تحاول “هوليوود” في الوقت الحاضر حل لغز يشبه اللغز العلمي الذي أثير قبل
عدّة أشهر حول اختفاء النحل، فالأفلام الموجّهة إلى الشباب في الأسابيع
السابقة لنهاية العام الماضي وصولاً إلى اليوم لا تحقق العائدات المرجوّة
منها، وهي التي تم إطلاقها خصوصاً للجمهور المراهق من سن الخامسة عشرة،
وحتى سن العشرين، فإذا بهذه الفئة تغيب عن معظم ما تم طرحه من هذه الأفلام
.
الأسبوع الماضي مثلاً، واجه فيلم “القيادة بغضب”، وهو فيلم “أكشن”
ومطاردات، من بطولة نيكولاس كايج وامبر هيرد، موقفاً مؤذياً حينما حط في
المركز التاسع من أسبوعه الأول مكتفياً بنحو خمسة ملايين دولار . وفي
الأسابيع الماضية، سقطت أيضاً جملة من الأفلام المماثلة، من بينها “الدبّور
الأخضر” و”ترون: الإرث” و”شريكة الغرفة”، وهي أفلام وجّهت تحديداً لخدمة
هذه الفئة التي طالما أثرت إنتاجات الأعوام القليلة الماضية حتى باتت
أغلبية ما ينتج من هذه الأفلام تتحلّى بالخصال نفسها من تناول سهل وعناصر
روائية مشابهة ومشاهد نمطية التركيب والتنفيذ .
في المقابل، يمكن ملاحظة أن أكثر الأفلام التي نجحت في الفترة ذاتها، هي
تلك الموجّهة إلى الجمهور الأكبر سنّاً والذي تم تغييبه سابقاً من معظم
جداول العروض التجارية، لأنه إذا ما راقبنا إنجازات هذه الأفلام من
الإيرادات لوجدناها حققت نتائج أفضل من تلك التجارية المحضة . من هذه
الأفلام مثلاً “خطاب الملك” (117 مليون دولار للآن)، و”المقاتل” (94
مليوناً للآن)، و”البجعة السوداء” (105 ملايين دولار)، و”عزم حقيقي” (169
مليون دولار) .
المفارقة التي تمنح هذه الأفلام يداً علياً في الأرباح المسجلة هي أن
الإيرادات المذكورة أمريكية فقط، بينما الإيرادات العالمية توازيها أو
تفوقها . أيضاً حقيقة أن هذه الأفلام، كونها ليست مصنوعة للإبهار البصري،
أرخص كلفة بكثير من الأفلام التي تم صنعها للجمهور الشاب . على سبيل
المثال، تكلّف فيلم “الدبور الأخضر” 125 مليون دولار (غير تكاليف الدعاية
والترويج) لكنه انجز قبل اندثاره السريع من العروض نحو 90 مليون دولار من
الإيرادات الأمريكية، في حين أن كلفة “خطاب الملك” لم تتجاوز الستة عشر
مليون دولار، لكنه حصد أكثر من 225 مليوناً من الإيرادات العالمية .
تبعاً لهذا الانحسار، انحسرت أيضاً مبيعات صالات السينما من المرطبات
والبوب كورن . فالجمهور الراشد لا يطلبها بقدر ما يطلبها الشبّان، وهذا بحد
ذاته يكشف عن الفائدة المشتركة التي كانت مناطة بنجاح الأفلام الشبابية،
فكثرتها ورواجها يرفعان من قيمة ما تبيعه صالات السينما من مشروبات غازية
وحلوى ومأكولات سريعة .
والمحللون المعنيون بمراقبة كل دولار وكيف يُصرف ومن أين يأتي يلحظون أنه
قبل أقل من عام شكّل الشبان والمراهقون من الجنسين دون الخامسة والعشرين من
العمر ما نسبته 54% من مشاهدي فيلم الرعب “آخر طرد أرواح” أو
The Last Exorcism
.
أما فيلم الرعب الحالي “شعائر” فلم يحظ بأكثر من 36% من إقبال الشبيبة،
بينما بلغت نسبة الذين أقبلوا عليه من فوق سن الخامسة والعشرين 64% . هذا
الوضع ينطبق تماماً على فيلم أكشن عرض قبل أسابيع قليلة أيضاً بعنوان
“الميكانيكي” مع الرائج عادة جايسون ستاثام في البطولة . هذا الفيلم تكلّف
نحو 55 مليون دولار لإيصاله إلى الصالات، وسجّل عالمياً 103 ملايين، علماً
بأنه يحتاج إلى 200 مليون دولار لتغطية مصاريف التوزيع والطبع والحملات
الترويجية قبل أن يُعتبر رابحاً .
