التي تعالج موضوع الانتخابات الرئاسية الألعاب السياسية المستخدمة في حملات الدعاية والمقالب السياسية القذرة التي توظف لها قدرات ذهنية ومالية. ومن الأهمية أن تشير إلي الميزانيات الضخمة التي ترصد للأعمال السينمائية التي تعيد انتاج الحملات الانتخابية. والدعائية والميزانية الكبيرة التي تتحملها الشركة مقابل أجور النجوم الكبار الذين يلعبون بطولات هذه الافلام..

عن الانتخابات الامريكية "2004/2008" ظهر فيلم تسجيلي مهم يوثق لليومين تحت عنوان "Ehcho duy"  مصورا الزخم الوطني والارادة مشيرا في نفس العمل إلي ايام التصويت والتجارب التي شهدتها لجان الانتخابات علي طول امتداد البلاد. وما جري في تلك الأيام بداية من الصباح الباكر وحتي ساعة متأخرة من الليل. وقد راعت المخرجة كاتي شفنجي ان تتابع التنوع الاجتماعي في كتلة الناخبين وتلقي الضوء علي المواطنين ذوي الياقات الزرقاء "العمال" الحريصين علي الالتزام والنظام والعمل وجاهدت المخرجة أن تلتزم بدورها الموضوعية في نقل الصورة.

وقائمة الأفلام التي تناولت مثل هذه الأيام التاريخية التي تدون في تاريخ الشعوب تضم افلاما من نوعية "الانتخاب الافريقي" دراما تسجيلية سياسية و"كل رجال الرئيس" "1949/2006" و"ملائكة وشياطين" و"أحسن رجلا" "1964" و"بوب روبرتس" "1992" تأليف واخراج تيم روبنز وتبادل بأسلوب ساخر عملية صعود بوب رومرتز السياسي اليميني المحافظ كمرشح لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية. يتابع الفيلم الحملة الانتخابية التي مولها بأمواله الخاصة.

الفيلم تدور احداثه في سلفانيا عام 1990 ويصور هذا المرشح الجمهوري المحافظ صاحب الموهبة الموسيقية ويستحضر الحملة الانتخابية التي دعمها قطاع كبير من الجمهور الامريكي.

من اشهر الافلام التي عالجت الحملات الانتخابية الامريكية فيلم "مرشح مانشوريا" الذي انتج عام 1962 ثم اعيد انتاجه عام2004. احد الاعمال المشوقة والمثيرة المستوحاة من رواية بنفس العنوان ظهرت عام 1959 للكاتب ريتشارد كوندون وأيضا من الفيلم الذي سبقه مستعينا بنفس الرواية يقوم ببطولة النسخة الاخيرة الممثل دنزل واشنطن الذي يلعب دور سيناتور نائبا عن نيويورك ويسعي للترشيح إلي منصب نائب الرئيس الامريكي.

ايضا فيلم "رجل العام" "2009" من اخراج لاري لينسون وبطولة روبين ويليام. وهو دراما كوميدية ساخرة بأجواء سياسية مستوحاة بقدر كبير من التصرف من الحياة الواقعية لجون ستيوارت "مواليد 1962" وهو سياسي امريكي وفنان ومؤلف ومقدم برامج وممثل وناقد وكوميديان وصاحب برنامج اخباري ساخر.. وهو النسخة الاصلية من التقليد المصري باسم يوسف.
من أجمل الافلام الدعائية المصرية التي شاركت بقوة في الدعاية عن الدستور المصري فيلم ساندرا نشأت التسجيلي الذي استحضر بالصورة والصوت بورتريهات حية للشعب المصري وللفئات العاملة فيه التي تنتمي إلي الطبقات الصغيرة التي تحتل الشريحة الدنيا أو المتوسطة من السلم الاجتماعي.

اللافت في فيلم ساندرا الروح المشعة الصادقة والتلقائية وسرعة الايقاع وخفة الروح بحيث شكلت اللقطات في مجموعها ألبوما مصريا مشبعا للمصريين في مواقعهم الحقيقية ولم يكن الفيلم في شكله النهائي عبر رؤية عميقة لشعب يعتبر لحمة واحدة وكيان واحد ولقطة واحدة طويلة متصلة ومتلاحمة.

فيلم "دعائي" ربما ولكنه لا يدعو إلي زعيم ديكتاتوري مثل هتلر كلف العالم حربا عالمية قضت علي ملايين الشباب في معارك الحروب. ولا هو دعوة للفاشية لأنه لا يصور المؤسسة العسكرية. ولا وقع اقدام الجنود التي تهز الأرض هزا ولا رتل الدبابات وانما يقف امام الناس الحالمين بالحرية والخلاص من فاشية دينية أثبتت بالصوت والصورة وعلي مدي فترة حكم امتدت لسنة بأننا نرزخ تحت نظام وحشي مستعد أن يصعد ويبقي حتي لو اقتضي دماء المصريين وجماجمهم. انه فيلم "طريق" الناس علي سفر أو في الشوارع بالحقوق والكاميرا في حركة دينامية تتابعهم وتحاورهم.

فلا يمكن مقارنة فيلم "شارك" بفيلم "انتصار الارادة" الألماني إلا إذا كان من يقارن لم يشاهد الفيلم الالماني.. ولا يمكن لاحد ان يتجاسر ويقارن فيلم المخرجة المصرية ساندرا بالمخرجة الألمانية ليني ريفتنتال التي طاردتها القوي الصهيونية عقابا لها علي تمجيد زعيم الماني متهم بإبادة اليهود.

ساندرا ليست قسيسة وانما مصرية منتمية وفيلم "شارك" ابسط حدا وأرق بكثير من عمل دعائي كرست له دولة قوية مثل المانيا كل الامكانيات في ازهي مرحلة للنازية وربما كانت الصفة الوحيدة المشتركة بين الفيلمين انهما صناعة وطنية مدفوعة بالحب والايمان.. ولكن الاختلاف الهائل يكمن في الاجابة عن السؤال: حب من؟

"شارك" منحاز بصورة لا لبس فيها ولا تشكيك للشعب المصري وشرائحه البسيطة علي طول امتداد الوطن و"انتصار الارادة" عمل موجه بفعل آلة دعاية جبارة يقف وراء اشهر وزير دعاية في التاريخ "جوزيف جوبلز" والسياق السياسي والاجتماعي والتاريخي في ظروف صناعة العملين لا يمكن المقارنة بينهما.

ساندرا قدمت فيلما "الديمقراطية" و"شارك" بأسلوب سينما الحقيقة. سينما لا تكذب ولا تتجمل ولكنها هنا محملة بالحب والانتماء الوطني الأصيل والرغبة في "المشاركة" فعلا.

