رغم أنها كانت خارج مصر عند بدء الاحتجاجات، فإن موقفها تجاه النظام السابق
كان واضحاً منذ البداية. الممثلة بسمة واحدة من النجوم الذين
شاركوا في ثورة 25
يناير احتجاجاً على الأوضاع السيئة في مصر.
عُرفت بسمة دوماً بمواقفها وآرائها السياسية، وتعرّضت سمعتها وسمعة عائلتها
للتشويه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك عندما اتُّهمت بأن
أصولها يهودية، فجدّها
هو المناضل اليساري المعروف يوسف درويش، الذي أعلن إسلامه في شبابه.
عن الثورة المصرية ورؤيتها لما حدث وما سيحدث كان اللقاء التالي
معها.
·
لماذا لم تشاركي في التظاهرات
منذ بدايتها، لا سيما أنك معارضة لنظام الرئيس
حسني مبارك؟
للأسف لم أشارك في تظاهرات جمعة الغضب وما سبقها من احتجاجات لأنني كنت
خارج
مصر.لم أصدّق حين اتصل بي أصدقائي وحكوا لي ما حدث يوم 25
يناير، وعند عودتي في 29
يناير بدأت أنزل الى الشارع بشكل يومي حتى سقط النظام.
·
ما الذي دفعك إلى الاستمرار في
التظاهر بهذا الإصرار؟
خلال الاعتصام في ميدان التحرير حدثت مواقف عدة جعلتني أصرّ على الاستمرار
في
التظاهر، أولها حين شاهدت بعيني عند عودتي الى منزلي مساءً أحد
الشهداء يحمله عدد
من الشباب بعد أن قُتل بالرصاص الحي أمام مبنى وزارة الداخلية، وثانيها
هجوم «البلطجية» يوم الأربعاء الأسود على
المتظاهرين.
·
كيف كانت نظرتك الى حملات
التأييد للرئيس السابق حسني مبارك؟
كل إنسان حرّ في ما يعتقده، وفي اختيار طريقة التعبير عن رأيه، لكني شخصياً
لست
آسفة مطلقاً على رحيل الرئيس مبارك ولن أسامحه بسبب السلبيات
الكثيرة التي ظهرت في
عهده، والشهداء الذين قتلوا أثناء الأحداث، وتأخّر مصر عن باقي الدول علماً
أننا
نملك الموارد الكافية التي تضعنا على طريق التقدّم.
·
ألم يكن كافياً بالنسبة إليك
تنحّيه عن الحكم؟
بالطبع لا، إذ يجب محاكمة كل رموز النظام السابق، ثم أنا ضد استمرار حكومة
الفريق أحمد شفيق سواء كان كفوءاً أم لا، ذلك لعدم ثقتي في أي
شخص كان مرتبطاً
بـ{الحزب الوطني». عموماً، لا أشعر بأي تعاطف تجاء الرئيس مبارك، حتى
تقدّمه في
السن ومرضه لا يثيران شفقتي، لأنني شاهدت في عهده شباباً يشاركونني اللغة
نفسها
والأهداف والأحلام ذاتها يموتون أمام عيني، شاهدت فساداً
ورشاوى ومحسوبية. لم يكن
يرغب مبارك في التنحي عن الحكم بصورة كريمة والدليل خطابه الثاني، فلقد كان
بإمكانه
الاستجابة لمطالب المحتجين لكنه رفض، وفي اليوم التالي مباشرةً هجم عدد من
البلطجية
على المعتصمين في ميدان التحرير وهم يمتطون جمالاً وخيولاً،
ولو تنحّى قبل ذلك لكسب
ودّ الشعب.
·
عارض عدد لا يستهان به من
الفنانين الثورة منذ بدايتها، وعدد آخر لم يتحدّث
إطلاقاً، ما كان تأثير هؤلاء على الفنانين الذين تواجدوا في
الميدان؟
أولاً، التلفزيون المصري هو السبب الرئيس في ما حدث لما كان يبثّه من أخبار
كاذبة ومضلِّلة طوال فترة التظاهرات والتي تسبّبت في تكوين
معارضين للثورة. ثانياً،
للفنانين الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات وجهة نظرهم وهم أحرار فيها، لكن
كان يجب
ألا يتطاول أيّ منهم على المتظاهرين أو يتحدث عن وجود مخدرات وعلاقات جنسية
في
ميدان التحرير، أو يطالب بحرقهم ويتعامل معهم على أنهم أصحاب
أجندات هدامة وعملاء
وغيرها من اتهامات غير صحيحة طاولت جميع المتظاهرين في الميدان وأنا واحدة
منهم،
لذلك أشعر بالأسف لأن هؤلاء الفنانين زملائي في المهنة، ولأنهم في غالبيتهم
تراجعوا
عن تصريحاتهم بعد نجاح الثورة في تنحية مبارك، بل وادعوا أنهم مؤيدون لها
منذ
بدايتها. هذا النفاق غير مقبول، ففي النهاية المعارضون
والمؤيدون أحرار في آرائهم
طالما عبروا عنها بشكل محترم.
