قصّة حب عادية تتحوّل،
بفضله، إلى عالم متكامل من الحكايات والتفاصيل. المشاعر حاضرة. الانفعال
طاغ.
السياسة أيضاً، وإن بشكل مبطّن وخفر. شؤون
الحياة اليومية هاجسه. الرغبات والعلاقات
والعائلة ركائز أساسية في غالبية أفلامه السابقة. في فيلمه
الأخير هذا أيضاً. عالم
متكامل من الحكايات والتفاصيل. الغلبة للنسق البصري في سردها. في فضحها. في
جعلها
مرايا الذات والبيئة والمجتمع والتحوّل والذكريات. فيلمه الأخير مشبع
بالشقاء
الروحي. بالبؤس النابع في ذات المرء من صدمة الموت والانكسار
والخيبة. موت الحبيبة
ضربة قاضية للحبيب. العمى جزء من قسوة القدر. الاختباء في كيان إنساني آخر
محاولة
هشّة لحذف الذاكرة نهائياً. لكن القدر، مجدّداً، لا يتخلّى عن وحشيته في
استدراج
المرء إلى شباكه القذرة. عن متعته في ممارسة وحشيته. لا يُمكن للذاكرة أن
تبقى
غائبة. للذكريات أن تذوب في الراهن. هناك، دائماً، لحظة أو
حالة أو حادثة أو خبر أو
لقاء أو وجه أو نص، يعيد إظهار الماضي، بل نبشه وتسليط الضوء عليه مجدّداً.
الغلبة،
دائماً، للقهر والألم. لا يصمد المرء طويلاً في مواجهتهما. القهر والألم
فاعلان،
بقوة، في تدمير البناء الإنساني والعاطفي. ومهما قاوم المرء،
فإنه ينكسر لاحقاً.
مقاومته وهمٌ. لأنه محتاجٌ إلى وهم يمتّن عيشه وسط الخراب الفظيع الذي
يُحاصره.
انقلاب
قصّة حبّ عادية. نفض الرجل الغبار عنها، لأن خبراً صغيراً في صحيفة
يومية فجّر في ذاته تلك الحكايات القديمة والتفاصيل التي هجرها ذات مرّة.
الرجل
أعمى، بسبب حادث سير قُتلت فيه الحبيبة. الخبر الصغير نافذة
ضيّقة اتّسعت لهذا
الكمّ الهائل من الانفعال والذكريات. من القصص والمنعطفات. من الشغف
والانصياع
للعاطفة في تسيير أحوال العيش اليومي على تخوم الأوهام الكبيرة. أو فيها.
المرأة،
هنا، بديعة في ممارسة شغفها مع عاشق أبدع، بدوره، في إلغاء
الحدّ الفاصل والواهي
بين الواقع والمتخيّل. الإلغاء، في هذا السياق، لا يعني براعة جمالية في
العيش، لأن
الرجل نفسه وقع في حبائل القدر. لأن اللعبة أفضت بالمرأة إلى الموت،
وبالرجل إلى
ولادة ثانية لإنقاذ بقايا جسد وروح من خراب الدنيا.
في «عناقات مكسورة» للمخرج
الإسباني بيدرو ألمودوفار، يعاين المُشاهد فقرات متلاحقة من
سيرة الحياة والموت.
العاطفة والقسوة. العشق والخيبة والثأر. كاتب سيناريوهات أعمى يجد ضالته
الشبقية في
سحر خاص به، يهدم الموانع النسائية بسهولة، فتجد النساء أنفسهنّ في أحضانه.
أو على
فراشه. هاري كاين (لويز أومار) منشغل بالكتابة والجنس. هناك من يُساعده
طبعاً. في
شؤون البيت والحياة. في الكتابة. في قراءة الصحيفة اليومية
أحياناً. لوهلة أولى،
تبدو أمور كاين عادية وبسيطة. لكن، فجأة، تنقلب الأمور رأساً على عقب.