رنـات

عُمـر

خيرية البشلاوى

للمرة الثانية يندرج اسم المخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد "52 سنة" ضمن قائمة المرشحين للأوسكار.. المرة الأولي حين اختير فيلمه "الجنة الآن" "2005" في قسم "أحسن فيلم ناطق بغير الانجليزية" وهذه المرة بفيلمه "عمر" "2013" وحظي بإعجاب ونجاح كبيرين.. عرض الفيلم بعد ذلك في العديد من المهرجانات العربية والعالمية

وفي تعليقها علي الفيلم بعد عرضه في مهرجان كان كتبت E.Nina Roth وهي كاتبة وناقدة ايطالية
يقال ان الفيلم العظيم هو الذي تخرج بعد الفرجة عليه شاعراً بأنك شخص أفضل.. ولكن فيلم هاني أبوأسعد الأخير "عُمر" يجعلك تشعر بالرغبة في ان تكون إنساناً أفضل

وتقول: لقد شعرت بعد الفرجة علي الفيلم بأنني أتوق إلي عالم لا يفرض عليّ ان احكم علي الشخص علي أساس جنسيته. ولا ان يُعزل فيه المرء عن جاره بجدار تبنيه الحكومة وحيث يستطيع الشباب ان يأمل في حياة أفضل وان يكون إنساناً أكمل من دون ان يُعاقب علي ما يحلم به

ان أكبر السمات ذكاءً ولمعاناً في ملحمة المخرج الفلسطيني التي عرضها في قسم "نظرة ما" في "كان" وهو العرض العالمي الأول للفيلم هو ذلك الخط الغائم - عن عمد - بين الخير والشر في تركيبة جميع الشخصيات التي تميزت بالثراء وأيضاً هذه الدرجات الرمادية المتفاوتة التي تميز الحياة التي يحيونها بشكل عام. فعادة ما أجد إحجام المخرجين عن بناء شخصيات انسانية بهذه التركيبة المعقدة في سيناريو الفيلم

والاقتراب من شخصية المخرج أبوأسعد يجعلك تُدرك علي الفور بأنه يختلف عن معظم المخرجين وهذا هو السبب في ان فيلم "عمر" عمل متعدد المستويات. ومؤثر ومركب بطريقة مدهشة وحين سألته "والكلام للكاتبة" أن يشرح لي هذه السمة المركبة للفيلم. تركتني إجابته وأنا أرغب في طرح المزيد من الاسئلة

قال أبواسعد: لقد اكتشفت منذ فترة طويلة ان الإنسان كائن يجمع في داخله الخير والشر. وان المواقف يمكن ان تجعلك إنساناً سيئاً أو إنساناً طيباً. فإذا ما حظي الإنسان بالتعليم الجيد والآباء الطيبين الذين يغرسون فيه القيم الطيبة فإن السمات الطيبة بداخلك سوف ترسخ وتصبح هي الأساس. ولكن إذا كنت من أبناء "الجيتو" والمواقف تفرض عليك ان تستخرج الجانب الردئ بداخلك ستفعل ولو كنت انت نفس الشخص وعندما اكتشفت ذلك شعرت ان رسم الشخصيات في السينما ليست دائماً صادقة أو أمينة ذلك لأنه في الأفلام يرغب الناس في الفرجة علي شخصيات واضحة اما طيبة أو رديئة ومعظم الناس تريد ان تجد مثل هذه الأمور واضحة. ولذلك اعتقد ان الغموض لا يبدو جذاباً للمتفرج بشكل عام. ولكن إذا ما صورت هذا الغموض علي نحو صحيح بمعني ان ابقي علي المشاهد مشدوداً عاطفياً ومستمتعاً بما يشاهده فإنه سيتابع القصة للوصول إلي النهاية

فيم "عمر" تم تصويره في مدينة نابلس أما أحداث بعد السجن فقد صورت في "بيبسان" حيث قام المخرج باستخدام مبني قديم خارج المدينة وحسب كلامه لا يمكن التصوير داخل السجن لدواعي أمنية

وعلي حين تبدو الخيوط الانسانية غائمة في فيلم "عمر" الا ان الحدود المادية واضحة تماماً ومجسدة في ذلك الجدار العالي العازل بشكل مرعب والذي يفصل بين الناس. جدار يختلف تماماً عن الجدران التي نراها في نشرات الأخبار. فهو جدار لا يفصل بين فلسطين وإسرائيل ولكنه يفصل بين الجيران وأبناء الأسرة الواحدة وبين العشاق مثلما يحدث في قصة "عمر" وحبيبته. ولكن هذا الجدار بالذات يمثل واقعاً يومياً يعيشه الفلسطينيون. حيث تصطنع الحدود لتعجيز الناس وليس لحمايتهم

يقول المخرج: إذا نظرت إلي خريطة الجدارستجد انه يفصل المدن والقري والمجتمعات ولا يكترث بنائه الاسرائيليون بالجانب الذي تسكن فيه. انه يقسم المدينة الواحدة والقرية الواحدة والاسرة الواحدة

يقول الممثل اياد هوراني الذي يلعب دور الصديق لعمر شارحا: "نحن الشباب الفلسطيني مثل كل الشباب في العالم لدينا اصدقاء نحب ونعيش الحياة. ولكن كيف تدير حياتك وتحقق أحلامك في هذا المكان الصعب؟؟ 

بطل الفيلم آدم بكري من أسرة فنية فلسطينية بارزة محلياً وعربياً وعالمياً والده الفنان محمد بكري وشقيقه الممثل صالح بكري وهو علي خلاف كثير من الفلسطينيين شخص متفائل حين سألته الكاتبة ما إذا كان يري حلاً للقضية الفلسطينية أجاب: "أنا رجل متفائل واعتقد انه سيأتي اليوم الذي نصل فيه إلي حل وسيكون الأمر عظيماً جداً بالفعل لو حدث ذلك وأنا مازلت علي قيد الحياة.

المساء المصرية في

19.01.2014

 
 

نقاد: فيلم "أوضة الفيران" عمل فنى جيد وشجاع

كتب محمود ترك 

حصل الفيلم المصرى المشترك "أوضة الفيران" على إشادة واسعة النطاق من النقاد السينمائيين، وذلك عقب عرضه العالمى الأول الشهر الماضى، ضمن مسابقة المهر العربى للأفلام الروائية الطويلة، فى الدورة العاشرة من مهرجان دبى السينمائى الدولى.

وركز النقاد على قدرة 6 سينمائيين شباب على كتابة وإخراج وإنتاج تجربتهم الأولى بهذا القدر من العمق والقدرة على نقل الواقع الاجتماعى من خلال 6 شخصيات مختلفة تعيش فى الإسكندرية.

وأشادت ديبراه يانج محررة Hollywood Reporter بمثابرة صناع الفيلم للخروج به طوال 3 سنوات هى مدة العمل على الفيلم، رغم الأحداث السياسية الصعبة التى مرت بها البلاد، كما أن شخصيات الفيلم وعلاقاتهم ببعضهم البعض تبدو حقيقية، مما يؤكد وجود موهبة كبيرة فى التعامل خلف الكاميرا، بالإضافة إلى العمل المميز للمونتير إسلام كمال الذى أنجز عملية المونتاج الخاصة بالفيلم كاملاً وحده، ووصفت يانج الفيلم بأنه "6 قصص مغزولة سوياً ببراعة".

