لقد حضر خالد أبو النجا عرض فيلم "ميكروفون" في قاعة سينما فوكس في
مرينا مول أبوظبي محملا حتى بالكاميرا الكانون الصغيرة التي تم تصوير
الفيلم بها، وقد قصد أبو النجا من وراء ذلك الدفاع عن فكرة بات يؤمن بها
تماما وهي أن تصوير الأفلام السينمائية بات، بفضل هذه النوعية من الكاميرا،
أمرا أسهل بكثير من ذي قبل. وأشار أبو النجا ولو إجمالا إلى مشاكل التوزيع
من خلال حديثه عن عدم عرض فيلم ميكروفون في القاعات إلى حد الآن، كما تطرق
في حديثه المتحمس والشفاف إلى ذكر مراحل تطور فيلم "ميكروفون" من شريط
تسجيلي في عقل مخرجه وحتى على الورق إلى فيلم روائي.
وعندما صرح أبو النجا بهذه الحقيقة بعد عرض الفيلم، لم نجد فيها
مفاجئة، حيث من السهولة بمكان معرفة حدوث ذلك التحول للفيلم من شكله
التسجيلي إلى شكله الروائي، بل إن الفيلم نفسه طرح هذه القضية وأجاب عليها
بلغة سينمائية جميلة سوف نتطرق إليها لاحقا.
ولعل هذا الطراوح للفيلم بين التسجيلي أو الوثائقي والروائي ومحاولة
الوعي والتحسيس به هي إحدى أهم العناصر التي منحت الفيلم أجمل مميزاته
الفنية والسينمائية.
فإذا كانت قيمة الفيلم التسجيلي الفنية (عموما) أنه يفتحنا على الواقع
وعلى الحقيقة بشكل مباشر ودون وسائط، بحيث نرى شخوصا حقيقيين ضمن حيواتهم
الحقيقية، فإن نقطة ضعفه أنه يبقى ثقيلا مملا بسبب غياب الحكاية والصراع
والتشويق التي نجدها في الأفلام الروائية.
وحين ينجح فيلم ما في الجمع بين مميزات الشريط الوثائقي -وهي القرب من
الواقع وتصويره كما هو دون روتوشات كبيرة- وبين الفيلم الروائي - الذي يقدم
كل مادته التصويرية ضمن حكاية الوجود الإنساني في صراعه وتجاذباته- حينئذ
يكون الفيلم جميلا ومتميزا. وهذا هو ما تحقق وبشكل شبه عفوي في فيلم
"ميكروفون".
للوصول إلى هذه النتيجة المقنعة تماما، اعتمد المؤلف والمخرج أحمد عبد
الله اختيارات موضوعية (نسبة إلى الموضوع) واضحة، ولجأ إلى أساليب تصويرية
بسيطة وناجعة.
يحكي الفيلم عن خالد، وهو شاب في الثلاثينات يقرر بعد غياب في المهجر
الرجوع إلى وطنه ومدينته (التي هي الإسكندرية) حاملا معه بعض الآمال، رجوعه
هذا، أملته عليه أيضا رغبته في اللقاء بالفتاة التي كان قد أحبها فيما مضى
والتي انقطعت عنه أخبارها بعد مغادرته البلاد.
منذ ظهوره الأول في الفيلم استقبلنا خالد بوجه متجهم يعكس مفاجئة
ضخامة التحولات التي شهدتها بلاده في فترة غيابه والتي انعكست على بعض
أصحابه وعلى والده الذي ابتعد عن عالمه للموسيقى وبات محبوس بيته ذو الطراز
الكولونيالي، أما الفتاة التي كان يعرفها، فقد أمست غريبة عنه، تتحرك في
عكس اتجاهه، فبينما يعود هو من المهجر تحلم هي بالذهاب إلى لندن لإعداد
الدكتوراء والبقاء فيها "خمسا".
خلال عمله الجديد تعرف خالد -صدفة وبمناسبة زيارة أداها لمكتب مسؤول
في إحدى المراكز الوطنية للفنون- على مجموعة موسيقية تمارس إحدى أنواع
موسيقى الهيب هوب، اللقاء الفعلي بين هذه المجموعة والشاب خالد بدأ بعد ذلك
عندما التقوا صدفة أيضا في إحدى المقاهي، وكاد التعارف أن يكتمل بينهم لولا
ذلك الحضور الجريئ لذينك الشابين (سلمى وهاني) الذان كانا يقومان بتصويرهم،
وهو ما أجبر خالد على مقاطعة الجلسة واللحاق بهما.