·
هل تضرّرت بشكل مباشر من نظام
الرئيس مبارك؟
ما إن حضرت لقاءً مع الدكتور محمد البرادعي ضمن مجموعة من الفنانين فور
عودته
إلى مصر حتى فوجئت بما أثير حولي من أن لجدي رحمه الله يوسف
درويش أصولاً يهودية،
وذلك بهدف تشويه صورتي وصورة عائلتي واتهامي بعدم الوطنية وهذا الأمر غير
صحيح. هذا
بالإضافة إلى انتشار الفساد والمحسوبيات وتراجع التعليم في عهد مبارك.
·
هل تؤيدين د. محمد البرادعي في
حال ترشّحه لمنصب رئيس الجمهورية؟
ما زال الوقت مبكراً على إعلان تأييدي، فحتى الآن لم يُفتح باب الترشّح
لمنصب
الرئاسة. حين قابلت د. البرادعي وافقت على ما يدعو إليه من
تغيير يجب أن يحدث، من
هنا جاء توقيعي على بيان التغيير، لكني لست عضوة في الجمعية الوطنية أو أي
حزب أو
حركة. شخصياً، أرى أنه يجب تشكيل حكومة انتقالية حتى تتم الدعوة الى
انتخابات
البرلمان ثم الرئاسة، ولن أقرر الى من سأعطي صوتي في انتخابات
الرئاسة إلا بعد
دراسة برنامجه الانتخابي.
·
بماذا تنصحين الشعب المصري
عموماً خلال الفترة الراهنة؟
أولاً، على الشعب في جميع فئاته أن يعمل على زيادة وعيه السياسي، والمشاركة
الفاعلة في الانتخابات والاستفتاءات المقبلة، والسعي الى معرفة
حقوقه كي لا ينتزعها
أحد منه ثانيةً. من جهتي، بدأت بنفسي وشاركت بالفعل في محاضرات عدة تشرح
التعديلات
الدستورية وأهميتها.
·
ماذا تتوقعين للحركة الفنية في
مصر خلال الفترة المقبلة؟
أعتقد أنه سيحدث انتعاش سواء في المواضيع المقدّمة أو المستوى الفني،
وأتوقع أن
تزيد مساحة الحرية في تقديم الأعمال الفنية سواء في السينما أو
التلفزيون، ما
سيساهم في زيادة الوعي لدى الجميع وهذا أحد أهم متطلبات هذه المرحلة.
·
لماذا اعتذرت عن فيلم «واحد
صحيح»؟
اعتذرت عنه قبيل ثورة 25 يناير بسبب انشغالي آنذاك بعدد آخر من الأعمال،
وتواجدي
خارج مصر، لكني أكن كل الاحترام والتقدير لزميلي هاني سلامة
فهو فنان موهوب، وكذلك
السيناريست تامر حبيب فهو مبدع حقيقي وعبقري.
الجريدة الكويتية في
07/03/2011
السينما... والمفسدون في الأرض (2-2)
محمد بدر الدين
يؤكد حجم الفساد الذي تكشفه التحقيقات الراهنة، بعد ثورة 25 يناير في مصر،
صوابية المواطنين الذين رفعوا الصوت بالشكوى وتحدثوا عن
«الوصاية التي تحكم»، كذلك
يؤكد صوابية الاتجاه في الفنون، أبرزها السينما، نحو التجسيد الفني لمجتمع
نخره
السوس بسبب طغمة حاكمة تخنق الأنفاس بتصرفاتها التي يغلب عليها طمع وقمع لا
حدود
لهما.
لا بد من أن نفرّق في السينما، التي عالجت هذا الموضوع، بين أفلام عبّرت
بصدق
وأصالة وأخرى عبّرت في إطار موجَّه يهدف، كأي «هوجة»، إلى
الاستثمار ودرّ الأرباح،
وإن كانت هذه المرة تحت مسمى «أفلام انتقاد الانفتاح والفساد».