هذا لا يعني أن الجمهور الراشد يعود بنسب مرتفعة، بل إن “انحسار” الجمهور
الشبابي لا يعوّضه ارتفاع إقبال الراشدين ما يعرّض العملية الإنتاجية لأزمة
على “هوليوود” أن تدرسها جيّداً وتحاول تجنّبها إذا استطاعت .
كذلك لا يعني كل ذلك أن بعض الأفلام التي بنيت نجاحاتها على التوجّه إلى
الجمهور المراهق لن تبقى قوية إلى حين . أحد أهم النماذج هنا هو سلسلة
“توايلايت” التي انطلق الجزء الأول منها سنة 2008 بنجاح تجاوز ال300 مليون
دولار، وأنجز الثاني أكثر من 700 مليون في حين حصد الثالث أقل من ذلك
المبلغ بقليل . “توايلايت” هو نموذجي من حيث ارتباط سينما الرعب بالجمهور
الشاب عبر بيع المراهقين أبطالاً وسيمين لابد من الوقوع في حبهم، حتى لو
كانوا مصاصي دماء، كما تتمحور الأحداث .
الأبعاد الثلاثة في خدمة الفن
صداقة المخرج الألماني المعروف، فيم فندرز، لمدرّبة الباليه بينا بوش تعود
إلى نحو 25 سنة، والإثنان، يقول المخرج، كانا اتفقا على إنجاز فيلم وثائقي
عنها وعن مدرستها “أعربت لها عن رغبتي في ذلك ووافقت ودرسنا الإمكانية أكثر
من مرّة، لكن المشروع تأخر طوال هذه السنوات” .
قبل ثلاثة أعوام قرر فندرز وبوش أن الوقت قد حان للشروع في هذا الفيلم، لكن
بوش توفيت فجأة وشعر المخرج الألماني أنه بات وحيداً وأنه لن يستطيع إنجاز
هذا الفيلم من دونها: “أردت أن أهمله، لكن عديدين سألوني متى سأحقق هذا
الفيلم الموعود . وجدت أن عليّ أن أفي بوعدي وبواجبي حيال ذكراها، لذلك
حققت الفيلم” .
الفيلم عنوانه “بينا . . بينا . . بينا” (أو “بينا” واحدة في عناوينه
الإنجليزية)، وهو سرد بصري اللغة لعالم الباليه، كما مارسته بينا بوش،
وعلّمته لجيلين من الراقصات على الأقل . في الفيلم نتابع كيفية وضع أبدان
الراقصين على خلفية فسيحة، وفي فضاء شاسع مهما كان محدوداً . والتصوير مبدع
في تقصّيه الحركة، ومنحها الحرية التعبيرية التي تحتاجها من دون أن يتدخّل
التوليف لهدم تلك اللقطات البعيدة التي يتكوّن منها الفيلم على غرار ما
فعله الفيلم الحديث “البجعة السوداء” .
الأهم من كل ذلك، أن فندرز صنع الفيلم بالأبعاد الثلاثة . وأهمية ذلك
متعددة المستويات . لكن قبل ذكر تلك المستويات لابد من تسجيل أن صنع الفيلم
بالأبعاد الثلاثة فكرة خطرت للمخرج سنة ،2006 حين قدّم فيلماً غنائياً
قصيراً عن فريق
Us
بالأبعاد الثلاثة، بذلك يكون أول من اشتغل على التقنية الجديدة للأبعاد
الثلاثة، وإن عاد للبعدين التقليديين حينما قدّم سنة 2008 فيلمه الروائي
الجيد “إطلاق نار في باليرمو” . ما هو مميّز في هذا الشأن ان استخدام
تكنولوجيا الأبعاد المجسّمة هذه المرّة لم يكن بغاية إبهار المشاهد بتركيبة
روائية، بل ضمن إطار فني صرف . وهذا أحد المستويات المتعددة التي يحملها
الفيلم في طيّاته على هذا الصعيد . فندرز في بحثه عن كيف يمكن التعبير أفضل
عما يعنيه له الباليه، توصّل إلى أن أفضل نتيجة ممكنة يمكن لها أن تقدّم
هذا الفن تقديماً مختلفاً وجديداً هو تقنية الأبعاد الثلاثة . وهو يقول في
مقابلاته الصحافية منذ أن قدّم الفيلم في مهرجان برلين قبل أسابيع قليلة،
أن “بينا” لم يكن ممكناً تحقيقه إلا بالأبعاد الثلاثة .