منذ هذا الوقت بدأ خالد يعد لبحث حول مجموعات الموسيقى التجريبية
الشبابية في الإسكندرية ويفكر في تنظيم حفل جماعي لها يكون حدثا في
المدينة.
بعدها يأخذنا الفيلم إلى تلك الصداقة ربما القديمة بين خالد وذاك
الطفل أو الشاب المغرم بممارسة رياضة "السكايت"، تلك الرياضة التي عُرفت
بها المدن في الغرب والتي تمنح صاحبها حرية التزحلق عليها أو المشي على
الأقدام وحملها بين يديه، نقول هذا لنشير إلى حضرية ومدينية اللعبة.
فالمدينة في فيلم أحمد عبد الله هي الخلفية الحقيقية (الصوتية
والصورية وكذلك الإشكالية) للفيلم، لاعب "السكايت" هذا سيكون دليل خالد في
المدينة التي يعرفها جيدا ويعرف فاعليها لطبيعة الرياضة التي يمارسها والتي
تأخذه في كل مناهج المدينة وساحاتها. بعد ذلك يعرِّف هذا الولد الذي ربما
اسمه ياسين (لقد نسيت) خالد على ذينك المصورين الشابين الذين يدرسان في
إحدى معاهد السينما ويعملان على إنجاز فيلم تسجيلي عن الفرق الموسيقية
التجريبية في المدينة.
من جهة أخرى وفي إطار بحثه عن مقر ثابت لعمله، التقى خالد بذاك
السمسار النشيط وصاحب الأفكار العملية والناجعة، والذي تعرف عنده على تلك
الفتاة التي اسمها آية والتي تمارس فنا تشكيليا شديد الإرتباط بالمدينة
وخاصة جدرانها الخارجية، وهو فن "الغرافيتي"، وكان مع هذه الفتاة معاونها
الشاب الذي يتلخص ظهوره دائما في مكوثه بجانبها والاستماع إليها وربما
موافقتها بحركة من رأسه.
حكايات الفيلم المتعددة وحكايته الموحِّدة:
لقد حاول الفيلم وهو يعرفنا بشخوصه أن يقدمهم لنا ضمن حكاية، ولأن
شخوصه كانوا متعددين ومختلفين جدا أحيانا، فقد أبدع أحمد عبد الله الذي هو
كاتب سيناريو الفيلم ومخرجه عدة حكايات، وكانت هذه الحكايات ذات أبعاد
متنوعة، اجتماعية واقتصادية وسياسية وعاطفية، ولكن أهم شيء كان يميزها
دراميا هو انفصالها وعدم ارتباطها ببعضها، وهذه نقطة مهمة نود أن نتوقف
عندها قليلا.
نلتقي في فيلم "ميكروفون" بحكاية منى وخالد، وبشكل منفصل عنها تماما،
نتابع حكاية هذا الأخير وأبيه، وهناك الحكاية العاطفية بين المصور والمصورة
السينمائيين الشابين، هناك حكاية البائع المنتصب أيضا، ثمة تلك الحكاية
الهادئة التي تربط بصمت بين فنانة الغرافيتي آية ومعاونها، ولا يجب أن ننسى
أيضا حكاية مجدي (أحد أفراد مجموعة الهيب هوب الموسيقية) مع عمته وأقربائه.
نتطرق في البداية إلى حكايتين من الفيلم كانتا فعليا منفصلتين، ورغم
ذلك أعطاهما أحمد عبد الله قيمة سينمائية ودرامية كبيرة سوف نحاول
الاستفهام قليلا عن دواعيهما وأسبابهما.
القصة الأولى هي قصة البائع المتجول. يقرر أحمد عبد الله -بشكل متفرد-
أن يبدأ فيلمه (وينهيه أيضا) بشخصية ربما كانت ثانوية في الفيلم، فهي ليس
لها أي علاقة بعالم غالبية أبطاله الموسيقيين سوى أنه –أي البائع- يبيع
الأشرطة الموسيقية.
ويؤكد أسلوب أحمد عبد الله في طرحه لهذه الحكاية على هذا التميز،
فبائع الأشرطة المتجول، دخل علينا ركضا –كما في المسرح- يطارده عناصر من
الشرطة، وعندما أمسكوا به، قرروا، لسبب لا نعلمه، أن لا يؤذوه وأطلقوا
سراحه. في المشهد الأخير من الفيلم كان الأمر مختلفا حيث قبض عليه وأشبع
ضربا مبرحا.