أحد الأفلام المهمة والجادة والقيّمة التي عالجت القضية في وقت مبكر «سواق
الأتوبيس» (1983)، سيناريو بشير الديك وإخراج عاطف الطيب، وهو
تعبير دقيق عمَّا حدث
للمصريين والانقلاب الشامل الذي قلب المجتمع المصري رأساً على عقب.
على مدار الأحداث نتابع جهود حسن (نور الشريف) لإنقاذ ورشة والده (عماد
حمدي)،
فيهلك هذا الأخير بعدما يخفق إبنه في إنقاذها. الوالد هنا ليس
مجرد صاحب عمل سرقه
شخص جشع يعمل عنده إنما يجسد قيمة العمل والإنتاج والتنمية والبناء والجهد
والانتماء... وقد تهاوت هذه القيم والمعاني كافة تحت ممارسات
النهب والتهريب والنصب
و{اخطف واجري»...
وجد حسن ذلك كله في المحيطين به، حتى في أقرب الناس إليه وفي أشقائه الذين
يتركون الورشة تضيع ولا يسددون ضرائبها، مع أنهم مقتدرون،
والوالد، رب العائلة،
يموت بحسرة مع كل ما يمثله من قيم وفضائل.
في هذا الفيلم، نجد عصراً جديداً بشعاً... يحل مكان عصر كان ينبض بقيم
إيجابية
وأخلاق لم يعد لها مكان في المجتمع.
وإذا كان هذا الفيلم شهادة ميلاد فنية لمخرج قدير مهموم بجوهر المجتمع
وقضاياه
الحقيقية، فهو ينبئ، في الوقت نفسه، بولادة مجتمع جديد مشوّه
وضائع على أنقاض مجتمع
جاد بنى السدّ العالي وأنجز معدّل تنمية مرتفعاً وشيّد المصانع في فترة
وجيزة،
والأهم أنه دخل بالوطن إلى عهد جديد.
وفي المرحلة المبكرة نفسها، تصدّت أفلام أخرى لبدايات كارثة «الفساد
الانفتاحي»،
أبرزها «عودة الإبن الضال» ليوسف شاهين، «أهل القمة» لعلي
بدرخان، «العوامة» لخيري
بشارة، «الصعاليك» لداود عبد السيد، و{سكة سفر» لبشير الديك كاتباً ومخرجاً...
أما الرائد أبو سيف فاتجه في «المواطن مصري» إلى الريف لرصد الفساد الكبير
في
الأرض، ويأتي عمدة القرية (عمر الشريف) في مقدمة المفسدين من
خلال سلب الأراضي من
فلاحيها واستيلاء الإقطاعيين عليها. هنا تبدأ مأساة الفلاح (عزت العلايلي)
وأقرانه
وولده المجند مصري. تكمّل الصورة في الريف الصورة في المدينة في «سواق
الأتوبيس»
وفي «أهل القمة» وغيرهما.
في «الآخر» يبلغ شاهين آفاقاً جديدة في إلقاء الأضواء على تفاقم الفساد على
أيدي
رجال الأعمال، وفي «هي فوضى» يصور جهاز الشرطة كجزء من فساد
السلطة ككل متنبئاً
بوضوح بانفجار شعبي وغضب ساطع يطيح بحاتم، الحاكم الصغير المعبّر عن مجمل
أصحاب
السطوة المفسدين.
أما داود عبد السيد في فيلمه الخطير «مواطن ومخبر وحرامي» فيقدم تحليلاً
وتناولاً مدهشاً لما صار إليه مجتمع الفساد والمفسدين، بصيغة
درامية مركبة مكثفة (في
قصيد سينمائي فذ) تعكس التزاوج الآثم بين سلطة باطشة ولصوص متشدّقين بقشور
دينية زائفة ومثقّفين يبيعون أنفسهم.
الجريدة الكويتية في
07/03/2011
بعد القائمة السوداء... قائمة بيضاء
نجوم الثورة إلى
الصفوف الأولى!
رولا عسران
أفرزت مقاطعة الشعب وصناع السينما النجوم المصنّفين على القائمة السوداء لا
سيما أحمد السقا، أحمد عز، كريم عبد العزيز، غادة عبد الرازق
وطلعت زكريا... حالة
من الفراغ الفني، خصوصاً بعد انسحاب هؤلاء بشكل مفاجئ من الأعمال التي
كانوا
تعاقدوا على المشاركة فيها، ما يقضي بالضرورة ترفيع نجوم آخرين إلى مقام
الصف الأول
لملء الفراغ.