هناك مغالاة في ذلك، فالسينما ذات البعدين طالما قدّمت مواضيع فنيّة رائعة،
سواء كانت مسرحية أو شعرية أو موسيقية، بالبعدين ونجحت إلى حد بعيد من دون
أي ريب . الجلوس ومشاهدة هذا الفيلم الفني بلغة الأبعاد الثلاثة وإن كان
مثيراً للعين، الا أن ذلك وحده لا يعني أن فندرز أو سواه لم يكن قادراً على
إنجاز الفيلم نفسه بالبعدين العاديين .
ما يمنح عنصر التجسيد قيمته الرئيسة، هو حقيقة أن المخرج لم يلهث وراء
التعبير المباشر . لن يصدم المشهد المرء ليدهشه، بل حرص المخرج على توظيف
المشهد الراقص لبناء علاقة تأمّل بين المشاهد والفيلم . الأبعاد الثلاثة
تبدو في العمق أكثر مما تبدو في الظاهر . هي أقرب لأن تكون نتوءاً في خلفية
الصورة أكثر منها نتوءاً باتجاه المشاهدين، أو هكذا هو الشعور الناتج على
أي حال .
بعد وفاة بينا واجه المخرج مسألة كيف يحقق فيلماً عنها من دون وجودها،
والجواب البديهي الوحيد هو جمع الراقصات اللواتي تدرّبن على يديها، وعبر
الصورة والمعالجة ضمن تقدير الفنانة وسجّل عنها هذا العمل الجيد .
أوراق ناقد
العودة إلى الفيلم المصري
في وجه المتغيّرات والتحدّيات، ليس أمام السينما المصرية سوى إعادة ترتيب
أوراقها والتقدّم في اتجاه مدروس .
ربما الفرصة متاحة حالياً بسبب الشعور بأن ثورة يناير تحمل في طيّاتها
الحاجة إلى إعادة النظر في كل البنية الإعلامية والثقافية والفنية . أو
بكلمات أخرى، الظروف اليوم مواتية لأن تعيد الثقافة المصرية أولويّاتها على
شتى الصعد بحيث تحقق واجباتها حيال الجيل الجديد الذي برهن على أنه لم يكن
في حسبان الممارسات التقليدية والمسلّمات التي حاولوا زرعها في الجذور،
فبقيت تحت القشرة مباشرة حتى إن هبّت الرياح اقتلعتها سريعاً .
والمسائل لا تُحل بالتمنيات وحدها، ولا بالآمال، وحتى العزائم قد تهون
وتضعف . المسائل تُحل بثقة من يريد البناء والوصول إلى الأفضل، وباعتراف
غير مشروط بالمشكلات القائمة التي تواجه السينما المصرية قبل سواها . ومن
هذه المشكلات انغماس الشركات الإنتاجية بسيل من الأفلام التي لا فحوى لها
أو فائدة ولا قيمة فنية أو أسلوبية مطلقاً . قبل أحداث يناير، كانوا يقولون
إن الجمهور يريد ذلك، علماً بأن أكثر من نصف هذا المنتج كان يخفق في تحقيق
عائدات كافية، لكن الأحداث برهنت على أن الوعي تجاوز، بصمت، هذا النوع من
الأفلام، وأنه إذا ما أراد المنتجون جلب الجمهور مجدداً إلى السينما فإن
ذلك يتم بأعمال تطير بجناحي الشكل والمضمون لتحقق العائدات ولتعني ما يحتاج
إليه الناس فعلاً من القيمة .
مشكلة أخرى تواجه السينما في مصر (والعالم العربي بأسره) هي الانتشار
المخيف للسرقة، حيث تضيع مئات ملايين الدولارات (او المليارات حسب قول بعض
المنتجين المصريين أنفسهم) على المنتجين ما يجعلهم أقرب إلى خانة الخسارة
من الربح وعلى النحو الذي يُعيق نمو السينما المصرية نموّاً مطرداً .