بين تلك البداية وهذه النهاية، كان أحمد عبد الله يرجعنا من حين لآخر
إلى بائع الأشرطة هذا، ويرينه منتصبا في إحدى مناهج الإسكندرية لا يبرح
مكانه ليلا ولا نهارا، وقد جعل معلقة إعلانية لأحد المترشحين للانتخابات
خلفية للمكان الذي كان فيه. وكان لهذا البائع المتجول مع هذه المعلقة تحاور
طريف ودرامي، وكان يجري طول اليوم ليله ونهاره، كما كانت للشاب شبه قصة
عاطفية جمعته بتلميذة لعوب تسكن في المبنى المجاور، هذا ولم يتجاوز التعبير
عن هذه العلاقة بعض النظرات المتعقبة والكلمات المتفرقة وغير المفهومة.
سينمائيا قدم أحمد عبد الله هذه الشخصية بشكل مختلف وجديد، فجاءت في
طريقة أدائها التمثيلي أشبه شيء بأداء أبطال الأفلام الصامتة، أما فيما يخص
ديكور المكان، فقد جاء شبيها بديكور مسرحي أهم عنصر فيه هي تلك المعلقة
الإعلانية لذلك المترشح. وأخذت هذه اللوحة أثناء الفيلم وجوها شتى، وكان
للإضاءة دور مهم في إعادة تشكيلها ديكوريا، فمصابيح الضوء كانت تعمل حينا
كخلفية لها وتتقدم أحيانا عليها، وهو ما تسبب في حرقها وإحداث ثقب بها،
وحينئذ جيئ بصورة نظارات شمسية وألصقت على عيني المترشح المحروقة عساها
تبدو سليمة.
هذه هي إذن حكاية البائع المتجول التي قدمها أحمد عبد الله وصورها ضمن
مكان واحد وأداها ممثل واحد قام بالتحاور فيها في شبه مونولوغ مسرحي مع
صورة ثابتة وطقس ممطر أحيانا ومشمس أخرى ويوم يتقلب بين الليل والنهار
وفتاة تعبر أمامه صامتة. ولعل هذه هي الصورة التي أحب المخرج أحمد عبد الله
التعبير بها عن تراجيديا أو مأساة الباعة المنتصبين في شوارع الإسكندرية
وذلك ضمن أسلوب الكوميديا السوداء.
قصة البائع المتجول هذه بقيت منقطعة ومنقطع بطلها عن بقية أبطال
الفيلم، ولكنها مع ذلك بقيت مرتبطة بالفيلم من خلال ارتباطها الوثيق
بالمدينة ومعاناة الشباب موضوعتي الفيلم الحقيقيتين.
القصة الثانية التي بدت منفصلة عن حكايات الفيلم الأخرى رغم تواصلها
معها من خلال البطل خالد والهواجس "الشبابية" لهدير (القوية منى شلبي)
صديقة خالد القديمة، هي قصة هذين الشابين أنفسهما خالد وهدير. ويرجع سبب
قطيعتها واختلافها لمقاربتها الغريبة للوقت وعدم التزامها، أي القصة،
بزمنية الفيلم وعدم تواصلها مع أحداثه، حيث تأتي هكذا كما اتفق، فأثناء هذا
اللقاء بين خالد ومنى والذي صور في مكانين أو مقهيين معلقين كليهما ويطلان
على أفق أزرق باهت ويتَّكؤ على قاعدة بيضاء ساطعة وأمام طاولة كنا نراها
بشكل مقطع شفافة قليلة الأواني بيضاء الغلاف على الأرجح، ما ميز هذا اللقاء
زمنيا أنه اعتمد أولا وقتا لا حضور فيه للشمس رغم أنه كان يجري نهارا وعلى
خلفية خارجية، كان ضوء المشهد النهاري فاترا، ولكن الأهم من ذلك أنه كان
يعتمد حوارا عجيبا فيه حديث عن بعض تجارب الحياة ولكنها تجارب معلقة بين
الماضي والمستقبل، ولا وجود فيها للحاضر، الوقت الوحيد الحقيقي للأحياء.