يأتي خالد أبو النجا على رأس القائمة الجديدة باعتبار أنه يتمتع بخفة ظل،
وتمكِّنه ملامحه من أداء الأدوار التي يقدمها أحمد عز وكريم
عبد العزيز، مع ذلك
يؤكد أنه يرفض أن يكون بديلاً لأحد ويعشق السير بخطوات محسوبة، مؤكداً أن
هدفه لم
يكن يوماً أداء أدوار البطولة المطلقة.
يضيف أبو النجا: «لا أرغب في حصر نفسي في منطقة معينة، بل أحب التنقل بحرية
وبطريقتي الخاصة. راهناً، يُعرض لي فيلم مستقل وغداً أشارك في
بطولة فيلم روائي
تسجيلي عن الثورة وبعد غد قد أؤدي بطولة فيلم تجاري».
عمرو واكد وفتحي عبد الوهاب من بين النجوم الذين يتوقع أن يحتلوا موقعاً
على
قائمة نجوم الصف الأول الجديدة بعد تزايد شعبيتهما في الفترة
الأخيرة على أثر
مشاركتهما في تظاهرات 25 يناير منذ اليوم الأول.
كذلك، يتوقّع أن يصعد نجم آسر ياسين سريعاً، فهو يحمل مواصفات النجم
السينمائي
وتؤهله خطواته السابقة إلى أن يكون أحد نجوم المستقبل،
بالإضافة إلى أنه يملك فكراً
سينمائياً مختلفاً، إلا أنه يرى أن الفنان يحتلّ المرتبة الأولى بأمر من
الجمهور
نفسه ولا علاقة له بقائمة سوداء أو بيضاء.
فكر مختلف
يسرا اللوزي إحدى الفنانات المؤهلات لتصدّر القائمة البيضاء، فهي تتمع
بموهبة
فنية ترفعها إلى مصاف نجمة سينمائية ولديها فكر سينمائي مختلف.
كذلك، تعاونت سابقاً
مع يوسف شاهين وأسامة فوزي وغيرهما من كبار نجوم الإخراج... في اللائحة
نفسها،
تتأهل كل من بسمة وجيهان فاضل لاقتناص مساحة مميزة على الخارطة الفنية.
خالد الصاوي أيضاً أحد الفنانين الذين زادت شعبيتهم أخيراً، خصوصاً أنه كان
أحد
زعماء الثورة الشعبية وحاضراً مع الناس بقلبه وإحساسه فحملوه
على أكتافهم.
يؤكد الصاوي أنه ضد القوائم السوداء للفنانين، لأن من حقّ كل فنان التعبير
عن
رأيه كما يحبّ، سواء كان مؤيداً للرئيس حسني مبارك أو معارضاً
له: «يندرج ذلك ضمن
الحرية الشخصية وعلينا أن نتمتع بالديمقراطية التي ننادي بها»، لذا هو ضد
هذه
الطريقة في التعامل مع الفنانين الذين عارضوا الثورة.
القاسم المشترك بين هؤلاء النجوم أنهم يملكون فكراً مختلفاً عن غيرهم سواء
على
المستوى الفني أو السياسي أو حتى الإنساني.
حرية التعبير
لا ترى غادة عبد الرازق، إحدى نجمات القائمة السوداء، مبرراً لتلك القائمة،
لأن
كل فنان حرّ في التعبير عن رأيه. تضيف عبد الرازق: «لم أفهم
الصورة بشكلها الصحيح،
فقد تابعت قنوات كانت تنقل الموضوع بأسلوب غير دقيق، بالتالي بنيت رأيي على
معلومات
خاطئة، لذا أنا ضد القائمة السوداء برمتها وأرفض زج إسمي فيها».
أما باقي نجوم القائمة فبرأوا أنفسهم أيضاً، من بينهم أحمد عز الذي أصرّ
على حذف
اسمه من القائمة مؤكداً أنه لم يقصد إهانة المتظاهرين عندما
تلفّظ بكلمة «مغيبين»،
إنما القول إنهم مغيبون عن العالم بعدما قطعت الاتصالات عنهم،
مشدداً على أنه لا
يسمح لأحد بالمزايدة على وطنيته.
بدوره، اعترض تامر حسني على فكرة ترفيع نجوم بدلاً من آخرين، مشيراً إلى أن
النجومية تعتمد في الأساس على الموهبة لا على مواقف الفنان
السياسية.
