فاز الفيلم الفرنسي «رجال وآلهة» للسينمائي كزافييه بوفوا بجائزة «سيزار»
الفرنسية المرادفة لجائزة «أوسكار» الأميركية. وكان الفيلم حصد جائزة لجنة
التحكيم
الكبرى في مهرجان «كان» لعام 2010. والدور النسائي الوحيد في هذا العمل
الذي تدور
أحداثه في دير للرهبان في الجزائر، تؤديه الممثلة صابرينا
وزاني التي انتهت قبل
فترة قصيرة من المشاركة في فيلم «منبع النساء» الذي تم تصويره كلياً في
المغرب
وأخرجه الروماني رادو ميخايلانو، حيث تقاسمت وزاني البطولة مع زميلتيها
العربيتين
حفصية حرزي وليلى بختي ومع الممثل زين الدين سوالم (زوج النجمة
الفلسطينية هيام
عباس).
وصابرينا وزاني ممثلة جزائرية الأصل باريسية الإقامة عمرها 23 سنة عرفت
الشهرة
وهي بعد مراهقة عندما اختارها السينمائي التونسي عبداللطيف
كشيش لتتقاسم بطولة
فيلمه «التفادي» مع الفرنسية سارا فوريستييه. وأدت وزاني شخصية فتاة عربية
تتعلم
المسرح الكلاسيكي الفرنسي وتهوى مؤلفيه الكبار.
وأمام رواج الفيلم قررت وزاني الاستمرار في الفن فانضمت إلى مدرسة للدراما
في
شكل مواز لتعليمها المدرسي مكتسبة بالتالي حب المسرح مثل
الشخصية التي مثلتها في
«التفادي»،
وتحولت ممثلة محترفة تتلقى العروض وتدرسها من أجل أن تحسن اختيار
أدوارها وتتفادى الوقوع في فخ الشخصيات التقليدية المطروحة على الممثلات
العربيات
الشابات، خصوصاً أن جميع المخرجين لا ينظرون الى المهاجرين
مثلما ينظر إليهم
عبداللطيف كشيش.
ولمناسبة حصول فيلم «رجال وآلهة» على جائزتي «سيزار»، التقت «الحياة»
صابرينا
وزاني في باريس وحاورتها.
·
ما رد فعلك تجاه فوز فيلم «رجال
وآلهة» بجائزتي «سيزار» بينهما جائزة أفضل
فيلم؟
-
إنني في غاية السعادة بطبيعة الحال، خصوصاً أن الأمر جرى قبل وقت قصير ولا
أزال تحت تأثير الحدث. وبصرف النظر عن مشاركتي في الفيلم،
أعتبره من أفضل الأعمال
السينمائية التي شهدتها في الفترة الأخيرة ومن أشدها حرصاً على توصيل رسالة
محبة
وسلام إلى الجمهور. وكون الفيلم قد جذب حتى الآن أكثر من ثلاثة ملايين
متفرج إلى
صالات العرض، هو شيء يدل إلى أن الناس يشعرون أمامه بنفس ما
أشعر به شخصياً، غير أن
العالم في حاجة الآن إلى محبة وصلح أكثر مما هو يرغب في رؤية العنف
والجرائم فوق
الشاشة. والجائزة الثانية التي حصدها الفيلم راحت إلى الممثل الكبير مايكل
لونسدال،
وهذا أمر يفرحني بما أنني أديت لقطة طويلة في صحبته أكاد أقول إنها تشكل
أجمل مشهد
لي في الفيلم.
·
هل أنت متأثرة بكون لجنة التحكيم
لم تمنحك أي جائزة؟
-
لا أبداً، خصوصاً أنني لم أكن مرشحة أساساً بسبب صغر دوري في هذا الفيلم
الرجالي البحت. أنا أظهر في لقطات قليلة ولكن قوية في مضمونها، إلا أنها لا
تقبل
المنافسة في لحظة منح الجوائز مع الأدوار الكبيرة التي أدتها
كل واحدة من المرشحات
للفوز.
·
رأيتِ في هذه السهرة ساره
فوريستييه تحصد جائزة أفضل ممثلة وليلى بختي تفوز
بلقب أفضل أمل للسينما الفرنسية، فما رأيك في الأمر علماً أنك
عملت مع كل واحدة
منهما أمام الكاميرا؟
-
فرحتُ لهما بطبيعة الحال، فهما من صديقاتي الحميمات، ورحت أحلم باليوم الذي
أصعد فوق المسرح لأتسلم جائزتي بدوري.