عدم وجود الحاضر كما رأينا في تلك الجلسات أعطانا إحساسا بأننا إزاء حدث
غائب آت من عالم المثال، فالإثنان ربما يكونان قد ماتا أو سافرا، إنهما
مفترقان بالضرورة. جو هذه الجلسة -على كل حال- تركنا غير قادرين على تحديد
الجلسة في زمان الفيلم ولا حتى في زمان الواقع، أضف إلى أن تكرار بعض مقاطع
الحوار بين المتخاطبين (خالد وهدير) مثل إشارة هذه الأخيرة بأصابعها الخمس
للمدة التي ستقضيها في لندن أو تلَمُّس خالد بيده لقطر مطر قادم لم نره في
الحقيقة، إلى جانب أقوال أخرى أيضا، هذا التكرار قوى من إحساسنا بأننا إزاء
زمن معلق لا يتحدد بمقاييس نسبية القبل والبعد. ثم هناك فكرة ربما تبدو
لبعضنا غير واقعية، الخمسة التي كانت تشير إليها هدير بأصابع يدها الخمسة،
أليس لها علاقة بالموت من خلال علاقتها بالغيب؟ "إن الله عنده علم الساعة
(1) وينزل الغيث (2) ويعلم ما في الأرحام (3) وما تدري نفس ماذا تكسب غدا
(4) وما تدري نفس بأي أرض تموت (5)"، هذه هي إذن رمزية الخمسة. وربما
يمكنني أن أحتج على هذا الزعم بعدم مشاهدتنا خالد وهدير مجتمعين إلا في
ذينك المكانين المعلقين، وذلك رغم كثرة ظهور خالد مع الناس أو وحده تائها
في المدينة حزينا ومفكرا.
نجيء الآن لسرد بقية حكايا الفيلم المختلفة الأخرى والمترابطة بعضها
ببعض (أكثر من هاتين الحكايتين) لنلاحق من خلالها تلك الحكاية الموحِّدة
للفيلم والتي ساهمت في جعل هذا الأخير روائيا أكثر منه تسجيليا.
هذه الحكايات التي سوف نشير إليها الآن دون التفصيل فيها، خلق لها
أحمد عبد الله روابط تعلقت غالبا بشخوص ليست لهم في أغلب الأحيان حكاياهم
الخاصة وإن كانوا ليسوا أقل قيمة درامية من أبطالنا، بين خالد وفنانة
الغرافيتي كان هناك السمسار وبين الأول ومجموعة مجدي الموسيقية كان هناك
مسؤول المركز الوطني، وبين المصور والمصورة السينمائيين كان هناك أستاذهما
يسري نصر الله.
ولكن ومن أجل الربط بين تلك الشخوص والحكايات لم يكتفي أحمد عبد الله
بوسيلة الشخصيات الجامعة أو المانحة للمعنى وحدها بل اعتمد أيضا على حوار
ذكي ومكثف جدا صنع به الجو الموحد للفيلم وأشعرنا بأن الترابط والتكامل بين
كل أبطال الفيلم من المنتمين إلى تلك الفرق الموسيقية ذات الاختلافات
الكبيرة أحيانا -من حيث انتماءاتها الاجتماعية وأساليبها الموسيقية- واقعي
وحقيقي، ونعطي هنا مثالا واحدا على هذا، ففي ذلك الحوار بين أحد عناصر فرقة
موسيقية للفتيان وفتيات تلك الفرقة التي تغني بالإنجليزية تعلق الحديث
بإمكانية تقديم هذه الفرقة عملا بالعربية كما يطلب مسؤول المركز الوطني..
وعندما قالت الفتيات أن كل أغانيهن بالإنجليزية، ذكرهن الفتى بأغنية لهن
قال أنه يمكن تقديمها على أنها ليست بالإنجليزية فوافقنه، وهذا الحوار
أشعرنا بوجود علاقات إنسانية وفنية بين مختلف تلك الفرق الموسيقية، ولم نجد
أنفسنا كما في كثير من الأفلام التسجيلية أمام مجموعات لا تعرف بعضها بعضا
ويكون تصوير الفيلم فرصتها الأولى لذلك.
مثل هذه الروابط في الفيلم لم تكن قيمتها في إشعارنا بالوحدة الحكائية
وبالترابط المتين بين كل شخوص الفيلم وحسب، وإنما ساهمت أيضا في تحفيز
خيالنا على الإنطلاق لملئ بعض الفراغات خلال دراما الفيلم، فأحمد عبد الله
باعتماده على ممثلين وحكايا درامية "مصطنعة" ربط بين كل شخوص فيلمه
الممثلين منهم وغير الممثلين، ولكن حرك في ذات الوقت، وكان ذلك لطيفا جدا،
خيال المتفرجين ليتصوروا علاقات لم يصورها فعليا -لأسباب عملية أو لرفض
أولئك الفنانين لها- وذلك في علاقاتهم بينهم وبين بعضهم، فرسامة الغرافيتي،
على سبيل المثال، كانت تظهر دائما مع ذلك الشاب الذي كان يلازمها مثل
نفسها، ففي متابعتنا لتطور العلاقة العاطفية بين المصور والمصورة
السينمائيين الشابين، لا يمكن لخيالنا أن يمتنع عن تخيل نفس العلاقة
العاطفية بين رسامة الغرافيتي وصاحبها. إن الانزلاقات إلى هذا الفهم ليست
مستبعدة بل ممكنة جدا وربما هي مقصودة من أحمد عبد الله، وقد ساهم ذلك -وهو
الأهم- في صنع الجو العاطفي للفيلم، ومنحه -وهذا مهم أيضا- نوعيته
العاطفية.