الجريدة الكويتية في
07/03/2011
السينما الوثائقية تسجل شهادتها والتاريخ شاهد
عيان:
23
يوليو و25 يناير: عبدالناصر عود أخضر في حدائق الثورتين
القاهرة ـ من كمال القاضي
في تزامن مع
الاشتعال الذي تشهده البلاد وحالة الحراك الثوري للجماهير، حرص عدد من
المثقفين
والناشطين السياسيين على وضع ثورة يوليو وزعيمها جمال
عبدالناصر في الصورة.
وهي
رغبة نبعت من الإحساس بأن عبدالناصر دائما هو الغائب الحاضر في كل تظاهرة
أو احتجاج
فئوي أو شعبي، فصورته لم تفارق ميدان التحرير منذ 25 يناير أو أي من
الساحات
والميادين الأخرى، سواء بوسط العاصمة القاهرة أو مدينة أخرى من
مدن مصر الحبيبة،
ولكي يكون هناك تفسير لهذا دعا القيادي الناصري والكاتب الصحافي الكبير
أحمد
الجمال، الى تنظيم أمسية ثقافية ببيت السناري بحي السيدة زينب، ظاهرها
الاحتفال
بميلاد الزعيم الخالد الذي ولد في 29 كانون الثاني/يناير عام
1918 وباطنها التبصير
بانجازات 23 يوليو لتعرف الأجيال الجديدة الفرق بين زمانين، زمن النخوة
والكرامة
والعزة والنزاهة والبناء والتعمير والتحدي والصمود، وزمن آخر انتهى بقيام
ثورة
الشباب اتسم بالفساد والظلم والاستبداد والسلب والنهب
والعبودية، كانت دعوة الجمال
تهدف لعقد هذه المقارنة، وربما أفصح عن ذلك، حين قال في سياق حديثه للحضور،
إن
الفرق بين المرحلتين لخصه الشعب بمنتهى البلاغة، حينما خرجت الجماهير
الغفيرة في 67
تطالب زعيمها بعدم التنحي والبقاء في منصبه الرئاسي للجمهورية العربية
المتحدة، رغم
اعترافه بالنكسة، بينما خرج الملايين من الشباب والرجال والنساء والأطفال
والشيوخ
رافعين شعار الرحيل للرئيس المخلوع، وهذه دلالات والكلام هنا
لأحمد الجمال، على
الفروق الكثيرة الشاسعة بين مرحلتين وزمانين ورئيسين، وقد عبر الكادر
الناصري
المعروف تلك الجزئية وتحدث عن المتغير السياسي والاجتماعي الذي يمكن ان
يترتب على
نجاح ثورة الشعب الآنية موجهاً التحية لكل الفئات التي شاركت
فيها وعملت على
نجاحها، وفي محاولة للربط بين الأصالة والمعاصرة، تم إلقاء الضوء على بيت
السناري
باعتباره من الأماكن الأثرية المهمة، وحيث أن الاحتفالية تتصل بتاريخ ميلاد
جمال
عبدالناصر، فقد تم عرض فيلم تسجيلي عن حياته شمل أجزاء من خطبه
المهمة ورحلاته
وانجازاته، وهو عبارة عن تجميع وتركيب لعدد كبير من اللقاءات التذكارية
والصور
النادرة والشخصيات التي كانت محيطة به، ولعل أهم ما انفرد به الفيلم
الوثائقي لمحات
خاطفة من حادث المنشية، فما ظهر لم يكن شافيا ولا كافيا
للتعبير عن أهمية الحدث
التاريخي وثراء تفاصيله، بيد أن ما يحمد لمكتبة الإسكندرية صاحبة الانجاز
في خروج
هذا الفيلم للنور هو جدية البحث والتنقيب عن النادر والمثير في مسيرة الرجل
العظيم
ودأب الشباب الذين شاركوا في الإعداد والمونتاج والمكساج لكي يتوافر
للأجيال
الجديدة، ممن لم يروا عبدالناصر، فرصة التعرف على شخصيته
وتاريخه ودوره ولو منقولا
عبر الصوت والضوء، فكلاهما يشي بمعاني كثيرة ويعطي دلائل ومؤشرات تصلح
لتكوين فكرة
عن الكاريزمية الاستثنائية في تاريخنا المصري والعربي المعاصرين، إذ يستطيع
المشاهد
المجرد من أية انحيازات سياسية ومرحلية أن يحكم بنفسه على ما يرى،
فالكادرات مليئة