·
أليست هناك غيرة بين الممثلات
الشابات؟
-
هناك منافسة بلا شك ولكنها طبيعية طالما أنها لا تجرف في تيارها الغيرة
والحقد. أنا متأكدة من أن لكل واحدة مكانتها فوق الشاشة
وبالتالي أفضّل التركيز على
التقدم الذاتي بدلاً من إضاعة وقتي في الحسد الذي لا يفيد في شيء، بل على
العكس
يعيد صاحبته إلى الوراء. إن المشاعر السلبية قاتلة في وقت أو في آخر وأنا
أحبذ
التصرف بذكاء وإيجابية في حياتي وإلا ضعت فنياً ونفسياً.
·
هل كنت تحلمين بالعمل ممثلة قبل
أن يعرض عليك عبداللطيف كشيش المشاركة في
فيلم «التفادي»؟
-
لا ليس في الحقيقة، فأنا كنت أهوى تقليد الممثلات والصديقات والمعلمات
والمعلمين في المدرسة والتقاط الصور وتصوير الأفلام بواسطة
كاميرا صغيرة ولكن من
دون تغذية رغبة ما في التحول إلى ممثلة حقيقية في يوم من الأيام.
·
وكيف اختارك كشيش؟
-
تقدمت إلى اختبار كان يجريه كشيش بهدف العثور على أبطال فيلمه «التفادي»،
وهو
كان يبحث عن مراهقين ومراهقات من العرب المقيمين في باريس وضواحيها. وشاء
الحظ أن
يختارني لأنني تصرفت أثناء الاختبار بأسلوب طبيعي جداً.
·
وأعجبك الأمر إلى درجة اتخاذك
قرار الاحتراف؟
-
نعم فأنا خرجت من التصوير متأكدة من أنني عثرت على مهنتي وعلى مكانتي
الاجتماعية، وأول شيء فعلته الالتحاق بمدرسة للدراما لأتعلم
أصول مهنة التمثيل.
فتيات عاديات
·
وهل عثرت بسرعة على أدوار جديدة؟
-
مثلت مرة ثانية بإدارة كشيش في فيلمه «الحب والسمك» ثم في حلقات للتلفزيون،
وقد كمنت الصعوبة الكبرى في تفادي الأدوار المبنية على شخصية الفتاة
العربية
التقليدية بمشاكلها التي لا أول لها ولا آخر مثلما في العدد
الأكبر من الأفلام
الفرنسية. فقد كنت تخلصت من هذا المطب منذ البداية وبالتالي كان من
المستحيل عليّ
أن أقع فيه بعد ذلك. ولجأت إلى المسرح كمفر من هذه المشكلة، لأنه يرتكز على
قواعد
مختلفة عن تلك التي تتبعها السينما، ومثلتُ شخصيات لا تتصف
بهوية محددة، لا عربية
ولا غير عربية، ولكن فتيات عاديات يعشن حكايات طبيعية في المجتمع والحياة
الشخصية.
·
إذا نظرنا إلى الأفلام الفرنسية
الحديثة يبدو أن حكاية التخصص في الشخصيات
العربية المأسوية بدأت تتغير بالنسبة الى الممثلات العربيات في
فرنسا، ألا تعتقدين
ذلك؟
-
بدأت تتحرك وتتغير بالنسبة الى الممثلين أكثر من الممثلات، فمن الواضح أن
رشدي
زم وسامي بوعجيلة وجمال دبوز صاروا يتخلصون إلى حد ما من الأدوار العربية
على
الطريقة القديمة، ولكن الموضوع لا يزال فيه نوع من الحساسية
بالنسبة الى الممثلات،
فالتقدم الفني أبطأ في ما يخص المرأة عموماً. ولكنني أشكر القدر على وجود
ممثلات من
طراز رشيدة براكني وفجرية دلهيبة وليندا شعيب اللواتي لا يهدأن أبداً
ويتخذن الكفاح
سبيلاً من أجل أن يتطور وضع الممثلة العربية المغتربة في فرنسا وحتى لا
نعيش نحن
الآن ما عرفته كل من سعاد حميدو ونزهة خوادرة من معاناة في زمن
الثمانينات من القرن
العشرين. وقد نجحت رشيدة براكني في الالتحاق بفرقة «لا كوميدي فرانسيز»
المسرحية
الوطنية في باريس، وهي بالتالي موضع فخر لكل الممثلات العربيات في الغربة.