تُفتح كوّة
هائلة من الانهيارات، إثر استماعه إلى خبر صغير في الصحيفة، قرأته له
وكيلته جوديث
غارسيا (بلاكا بورتيلّو): وفاة الثري إرنستو مارتل (خوسيه لويز
غوميز). خبر واحد
فقط، أعاده إلى الماضي. إلى حياته السابقة. بدأت الأقنعة تسقط. الحقائق
تظهر. الرجل
الأعمى لديه قصّة. جوديث أيضاً. ابنها دييغو (تامار نوفاس) لا يبخل على
هاري بشيء.
كل واحد منهم مقيم في عالمه الخاص. جدرانه عالية. لكن الخبر نفسه محطّم
فعليّ لتلك
الجدران. فهل نجح هاري في الفصل الجديد من حياته؟ أم إن ماتيو بلانكو لا
يزال حيّاً
فيه؟
إذاً، هناك شخص آخر في هاري كاين. إنه شخص آخر. قبل عشرة أعوام، أو
أكثر
بقليل. قبل حادث السير. كان اسمه ماتيو بلانكو. الحادث والعمى الذي أصيب به
جعلاه
هاري كاين. الخبر الصغير تحطيم للعوازل المرتفعة بين الشخصين.
العودة إلى الماضي
تسرد فصولاً من قصّة حبّ عادية. قصّة الحبّ العادية تلك تتحوّل سريعاً،
أمام كاميرا
سينمائية، إلى شغف وغيرة وصدام وعنف وقسوة. ماتيو بلانكو مخرج سينمائي.
التقى لينا
(بينيلوبي
كروز)، فأعجب بها. لينا سكرتيرة متواضعة. احتاجت إلى مساعدة كبيرة من
صاحب العمل العجوز إرنستو مارتل، عند إصابة والدها بمرض. المساعدة جاهزة.
لكن
العجوز أرادها له. اللقاء الحاصل بين ماتيو ولينا أفضى إلى
شعور بالحبّ. احتاجت هي
إليه. أقنعت عشيقها العجوز الثري بإنتاج فيلم يُخرجه ماتيو وتمثّل هي فيه.
الانفعال
طاغ. التصوير مستمرّ في تقريب الجسدين الشابين والروحين المتمرّدتين. عشق
ملتهب.
تفاصيل وحكايات متناثرة في سياق الحدث الأصلي. الغيرة قاتلة. العجوز مفعم
بها.
تأخذه إلى القتل. المحاولة فاشلة. لينا
حيّة تُرزق. لكنها تهرب وماتيو إلى عزلة
بعيدة. العجوز حاقد. يُطلق الفيلم في الصالات من دون إذن
مخرجه. الفشل التجاري
للفيلم سببٌ لظهور العاشقين الهاربين. لكن القدر لعينٌ. حادث سير. موت
وعماء. غرقٌ
في ظلام الحياة وظُلمها. العماء ستار لإخفاء الوجع. الشبق الجنسي أداة
للعيش
والانتقام. الكتابة مفتاح للتعويض عن بؤس.
خبر صغير
كم هو قاس ذلك الخبر
الصغير. موت عجوز ثري أعاد الماضي الأليم إلى المساحة الفاصلة بين النظر
والعماء.
هناك، في تلك المساحة، نسجت الحكايات
تفاصيل أناس غارقين في انفعالاتهم المبتورة.
في خيباتهم القاسية. في أوجاعهم الدفينة. الراهن مثقل بالصمت. الماضي مشحون
بالغليان المدمِّر والمدمَّر. لكن الأسرار ليست حكراً على رجل أعمى، ارتضى
كتابة
سيناريوهات من أجل «لقمة عيش». جوديث لها أسرار. ابنها دييغو له عالمه.
هناك من وصف
قصص ماتيو ولينا وجوديث وإرنستو بأنها قصص «حب مجنون»، سيطر
عليها «الشؤم والغيرة
ومساوئ السلطة والخيانة والإثم». في مقابل هذا كلّه، هناك البُعد السياسي.