وهذا القصد من أحمد عبد الله لا يجب أن نفهم منه أنه استغلال منه
لوضعيات أولئك الفنانين الحقيقيين الذين استضافهم في فيلمه وأنه أراد
استعمالهم وجعلهم على قياس حكاياته الدرامية، بالعكس، أحمد عبد الله أبقاهم
كما هم، الشيء الوحيد الذي فعله وهو ما أشرنا إليه هو أنه جعل لخيالنا
الحرية أن نتصورهم محبين لبعضهم لا أكثر. وربما يجعلنا هذا نتطرق إلى
المسألة الأخلاقية في مقاربة أحمد عبد الله لأولئك الفنانين، لقد كانت
المقاربة حسب رأينا متحفظة ومسؤولة جدا، بل إننا أحيانا كنا نشعر أن أحمد
عبد الله يميل إلى وصف وتصوير ضيوفه الفنانين كأناس مثاليين أو على الأقل
منضبطين وغير متسيِّبِين، عكس الفكرة السائدة عن الفنانين، وقد اتُّهم
أحدهم في الفيلم وهو مجدي بتعاطي بعض المخدرات. موقف أحمد عبد الله من ذلك
كان واضحا وينحو إلى تبرئته والوقوف إلى جانبه.
شخوص الفيلم:
ربما يأخذنا هذا الكلام إلى الحديث بشيء من الإطناب عن شخوص الفيلم،
ونقول ابتداء أن اختيارات أحمد عبد الله في هذا الشأن كانت تعكس حسب رأينا
اختيارات سينمائية صائبة، فالفيلم رغم أنه يركز في مقاربته لأبطاله على
أفراد ينتمون إلى فئة الشباب فإنه لا يقدمهم وحدهم وإنما يقارنهم بشخصيات
تنتمي إلى فئة عمرية أخرى وهي فئة الكهول، ومن دواعي اللطف في هذا الاختيار
وهذه المطابقة هو مقارنة تجربة كل من الجيلين ببعضهما بعض مع المحافظة من
خلال هذا الاختيار على جيلين لهما في الحقيقة نفس الهواجس العقلية ولهما
نفس التكوين الثقافي والنفسي تقريبا، الخ.
وقد أعطى ذلك للفيلم فرصة أن يركز على تصوير عمق التحولات والتغيرات
الاجتماعية والنفسية في المجتمع الإسكندراني أو المصري بشكل عام، دون
السقوط في القطيعات العميقة بين الأجيال المتباعدة، والتي من شأنها أن تعيق
إرساء أي نوع من الحوار، لذا نلاحظ أن المراجعات في الفيلم جاءت هادئة وغير
متشنجة، وكانت غالبا إيجابية وبناءة، وإن كنا قد رأينا بعض قطيعة -في أول
الفيلم- بين خالد وأبيه. ولكن رأينا أيضا كيف أن المواجهات والانتقادات بين
هذين الجيلين أو داخل الجيل الواحد من الشباب -خاصة- تجيؤ دائما غير حاسمة،
وبعيدة عن الأساليب الوعظية أو الهازئة، وهو ما يسود في كثير من الأفلام
المصرية. في فيلم أحمد عبد الله تأتي الإنتقادات بطريقة واعية وربما شبه
علمية فهي –أي النقود- تتلبس صورا نسبية، وقد أحسسنا ذلك في الإعتراف الذي
سمعناه على لسان لاعب السكايت"... فقد قال لخالد عندما سأله عن الحب وإن
كان يفكر أن يرتبط بواحدة من أولئك الموسيقيات التجريبيات، أخبره (الشاب)
أنه ليس من العقل الإرتباط بمثل أولئك البنات فلا مستقبل حقيقي معهن، وهذا
موقف اجتماعي نقدي تجاه إختلاف تلك الفئة من الفتيات، قدمه المخرج على لسان
أصغر أبطاله وليس على لسان شيخ أو عجوز أو منتم إلى فئة اجتماعية أو سياسية
أو دينية معينة، وأنَّنَا نسمعه من ذلك الصبي يجعلنا نتقبله بشكل نسبي،
لأنه صبي، فالإختلافات هنا هي للتذكير بها وبواقعيتها دون الدعوة أو حشد أي
من الأطراف من أجل حرب للآراء أو لأخذ موقف من تصرف مثل ذاك الشاب الذي
رأيناه في السيارة يقنع خطيبته بالابتعاد عن تلك الفرقة الموسيقية
النسائية.