·
كيف حصلت على الدور النسائي
الوحيد في فيلم «رجال وآلهة»؟
-
كان السينمائي كزافييه بوفوا قد شاهدني في بعض أعمالي السابقة، وبالتالي
طلب
مقابلتي وعرض عليّ الدور عن اقتناع ومن دون حتى أن يطلب مني الخضوع
للاختبار
التقليدي أمام الكاميرا. سلمني سيناريو الفيلم وانتظر أن أرد
عليه، الأمر الذي صار
بسرعة البرق بما أنني وقعت في غرام هذا النص فور قراءتي الصفحات الخمس
الأولى
منه.
·
كيف دار التصوير بالنسبة إليك
كامرأة وحيدة وسط مجموعة من الرجال؟
-
أنه أحلى تصوير عشته حتى الآن، بسبب عدم وجود منافسة نسائية ثم لأنني بصفتي
المرأة الوحيدة في الفيلم كنت مدللة إلى أبعد حد من الفريق كله.
·
ظهرتِ في مهرجان «كان» 2010
حاملة صورة الممثل الجزائري الراحل ياسمين
بلمادي، لماذا؟
-
حتى لا ينساه العالم بسرعة. كان ياسمين من الممثلين العرب الصاعدين في
فرنسا
وهو رحل في عام 2009 إثر حادثة في الطريق العام وأنا كنت مخطوبة له وأردت
إحياء
ذكراه من طريق حملي صورته أينما وُجدت في المهرجان.
·
انتهيت حديثاً من العمل في فيلم
«منبع النساء» الذي أخرجه الروماني رادو
ميخاليانو في المغرب، هل أعجبتك المشاركة في هذا العمل؟
-
انتقلت من فيلم «رجال وآلهة» حيث كنت المرأة الوحيدة، إلى «منبع النساء»
الزاخر بالنساء العربيات وحيث وجدت نفسي محاطة بشلة من الزميلات وعلى رأسهن
حفصية
حرزي وليلى بختي. وبعدما كنت أميرة الـ «بلاتوه» في أثناء تصوير الفيلم
الأول تحولت
إلى واحدة من البطلات. إنه شيء عادي جداً بطبيعة الحال بينما
الحالة الأولى هي التي
يمكن وصفها بغير طبيعية، لكنني لاحظت الفرق مباشرة وأجبرت نفسي على التأقلم
معه
بسرعة البرق حتى أقدر على العطاء الفني الذي ينتظره مني المخرج. وقد سعدت
كثيراً
بالعمل تحت إدارة ميخاليانو السينمائي العبقري الذي سبق وقدم
للسينما فيلمه الرائع «الكونشرتو».
أعتقد أن «منبع النساء» سيكون من الأفلام الكبيرة في نهاية عام 2011 غير أن
التصوير في المغرب شكل نقطة إيجابية جداً بالنسبة إليّ بسبب
حبي للبلاد العربية.
·
ما هي مشاريعك الآنية؟
-
العمل في المسرح من جديد ثم الاهتمام بإنهاء سيناريو فيلم قصير بدأت كتابته
وأرغب في أن أخرجه بنفسي في الجزائر، لأنني أتلهف إلى أرض أجدادي وأحلم
ببناء
مستقبلي الفني بين فرنسا والجزائر قدر المستطاع.
الحياة اللندنية في
11/03/2011
القذافي خاطفاً أو قاتلاً
أوشن طارق
اختفى منصور الكيخيا في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 1993 عندما كان في
زيارة
لمصر بغرض حضور اجتماع للمنظمة العربية لحقوق الإنسان. وتعالت
الأصوات يومها في كل
أرجاء الدنيا، متعاطفةً ومستنكرة وموجِّهة أصابع الاتهام على الفور صوب
نظام
القذافي، باعتباره صاحب مصلحة حقيقية في إخفاء الكيخيا عن الساحة... إلى أن
خفتت
جميع المطالبات، حتى بدا أن الموضوع نُسي رسمياً وشعبياً،
لدرجة أن أميركا التي
يحمل الكيخيا جنسيتها تعاملت مع قضيته بلامبالاة.