وضمن استطلاع رأى أجرته جريدة الشرق الأوسط عن أفضل أفلام عام 2013 بين النقاد السينمائيين العرب، قال الناقد محمد رضا إن فيلم أوضة الفيران من أفضل 5 أفلام مصرية فى العام الماضى، كما جاء الفيلم ضمن اختيارات الناقد اللبنانى نديم جرجورة، والمصرى طارق الشناوى.

وفى صحيفة الجريدة الكويتية كتب الناقد مجدى الطيب عن أوضة الفيران "فيلم يفيض بالمشاعر والصدق والدفء، بما يدفع المتلقى إلى الإحساس بأنه يعرف هؤلاء البشر، ويتعاطف معهم وكأنهم جزء من عائلته، وجاء إقصاء الممثلين المحترفين عن تجسيد الشخصيات الدرامية، والاستعانة بمجموعة من الهواة، فى صالح الفيلم كونه أضفى واقعية على الأحداث ومصداقية للشخصيات وتلقائية فى الأداء"، وأضاف الطيب "لم تخل التجربة من اجتهاد واضح من المخرجين الستة فى التمرد على النظريات الفنية الكلاسيكية، والضرب بيد من حديد على القواعد الجامدة؛ خصوصاً فى ما يتعلق بالتصوير (محمد الحديدى وإسلام كمال ومى زايد) والموسيقى (آنا دروبيش). لكن يستحق إسلام كمال، الذى تحمل مسئولية المونتاج، التحية لنجاحه فى إحكام السيطرة على الفيلم رغم تصويره وكأنه عدة أفلام قصيرة، والهارمونى الذى اتسمت به التجربة، بحيث لا تشعر أنك تُشاهد فيلماً من إخراج ستة مخرجين".

وفى جريدة السفير اللبنانية كتب زياد الخزاعى أن أوضة الفيران "فيلم جماعى متوازن وشجاع"، ووصفه قائلاً "إنه سيرورة سينمائية جماعية لم تشأ الرطانة المباشرة، بل استعارت الجزع كواجهة درامية لستّ حكايات يتداخل بعضها مع البعض الآخر بذكاء، لتكوّن صورة بزوايا متنوّعة تقارب مفاهيم الإقصاء والموت والعجز الذاتى والوصال المقطوع والغربة".

وكتب الناقد السينمائى طارق الشناوى فى عموده اليومى بجريدة التحرير أن فيلم أوضة الفيران جعله يطمئن على حال السينما فى المستقبل، كما قدم إشادة خاصة بالمونتير إسلام كمال الذى وصفه بأنه "البطل الحقيقى الذى كان ينتقل بإحساس نفسى وأحياناً بصرى وآخر درامى أو فكرى بين تلك الحكايات الـ 6 التى يجمعها الخوف من القادم".

وقام الموقع الإلكترونى لمعرض Art Dubai الفنى باختيار فيلم أوضة الفيران ضمن قائمته لأفضل أفلام تمزج السينما بالرؤية الفنية، وهى القائمة التى ضمت 15 فيلماً من ضمن الأفلام المشاركة فى مهرجان دبى السينمائى الدولى بدورته العاشرة، حيث قام المهرجان بترشيح أفلام القائمة لـ Art Dubai.

فيلم أوضة الفيران من كتابة وإخراج 6 من السينمائيين الشباب، وهم: أحمد مجدى مرسى، محمد الحديدى، محمد زيدان، مى زايد، نرمين سالم وهند بكر، وشارك فى أدوار البطولة حنان يوسف، زياد سالم، نهاد يحيى، كمال إسماعيل، نورا سعفان والطفلة ملك مجدى.

ويتابع فيلم أوضة الفيران 6 شخصيات مختلفة تعيش فى مدينة الإسكندرية ومشاعرهم المختلطة دون أن يلتقى أحدهم بالآخر، عمرو يرغب فى التعبير عن مشاعره الحقيقية لوالده قبل وفاته، وموسى يقضى أيامه خائفاً من عبور الطريق ويرضى بالبقاء على أحد جانبيه، بينما ينتاب داليا يوم زفافها القلق والخوف من مواجهة فكرة الزواج، وطفلة تسعى لاكتشاف عالم ألعاب جدتها، أما راوية فلا تتمكن من النوم ليلاً بعد وفاة زوجها لتكتشف حياة جديدة تنتظرها فى الليل، فى الوقت الذى تستعد فيه مها لمغادرة البلد مشككة فى حدوث تغيير فى حياتها.

أوضة الفيران هو فيلم روائى مستقل من إنتاج ستوديو روفيز، بالتعاون مع ستوديو Fig Leaf، كما نال الفيلم دعماً من برنامج إنجاز لدعم الأفلام التابع لـمهرجان دبى السينمائى الدولى. وقد بدأ العمل على الفيلم منذ 3 سنوات بكتابة 7 قصص منفصلة عن بعضها، وبدخول مرحلة الإنتاج أصبحت 6 قصص فقط، كما تطوع معظم فريق العمل من أجل إنجاز الفيلم، بما فيهم من شاركوا فى التمثيل، ليصبح الناتج فيلماً مستقلاً بلا تكلفة تُذكر.

اليوم السابع المصرية في

19.01.2014

 
 

الوثائقي "طُليان مَصر".. دعوة إلى قُبول الآخر

محمد عادل * 

في 80 دقيقة، قدم لنا المُهندس المِعماري والمُخرج المِصري شريف فتحي، فيلمهِ الوثائقي "طُليان مَصر"، ورغم أن المُدة الزمنية في الفيلم تبدو قصيرة نوعا ماً، مُقارنةً بِالموضوع الذي يتناولهُ – مع مُلاحظة أنهُ لاتزال لدى مُخرجهُ مواد أخرى لم يُدرجها في فيلمهُ كما قال – إلا أننا نستطيع أن نقول اجمالاً بِأننا أمام فيلم جيد، مُتقن الصُنع إلى حدٍ كبير، سيطر الجُزء الوثائقي بِشكلٍ كبير على مُخرجهُ.

خرج الفيلم كوثيقة لِتاريخ الإيطاليين في مَصر أكثر مِن كونها وثيقة عن الإيطاليين الذين عاشوا في مِصر، وإن كان هذا شئ لا يُعيب الفيلم، حيثُ هُناك مَجهود بَحثي واضح، استغرق عامين تقريباً قبل تنفيذ الفيلم، وبِخاصة مع عدم مَعرفة الكثيرين بِالمعلومات التفصيلية الدقيقة عن تاريخ الإيطاليين الذين – كما ظهروا في الفيلم – وهم يعتبرون أنفُسهُم مِصريين قبل أن يكونوا ايطاليين، لِدرجة أن السيدة جرازيلا كاليري تقول في الفيلم إن ولادتها في بورسعيد عام 1939 أثرت عليها كثيراً، فهي تشعُر بِالحُرية أكثر في مصر لا في ايطاليا، التي تُقيم فيها حالياً !  