إذا ما وضعنا هذه المشكلات إلى جانب حقيقة عزوف المشاهدين العرب عن الإقبال
على السينما المصرية، وسيادة الأفلام الأمريكية على الأسواق، فإن التحدّي
الذي تواجهه السينما المصرية كبير . لكنه تحدٍ قابل للمواجهة بل للانتصار
فيه إذا ما تم تنفيذ قرارات إدارية تحتاج إليه الصناعة المصرية في الداخل،
وإذا ما تم تسهيل حصول الفيلم على رخص الرقابة (خمس حسب آخر إحصاء) وتمت
صيانة حق التعبير وحرية إبداء الرأي وإبقاء السينما نافذة مفتوحة على
الهواء ولا شيء آخر .
كأي عنصر ثقافي آخر، السينما لا يمكن أن تكون مجرد لهو يسلّي الناس،
والسينما المصرية لم تكن كذلك، إلا في خط من خطوط انتاجاتها، أما الخطوط
الأخرى فكانت مسؤولة تبعث على التنوّع واثراء المشهد الفني والثقافي بأسره،
وهذا يمكن أن يعود . . إذا ما أريد له ذلك .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
06/03/2011
السينما العراقية من عهد الى عهد "1"
محمد رُضا
سينما تتبع نظاماً
أحد إنجازات
نظام صدّام حسين البائد هو أنّه أوجد مؤسسة حكومية ترعى وتموّل الأفلام
العراقية
بغاية خلق سينما فاعلة. لكن واحد من آثار ذلك النظام هو إساءة
استخدام هذا الإنجاز
سريعاً من بعد استحداثه. فهو وظّف
كل الأعمال الفنية ومهارات السينمائيين
والمواهب المبدعة في الكتابة والإخراج والتصوير والتمثيل، لكي تخدم النظام
وحزب
البعث والدولة بمفهومها القائم. هذا ما منع، والبعض قد يقول أباد، السينما
العراقية
التي كانت بدأت تترعرع في مطلع عهد ذلك النظام الذي لم يكترث،
شأنه في ذلك شأن
أنظمة عربية أخرى، الى تشجيع السينما كفن وكثقافة وترفيه، وتأسيسها كصناعة
كبيرة
وفي الوقت ذاته استخدام ما حلا له منها لمصالحه فيكون بذلك خدم وانتفع. ما
فعله
النظام آنذاك أنه وجّه، عبر مسؤوليه، كل الطاقات لأن تخدم فكر
الدولة
وايديولوجيّتها فقط جاعلاً من شبه المستحيل على السينما العراقية مواصلة
طريق كانت
شقّته بصعوبة كبيرة من الأربعينات وحتى ذلك الحين.
فإلى أن نشبت الحرب العراقية-
الإيرانية كانت هناك سينما عراقية بالفعل. لم تكن السينما المنشودة، معظم
الأحيان،
لكن قوامها، من خبرات ومواهب وستديوهات، كانت متوفّرة ولو في حدود. ففي
الأربعينات
تم إنشاء أوّل ستديو سينمائي في بغداد (باسم ستديو بغداد) تبعه
ستديو آخر للإنتاج
والتصوير باسم "دنيا الفن". وكلا الاستديوهين أنتجا أفلاماً حتى أواخر
الخمسينات من
بينها "علياء وعصام" و"عروس الفرات" و"ارحموني"، و"من المسئول" و"ندم"
و"سعيد
أفندي" و"وردة" وعدد آخر من انتاجات انقسمت ما بين الدراما
والكوميديا كشأن العديد
من السينمات المحلّية في المنطقة آنذاك.