القذافي قال: «... منصور الكيخيا مواطن ليبي، ونحن مشغولون عليه، وليس
صحيحاً
أنه كان معارضاً لنا. لقد كان موظفاً بسيطاً، وقد عرفته حين
قمت بالثورة، وعمل معي
حتى صار وزيراً للخارجية... ثم صار ممثلاً لليبيا لدى جهات حقوق الإنسان...
وأخيراً
أرسل لي مع صديق مشترك هو عاشور قرقوم وقال إنه سيزور ليبيا، فقلت له:
أهلاً، فقد
طالت الغيبة، وكان سيأتي إلى ليبيا بعد زيارته للقاهرة، ولكن
لا أستبعد أن أميركا
استشعرت ذلك فاختطفته».
اختفى الإمام موسى الصدر بتاريخ 31 آب (أغسطس) 1978 حين كان في زيارة
لليبيا
بغية لقاء العقيد القذافي، بإيعاز من الرئيس الجزائري بومدين،
في إطار جولة عربية
قادته إلى عدد من الدول المؤثرة في الشأن اللبناني. وكان هدف الإمام الصدر
وقتها
إخراج لبنان من دائرة الحرب الأهلية التي كانت تعصف بالبلاد. اختفى، وتعالت
الأصوات
يومها في كل أرجاء الدنيا، متعاطفة ومستنكرة وموجِّهة أصابع الاتهام على
الفور صوب
نظام القذافي، باعتباره صاحب مصلحة حقيقية في إخفاء الصدر عن الساحة، قبل
أن تخفت
مجدَّداً جميع المطالبات، حتى بدا أن الموضوع نسي رسمياً
وشعبياً، لدرجة أن لبنان
والثورة الإيرانية، اللذين انتمى إليهما الصدر، تعاملتا مع قضيته بلامبالاة».
والقذافي قال سنة 2002 إن: «... الصدر من
الناس الذين نؤيدهم، فكيف يمكن أن يختفي
في ليبيا؟...».
هما مشهدان متشابهان، فصلت بينهما 15 سنة، قد يكون المختفون فيها من
الليبيين
وغير الليبيين بأمر الزعيم، بالعشرات أو المئات دون عقاب. أما
لوكربي والطائرة
الفرنسية والملهى الليلي بألمانيا وقضايا أخرى، فقصصها رويت بإسهاب عبر
وسائل
الإعلام الدولية، والبطل هو نفسه: العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية.
عودة
ولأن للإمام الصدر جماعة بقيت صامدة في الدفاع عن حقيقة «اختفائه» المريب،
بدءاً
بطائفته الدينية ومروراً ببقية الطوائف، وصولاً إلى الدولة
اللبنانية، فقد عاد
موضوعه للظهور مجدداً بقوة في الأجندة السياسية والقانونية لكل هؤلاء، وكان
لا بد
للعمل الإعلامي التوثيقي من أن يكون واحدة من الواجهات المستثمَرة (بفتح
الميم) في
هذا المجال، فوُلد الشريط الوثائقي «حقيقة الساعات الأخيرة»
للمخرج حمزة نعمة
زلزلي، الذي جمع فيه بين الوثائقي والتخييلي، لتقديم خلاصة تحقيقات رسمية
لبنانية
وإيطالية ودولية، وكذا أحكام قضائية أصدرها القضاء اللبناني في هذه النازلة
التي
طال أمد حل لغزها إلى اليوم.
يبدأ الشريط بمقدمة جاء فيها: «في 31 آب (أغسطس) 1978، اختفى الإمام الصدر
ورفيقاه في ظروف غامضة خلال زيارتهم إلى ليبيا. تضاربت
الأقاويل حول حقيقة الأمر،
ولكن بعد تحقيقات واسعة دولية ومحلية، أتت الرواية الحقيقية لتثبت ماذا حصل
في
الساعات الأخيرة قبل اختفاء الإمام الصدر ورفيقيه». ولأجل ذلك اعتمد الشريط
على
شهادات عدد من الشخصيات التي قابلت الإمام في أيامه الأخيرة
هناك في طرابلس، كبشارة
مرهج، محمد قباني، ومحمد شعيتو، بالإضافة إلى شخصيات أخرى اشتغلت على
الموضوع في
بداياته، كعمر مسّيكة أمين مجلس الوزراء اللبناني وقتها ورئيس البعثة
اللبنانية إلى
ليبيا لإجلاء الحقيقة عن الاختفاء. ثم أفرد جانباً هاماً لمحامي العائلة
لشرح
المعطيات القانونية محلياً ودولياً في أفق محاكمة مفترَضة
للعقيد.