نقّاد
عديدون يحفرون في أعماق الفيلم السينمائي وجوانبه وهيكله الدرامي، لاستنباط
أشياء
متفرّقة. بعضهم لا يكترث بالسياسة. بيدرو ألمودوفار لم ينف
وجود ميل سياسي في «عناقات
مكسورة». قال إن هذا الأخير أكثر أفلامه تعبيراً عن هذا الميل. التفسير
كامنٌ في أن إنجاز الفيلم المذكور، الذي عُرض في الدورة الثانية والستين
(13 ـ 23
أيار 2009) لمهرجان «كان» للمرّة الأولى، تزامن وصدور «قانون الذاكرة
الجماعية» في
إسبانيا في العام 2007: «هدف القانون إلى إنهاء محو الذاكرة المتعلّقة
بالجرائم
السياسية التي ارتُكبت في عهد فرانكو» (صحيفة «المستقبل»، 25
حزيران 2010). العلاقة
بين السياسي والانفعالي الخاص بهاري، وبعلاقته بذاته وماضيه وحكاياته
المختبئة في
عماه، بدت كأنها انعكاس لـ«إسبانيا برمتها، وعلاقتها بماضيها». هذا لا
يعني،
إطلاقاً، أن «عناقات مكسورة» سياسي. ان مشاهدته تحتّم إلقاء
نظرة سياسية على سياق
الحبكة ومنعرجات القصّة ومنعطفات الحياة القاسية التي عاشها هاري ولينا
والمحيطين
بهما. السياسي مبطّن. يكاد يختفي (هل أقول كلّياً) في عمق العاطفي
والإنساني.
بيدرو ألمودوفار ألمح إلى السياسي. لكنه بنى فيلمه الأخير هذا على
قواعد أخرى،
اعتاد الاشتغال السينمائي عليها: «الرغبة والهوية والعلاقات والعائلة»
(ذكرت
معلومات صحافية أن ألمودوفار بدأ، مؤخّراً، وضع اللمسات الأخيرة على فيلمه
الجديد «الجِلد الذي أعيش فيه». أضافت المعلومات أن
ألمودوفار مستمرّ، في فيلمه هذا، في
المنحى الجديد، أي «السوداوية والإثارة»، من خلال قصّة انتقام
جراح تجميل من مغتصب
ابنته).
إن «عناقات مكسورة» منسوجٌ على وتيرة الصدام الدائم بين الانفعال
والعقل، على مستوى الحبّ والعلاقة الحسّية والتواصل الروحي بين الأفراد.
لكنه لم
ينغلق على رومانسية باهتة تدفع أبناءها إلى الدمار الذاتي،
لميله إلى ابتكار حيوية
ما في معاينة العناوين الثابتة للتركيبة الإنسانية الموزّعة على الانفعال/
المشاعر
والعقل والروح والجسد.
يُعرض الفيلم، بدءاً من بعد ظهر اليوم، في
صالات «أبراج» (فرن الشباك) و«زوق» و«أمبير دون»
و«سينما سيتي» (الدورة)
كلاكيت
سرقات
سينمائية
نديم جرجورة
يجهد زملاء عرب، مقيمون
في مدن غربية، في مطاردة سارقي مقالاتهم السينمائية النقدية،
ومقالات أخرى أيضاً.
أطلقوا مدوّنة إلكترونية أسموها «سرقات سينمائية». لم تعد سرقات كهذه
تُحتمل. هكذا
شعروا. رأوا أنها باتت جزءاً من سياق متكامل، يبدأ بالمقالة، ويكاد لا
ينتهي عند
كتب وأفلام. يُشنّون حملات واسعة ضد هؤلاء عبر المدوّنة
الجديدة، أو عبر مواقع
إلكترونية أو مدوّنات خاصّة بهم. يعتمدون، غالباً، لغة حادّة في التقريع
والتنظير.
يرون أنه يُفترض بهم مقارعة هذا الفعل
المشين، الذي لا يطاله قانون. حدّة المقارعة
وجه من وجوه «محاكمة ميدانية». الفضيحة أيضاً. القسوة الأقرب
إلى الشتيمة.