من
مطلع الستينات، أخذت السينما العراقية تجد نفسها تابعة لنظام
حجر عليها، وذلك تبعاً
لتوالي الحكومات وفهمها المحدود الذي لابد أنه كان مستوحى من تجربة الدول
الشيوعية
حيث الحظر على الفكر والإبداع الا ما توجّه لخدمة الحاكم والنظام على ذلك
حتى منتصف
الخمسينات كانت هناك المزيد من الأفلام الترفيهية المتّجهة الى الجمهور
السائد
مثل"يد القدر" و"ورق الخريف" و"عودة الى الريف". لاحقاً، هذه
الحدود ضاقت أكثر حين
بدأ حشر الرسالات السياسية في الأفلام العاطفية. وأدى قيام
حزب البعث بالاستيلاء
على السُلطة في العراق الى مزيد من توجيه السينما لخدمته كما كان متوقّعاً
على
ذلك، فإن السنوات الأولى من حكم الرئيس صدّام حسين (الذي استلم المقاليد
في العام 1979)
لم تكن، سينمائياً، سيئة. كان لا يزال هناك جهد حقيقي لتقديم سينما ذات
هوية
وطنية وكان بعض فرسانها صاحب حدّاد ومحمد شكري جميل وقاسم
حول وفيصل الياسري
يتمتّعون بهامش من التقدير لمواهبهم ومساعيهم من قبل أن ينحسر التقدير
ويصبح هؤلاء
وسواهم رهينة الرغبة في تسييرهم حسب وصيّة الدولة وحدها
أفلام كبيرة
إنها الفترة التي
أنجز فيها السينمائي العربي الراحل مصطفى العقّاد فيلميه الكبيرين
"الرسالة" و"عمر
المختار". الفيلمان نجحا في التوجّه الى الغرب (والشرق معاً) ما جعل
لزاماً على
السينما العراقية أن تخرج من حدودها بقرار. المؤسسة العامّة للسينما في
بغداد، رفعت
سقف الموازنات وأطلقت أفلاماً كبيرة الحجم مثل "الأسوار" و"المسألة الكبرى"
لمحمد
شكري جميل و"الأيام الطويلة" لتوفيق صالح و"القادسية" لصلاح أبو سيف
فيلم
محمد شكري جميل "المسألة الكبرى" كان تحدّياً انتاجياً، فالمخرج والمؤسسة
العامة
للسينما أراداً عملاً يوازي "عمر المختار" الذي تمتّع، كما هو معروف،
بعناصر
الإنتاج الدولية من خبرات أجنبية ممتزجة مع تلك العربية. لكن رؤية مصطفى
العقّاد
كانت مطعمة بممارسته الإنتاج طويلاً في الولايات المتحدة قبل تحقيقه فيلميه
الشهيرين، بينما اكتفى محمد شكري جميل على طموحه. المشترك بين
هذا الفيلم وفيلم "عمر
المختار" هو أن كليهما أراد الحديث عن نضال فترة وأن كليهما وضع عنواناً
أجنبياً مختلفاً عن العربية فأصبح "عمر المختار" "أسد الصحراء"
بالإنكليزية
و"المسألة الكبرى" صار "صدام الولاءات"، وهو عنوان لا يتذكّره أحد طبعاً.
المشكلة
االأخرى، لم تكن كناية عن الحجم بل ما هو المرغوب من الفيلم الواحد تحقيقه.
تلك
الأفلام العراقية المذكورة، كانت منتجة لرسالات سياسية لا تريد
التستّر وراء
الموضوع بل تولّيه ولا تريد التخفّى في طيّاته بل الإستيلاء عليه. على أنها
لم تكن،
وهذا ضروري جدّاً في هذا المجال، أفلام هواة او أعمالاً رديئة ولو أنها،
بالنسبة
للمخرجين المصريين توفيق صالح (الأيام الطويلة) وصلاح أبو سيف
(القادسية) لم تكن من
أفضل ما حققّاه في حياتهما السينمائية.
مع اشتعال جبهة القتال العراقية-
الإيرانية تراجع دور السينما في كل الاتجاهات وانتقل الحال من السيئ إلى
الأسوأ
مروراً بجريمة احتلال الكويت ووصولاً الى انهيار النظام
بالكامل.
السؤال الذي يطرحه ذلك كلّه هو، إذا كانت السينما
العراقية سبحت طويلاً في مياه الموضوع السياسي المُوجّه، ما الذي يجعلها
تختلف الآن
مع أفلام مرحلة ما بعد صدّام حسين؟ أفلام مليئة بالإسقاطات والانتقادات
والرسائل
الموجّهة بدورها. معذورة كونها تريد أن تتناول كل تلك القضايا بعد سنوات من
الكبح
والقمع، لكن هل سيصنع ذلك سينما؟.
فيلم "زمن رجل القصب" لعامر علوان واحد من
الأفلام القليلة التي تجنّبت الرسالة السياسية المباشرة وبذلك تجنّبت أن
تكون ضلعاً
في عملية مواجهة الحاضر للماضي على نحو خطابي. فيلم رقيق و، مع مشاكل في
السرد،
إنساني الملامح حول ذلك العجوز الذي يترك الريف للمدينة بحثاً
عن دواء لزوجته وسعيه
الحثيث لإيجاد الدواء في مدينة غريبة عليه ومواجهاته مع عناوينها
الاجتماعية
المختلفة تكوّن ذلك الحس النابض بقيمة الإنسان المهدورة في زحام الحياة
والدعة
والتباين الاجتماعي الحاصل بين أهل الريف وأهل المدن. في
النهاية، فإن بطله يشعر
بالأمان إذ عاد الى قريته. لعلّه من هنا يستطيع أن ينتظر أيامه (أو أيام
النظام)
وهي تولي.