ولد الإمام موسى الصدر حسب الفيلم في 15/4/1928 في مدينة قم الإيرانية، حيث
تلقى
تعليمه، وكانت «عِمّتُه» أولَ عمامة تدخل جامعة طهران. وفي
أواخر سنة 1959 قَدِمَ
إلى لبنان ليستقر بمدينة صور. تميز عمله الدعوي في لبنان بتجاوز الوعظ
الديني الى
الاهتمام بشؤون المجتمع ميدانياً، بشراكة مع مختلف الطوائف الأخرى، إسلامية
كانت أو
مسيحية. كان أول من نادى بتنظيم شؤون الطائفة الشيعية رسمياً،
أسوة بالطوائف
الأخرى، حيث انتهى به المطاف إلى إنشاء «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى»
وترؤّسه.
وفي سنة 1975، دعا إلى
تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية قبل أن
يعلن عن ولادة حركة أمل. وكان موقفه من الحرب الأهلية
اللبنانية، حسب محبيه، موقفاً
داعياً إلى التهدئة ونبذ الفرقة والعنف، حيث نادى لإقامة حوار وطني مهّد له
بمؤتمر
قمة للرؤساء الدينيين لمختلف الطوائف. كما بذل جهوداً لإزالة سوء التفاهم
بين
القيادتين السورية والفلسطينية وتأمين انتخاب رئيس الجمهورية
اللبنانية الجديد سنة 1976.
أدرك الإمام الصدر أن إنهاء الحرب في لبنان يتطلب قراراً عربياً مشتركاً،
فانتقل
بين مختلف العواصم العربية، ما أثمر عقد قمتي الرياض والقاهرة
سنة 1976، وفيهما
تقرر إنهاء الحرب اللبنانية عن طريق قوات الردع العربية. وسعياً منه لإنقاذ
جنوب
لبنان، حيث تمركزت القوات الإسرائيلية، زار عدد من البلدان، كسوريا والأردن
والسعودية والجزائر، قبل أن ينتقل إلى ليبيا بإيعاز من الرئيس
الجزائري بومدين بهدف
لقاء العقيد معمر القذافي، المنتشي بتحويل ليبيا من النظام الجمهوري إلى
جماهيرية،
وصاحب النفوذ القوي على كثير من أطراف الحرب الأهلية في لبنان. وصل الإمام
إلى
ليبيا في الخامس والعشرين من شهر آب (أغسطس) 1978، وانتهى به
المطاف في الواحد
والثلاثين من الشهر ذاته مختفياً إلى اليوم.
بعد هذا التقديم الضروري لشخصية موسى الصدر، انتقل بنا الشريط عبر حكي
سينمائي
مدعوم بعدد من شهادات الشهود ومقاطع التحقيقات الإيطالية
واللبنانية، إلى تقديم
حبكة درامية تلخص أهم ما ميَّزَ مقامه ورفيقيه بليبيا، التي كانت تستعد
وقتها
لاحتفالات الفاتح من سبتمبر «العظيم».
قرائن
في مشاهد الفيلم، يوضح المتدخلون كيف أن زيارة موسى الصدر إلى ليبيا ترافقت
مع
كثير من علامات وبوادر السوء، لعل أهمها كان التعتيم الإعلامي
الرسمي لوسائل
الإعلام الليبية على الزيارة، الى درجة أن مسؤولي السفارة اللبنانية هناك
لم يعلموا
بالموضوع إلا صدفة، كما أن الاتصالات الدولية قُطعت على الإمام طوال اقامته
بطرابلس، وهو الذي كان معتاداً، وفق أقوالهم، على الاتصال
الدائم بعائلته وبالمجلس
الشيعي الأعلى للتواصل حول مستجدات الأمور، اضافة الى زيارة عبدالسلام
جلود، أحد
أركان النظام الليبي، للبنان قبل ذلك بسنتين، حيث قضى خمساً وأربعين يوماً
اجتمع
خلالها بمختلف الأفرقاء اللبنانيين دوناً عن الإمام الصدر، قبل
أن يصبح هذا الأخير
هدفاً للحملات الإعلامية، انطلاقاً من الصحف اللبنانية الموالية لليبيا،
هذه
المعطيات تثير الشكوك حول نوايا العقيد القذافي تجاه ضيفه ومدى وجود نوع من
الترصد
له منذ وصوله إلى ليبيا.