يُمكن تقسيم الفيلم إلى عِدة وحِدات اعتمد عليها مُخرجهُ في طرح وتوثيق تاريخ الإيطاليين في مصر، فالوحدة الأولى هي التاريخ البعيد، حيثُ بداية قُدوم الإيطاليين لِمصر في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، وتأثيرهِم على مَناحي الحياة في مِصر، خاصةً في مَجالات الصِناعة والعِمارة والسينما.. أما الوِحدة الثانية فهي التاريخ القريب، حيث  بلغت الجالية الإيطالية قِمة مَجدها فى ثلاثينيات القرن العشرين، حتى دُخُول إيطاليا الحرب العالمية الثانية، الحدث الذى دفع بسببه "طُليان مصر" ثمنا باهظاً.

تظهر في هذا الجُزء عِدة شَخصيات ايطالية مِن الجالية التي تبقت داخل مصر الآن أو سافر بعضها لِلخارج، ويقومون بِتوثيق وشرح بعض أحداث التاريخين البعيد والقريب، مع اظهار الفيلم التاريخ الشخصي لِتِلك الشَخصيات. أما الوِحدة الثالثة فهي تدور حول التاريخ الحديث والمُعاصر، من خلال شهادات لبعض الشخصيات المِصرية منها شهادة د. أحمد أبو زيد أستاذ الإنثروبولوجي في كُلية الفُنون الجميلة بِجَامعة الأسكندرية التي تُضيف لأحاديث الإيطاليين عن التاريخين البعيد والقريب، ما يُمكن أن نُسميهِ تحليلاً لِمَا نُعاصرُهُ اليوم، الذي يختلف كُليةً بِالتأكيد عما كان يعيش فيهِ الإيطاليون والمِصريون قديماً.

تقاطع الوحدات

تتقاطع الوِحدات الثلاث، في سرد تاريخ الجالية الإيطالية في مَصر، بِشكل مُباشر والعكس، يتمكن مُخرجهُ شريف فتحي مِن ضبط ايقاعهِ في بعض المَناطق كالحديث عن تأثير الإيطاليين في العِمارة – وانفلات هذا الإيقاع في مَناطق أُخرى كالحديث بِشكلٍ سريع ومُوجز عن تأثير الإيطاليين في صِناعة السينما المِصرية إلا أن هذا "التحكُم الجُزئي" – لا الكُلي – في مَفاصل الفيلم التي قد تبدو "عيباً"، هي  هُنا "ميزة" أيضاً.. فمثلاً عندما يشرع مُدير التصوير السينمائي مُصطفى إمام في الحديث عن تأثير مُدير التصوير الإيطالي ألفيزي أورفانللي على السينما المِصرية، وكيف تتلمذ هو على يدهِ، يعود هذا بِنا لِلحديث عن التاريخ البعيد تأثير المُخرج الإيطالي الشهير توجو مِزراحي في السينما المِصرية، وكذلك التاريخ القَريب "تأثر جيل كامل مِن المُصورين بِألفيزي أورفانللي حتى اليوم"، إلا أن التاريخ الحديث هو الذي يلمسنا أكثر، خاصةً حينما قال مُصطفى إمام والدُموع تملأ عينيه: "حينما أتاني خبر وفاة ألفيس أورفانلي لم أُصدقه! .. قُلتُ لِزوجتي إن والدي هو الذي تُوفي اليوم، وأصررُت ألا أتركُهُ، حتى أشيعه بِنفسي إلى مَثواه الأخير".

ورغم أن "النوستالجيا" هي التي تفور بِها مَشاعرنا عِند مُشاهدتنا لِـ "طُليان مصر"، فـ "صورة مصر مُختلفة".. الزمن غير الزمن.. الناس غير الناس.. إلا أن التحليل الإجتماعي لِتاريخنا الحديث والمُعاصر يظل هو الأقرب والأهم في هذا الفيلم، حيثُ أنهُ يتزامن مع مُعايشتنا لِلتطورات السياسية الدائمة على السَاحة المِصرية، وازدياد نعرة "الطرف والطرف الآخر"، لهذا تبدو مصر في فيلم شريف فتحي وكأنها كانت غير مصر التي نعيش فيها اليوم، فلم تكن هُناك نعرات قبلية ودعوات الِتحزُب ورفض الآخر وعدم القُبول بِهِ لِمُجرد أنهُ مُختلف، سواء أكان هذا الإختلاف دينياً أو أيديولوجياً أو عِرقياً أو غيرهِ، فتقول "إيولاندا باتيجيلي": "لم أذكُر يوماً أنني تحدثتُ مع جارتي المِصرية حول الأديان، فأبناؤهُا هُم أبنائي والعكس، وحينما كُنتُ أذهب إلى القُداس كانت تطلُب مِني أن أدعو لها، وحينما كانت تذهب هي لأداء فريضة الحج كُنتُ أطلُب مِنها أن تدعو لي".. بل أنهُ وقت ظُهور الفاشية الإيطالية في عهد موسوليني، كان الإيطاليون في مِصر يعتبرونها مُجرد احتفالات وبهجة وعروض رياضية، وكانت تُقام في مَصر، و رفضوا تماماً الإنجرار إلى الدعوات التي تلتها بِمُقاطعة اليهود، أي بِرفض الآخر. يؤكد هذا  د. أحمد أبو زيد، الذي قال: "كان مِن الطبيعي ألا يكون هُناك شئ اسمُه آخر أو فِتنة في مِصر، فكانت الرحلات المَدرسية لِزيارة المساجد الإسلامية والكنائس المسيحية والمَعابد اليهودية جُزء أصيلا داخلنا".

أيضاً الرسام الإيطالي سيلفيو بيتشي، الذي تتلمذ على يد والدهِ العديد مِن الفنانين المِصريين، أشهرهُما أدهم وانلي وسيف وانلي، فيقول عنهُما : "كانا يُقدران كثيراً والدي كما كان هو يُقدرهُما"، وكأنها اشارة إلى غلبة لُغة الفن العالمية، التي لا تحتاج الى ترجمة، على اللُغة الداعية إلى قتل وحرق وسحل كُل مَا ومَن هو مُختلف.

الانفتاح على الآخر

وبِجانب أن الإيطاليين في مِصر عاشوا حياة رغدة - عدا فترة الحرب العالمية الثانية – فقد تغلغلت مِصر في نُفوس الإيطاليين، فالطبيعة المِصرية – بِتاريخها وشعبها – مُنذ قديم الأزل كانت تفتح ذراعيها للجميع، لهذا ليس مِن الغريب أن يرفُض بعض الإيطاليين حتى اليوم مُغادرة مِصر، مثل فرانسيسكو موناكو الذي وُلِدَ عام 1952 في الأسكندرية، ولم يستطع تركَها حتى اليوم، وهو الحال نفسُه بِالنِسبة لِأوسفالدور لاتيرزا أو حتى فرانكو جريسو الذي وُلِدَ في الأسكندرية عام 1932  وسافر إلى ايطاليا، ليعود إلى الأسكندرية مرةً أُخرى، لأنهُ يرى مصر، كما يقول بِالعربية التي تمتزج بِالإيطالية: "بلد الجِدعان"!