يُدافع الزملاء عن حقّ يعتبروه شرعياً. السرقة محرّمة، أخلاقياً
واجتماعياً
وقانونياً. هذا كلّه صحيح. هذا أمر طبيعي. ما دام أن لا قانون يحمي الملكية
الفكرية، في عالم عربي غارق في فساده وفوضاه وجهله، فإن ملاحقة السارقين
وفضح
ارتكاباتهم وتشويه صُوَرهم والإساءة إلى «سمعتهم»، ضرورية. حتى
وإن لم يأبه
السارقون بهذا. أو لم يكترث قرّاء، عددهم قليل أصلاً. ملاحقتهم، بالنسبة
إلى
الزملاء، طريق وحيدة إلى تعويض معنوي عمّا أصابهم جرّاء السرقة. ما دام
السارقون لا
يخافون الفضيحة عندما يعتمدون السرقة منهجاً لهم، فإن عرض
أفعالهم على الملأ
الإلكتروني (هل هناك من يهتمّ بهذا، باستثناء قلّة قليلة، تكاد تكون محصورة
بالزملاء أنفسهم، وبمقرّبين إليهم فقط؟)، يُعيد للمعتدى عليهم بعض حقوق
مهدورة.
لا بأس بهذا. كاتب مقالة أو مؤلّف كتاب مستعد لخوض أشرس المعارك
دفاعاً عن
منتجاته. السارق ملعون. فعلته تُنذر بخواء الحالة الفكرية والثقافية
العربية. إنها
انعكاس لغياب المحاسبة. انعكاس لوضع مزرٍ يعانيه المجتمع العربي، في مجالات
كثيرة.
العالم العربي مشبع بحالات جمّة من السرقات الأدبية والفكرية، ناهيك عن
السرقات
الأخرى: مصادرة الحريات. تشديد الرقابة. فرض قوانين رجعية على السلوك
والملبس
والحركة والقول. تغييب الحقوق الطبيعية للمواطن. منع المواطن
نفسه من العيش بكرامة.
ناهيك عن السرقات العادية. هذا أفضى إلى غياب المسؤولية. أفضى إلى نهش
الثقافة
والفن، وتفريغهما من البُعد الأخلاقي للإبداع. السرقات التي تمارسها أنظمة
وأحزاب
وسلطات حاكمة لا تقلّ خطورة. تساهم في النهش والتفريغ أيضاً.
مواجهة سرقة
المقالات النقدية حكرٌ على مجموعة صغيرة من الزملاء. محصورة هي، غالباً، في
دائرة
مصالح شخصية. غير مفيدة، لأنها مقيّدة بدائرة ضيّقة للغاية من المعارف.
ضرورية هي.
لكنها غير نافعة، لأنها لا تحدث إرباكاً للسارق، ولا تدفعه إلى التوقّف عن
فعلته.
أعتقد أن الاكتفاء بمطاردة السارقين لا
يؤتي ثماراً طيّبة. هناك حاجة إلى نمط آخر
من الملاحقة. يستند على العمل الجدّي والدؤوب لإصدار قوانين،
أو لتفعيل قانون حماية
الملكية الفكرية.
لكن، ألا يدعو الحدث هذا إلى إعادة غربلة المكتوب، وطرح سؤال
الحراك النقدي العربي برمّته؟
كتــاب
أمير العمري:
«الشيخ
إمام في عصر الثورة والغضب»
لم يشأ الناقد
السينمائي المصري أمير العمري كتابة نقدية تطال السيرتين الحياتية والمهنية
للشيخ
إمام. كتابه الأخير هذا، «الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب»
(«مكتبة مدبولي»،
القاهرة، الطبعة الأولى، 2009) خرج على هذا الإطار. ارتكز على لعبة ذكية
ومحبّبة،
قوامها الجمع بين الذاتيّ والعام. الحدود بينهما معدومة. الشهادة الشخصية
أداة بحث
في النتاج الإبداعي الذي أنجزه الشيخ إمام، متعاوناً مع الشاعر أحمد فؤاد
نجم، في
المقام الأول. الشهادة الشخصية مدخلٌ إلى استعادة لحظات
تاريخية أيضاً. إلى فهم
التحوّل الحاصل من خلال عينيّ فرد شَهد مجرى الأمور، فصار شاهداً يوثِّق،
بالكلمة
النابعة من أعماق روحه وانفعاله، محطّات وأحداثاً.
التوثيق، هنا، لا يعني
منهجاً علمياً، بل مسعى خاص بكاتبه إلى إعادة رسم صورة ما عن ذاك الماضي.