الجزيرة الوثائقية في
06/03/2011
دور السينما في اليمن.. بين الماضي والحاضر
فيروز الوالي - صنعاء
من أصل 49 دار عرض سينمائي في اليمن لا توجد في
الخدمة الآن سوى 10 دور معظمها تعمل على تكرار عرض الأفلام القديمة وغير
النوعية,
ومنها ما تحول من عرض الأفلام السينمائية
إلى عرض أفلام اسطوانات مدمجة
DVD))
من
خلال تقنية "البروجكتر" عرف اليمن صالات العرض السينمائي في خمسينات القرن
الماضي
في عدن, ومنها انتشرت إلى بقية المحافظات الجنوبية والشرقية (قبل إعادة
الوحدة عام
1990م ) وكانت هذه المحافظات تمتلك جميعها دورا للعرض التي وصل عددها إلى
24 دار
عرض حتى عام 1990م.
أما المحافظات الشمالية , فهي لم تعرف ظهور هذه الصالات
إلا عام 1962م , ويملك القطاع الخاص في هذه المحافظات جميع دور العرض.
والتي وصل
عددها حتى عام 1990م إلى (25) دار عرض .
يؤكد رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة
للمسرح والسينما الأستاذ: حسين محمد عبد الله أن جميع دور العرض في اليمن
هي دور
عرض شعبية تفتقر إلي شروط دور العرض الحديثة بإمكاناتها
العصرية .
السينما في صنعاء..
لا نعثر الآن في العاصمة
صنعاء سوى على دار عرض سينمائي واحدة, من أصل أربع دور عرض كانت مفتوحة
ثلاث منها
أغلقت, بما فيها أقدم وأكبر دار سينما في صنعاء وهي "دار سينما بلقيس"
الواقعة في
ميدان التحرير, والتي أغلقت أبوابها عام 2004م , فيما كانت توقفت كل دار
"سينما
حدة" و"سينما خالدة " في الحي السياسي سنة 2003 لتبقي على لائحة دور العرض
في هذه
المدينة فقط "الدار الأهلية للسينما" الواقعة في حي شعوب غربي مدينة صنعاء
القديمة .
و"الدار الأهلية للسينما هي ثاني صالة سينما تفتتح في صنعاء حيث بدأ
نشاطها
عام 1962م عقب شهور من افتتاح " دار سينما بلقيس
" .
تعرض هذه الدور أساسا الأفلام الهندية وهي هي
أول الأفلام التي أدخلت اليمن بعد عام 1962م وبسب الإقبال مشاهدة هذا النوع
من
الأفلام - ويقول الدكتور عبدا لله الزين في كتابه "اليمن ووسائله
الإعلامية" وانتهى
الأمر بأن أصبح المشاهد اليمني يعرف حبكة القصص العاطفية التي تتخللها
الأغنيات
الشرقية المعبرة والمشاهد الخلابة .. وتتناول الأفلام الهندية
التي تعرض في اليمن
موضوع الحب المثالي الذي يتردد في الشعر الغنائي العربي , ويمثل قيمة
يحترمها حماة
التقاليد في البلاد.
يقول الناقد السينمائي عبد ربه الهيثمي :" في نهاية عقد
السبعينات كان وضع المؤسسة العامة للمسرح والسينما قد اختل
وتعثر نشاطها, بما في
ذلك استيراد الأفلام الجديدة, حيث كانت المؤسسة متعاقدة مع عدد من الشركات
العالمية
لإنتاج وتسويق الأفلام . وكانت تشتري منها الجديد وتعمل على تأجيره لدور
العرض
.