مسألة النظرة النقدية ونسبيتها هذه نجدها ثانية عند طرح الفيلم لمسألة
الإسلامية، فلأن الفيلم يطرح هذه المسألة بشكل مختلف عن غيره من الأفلام
المصرية، فإن صورة الإسلامي والمتدين فيه مختلفة هي الأخرى عنها فيما
تابعناه في تلك الأفلام بما فيها الأفلام التي أخرجها المرحوم عاطف الطيب
أو التي كتبها وحيد حامد، حيث يبدو الإسلامي فيها، دائما، إما مكتس قميصا
أبيضا طويلا يغطي رأسه بعمامة وله لحية مرسلة حد الصدر، وإما شَعْثَها مع
وجه قبيح، وهو فوق هذا وذاك يحمل أفكارا خبيثة، آسنة، متآمرة وهدامة.
المتدينون في فيلم "ميكروفون" لا قمصان لهم ولا لحاء تميزهم عن باقي الخلق،
فهم يلبسون كما يلبس أبطالنا، وهم شباب مثلهم، وحسنو الصورة أيضا، وبينهم
من ليس له لا شارب ولا ذقن، وحتى أفكارهم، رغم اختلافها عن أفكار أبطال
فلمنا من الفنانين، عبروا عنها بأسلوب متقدم أو هكذا صورها لنا أحمد عبد
الله على الأرجح، فأثناء ذلك الحوار الساخن، أعطى أحمد عبد الله لأولئك
الشباب المتدينين الكلمة، فنطقوا كلاما وأفكارا وليس صراخا، وهو الشيء
الوحيد الذي كنا نسمعه عن الإسلاميين في الأفلام المصرية التي ذكرنا،
ولأننا سمعنا صوتهم فقد أمكننا معرفة رأيهم الذي لم يكن واحدا، فبينما كان
أحدهم معارضا لمبدإ الحفل الذي أراد موسيقيونا إقامته، لأنه يقع في جوار
مسجدهم، كان غيره يتحدث عن إرجاء الحفل إلى ما بعد الصلاة..
وعموما، وفيما يخص الإسلام وممارسته في المجتمع المصري، بقي أحمد عبد
الله مؤمنا بتلك التراوحية التي بنى عليها كل نصه السينمائي، وبالنسبة
للإسلام بالذات فقد قاربه المخرج على أنه صوت المدينة الروحي، ولو أن أذان
أحمد عبد الله جاء كالمتعثر قليلا وضمن خلفية ربما بدت سلبية من خلال تلك
السطوح الخربة والمملوءة ببقايا الأشياء الرثة. عموما، الإسلام ومن ورائه
من يحسبون من بين الممارسين له صوروا بشكل إيجابي وبناء ولا أقول تصالحي،
ومن بين ما أتحفنا به أحمد عبد الله في الفيلم تلك الجمالية والدينامية في
مشهد انفتاح المسجد بمصليه وبسطه على الشارع، حيث أصر أحمد عبد الله على
عرض المشهد كاملا رغم طوله، وذلك ضمن تقنية العرض السريع، كان المشهد جميلا
في ألوانه وفي لقطته الواسعة الطائرة وكذلك في "تسجيليته"، وهنا ربما يحلو
للبعض أن يفسروا هذه الصورة على أنها اجتياح الديني للمكان العام المتمثل
هنا في الشارع، ولكن يمكن لآخرين أيضا أن يقرؤوها بطريقة مختلفة، فما رأينا
هو ظاهرة حضارية وثقافية ودينية تتخذها المدينة في أوقات من يومها تتعبد
فيها ثم ترجع تنكمش عنها في أوقات أخرى وتسرح المكان العام لشؤونه الأخرى
الإجتماعية والإقتصادية وربما الفنية وهو ما سعى إليه في الحقيقة فنانونا
عندما فكروا في إقامة حفلهم عند تلك الساحة قرب المقهى، أما بالنسبة
للمرفوض في هذا الخصوص، كما جاء على لسان أحد أبطال الفيلم، فهو أن يستمر
احتلال المكان العام وقتا طويلا وتعطيل شؤون الناس دون مبرر وذلك على غرار
معلقات المترشحين التي تغطي الطرق والمسالك حتى بعد انتهاء الانتخابات.