التوثيق،
بهذا المعنى، يجعل النصّ المكتوب مرآة الذات والواقع. مرآة الحراك
الإنساني،
اجتماعياً وثقافياً وفنياً وسياسياً وأمنياً. الشيخ إمام وأحمد
فؤاد نجم أثارا
بلبلة كبيرة في الأوساط الرسمية، السياسية والعسكرية والأمنية، في زمني
جمال عبد
الناصر وأنور السادات تحديداً. زمن حسني مبارك لم يخلُ من صخب التأثيرات
التي
أفرزها هذا الثنائي، سواء مباشرة أم بشكل غير مباشر. الصفة
التي أطلقها الصحافي
المصري صلاح عيسى على أحمد فؤاد نجم، في كتاب صدر عن «دار الشروق» في العام
2007،
يصلح للثنائي معاً تماماً. عنون عيسى كتابه هذا بـ«شاعر تكدير الأمن
العام». لكن
أمير العمري،
بلغة مبسّطة وسلسة وهادئة وجميلة، أعاد رسم ملامح تلك المرحلة التي
صنعت أحد أجمل مشاهدها إبداعاً ومقارعة.
السفير اللبنانية في
08/07/2010
أفلام عن نهاية
الكوكب الأرضي
أميركا هي المخلّص
الجديد للبشرية
هيثم
حسين
عرضت دور السينما في
الأشهر الماضية أفلاماً عدّة روّجت
لـ«عظَمَة» الولايات المتحدة الأميركية، ودورها
القياديّ في إنقاذ الكوكب والبشريّة من الهلاك، وإن قدّمت أدواراً مصاحبة
لغيرها من
الأمم، التي تتكاتف معها في عمليّات الإنقاذ المفترضة، لكن أميركا تبقى
القائدة
المخطِّطة والمنفِّذة. من هذه الأفلام: «2012» للمخرج الأميركيّ الجنسية
الألماني
المولد رولاند إيميريك، و«2012 الوثائقي»، والفيلم الكوريّ «موجات المدّ -
إعصار
تسونامي» لجي جيون، وأفلام أخرى كـ«الطريق» و«آفاتار».
أما «العاصفة القطبيّة»
لبول زايلر فيتقاطع وغيره من الأفلام في التنبؤ بنهاية الكوكب،
واقتراح سيناريوهات
الإنقاذ المفترضة والبداية التالية. إذ
يُحذّر الدكتور ميفيلد (جاك كولمان) من
مغبّة اصطدام المذنّب بالأرض، بينما يظهر
رئيس الولايات المتّحدة على الشاشات
مطمئناً المواطنين بأنهم سيكونون في أمان،
ويقوم بالضغط على العالم، ويتوعّده
بالعقاب في حال خالف الأوامر، وأشاع الذعر
بين الناس بمعلوماته التي تتنبّأ بقرب
نهاية الكوكب. بعد أن تتعرّض أماكن عدّة
لموجات كهرومغناطيسيّة، يشعر الرئيس بوجوب
الاستماع إلى العالم والأخذ بمشورته، فيستدعيه على عجل، ويطالبه بضرورة
إيجاد حلول
للأزمة. يقترح العالم إحداث انفجار نوويّ هائل في قعر المحيط، ليتمكّن من
تعديل
القوّة، ويحول دون تغيير مواقع القطبين، التي تكون فيها نهاية الأرض. يبدأ
بالعمل
على تنفيذ مقترحه مباشرة، ويستعين الأميركيون بالروس، بعد أن تعطّلت
غوّاصاتهم
جرّاء التعرّض للضربات الكهرومغناطيسيّة. تتّحد القوى العالميّة لإنقاذ
الكوكب،
وتتخلّل ذلك مواقف دراميّة، تدعم السياق العام للمأساة الواقعة، والمحتملة
الوقوع.
يتطوّع العالم مع أبيه الجنرال للغوص في أعماق المحيط داخل غوّاصة روسيّة
قديمة
الطراز، وطاقمها الفدائيّ يداً بيد معهما. بعد سلسلة من الأزمات، يصل
الفريق بسلام
إلى القعر، وينفّذ عمليّة الإنقاذ، ويسعى إلى النجاة بنفسه، وتكون احتمالات
النجاة
شبه معدومة، لكنّ الذكاء الخارق للدكتور ميلفيلد يساعد الفريق على النجاة
بأعجوبة،
هو الذي ينجو بأعجوبة في كلّ مرة. أي إنّ البطل الأميركي ينقذ العالم،
ويضحي بنفسه
في سبيل ذلك. هناك تعظيم للدور الأميركي، كأنّ العالم يلهو، في حين أنّ
الأميركيين
وحدهم مَن يأبهون لأمر الكوكب.