ولتعثر نشاط المؤسسة وتوقف استيرادها وتوزيعها لهذه الأفلام, عجزت
إدارات دور العرض
في المحافظات الشمالية, وهي إدارات لم يكن لها علاقة بالفن السابع ,عن
مواجهة هذه
المشكلة التي زاد من خطورتها الانتشار الكبير للدش والقنوات الفضائية وكذلك
مقاهي
الانترنت ومحال بيع الأقراص المدمجة, والتي استقطبت نسبة كبيرة
من جمهور دور العرض
,
أضافه إلي أن دور العرض أخذت بتكرار عرض مخزونها من الأفلام القديمة فتراجع
روادها وضعفت إيراداتها , فكان إغلاق معظمها"
الدار الوحيدة التي تمارس نشاطها بصنعاء الآن
هي " الدار الأهلية للسينما" التي لم يعد يرتادها يوميا سوى (150-200) شخص
وهي
المشكلة التي حاولت إدارة هذه الدار التخفيف من وطأتها باستئناف استيراد
وعرض
الأفلام الهندية الجديدة منذ بداية هذا العام, بينما ظلت في
السنوات الماضية تعيد
عرض الأفلام القديمة, وهي الآلية التي ظلت دور العرض في المحافظات الشمالية,
والمتمثلة في تكرار عروضها القديمة, والذي
نتج عنه تراجع في عدد المترددين وبالتالي
في مستوى الإيرادات ومنها "دار سينما بلقيس " في صنعاء التي
قيل إن إيراداتها قبيل
إغلاقها وصلت إلى مستوى عجزت فيه عن تغطية نفقات تشغيلها, ما اضطر صاحبها
إلي
إغلاقها .
ومع اختلاف طفيف في التفاصيل أغلقت معظم دور العرض في بقية المحافظات
الشمالية, فهذه مدينة الحديدة مركز محافظة الحديدة كان بها خمس
دور عرض لم تعد
تمارس نشاطها سوى دار عرض واحدة, ومثلها في مدينة تعز مركز محافظة تعز.
ويرجع كثير
من المصادر إغلاق 19 دار عرض في المحافظات الشمالية من أصل 25 إلى الإدارة
غير
المؤهلة, وحيث كانت تدار هذه الدور من قبل عناصر لا علاقة لها
أو دراية بالفن
السابع, فكان همها الأول هو الربح السريع, دون العناية بصالات العرض من
ناحية
النظافة المستمرة والصيانة الدائمة والعروض الجديدة ذات القيمة النوعية
المناسبة
للعرض, أسهم في ذلك غياب الدولة عن أداء دورها في تنمية هذا القطاع
بالإشراف علية,
وفق رؤية واضحة ومن خلال مؤسسة وهيئة متخصصة وفاعلة.
ونتيجة لهذا الواقع ظل
مستوى خدماتها يتراجع, وبالتالي تراجع عدد روادها, ولم تصمد أمام تراجع
الإيرادات,
فكان قرار الإغلاق هو الحل, أما الدور التي استمرت تمارس نشاطها فهي إما
تعرض
الأفلام القديمة , وإما تحولت من عرض الأفلام السينمائية إلي عرض أفلام
الأقراص
المدمجة من خلال تقنية "البروجكتر" بل إن مباني بعضها صارت
أسواقا شعبية لبيع القات
والخضراوات.
يشار أن ثلثي دور العرض في المحافظات الشمالية تنتشر في صنعاء
والحديدة وتعز, بينما لا تزال هناك مراكز محافظات محرومة من
هذه الفضاءات
السينمائية حتى اليوم.
وراء كل هذا التردي والتراجع في مستوى خدمات هذا القطاع
في اليمن, تقف الدولة عاجزة بوصفها الراعي الذي يضم هذا الفن وهذا القطاع
حتى
اليوم ضمن دائرة اهتماماته , بما يمكن هذه الفنون من أداء دورها في تنمية
أجيال
قادرة على العطاء والانجاز إذ لم تعد الفنون _ حسب محمد عبد الله _ وسيلة
لتنمية
التذوق والنزعة الجمالية فحسب , وإنما أداة مهمة من أدوات تنمية التفكير.
الحل
قرار سياسي
يبقي الحل لتجاوز هذا الوضع في رأي رئيس مجلس
إدارة المؤسسة" هو في إصدار قرار سياسي, إما بتصفية المؤسسة ودور العرض,
وإما
بالإبقاء عليها وحل مشكلاتها وتوفير الشروط اللازمة لتفعيل نشاطها" وهو ما
أكده
الهيثمي, مشيرا إلى أن معالجة أوضاع السينما في اليمن بشكل عام, من دور
العرض إلى
الإنتاج . وأضاف :"يتوقف هذا الحل على الإرادة والقرار
السياسيين, حينها ستكون هناك
سينما يمنية منافسة, وهذا الأمر ليس مستحيلا في ظل توافر كافة الإمكانات من
مواد
خام وكوادر ومساحات طبيعة , لكن ما نحن بحاجة إليه هو الإرادة
السياسية".
