من ابرز الأقسام أو البرامج التي يشتمل عليها مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثامنة والعشرين( في الفترة من 30
نوفمبر إلى 10 ديسمبر) برنامج "السينما العربية الجديدة " الذي يعرض
لمجموعة من الافلام العربية الخارجة من مصانع الاحلام الصغيرة في مصر
والعالم العربي, مثل فيلم " زنار النار" للبناني بهيج حجيج و" المنارة "
للجزائري قاسم بن حجاج, و" رقصة الريح " للتونسي الطيب الوحيشي, ويضم
البرنامج 12 فيلما من خمس دول عربية , بالاضافة الي الافلام العربية الاخري,
المشاركة في مسابقة المهرجان الرسمية( 3 افلام ) مثل " الباحثات عن الحرية
" لايناس الدغيدي و" أنت عمري " لخالد يوسف من مصر , وفيلم " الذاكرة
المعتقلة" للمغربي جيلالي فرحاتي, وتمثل هذه الافلام في مجموعها بانوراما
للانتاج العربي السينمائي وتناقضاته ومشكلاته كما تعكس, وهي تنقل الي
الشاشة واقعنا العربي بحروبه وأزماته ومآسيه, تعكس الطريقة التي يتشكل بها
هذا الفن الأثير, في مواجهاته لتناقضات عصرنا, وزمننا, وتطرح عد تساؤلات
مثل : تري هل تتقدم السينما في بلادنا أم تتأخر؟ وهل هي ياتري معزولة عن
السينمات الاخري في العالم وتجاربها, أم أنها مازالت متخلفة, عن زمنها,
وعصرها, بينما تمضي قافلة السينما الي البعيد , وتحقق علي مستوي السينمات
الاسيوية مثلا ازدهارا وتألقا يفقأ العيون, في مهرجانات العالم السينمائية
كما في مهرجان " كان " السينمائي ومهرجان القارات الثلاث في " نانت "
ومهرجان السينما المتوسطية في مونبلييه, وغيرها من المهرجانات المهمة في
العالم ؟ . لكن يبفي السؤال الأهم, الا وهو : تري هل تقترب هذه الافلام او
السينمات العربية- سمها ماشئت- من نبض الواقع المعاش, وهموم المواطن
العادي الفقير المقموع المظلوم الغلبان في بلادنا , ام انها تريد في المحل
الاول أن ترضيه , لأن شباك التذاكر عاوز كده, وهانحن نصنع للجمهور السينما
التي يريد , والتي هي يقينا معبرة عن الانحطاط والفساد , اللذين نعيشهما
علي كافة المستويات في عالمنا العربي, صحيا وتعليميا واخلاقيا وسياسيا
وثقافيا؟ لاتنس من فضلك أن تقرأ اليافطة المكتوبة علي الباب الآن " ممنوع
التفكير ". في فيلم " الباحثات عن الحرية " للمصرية إيناس الدغيدي المشارك
في مسابقة المهرجان, تتأخر السينما المصرية كثيرا عن اللحاق بعصرها وزمنها,
وبخاصة في هذه الفترة الحرجة جدا التي نعيشها ( عندما تكون وظيفة السينما
الاساسية , وهي بنت اللحظة عن جدارة , ان تقربنا اكثلر من انسانيتنا,
والوقوف ضد الظلم , والدفاع عن المظلومين والمقهورين , ومأكثرهم واتعسهم في
ظل العولمة , الحيلولة دون التكريس لثقافة الهامبورغر, واسلوب الحياة علي
الطريقة الامريكية, حتي صارت بلادنا أهلها في العالم الثالث مسخا, وكائنات
هلامية بلا تاريخ او هوية او ذاكرة, ), وتهبط من خلال هذا الفيلم لإيناس
الدغيدي ..