لا يدخل «الطريق» لديف بنيجال في زعم الإنقاذ،
بل يطرح النهاية التي يراها محتملة، حيث يسود الضباب، ويعمّ البرد القاتل
الذي
يمتدّ لفترة طويلة ويحرق الأخضر واليابس، ويجتاح العالم، لتجتاح معه عواصف
من
المجاعات، تصل إلى حدود غير متوقّعة، حيث يلجأ البعض، لإنقاذ أنفسهم، إلى
أكل لحم
الإنسان. تختصر رحلة الرجل الشاقّة برفقة ابنه المسيرة البالغة الصعوبة،
التي تنتظر
مَن يودون النجاة بأنفسهم. ولا تكون طريق النجاة معبّدة، بل محفوفة بمخاطر
كثيرة.
لا يقترح أيّة سيناريوهات مفترضة، بل يبقي الباب مفتوحاً للتخمينات
والتأويلات
والاجتهادات. حين يموت الأب، يترك ابنه في مهبّ العواصف، فتحتضنه أسرة
لترحل به إلى
حيث تنوي الرحيل.
عدا «الطريق»، الذي لم يخض في تحبيك قصص مختلقة، بل لازم
الإيقاع نفسه، حيث الأجواء الكابوسيّة تظلّ جاثمة حتّى النهاية، التي لا
يلوّح فيها
خلاص وشيك؛ تلتقي الأفلام الأخرى في أفكار رئيسة، نجد أنّ هناك عالِماً لا
يني
يحذّر، ويتمّ تجاهل تحذيراته من قبل القيّمين على الأمور؛ وتكون هناك قصص
حبّ
تتخلّل المشاهد المعروضة، على اعتبار أنّ الأفلام تقدّم حيَوات سينمائيّ
محاذية
ومحاكية للحقيقة، وأنّ واقع السينما لا يختلف عن واقع الحياة، ثمّ تكون
النهايات
السعيدة في الانتظار دائماً، حيث ينجح العالِم في إقناع معارضيه، أو إنقاذ
الأرض من
براثن النهاية التي كانت وشيكة. وهناك محاور رديفة، منها الفساد الإداريّ
والسياسيّ
الذي لا يصل إلى رأس الهرم، الذي يختار من ذوي البشرة السوداء في «2012»
و«العاصفة
القطبيّة»، بل ينحصر في تابعيه وبطانته، ثمّ يرضخ لسلطة العلم، عندما يكتشف
الحقيقة، يتفهّم ما يحدث، ويتدبّر حلولاً سريعة، ويلعب دوره كمقرّر رئيسيّ،
يؤدّي
واجبه في إنقاذ الكوكب، يصدر تعليماته، ولا ينسى أن يضحّي بنفسه في سبيل
شعبه، في «2012»،
أو يدعو للشهداء الذين ضحّوا بأنفسهم في سبيل إنقاذ البشريّة من الهلاك
الذي كان محتّماً.
تعكس السينما طموحات ورؤى الولايات المتّحدة التي تنصّب
نفسها المخلّص للبشريّة. تقترح نهايات وبدايات سينمائيّة، يتفنّن فنّانوها
باستقطاب
الأنظار إلى «معجزاتها» المتحقّقة، وتلك التي هي برسم التحقّق. ولا تسهو عن
إشراك
الأمم الأخرى على سبيل التبشير بمجتمع مُعَولم تحت إمرتها، منذرة من خطر
الدمار
الشامل المتربّص بالأرض من أكثر من جهة، ومبشّرة في الوقت نفسه بقدرتها على
تخطّي
تلك الأزمات القاهرة، عبر تعاون الحضارات، كي تتمكّن من إنقاذ نفسها.
السفير اللبنانية في
08/07/2010 |