الجزيرة الوثائقية في
06/03/2011
«البلدة».. سطو على البنوك والقلوب
زياد عبدالله
الممثل بن أفلك أراد أن يخوض تجربة إخراجية ثانية بعد فيلمه المعنون
Gone Baby
Gone «لقد رحلوا يا طفلتي رحلوا»، والنتيجة
جديده
The Town
«البلدة» الذي له أن يكون مقاربة للقتلة من جوانب قتالية واخرى نفسية إن صح
الوصف، وبناء فيلم «أكشن» لا يراهن بالمطلق على هذه الصفة، لا بل يمكن وضعه
بين فيلم مثل
Heat
«حرارة» وفيلم آخر هو
The America
الأمير كي، بين كون الأول يأتي عصابات الجريمة المنظمة من باب علاقات
ملتبسة وحركية عالية على صعيد المعارك والمطاردات، بينما يأخذ من الثاني
البعد النفسي للقاتل، دون أن يكون أفلك لا روبرت دي نيرو في «حرارة» ولا
الشخصية البديعة التي قدمها جورج كلوني في «الأميركي» وكل العوالم الخاصة
التي نسجت في ذلك الفيلم.
الفيلم يأخذنا من البداية إلى مساحة جغرافية بعينها، إنها «تشارلز تاون» في
بوسطن، ويقول لنا إنها تحتوي من القتلة وسارقي البنوك ما يضاهي كامل
أميركا، ولنكون في صدد الجيل الجديد من هؤلاء القتلة، ولنشهد عملية سطو على
بنك تضعنا مباشرة أمام إيقاع يسعى إلى إيقاعنا في شباك الفيلم من اللحظة
الأولى، وله أن يحقق ذلك، فكل شيء ينجز بحرفية عالية سواء كان سينمائياً أو
على صعيد حرفية من يسطون على البنك، لكن ومن البداية فإن القصة التي ستنسج
ستمضي نحو مديرة البنك التي يجري التركيز عليها وهي ممددة على الأرض ومن ثم
قيامها بفتح الخزنة العملاقة، التركيز يأتي من دوغ (بن أفلك) الذي سيقع في
غرامها كما سنرى في ما يلي.
هنا سيبنى الفيلم حول العلاقة الغريبة التي ستنشأ بين الخاطف والسارق ومن
خطفها أي مديرة البنك كلير (ريبيكا هول)، سيعود إلى ملاحقتها بعد اطلاق
سراحها، هي التي لا تعرفه، ستبادله الغرام وهي لا تعرف أن دوغ هو نفسه من
قام باقتحام البنك الذي تعمل فيه، وعلى هذا سيكون رهان الفيلم، على هذه
العلاقة، ومعها علاقة دوغ بشريكه جيم (جيرمي رانر الذي رشح لأوسكار أفضل
ممثل في دور ثان) وعلى مبدأ أن دوغ هو المخ وجيم هو العضلات. سيعرج الفيلم
في مسار أحداثه على حياة كل من دوغ وجيم، والاهتمام بالنفسي بكل واحد
منهما، ودوافع وأسباب كونهما كذلك، وبما يجعل سلوكيات كل شخصية متأتية من
منشأ وخلفية كل واحد منهما وعلى شيء من المسعى أن يكون الفيلم كما أسلفنا
ليس بفيلم «أكشن» لا شيء فيه إلا المطاردات والمعارك مع أنه مملوء بذلك،
ولنكون في النهاية أمام فيلم مملوء بالحركة والتشويق دون مجانية، لا بل إن
المصائر التي تطال الشخصيات ستكون على التزام صارم بمكونات كل شخصية،
فالفيلم ايضاً عن الحب والصداقة، وعن كون الشخصيات وليدة محيطها أيضاً أو
كما يقول دوغ لكلير حين يسعى لأن يتغير ويرفض حياة السطو والقتل «مهما
تغيرت إلا إن علي أن أدفع ثمن ما اقترفته، وهكذا فإن أمامي طريقاً طويلة،
لكنني سآراك مجدداً هنا أو هناك».
الإمارات اليوم في
06/03/2011 |