كما أن ما حدث بعد الاختفاء، كرس لدى اللبنانيين وغيرهم قناعة مفادها أن
الصدر
انتهى به المطاف أسيراً أو قتيلاً لدى العقيد، فبعد أن رفض
الأخير تلقي أي اتصالات
هاتفية من الرئيس اللبناني وقتها، تم إعداد سيناريو لتأكيد مغادرة الضيوف
الثلاثة
لليبيا إلى ايطاليا من خلال إرسال شخصين (الأول بلباس ديني والثاني بلباس
مدني) إلى
فندق بالعاصمة الايطالية بجوازي سفر الإمام الصدر ورفيقه محمد
يعقوب. دخل الاثنان
الفندق لدقائق قبل أن يغادرا إلى غير رجعة تاركين عباءة الإمام وحقائبهما
وجوازي
السفر. الإخراج لم يكن بالدقة المطلوبة، حيث تضمنت وثيقتا حجز غرفتي الفندق
توقيع
موسى الصدر باللاتينية، في حين أن توقيعه معروف ومميز باللغة
العربية. كما أن جوازي
السفر تضمنا تأشيرتي دخول إلى ايطاليا وفرنسا صادرتين عن سفارتي البلدين
بطرابلس في 31
آب (أغسطس) 1978 في حين أن الجوازين يحملان
أصلاً تأشيرتين صالحتين لدخول
البلدين، فلماذا الحاجة إلى اثنتين جديدتين؟
ولتكتمل الحكاية، صدر اتهام ليبي رسمي لأجهزة مخابرات مختلفة، إيرانية
وأميركية
وإسرائيلية (كان الصدر ينشط أيضاً على واجهة الثورة الإيرانية
في مواجهة الشاه)،
وكذلك الكتائب الحمر والمنظمات الألمانية المتطرفة، بالوقوف وراء اختفاء
الصدر، وهو
الاتهام الذي تلته رسالة مجهولة بُعثت إلى الصحف الإيطالية تدّعي أن منظمة
لبنانية
علمانية اختطفت الصدر ورفيقه، وذلك بفضل مساعدة الصحافي عباس
بدر الدين المنتمي
للتنظيم ذاته، وكان ثالثَهما في الرحلة الأولى إلى ليبيا (ألا يتطابق هذا
السيناريو
مع ما تلا اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ثمانية وعشرين
سنة بعد
ذلك).
يدقق الشريط الوثائقي في مجمل هذه الوقائع ليكذبها جملة وتفصيلاً، بناء على
قرائن مستقاة من التحقيقات الرسمية الإيطالية واللبنانية ومن
شهادات بدأت تتكشف بعد
انشقاقات بعض من رموز النظام الليبي الذين كانوا شهوداً على تلك المرحلة
وما
ميَّزَها من دسائس، وأيضاً اعتماداً على تسريبات زعماء عرب وأجانب في
لقاءات
مختلفة، غير رسمية في أغلبها، لأن القذافي ظل دوماً مخيفاً
بشكل غريب لكثير من «الزعماء»
شرقاً وغرباً.
الخلاصة النهائية للفيلم، هي أن القذافي، وبعد صدور القرار الاتهامي الذي
أصدره
قاضي تمييز لبناني في الثاني عشر من آب (أغسطس) 2008، أصبح فاراً مع 17
مسؤولاً
ليبياً من وجه العدالة اللبنانية، بتهم التحريض والاشتراك في
خطف الإمام ورفيقيه،
في انتظار رفع السقف إلى محكمة الجنايات الدولية، وما قد يستتبع ذلك من
قرارات ربما
لن تمهل ثورة السابع عشر من شباط (فبراير) والساعين إليها وقتاً
لتطبيقها.
الحياة اللندنية في
11/03/2011
سينما القضايا الشائكة
بيروت - «الحياة»
حتى الرجال، حين يتحدثون عن ضرورة إنجاح قضية ما، ينصحون بإسنادها الى...
النساء. قد لا يكون هذا القول دقيقاً، لكن ثمة أمثلة وظروفاً تؤكده ولو
جزئياً. ومن
ذلك اننا، ومنذ سنوات نلاحظ ان الأفلام السينمائية (طويلة أو قصيرة، روائية
أو
توثيقية) تبدو صناعتها بين أيدي السينمائيات العربيات، أفضل
مما هي بين أيدي
الرجال، وان في شكل عام يقبل الكثير من الاستثناءات وحتى الاعتراضات. غير
أن هذه لا
تمنع من ملاحظة تفرض نفسها في هذه الأيام بالذات علينا، هنا في لبنان على
الأقل.