إذن جاءت المواجهات الفكرية أو مسألة طرح الأفكار والآراء على لسان
أبطال الفيلم المختلفين من حيث انتماءاتهم العمرية والثقافية والاجتماعية
والسياسية وربما الأيديولوجية أيضا، هادئة وإيجابية غالبا، والمواجهات
الوحيدة العنيفية جاءت في بيت مجدي حين اتهم بتعاطي بعض المخدرات وأنه سرق
حلي إحدى عماته، وجاءت مرة أخرى مع نفس مجدي، بينه وبين أبو خالد عندما
انتقل للعيش معهم هروبا من عمته، حيث خاطب مجدي أبا خالد بلغة استعلائية
مؤنبا إياه بشكل غير مباشر على إستسلامه، المواجهة أو المشاحنة الأخرى
العنيفة جدا أحسسناها في العلاقة بين هذا الأب وخالد.
ولكن كل هذه المواجهات التي تحتمل عنفا نسبيا كان أحمد عبد الله ينجح
دائما في تحويلها وصنع مفاجئات سينمائية أو إضحاكنا عليها، وذلك سواء بقفز
مجدي من الشرفة ليسقط في البساط الذي كان يمسك به أصحابه في الأسفل وهو ما
تسبب في خوف عماته عليه وظنهم أنه ينتحر، أو من خلال تجنب خالد والده داخل
البيت وجلوسه دائما في المطبخ، وتركه يصول ويجول في بيته ممارسا هوايته
الجديدة في فتح الباب، وهذه المعالجة السينمائية وليست الفكرية من أجل
تجاوز تلك التشنجات والمصادمات سببها أنها لم تكن، في الحقيقة، بالنسبة
لأحمد عبد الله، جزءا كبيرا من مشاغله الدرامية، ما كان يهمه فيها أنها
مجرد تعبير عن إرهاصات التحول الذي كان يختلج في نفوس تلك الفئات المختلفة
من المجتمع المصري.
إختيار هوية أبطال الفيلم:
بالنسبة لاختيار هوية أبطاله وفنانيه، سعى أحمد عبد الله –ولم يكن
الأمر سهلا- إلى أن يكون هؤلاء ممن ينتمون إلى مختلف الفئات الاجتماعية.
كان بعضهم ينتمي إلى طبقات مرفهة وذات ثقافة غربية نسبيا، كما بدا في
لكنة أفراد منهم وهم يتحدثون المصرية، ورغبة البعض الآخر منهم الغناء
بالإنجليزية، ولكن الفيلم ورغم تركيزه على هذه النوعية المُسْتَغرِبة من
الفنانين والتي ربما بدت أكثر المجموعات جاذبية سينمائيا فإنه لم يغفل عن
تقديم شخصيات أقل رفاهية واستغرابية في انتماءاتها الاجتماعي والثقافية،
وهذه الشخصيات لم تختصر على شخصية البائع المتجول التي حاول المخرج من
خلالها فعل بعض التوازن الإجتماعي، ولكن هناك أيضا بعض الموسيقيين الذين
بدوا شعبيين جدا أو هكذا أظهرهم المخرج مثل عازف الأكورديون البصير. الغياب
الوحيد المرتبط بالانتماء الاجتماعي ربما تعلق بغياب فتيات الطبقات
الإسكندرانية الشعبية، فحتى حضور تلك التلميذة في قصة البائع المنتصب لم
يكن كافيا.
هذا ونشير إلى أن المخرج أحمد عبد الله وهو لا يراوح أسلوبه السينمائي
العفوي واللطيف حاول من خلال نقل شبه توثيقي لإحدى المظاهرات السياسية
تصوير حضور نوعي آخر للفتاة المصرية الناشطة وذات الانتماء الإسلامي -هذه
المرة- والتي تمثلت في صور أولئك الفتيات المحجبات في قلب تلك المظاهرة
الاجتجاجية المصورة، هنا قارن أحمد عبد الله أولئك المتظاهرات ببناتنا
"الفنانات" اللاتي من بينهن من مارسن فن "الفايس بانتينغ" على وجوههن.
ما أراد أحمد عبد الله تحقيقه من هذا كله هو رغبته في عدم الاقصاء لأي
من وجوه المرأة المصرية، مع التأكيد على وحدتها في إيمانها بقدرتها ودورها
في تغيير الواقع أو التأثير عليه.