تأثير الأسكندرية طاغ على الإيطاليين في مِصر والعكس، فمعظمهم يتحدث عن الأسكندرية وكأنها مِصر، وإن كان هذا لا يخلو مِن الإشارات البسيطة كتأثير الإيطاليين في باقي رُبوع مَصر كلقطات المُستشفى الإيطالي بِالقاهرة، ورغم خُفوت هذا التأثير الآن كما خفتت أشياءاً جميلة كثيرة في مِصر لكن آثارها مازالت موجودة، وهو ما يقول عنهُ لويجي بيرجامين مُدير مدرسة "دون بوسكو" الإيطالية في الأسكندرية وهو أيضاً أحد أساتذتها في القاهرة، ان المَدرسة تقوم الآن بِالإعتماد كُليةً على الطلبة المِصريين، لِتخريج دُفعات مِن الطُلاب قادرة بِالفِعل – سواء في مَجال العُلوم أو الصِناعة – على أن تُقدم أفضل المُنتجات، لهذا ليس غريباً حينما تعرف بِأن دُخول هذهِ المَدرسة يلزمها اختبارات قبول.  

حاول الفيلم ألا تبتعد كاميرتهُ عن أحضان مِصر، حتى وإن كان هذا لِلتوثيق، بِإستعانتهِ مثلاً بِمارتا بتريشيولي، أُستاذ تاريخ العِلاقات الدولية بِجامعة فلورنسا الإيطالية، كما كانت هُناك عِناية شديدة بِالصُورة، مع شِبه الإعتماد على اللقطات المُتوسطة والقريبة، حتى نقترب أكثر ونتلمس تاريخ الجالية الإيطالية في مِصر، التي تعلمت ليس فقط كيفية التأثير والتأثر في مُختلف المَجالات المِصرية، لكن أيضاً قدمت – بِمعونة المِصريين – رسالة تُؤكد على التسامُح والحُب وقُبول الآخر، ورغم أن الفيلم انتاج مُشترك مع قناة "الجزيرة الوثائقية"، إلا أن شريف فتحي أكد أن سياسة "الجزيرة الوثائقية" مُختلفة تمام الإختلاف عن سياسة قناة "الجزيرة الإخبارية".. كما أنهُ أشار – في الندوة التي أعقبت عرض الفيلم – إلى استيائهِ الشديد مِن أن هذهِ النوعية مِن الأفلام التي عُناونها رسائل حُب لِلعالم، لا يهتم بِها كيانات كالإتحاد الأوروبي، الذي رصد مؤخراً – كما قال شريف فتحي – ميزانية ضخمة جِداً لِدعم الأفلام التي تتحدث عن الديمُقراطية في العالم العَربي، أي ميزانية لأجندة تخدم مَصالح الإتحاد لا أكثر ولا أقل.

بعد انتهاء مُشاهدتك لفيلم"طُليان مَصر"، تشعُر وكأن مُخرجهُ كان يُريد أن يقول كُل شئ في فيلمهِ، إلا أنهُ – وهو ما اعترف بِهِ – كان لديهِ مُهمة صعبة، ألا وهي انتقاء العناصر التي يُمكن أن يظهر بِها الفيلم كوحِدة واحدة، لكن يبقى مِن الفيلم شئ هام ومُؤكد، هو ما تقولهُ في خِتامهِ إيولاندا باتيجيلي: "هذا الفيلم هام لأنهُ يحكي ويُوثق قِصصنا وتاريخنا في مِصر، لهذا قبلت الظهور فيهِ، لأني أتمنى مِن كُل مَن يُشاهدهُ ألا ينساني".

* صحفي من مصر

عين على السينما في

19.01.2014

 
 

عودة إلى الماضي:

لحظات سحرية على شريط سينما

محمود عبد الشكور 

(1)

أثار فيلم "المذنبون" ضجة هائلة عند عرضه لاتتعلق فقط بمشاهده الجريئة (فهناك أفلام قبله أكثر جرأة بكثير)، ولكنى أعتقد أن مغزى الفيلم وصل لسوء الحظ الى أجهزة الدولة باعتباره دفتر أحوال الفساد فى لحظة زمنية محددة، ولسوء الحظ أيضاً، فإن السلطة الغبية تنبهت فيما يبدو الى أن الفوضى الأخلاقية فى الفيلم،  والإنهيار الإجتماعى بكل أشكاله، ليس فى حقيقته إلا نتيجة لخلل سياسى عميق، وهكذا أطيح بحفنة من الرقباء الذين أجازوا العرض العام للفيلم، وأعيد النظر فى قوانين الرقابة لتكون أكثر تزمتاً، ومع ذلك، فقد شارك الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأولى، وحصل عماد حمدى على جائزة أفضل ممثل عن دور ناظر المدرسة العجوز الذى يبيع الإمتحانات للطلبة.

الفيلم عن قصة لنجيب محفوظ: جريمة قتل ممثلة تكشف عن جرائم أخرى أخطر وأكبر، حالة من التفسخ الأخلاقى والإجتماعى الشامل التى تشمل نماذج لكل الطبقات والمهن والأعمار، من الوزير الى طالبة الجامعة، كلما بدأ المحقق (عمر الحريرى) ومساعده (سعيد عبد الغنى) الإمساك بخيط، اكتشفوا خلفه كارثة.

ورغم أن الفيلم سينتهى بالقبض على القاتل (حسين فهمى)، وكذلك على حفنة من المذنبين، إلا أن معنى الحكاية مزعج جدا: ترى كم شقة أخرى يجرى بها ما يحدث فى شقة الممثلة؟ وهل يحتاج المجتمع الى جريمة قتل حتى يلتفت الى الإنهيار الإجتماعى القادم؟ وكيف ومتى أصبح لكل شئ ثمن من الجسد الى أوراق الإمتحانات؟ وما ارتباط ذلك بالسياسة والإقتصاد والرؤية العامة؟

يعبر الإنتهاك المستمر لجسد الممثلة عن إنتهاك أكبر فى جسد مجتمع مريض ومأزوم وفى انتظار الموت، إن لم يكن عن طريق جرائم دامية، فعن طريق جرائم أخرى تنخر كالسوس فى داخله، وهو ما تحقق حرفياً فى  فترات زمنية قادمة.

اعتمد سعيد مرزوق على اللقطات القصيرة التى منحت الفيلم إيقاعا سريعا، على أن يسير الخط التشويقى البوليسى جنبا الى جنب مع الخط الإجتماعى، بحيث يؤدى الكشف عن القاتل فى النهاية الى زيادة توتر المتفرج، وليس إراحته، ثم يختم الفيلم بمشهد المعركة داخل السجن، فوضى كاملة يحاول أن ينظمها ناظر مدرسة منحرف، اكتظ الفيلم بعدد ضخم من النجوم شارك بعضهم فى مشهد واحد فقط، كما امتلأ بألوان من صور الفساد فى مكان واحد بصورة لم تتكرر إلا بعدها بسنوات طويلة من خلال فيلم "عمارة يعقوبيان"، الذى كان أيضا دالا عن خلل سياسى أدى الى فوضى أخلاقية، وانهيار اجتماعى شامل لنماذج تنتمى الى فئات وطبقات وأعمار متعددة، وأعتقد أن مرزوق كان سيكون سعيداً بإخراج فيلم مثل "عمارة يعقوبيان".