وربما يرتبط الأمر بصدفة ما، غير أنها من نوع الصدف التي سرعان ما تخلق
قاعدة. ففي 5
عروض الأفلام في بيروت، وفي وقت واحد
تقريباً، ثلاثة شرائط من تحقيق مخرجات
لبنانيات، أحدها ليمنى عيتاني في عنوان «وشم العين»، والثاني
لميشال تيّان عنوانه «عكس
السير». أما الثالث فلكارول منصور عنوانه «كلنا للوطن».
«وشم
العين» الذي يعرض في أيام متفرقة في الصالات التجارية، نصف روائي/ نصف
تسجيلي، تخوض فيه مخرجته، في أول تجربة لها من هذا المستوى (ومن انتاج
فرنسي)،
سيراً من حياة المهمشين البائسين في مدينة طرابلس. هنا أمام
كاميرا عيتاني المميزة
وقدرتها على التقاط صورة جديدة ومدهشة للبيئة، تحكي لنا حكاية شاب يتأرجح
بين أحلام
موؤودة وواقع بائس يقوده الى المخدرات والسجن والصراعات الصغيرة. صوّرت
عيتاني حياة
هذا الشاب والمحيطين به، على خلفية واقعهم الحقيقي، انما بعد
أن جعلت منه ومنهم
ممثلين يلعبون أدوارهم الحقيقية في الحياة، وطلعت من هذا بصورة شديدة
القسوة، مدهشة
في واقعيتها، حتى وإن كان متفرج الفيلم يشعر ببعض الضيق أمام أداء هؤلاء
الممثلين
الذين بدلاً من أن يعيشوا حياتهم الحقيقية كما هي، «|مثلوها»
أمام كاميرا لم ينسوا
وجودها ولو للحظة. غير أن هذا لم يقلل من «شاعرية» البؤس الطاغية على
الفيلم والتي
تذكّر ببعض أجمل اللحظات في مشاهد بؤسوية في أفلام لمرينال سين وبازوليني،
وربما
أيضاً في أعمال أولى للمكسيكي أنياريتو. ان أقل ما يمكن قوله
عن هذا الفيلم انه
واعد وينبئ ليس فقط بظهور مبدعة سينمائية جديدة، بل كذلك بظهور توجه جديد
في سينما
لبنانية تبحث دائماً عن مواضيعها.
ميشال تيان، المنتجة والمؤلفة المعروفة، تتطلع من خلال «عكس السير»، الذي
يعرض
مساء اليوم في مسرح قصر الأونيسكو، عرضاً أول، ينظر الى الواقع
اللبناني من منظور
آخر: من منظور المسؤولية عن مقارعة التعصب الديني والتطرف، في عمل من 40
دقيقة،
يدور حول «شخصيات تتمتع بتقدير وسط جماعتها الدينية، وبالتحديد بسبب
محاربتها
التطرف والتعصب مثل الأمير عبدالقادر الجزائري والإمام موسى
الصدر والمطران سليم
غزال والخوري مكرم قزح. من الواضح ان تيّان تريد من فيلمها، وعبر هذه
الشخصيات
الفذّة، ان يكون صرخة ضد واحدة من العلل الأساس التي تنخر في الجسد
اللبناني.
وبالنسبة الى كارول منصور، التي عرضت فيلمها الجديد «كلنا للوطن» قبل أيام
قليلة، تكمن علة أخرى من العلل اللبنانية في وضعية المرأة،
وهنا - في هذا الفيلم -
من خلال مواكبة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، تحاول منصور التي عرفت بأفلام
تدافع
عن قضايا محقة، ولمناسبة يوم المرأة العالمي، تحاول أن تسجل خلال ساعة من
الزمن،
واقع النساء اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين ومعاناتهن -
وأسرهن - على مختلف
الأصعدة الحياتية.
مرة أخرى ها هي السينما، في لبنان أيضاً، تحمل عبء القضايا الشائكة... وها
هي
المرأة اللبنانية تسير في مقدم صفوف الاحتجاج وهو أمر يسجل
لمصلحة المرأة ولمصلحة
السينما ويعد بالكثير.
الحياة اللندنية في
11/03/2011 |