تهبط الي اردأ وأحط مستويات الفن السينمائي, المستوي
الحيواني الغرائزي الذي يقترب كثيرا من افلام البورنو والعري الفاحش
ولاعلاقة لها بالسينما الفن, اذ تكرس ايناس الدغيدي في فيلمها " الباحثات
عن الحرية " المأخوذ عن رواية ضعيفة ومكتوبة باسلوب ركيك لصحافية سورية
مقيمة في باريس وكتب لها السيناريو الناقد السوري د.رفيق الصبان, تكرس
عملها لشتيمة النسوان, واهانهتهم, بل اهانة كل الكائنات الانسانية,اضافة
الي الشجر الحجر والاماكن التاريخية في مدينة النور باريس التي ظهرت في
فيلمها, هناك حيث تقع أحداث قصة الفيلم, وتحكي عن ثلاث نساء, الاولي هي "
سعاد " المغربية و تعمل بائعة في محل ملابس يديره مغربي عجوز,فتهرب الي
باريس حيث تطاردها ذكريات الضرب الذي كانت تتعرض له علي يد شقيقها في
المغرب, وتقبل بان تعيش مثل العبد في شقة اشتراها صاحب المحل لمضاجعتها
فيها, والثانية هي " أمل " اللبنانية التي رحلت الي باريس هربا من دمار
الحرب الاهلية اللبنانية وذكرياتها الدموية, ومازالت ايضا تطاردها وتنغص
عليها عيشتها وتكتشف من خلال عملها كصحفية التمييز العنصري بين الصحفيين ,
مما يدفع احدهم الي الانتحار, وتنسجم كثيرا حين تغتصب في غابة بولونيا(
ولاحظ هنا ان السود هم الاشرار والمجرمين في الفيلم ), وقد صارت " أمل "
سادية لاتجد لذتها الا اذا انهال عليها احدهم ضربا, والثالثة هي " عايدة "
الرسامة المصرية التي تهرب من زوجها وتترك له طفلهما, وتهرب الي باريس لكي
تحقق طموحاتها في أن تصبح فنانة مشهورة يشار اليها بالبنان, لكنهن ياصاحبي
كما جاء في نشرة الفيلم يدركن أن " الحرية ليست في المكان, بل هي داخل
الانسان نفسه. " وهي طبعا مقولة وحكمة فلسفية وجودية عميقة , لن تخرج بها
حتما من فيلم ايناس الدغيدي الذي سبب لنا الصداع والقرف, ولايستحق ان يطلق
عليه فيلما, للاسباب التي سوف نوردها هنا: اولا لأن الموضوع او الثيمة
الاساسية في هذا الفيلم هي ضرب النسوان واهانتهم والكشف عن المتعة السادية
التي يستشعرونها من جراء ذلك ( وهل هذا الامر وحده يكفي لعمل فيلم بتصويره
في السينما ؟ ), اما البحث عن الحرية فهو في الفيلم لايتجسد من خلال الفعل
وتطور احداثه, بل يتحول الي كلام ورغي وحكي فاضي, نستمع اليه علي لسان
بطلات الفيلم, وهذا الكلام لاينبع من ضرورة درامية بسبب تطور الحدث
الرئيسي في الفيلم , بل يأتي في اغلب الاحيان مقحما ومفروضا علي الفيلم من
الخارج , يبدو ترديده مملا وعقيما, ولايكفي في السينما ان يتقابل شخصان
وتروح الكاميرا تصورهما اثناء حديثهما, حتي يكون عندك الفيلم الذي تريد..
فيلم " الباحثات عن الحرية " يفتقد اية ضرورة عضوية تجعلنا
بحاجة اليه, ولذلك بدا لنا كما لو كان كائنا مسخا وقد هبط علينا من حالق,
وهو لايصور قصة بل يحكي عن ويصور كلام وينقل شعارات واقوال وهتافات وصرخات
تمجها وتنبذها السينما الفن, التي هي فنا لل" تلميح " عن جدارة بامكانيات
وعناصر الصورة , وهي بطبيعتها تأنف من التصريح والمباشرة والتقريرية
العقيمة, اما عن صورة باريس في الفيلم فانها لاتحضر كروح او ذات او كائن في
خلفية الفيلم, وتشي في الخفاء, وبالهمس , عن حضورها , بل تتحول علي يد
ايناس الي مجرد ترسانة من بطاقات المعايدة اللامعة البراقة الجميلة لبرج
ايفل والمعالم الاثرية في العاصمة, التي تبدو كرتونية وبلا روح, وكل موقف
ينطلق في الفيلم بعد ان تظهر صورة لامعة لأحد المعالم, للتذكير باننا في
مدينة النور, يافرحتي . ولاتصدقوا كل مايكتب عن الافلام في منشورات الدعاية
المصاحبة, التي تمنح الفيلم قيمة غير موجودة فيه, مثل قيمة الحرية المفقودة
في أوطاننا, فالحرية ليست أبدا حياة العبث و الفوضوية, حياة الدعارة والعبث
والعبودية في مكاتب الصحافة العربية المهاجرة ورجالاتها, التي يدعي الفيلم