الملاحظ أن مرزوق أصبح تدريجيا يتحول فى أفلامه من الأزمة الفردية (كما فى زوجتى والكلب) الى أزمة شرائح بأكملها (كما فى أريد حلا)، أو مجتمع بأكمله كما فى "المذنبون"، أصبح الهم الإجتماعى طاغياً وخصوصا عند تحليل جرائم شهيرة كما فى فيلم "المغتصبون" المأخوذ مباشرة عن ملف قضية حقيقية، أو فيلم "المرأة والساطور" المأخوذ أيضا من جريمة حقيقية،  أو فيلم "هدى ومعالى الوزير" المقتبس أيضا عن حكاية المرأة الحديدية هدى عبد المنعم، وتوظيف الأموال، حتى الفيلم الكوميدى "آى .. أى" جاء فى شكل كوميديا سوداء عن التجارة بصحة المصريين، وعن رخص ثمن المواطن العادى فى مقابل النفخة الكاذبة للدولة ومسؤوليها وحكامها.

الملاحظ أيضا أن مرزوق قدم فيلما فى الثمانينيات أكثر مباشرة بعنوان "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" من بطولة محمود ياسين وحسين فهمى، يكاد يكرر معنى فيلم "المذنبون" عن انهيار المجتمع الشامل، ولكن بتماسك درامى وفنى أقل بكثير، وبضجة أقل بعد أن اعتادت الرقابة والسلطة فيما يبدو على تلك  النوعية الجريئة من الأفلام!

(2)

فيلم "دعاء الكروان" ليس فقط أحد افضل أفلام السينما المصرية فى تاريخها كله، ولكنه نموذج لمغامرة فنية حقيقية، الرواية التى كتبها د طه حسين ليس من السهل تحويلها الى دراما سينمائية لعدة أسباب:

(1) الرواية العظيمة أقرب ما تكون الى قصيدة شعرية كما وصفها ثروت عكاشة، حافلة بالمشاعر والأحاسيس، والمزج بين الإنسان والطبيعة على الطريقة الرومانتيكية، ولكنها تحتاج الى تحويل هذا الشعر الى حركة وفعل وحوار، الدراما أفعال وليست أوصاف، الكلمة لغويا مشتقة من  معنى " أن تفعل"، كما أنها تحتاج الى تكثيف زمنى حتى لا تتسع المسافة بين قصتى الرواية: حكاية هنادى وحكاية آمنة.

(2) الأحداث غريبة تماما عن موضوعات السينما المصرية: البطلتان خادمتان، والبطل مهندس، والشرير هو العمّ البدوى القاتل، ورغم أن قلب الأحداث واقعى وخشن للغاية (جرائم القتل بسبب الشرف فى أسرة بدوية)، إلا أن الإطار والمعالجة نفسها رومانتيكية شديدة العذوبة والرقة، التحدى هنا أن تنقل الشعر المكتوب الى شعر بالصورة، وأن تسرد مأساة بمنتهى الرقة.

(3) تنتهى الرواية بشكل مفتوح، مأزق الحب الذى يجمع بين آمنة والمهندس، يعذبهما الى الأبد، عقاب مستمر وبلا حل، بينما يحتاج بناء السيناريو الى نتيجة تلزم عنه، وتتسق مع الشخصيات ومقدماتها.

(4) يمتلك العظيم طه حسين فى كل رواياته موهبة السرد والحكى، ويمتلك أسلوبا عذباّ مميزا أشبه بالجمل الموسيقية المترادفة، ولكن تظل مشكلة رواياته فى افتقارها فى مناطق كثيرة الى الوصف التفصيلى بسبب ظروف طه حسين المعروفة (فقد الكاتب العظيم بصره فى سن الثالثة إثر علاج خاطئ لعينيه)، هنا سيكون على السيناريو أن يقدم تفاصيل التفاصيل الوصفية سواء عن المكان الطبيعى أو عن أبطاله.

لحسن حظ الرواية وحظنا، فقد وقعت فى يد اثنين من الكبار: هنرى بركات منتجا ومخرجا ومشاركا فى السيناريو، والروائى يوسف جوهر مشاركا فى السيناريو والحوار، وقد نجح الاثنان بامتياز فى حل كل مشكلات نقل الرواية الى السينما.

(1) احتفظا بحيلة الفلاش باك  فى السرد الموجودة أصلا فى رواية طه حسين، والتى تتيح تكثيف الأحداث، وضغط الزمن، والاستماع الى صوت آمنة ، بالمناسبة الفلاش باك حيلة سبق إليها فن الرواية، ونقلها فن السينما، وليس العكس كما يعتقد الكثيرون.

(2) لم يسترسل السيناريو فى قصة ثالثة وهى مقتل والد هنادى وآمنة بسبب تورطه فى ارتكاب الزنا فى بيئته البدوية، حتى لا يدخل فى تعقيد إضافى، اعتبر مقتل الأب مجرد بداية لمأساة طرد العائلة وسقوط بناتها.

(4) للتعامل مع ثنائية الواقعية والرومانسية تقرر أن تكون مشاهد العنف على خلفية من الطبيعة الهادئة، وأن تتم بدون دماء، بركات هو أشهر من قدم مشاهد القتل بلا دماء، وكأنها حالة انتقال حركية، ثم زادت جرعة الرومانسية فى الجزء الأخير من الفيلم، كما أن له الريف الخاص به الذى يقع فى المنتصف بين واقعية شاهين وصلاح ابو سيف فى أفلامهما عن الريف، وتجميلية محمد كريم الذى كان يقوم بغسل البقر والجاموس بالمياه "عشان الصورة تطلع حلوة".

(5) اختار السيناريو نهاية تتسق مع أبطاله وشخوصه غير موجودة فى الرواية: العم سيواصل القتل بدعوى الشرف، والمهندس سيكتشف معنى الشرف الحقيقى عندما يكتشف الحب، وآمنة لن يبق لها سوى صوت الكروان، وكأنها كتب عليها الشقاء والصدمة بموت الأب أولا ثم موت الأخت هنادى ثم موت من أحبته، نهاية رومانتيكية بامتياز تقول إن الحب عابر للطبقات (خادمة ومهندس) ، وللعادات والتقاليد (البدو والحضر) وللأزمان  ( رغبة هنادى فى أن يحبها المهندس فى الماضى تتحقق حرفيا مع أختها فى الحاضر)، كما أن الحب هو الشئ الوحيد الذى يستحق التضحية، أما العم فهو لا علاقة له بالحب، ولذلك يمثل دور مبعوث الموت الدائم.

تحكى فاتن حمامة أن فريق الفيلم زار طه حسين فى منزله قبل التصوير، وعندما عرف أنها ستلعب دور آمنة قال لها مندهشا : " وح تعرفى تلعبيها ؟!"، حزنت فاتن من الملاحظة، وقبلت التحدى بعد أن كانت قد تخصصت تقريبا فى أدوار الفتاة القاهرية البسيطة، عندما عرضوا الفيلم للدكتور طه حسين، كان سعيدا للغاية، وقام بتهنئة فاتن بحرارة، لا شك أن شاعرية الفيلم قد طرقت مسامع عميد الأدب.