بالرؤساء والزعماء الإقليميين والعالميين، والصورة تشي بزخم
حقيقي على كافة
المستويات، فما من أحد يمكن أن يختلف على مناضل ثوري مثل جيفارا أو رئيس
مثل تيتو
أو امرأة كأنديرا غاندي أو رجل في حجم نهرو وغيرهم الكثيرين من الساسة
والزعماء
والثوار الكبار، كذلك ليس من قبيل الإنصاف تجاهل اهتمام جمال
عبدالناصر بالعلم
والعلماء والكتاب والمفكرين، فهو أول من خصص يوما للاحتفال بعيد العلماء
طبقا
لشهادة عميد الأدب العربي دكتور طه حسين والمسجلة كوثيقة بالفيلم نفسه،
فضلا عن وضع
المبدع في مكانة رفيعة والعناية بتكريمه كما حدث مع أم كلثوم وعبدالحليم
وفريد
الأطرش وبقية الفنانين العظام التي حرصت ثورة 23 يوليو على
إبراز دورهم في التثقيف
والتنوير وأفسحت لهم المجال للعطاء بكل طاقاتهم فأنجزوا تاريخا مشرفا من
الأدب
والفن والموسيقى والسينما، وسجلوا شهاداتهم بكل صراحة ووضوح إزاء ما لمسوه
وعايشوه
من نهضة عبرت عن نفسها في مشروعات ضخمة، كالسد العالي والإصلاح الزراعي
والتعليم
والصناعة والتجارة، إضافة الى التأكيد على دور مصر المحوري
والريادي في المنطقة
العربية ورعايتها للدول الشقيقة ودعمها للثورات وحركات التحرر كما كان في
اليمن
والجزائر وجنوب أفريقيا للقضاء على التمييز العنصري ونوازع الاحتلال
الموجودة لدى
القوى الإمبريالية، كل هذه معطيات تخلقت بفضلها براهين وأدلة
جعلت من تأييد المشروع
الناصري القومي العروبي بديهيات لا تحتمل الجدال ولا يمكن لعاقل وصاحب منطق
ان
يرفضها، وهذا ما تضمنه الفيلم الذي جاء في تتراته ومقدمته جملا مأثورة
لصاحب
الرسالة النبيلة من بينها 'إرفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد
الاستعمار'، وهي ذاتها
التي استوحى منها ثوار 25 يناير 2011 هتافهم 'إرفع رأسك فوق إنت مصري'
كناية عن
العزة والفخر والتخلص من عبودية الطغاة وازلالهم، أيضا من بين ما ورد
وسجلته الصورة
والذاكرة رد الفعل القوي المؤكد للشجاعة والثبات من جانب
الزعيم عند مواجهة
الشدائد، ما قاله حين أطلق عليه محمود عبداللطيف أحد أعضاء جماعة الإخوان
المسلمين
النار بالإسكندرية، في ما عرف بحادث المنشية، حيث ظل ناصر يصرخ، 'فليبق كل
في
مكانه' مطالبا الجماهير بألا يترك أحد منهم الميدان حتى لا
يتفرق الجمع وتعم الفوضى
ويحقق المتآمرون أغراضهم، ولم يقتصر ما تم انتقاؤه من الجمل التاريخية على
هذين
الموضعين، بل شمل التتر إعلان قرار تأميم قناة السويس عام 56 وما ترتب عليه
من
عدوان ثلاثي على مصر خرج فيه الشعب منتصرا وحمل المعتدي عصاه
ورحل، هذا التداخل بين
الشعارات والهتافات والأقوال جعل من الصعوبة بمكان استنباط العنوان الرئيسي
للفيلم
من بين كل هذه العناوين، وترك المجال مفتوحا لسؤال حتمي، هل العنوان هو
'ارفع رأسك
يا أخي أم فليبق كل في مكانه أم سنقاتل ولن نستسلم'، خاصة أن
الجملة الأخيرة ترددت
بوضوح ايضا ومثلت عنصرا مؤثرا في المكونات الفنية الوثائقية الرئيسية، ولكن
رغم
الهنات البسيطة والاختزال والتكثيف للأحداث والمواقف والتواريخ يبقى الفيلم
وثيقة
مهمة وعلامة سينمائية فريدة يستحق عليها من شاركوا في الفيلم التحية
والتقدير،
بفضلهم سيظل أرشيف ثورة يوليو وزعيمها حاضرا أبدا ـ طازجاً.
القدس العربي في
07/03/2011 |