انه يناقشها, بل هي توظيف لقدرات الانسان في ظل شروط مجتمع معين , مفتوح
ومتقدم , للنهل من معارفه وتجاربه ومدارسه وصحفه وجامعاته والامكانيات
الهائلة المتاحة لنا في اطار هذا المجتمع, لتنمية مداركنا وتطوير وعينا
بمجتمعاتنا الاصلية والمشاركة بمجهوداتنا ومعارفنا في تطويرها الي الاحسن,اما
ان تصبح باريس كما ظهرت في الفيلم مجرد " ماخور " وبيت دعارة فقط ورصيف
للرقص في وسط الشارع في الليل, مع التشدق بكلام اجوف, فهذه هي الحرية في
باريس او حرية باريس كما تراها ايناس فقط ومؤلفة الرواية وبطلات الفيلم .لاتصدقوا
اذن مايمكن ان يقال( من خارج الفيلم وليس نابعا من داخله) عن جرأة الفيلم
واقتحامه للمسكوت عنه في عالمنا العربي من ضرب واهانات للنسوان, ثم الهروب
الي باريس والبحث عن الحرية هناك, فلا شييء من هذا في هذا الفيلم الكرتوني
العقيم الاصطناعي الأجوف, الذي لم يعجبنا, ولا نعتبره فيلما, بل كومة
النفايات والوسخ التي تدعو الي القييء لشخصيات مريضة لانتعاطف ابدا معها,
ولانعلم ماهو القصد من اظهارنا نحن العرب لبنانيين ومغربيين ومصريين علي يد
ايناس الدغيدي بهذه الصورة المقرفة,( احادية النظرة والتكريس والتهليل
للسلبيات) ولمصلحة من ؟ , وماهي القيمة الاساسية التي يدعو اليها هذا
الفيلم, و نعتبره كله فضائح و إهانات في حق نساء العرب , وقذف لكل من عاش
في باريس, عربي او اجنبي , من قرأ ودرس وتعلم وعاش في مدينة النور , ثم عاد
الي بلاده اولم يعد , وحقق معني لوجوده وحياته, ..حتي هذه السيدة الفرنسية
التي شاهدت الفيلم في صحبتنا, خرجت وهي تلعن ايناس والفيلم , واعتبرته
اهانة لا لنساء العرب و لباريس وفرنسا فحسب , بل اهانة ايضا لكل نساء
العالم .
"الباحثات عن الحرية" فيلم عنصري ؟
لاشيء هنا في الفيلم عن تلك المدينة التي وصفها الاديب
الامريكي الكبير ارنست هيمنجواي بانها " عيد دائم " وتخرج في جامعاتها
الكبري , مثل " السوربون" عميد الادب العربي طه حسين , وعاش فيها وليام
فولكنر, وبيكاسو, ودوس باسوس, وتوفيق الحكيم ولويس عوض ومحمد مندور وجوزفين
بيكر وجيمس جويس, لاشييء سوي بطاقات بريدية لامعة, ونسوة معذبات ضائعات
يندبن حظهن في انهن ولدن عربيات وعشن في مجتمعات سلطوية وقمعية, قبل ان
يسقطن في باريس في احضان الرذيلة,ويتفوهن في فيلم ايناس باتعس واتفه كلام
. فيلم " الباحثات عن الحرية " او بالاحري " الباحثات عن المتعة واللذة "
بدا لنا مقرفا ومملا ويفتقد المصداقية, وبه الكثير من الادعاء, بل انه يكاد
ان يكون فيلما عنصريا, حين يصور العرب بهذه الطريقة البشعة ويظهرهم
كحيوانات جنسية, وسوف تفرح بالفيلم بالطبع كل المنظمات العنصرية في فرنسا
مثل حزب " الجبهة القومية " بزعامة الجزار لو بن المناهضة للعرب في البلاد,
وتعتبرهم مسئولين عن كل سوءات وموبقات المجتمع الفرنسي, وتشارك بالفيلم في
مظاهراتها ضد العرب وتطالب بتطهير البلاد منهم , ولذلك ربما كان " الباحثات
عن الحرية " أسوأ افلام ايناس الدغيدي قاطبة. فيلم سوف تهزه , فلايسقط منه
شيئا, لاشييء البتة سوي مشاهد الاغراء والعري المثيرة تلك التي يسيل لها
لعاب المتفرج السينمائي المسكين الغلبان في بلادنا , وتسعي مثل الافلام كما
في هذا الفيلم- ولا علاقة لها بفن السينما اطلاقا كما نحبه ونفهمه ونتذوقه-
تسعي الي استدراجه وتغييبه وتضليله, ذلك لأن كل مافيها في رأينا تافه
وسوقي وزائل. فيلم يستحق المشاهدة عن جدارة لأنه يمنحنا فكرة عن نوعية
الافلام الرديئة البذيئة التي لايجب ان تصنع او تري النور ولأنه أسوأ فيلم
عربي شاهدناه في المهرجان ولحد الآن. ولناوقفة مع افلام واعمال الحدث
السينمائي العربي الاول في رسالة قادمة..
- ملصق مهرجان القاهرة السينمائي 28