ورغم صعوبة اللهجة المحلية للغاية، إلا أن فاتن أدتها ببراعة مصحوبة بمشاعر شديدة التعقيد (من الخوف الى الكراهية الى الإنتقام الى الحب الى الشعور بالذنب)، وأحيانا تجتمع هذه المشاعر فى مشهد واحد، تؤديه فاتن بكل سلاسة، ودون أدنى مبالغة ميلودرامية، مع أن الحكاية تسمح بذلك، لاشك أن الفضل يعود أيضا الى إدارة بركات الواعية للممثلين، هو بالتأكيد من أكبر المخرجين الذين يديرون المشخصاتية، لدرجة أننى حلمت يوما بفيلم من بطولة الممثل يوسف شاهين، ولكن تحت إدارة بركات الهادئة والمقتصدة فى الإنفعال والحركة، ولا ننسى دور موسيقى أندريه رايدر التى تترجم عواطف عاصفة ومتناقضة ومثيرة للألم والشفقة.

روعة "دعاء الكروان" الرواية والفيلم فى أن الشخوص واقعية تماما، ولكنها تتحرك بقلبها وليس بعقلها، كلهم يفعلون ذلك مهما تطرفت عواطفهم أو مشاعرهم، حتى اندفاعات العم عاطفية هوجاء، الأب كان عاطفيا قتلته مغامراته، هنادى قتلها قلبها، وآمنة تعذبت لأن لها قلبا، الكروان هو الشاهد على الإنسان الذى يعيش حائرا بين غريزته وقلبه، وهو صراع بلا بداية ولا نهاية.

(3)

قبل تحليل هذه النهاية المهيبة لفيلم "المومياء"، التى تعتبر من أفضل فينالات/ نهايات الأفلام المصرية والعربية، لابد من التوقف عند أسباب اختيار شادى عبد السلام لإيقاع الفيلم البطئ من وجهة نظرى:

(1) إيقاع الفيلم، أىّ فيلم، ليس قالبا جاهزا نستخدمه فى كل مرة، ولكنه يرتبط عضويا بموضوعه، نحن فى حياتنا العادية نفعل ذلك تلقائيا، نتمهل لنشرح أشياء وعبارات معينة تستدعى التركيز والتأمل، ونسرع فى الحديث عند أجزاء تستدعى السرعة.

(2) إيقاع المومياء  البطئ يرتبط بأنه عن فكرة البعث بمعناها الروحى والجسدى، فى الحاضر والماضى، عند الفراعنة وعند حفيدهم ونيس، وهى فكرة تأملية تحتاج الى  إيقاع متمهل، يتيح لك تأمل الحوار والصورة شديدة الثراء بكل عناصرها، ويجعل هناك مسافة بينك وبين الشاشة، هناك تأثر وليس هناك اندماج كامل.

(3) منح هذا الإيقاع البطئ الفيلم القدرة على الإيحاء بالتوغل فى الزمن، الأحداث فى نهاية القرن التاسع عشر، والفراعنة الذين سيخرجون ينتمون الى عالم أبعد وهو عصر الأسرات القديمة.

(4) رغم أن الحبكة الظاهرة بوليسية (اكتشاف مقبرة ومهربى الأثار) إلا أن الفيلم ليس كذلك، إنه أشبه بمونولوج يدور فى ذهن ونيس، استخدام الإيقاع السريع كان سيعطى الفيلم مظهر العمل البوليسى، وهو أمر غير مقصود على الإطلاق.

(5) رغم أن الحكاية لها أصل واقعى (شاب من أسرة عبد الرسول فى القرنة  بالأقصر اختلف مع أسرته على أرباح الغنيمة، فأرشد الحكومة على مكان المقبرة) ورغم أن الأحداث والتصوير تم فى الأقصر، إلا أن شكل المعالجة غير واقعى (راجع حركة الممثيلن التى تشبه المسرحيات الطقسية، وراجع الحوار بالفصحى المبسطة  الذى يردده الصعايدة)، ولا يوجد إيقاع مناسب لهذا الجو غير الواقعى مثل الحركة البطيئة المتمهلة للكاميرا، التى تستكمل التأثير اللازم.

فى  التحليل المرئى للنهاية العظيمة، أرجو أن تتأمل معى ما يلى:

(1) يتقدم العم خائفاً فى لقطة متوسطة بعد أن شاهد الخيول والعساكر، يحصره شادى، ويحصر أبناء إخوته ووسيط تجارة الآثار (محمد نبيه) بين صرحى المعبد حتى مع  تغير الحركة والتكوين، وكأنه يقول إن الماضى قد عاد بصريا ليخنق الحاضر الجاهل ويحاصره، أبناء العم بدأوا يسألون سؤال ونيس : "هل هذا عيشنا؟"، يتحول العمّان الى كومتين مهملتين من اللون الأسود بينما تبدأ بشائر الموكب.

(2) تنطلق التوابيت المحمولة فى حراسة العساكر على الخيول، يدخل الى الكادر رجال بملابس بيضاء، ونساء بملابس سوداء، حركة الكاميرا بطيئة، ناعمة، غير محسوسة تقريبا، يتغير التكوين أساسا بسبب المستويات الثلاثة المتداخلة : المعبد بتماثيله فى الخلفية، والتوابيت والجنود فى الوسط، وأهل القرية ورجالا ونساء فى المستوى الثالث، يشبه هذا الإستغلال لعمق الصورة ما كان يفعله الفنان الفرعونى عندما كان يقسم لوحته الى ثلاثة مستويات منفصلة رغم انعدام البعد الثالث فى رسومات الفراعنة.

(3) يستمر هذا التقسيم الثلاثى فى اللقطات البعيدة لحشود النسوة النائحات (حدث ذلك حرفيا فى الواقعة الأصلية، فقد خرجت نساء القرنة تنوح على التوابيت الخارجة من مقابرها احتراما للموت وجلاله) ، يستغل شادى العبقرى الكثبان الرملية لكى يصنع خطاً لأفق الأرض، وتصنع السماء خطها المعروف لأفق الفراغ، وبينهما يقوم شادى بتحريك مجموعات النسوة  (ثلاث نسوة أو أربعة معا متشحات جميعا بالأسود تذكرنا بلوحات صلاح طاهر)، أما حركة الكاميرا فهى طافية وكأنها كاهن يشارك فى طقس البعث والنشور.

(4) تتداخل لقطات أبطال الفيلم المصريين الثلاثة : ونيس الذى يخفى وجهه بيده لأنه وشى بقبيلته ، والمأمور الذى يضرب تعظيم سلام للسفينة، وأحمد كمال (محمد خيرى) الذى يتأمل المشهد من السفينة، البعث لم يكن فقط للمومياوات الخارجة من المقبرة، ولكن للمصريين الثلاثة على اختلاف مواقعهم، لاينطق أحد منهم بكلمة، ولكنهم يواصلون إيماءاتهم، لغة الجسد وحدها تكشف قلقهم أو راحتهم، يتغير منظور اللقطة ما بين الشاطئ والسفينة، وفى الحالتين هناك حركة غير محسوسة للكاميرا اكتفاء بحركة الممثلين أو خيول العساكر بحذاء النيل.

(5) على إيقاع موسيقى غريبة وكأنها قادمة من العالم الآخر (هى بالأساس موسيقى لأحد البشارف التركية تدخّل فيها مهندس الصوت أليكترونيا ليجعلها شديدة البطء)، يتجه ونيس فى عكس اتجاه السفينة، يبتعد عن الكاميرا التى تتخذ زاوية منخفضة قرب النيل، يبدو ونيس صغيرا فى حين تحتل مياه النيل معظم الكادر، تنطلق السفينة فى الإتجاه المعاكس لحركة ونيس، لا يظهر منها سوى ضوء وكأنها منارة عائمة، تحتل الكثبان الرملية معظم الكادر، تُكتب العبارة التى تلخص الفيلم كله : "انهض / فلن تفنى/ لقد نوديت باسمك/ لقد بعثت ".

هذا بالضبط ما حدث، بل لقد نجح الموتى (المومياوات) فى بعث أحفادهم الأحياء (ونيس والضابط وعالم الآثار)، هذا هو مشروع شادى كله: الماضى ليس ميتا، ولكنه قادر على بعث الحاضر، فقط نحتاج أن نفهمه، وأن نسأل انفسنا سؤال ونيس الخالد :" هل هذا عيشنا؟"

(6) تم تصوير هذا المشهد المهيب على مدى 28 يوما متتالية، لأن شادى كان يريد تلك الساعة السحرية التى تسبق شروق الشمس، لم يكن يريد مشهد موتى وجنازة، كان يريد مشهد بعث واحتفال بعودة الموتى والأحياء معا، اضطر مدير التصوير الفذ عبد العزيز فهمى الى الاستيقاظ يوميا لالتقاط ثوان من تلك الساعة السحرية النادرة يوميا، ثم قام المونتاج بتجميعها فى مشهد واحد متصل.

(4)

وفى عيد الأضحى، الموافق 11 فبراير لعام 2003، غادرنا أظرف المضحكين الجدد، وسفير البهجة الدائمة، الموهوب علاء ولى الدين، عن عمر يناهز 39 عاما.شاهدته لأول مرة فى دور تراجيدى جدا فى فيلم "أيام الغضب" أول أفلام منير راضى، الفيلم كان كئيبا، ولكن علاء كان رائعاً، فى ندوة الفيلم التى أقيمت فى نقابة الصحفيين، أشاد بطل الفيلم نور الشريف بهذا الممثل الجديد، الذى كان يجلس صامتا فى نهاية القاعة، فدوّى المكان بالتصفيق الحاد، بدا لى شخصيا شديد الخجل والبساطة، ملامح وجهه الطفولية مع بدانته الظاهرة، جعلته أقرب الى شخصية كارتونية محببة، كان لديه بجانب الموهبة العظيمة شئ آخر اسمه "الحضور المكتسح".

أتذكر عندما كنت أشاهد فيلم "آيس كريم فى جليم" فى عرضه الأول بالسينما، أن مجرد ظهور علاء جعل الجمهور يصفق ويضحك، حتى قبل أن ينطق بكلمة واحدة، كان دوره صغيرا للغاية، مجرد موظف أمن بدين فى شارع 9 بالمعادى، كلما رآه عمرو دياب، وقع من الضحك، وعندما يترك عمرو المكان، يبكى رجل الأمن البدين، فتشتعل الصالة بالتصفيق  والضحك على هذا الممثل، الذى يدخل القلب بلا استئذان.

تابعته فى كل أدواره المساعدة التى جعل منها بطولة خاصة به، دخل مدار اهتمام شريف عرفة فمنحه دوريه المبهجين فى "الإرهاب والكباب" و"المنسى"، فى الفيلم الأول يلعب شخصية زوج يريد الإنتحار من أعلى المجمع هربا من زوجته النكدية البدينة، وفى الثانى ظهر فى مشهد واحد عبقرى: شاب يبحث عن منظر عار فى فيلم بمهرجان القاهرة السينمائى، ثم منحه شريف عرفة البطولة المطلقة فى ثلاثة أفلام متتالية: أولا فى "عبود على الحدود"، ثم فى "الناظر" (وهو أفضل أفلامه حيث لعب ببراعة أربع شخصيات مختلفة أشهرهن طبعا الست جواهر التى اعتبرها أفضل نموذج نسائى لعبه ممثل رجل فى تاريخ الفيلم المصرى)، وأخيرا فيلم "ابن عز". توفى علاء بعد مشاهد قليلة صورها من فيلم "عربى تعريفة" من إخراج عمرو عرفة.

علاء ولى الدين هو أحد حبات عقد اللؤلؤ الذى صنعه مجموعة من الكوميديانات البدناء من إلياس مؤدب ومحمد رضا وحسن أتلة (بتاع ساعة تروح وساعة تيجى) الى جورج سيدهم الجميل،  وصولا الى الكوميديان الموهوب الذى لم يأخذ حقه "ماهر تيخة"، والذى هاجر الى أمريكا (من أشهر مسرحياته  هاللو شلبى  فى دورعضو الفرقة المسرحية البدين، ومن أشهر أفلامه سفاح النساء فى دور طالب الطب الذى يقتنى جثة، وفيلم مطاردة غرامية فى دور العريس البدين)، ويضاف الى هؤلاء سمير ولى الدين (والد علاء وأحد أقرب اصدقاء عادل إمام وسعيد صالح، ومن أشهر أدواره جابر الفراش فى مسرحية مدرسة المشاغبين وشخصية الصعيدى فى البنسيون فى فيلم البنت الحلوة الكدابة).

اعتمد علاء على بساطته المتناهية، وعلى نظرته المندهشة التى تجعله أقرب الى طفل كبير تاه من أسرته، أو ألقى به فى خضم تجربة أكبر منه بكثير (سواء عند دخول الجيش  عن طريق الخطأ، أو فى إدارة مدرسة ورثها عن والده، أو بعد الهروب من الشرطة كما فى ابن عز)، لديه سلاسة مدهشة فى ضبط الإفيه، من النادر أن يرفع صوته، تشعر أنه واثق تماما من نفسه لأنه استحوذ  عليك أصلا بمجرد ظهوره، كانت لديه قدرة على الإضحاك، وعلى أن يدفعك للتعاطف معه فى نفس الوقت.

ذلك اليوم، نزلت صباحاً لزيارة عائلية، الشوارع خالية، يوم العيد، فى سيارة الميكروباص، قالت سيدة: "صحيح الخبر ده يا جماعة ؟.. بيقولوا علاء ولى الدين اتوفى بعد ما دبح خروف العيد؟"، أصابنا الصمت التام، لم ينطق أحد بكلمة، أحست السيدة بالذنب، طأطأت رأسها ثم نظرت الى خارج النافذة، خفنا جميعا أن نسأل لكى لا يكون الخبر حقيقيا، كان الخبر صحيحا مع شديد الأسف.

عين على السينما في

19.01.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)