هذا التوازن في التعاطي مع شخوص الفيلم ومحاولة تصوير المجتمع الإسكندراني
من خلال استحضار كل مكوناته وفئاته رغم التركيز على أبطال الفيلم الذين
تعرف عليهم المخرج -كما نعلم- أثناء إعداده لفيلمه الوثائقي. إن هذا
التوازن وهذا الإنفتاح يعتبر من عناصر الجمال في الفيلم.
المدينة في الفيلم:
أحب الآن أن أذكر بعض الصور الجميلة في الفيلم، لنفسر بها سبب
انسجامنا وتفاعلنا مع مجمل الفيلم.
من العناصر التي جعلتنا نحب الفيلم ونتعلق به تلك المشاهد المتنوعة
وأحيانا المتكررة التي أهدانا إياها أحمد عبد الله وصور لنا فيها مناطق
مختلفة من مدينة الإسكندرية، وقد أطلق عليها خالد أبو النجا في مداخلته في
قاعة سينما مارينا مول أبوظبي إسم منطقة "ما وراء سكة الترومواي" وهي منطقة
مفصولة كما قال عن مناطق الإسكندرية السياحية المشهورة.
وهنا نحب أن نقول أن هذه الصور من الإسكندرية كانت من دواعي استمتاعنا
بالفيلم، وذلك لسببين إثنين.
الأول هو ارتباط موضوع الفيلم بممارسة المدينة من خلال علاقة شخصيات الفيلم
بالشارع، فموضوع الفيلم وحكايته جعلتنا نتطلع إلى تلك الشوراع على أنها سكن
ومجال عمل أغلب أبطالنا، ومن بينهم موسيقيونا التجريبيون، حيث تابعنا على
سبيل المثال مجموعة مجدي الموسيقية في حلها وترحالها على متن تلك السيارة
الحمراء التي بعثت كثيرا من الدفئ والحيوية في صور أحمد عبد الله، ولم يدخر
هذا الأخير جهدا كي يتحفنا خلال تلك الجولات بمشاهد عن مناطق من المدينة
جديدة وبمشهد مختلف عن تلك البحيرة الهادئة ذات القارب الوحيد. اكتشفنا
المدينة أيضا مع آية ومعاونها وسلمى وهاني وذاك الصبي المغرم بلعبة
"السكايت" وكذلك خالد. مع هذا الأخير كنا نخرج في زمنين ونتجه إلى موقعين،
في آخر النهار كنا نمضي إلى تلك الصخور أو قوالب الكونكريت عند البحر حيث
يحتسي خالد من تلك القارورة التي تذكرنا دائما بوصوله للتو من الخارج، وفي
الليل كنا نتيه معه خلال شوارع المدينة وميادينها المضاءة والمزدحمة
بالبشر.
بعض المشاهد الجميلة في الفيلم:
قبل أن ننتهي أحب أن أستعرض بعض مشاهد الفيلم الجميلة جدا، أبدأ
بالمشهد الذي ظهر فيه يسري نصر الله، وهذا الظهور كان في حد ذاته اختيارا
جميلا، وهو حدث سينمائي بالفعل، وفيه طرافة من جهة أنه أظهر نصر الله في
وضعية غير مريحة تماما أمام الكامير، في هذا المشهد تحدث يسري نصر الله عن
الفرق بين الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي، فبينما كان يقول لنا أن الفيلم
الروائي يتميز عن التسجيلي بوجود الحكاية التي تطرح قضية الحب والكره نزلت
كاميرا المبدع طارق حفني من لقطة متوسطة كانت على يسري نصر الله الذي كان
يجلس بعيدا إلى لقطة قريبة (كلاوز آب) على يدي سلمى وهاني القريبتان عند
الأسفل فرأينا أصابعهما تلاعب بعضها بعضا.
جمالية هذا المشهد ليس في كونه صور لنا بشكل سينمائي موح وجميل كيفية
تحول هذا الفيلم الذي بين أيدينا من شريط تسجيلي إلى شريط روائي وحسب وإنما
في التوقيت الذي اختاره أحمد عبد الله لهذا المشهد بحيث حضَّرنا من قبل من
خلال تصوير تبادل النظرات بين هاني وسلمى وقربهما من بعضهما، وقد جاء هذا
المشهد ليأكد لنا صدق ما أحسسناه وهو ما جعلنا نفرح به.
ولكن –وللأسف- اختفى هذا الأسلوب السينمائي الجميل والموحي في لقطة
القبلة التي فاجئتنا كثيرا وجاءت غير متماشية مع لطف العلاقة وعذريتها –وهو
ما يفترض أن تكون عليه- بين سلمى وهاني، كنا ننتظر ترددا واضطرابا وخوفا لا
وثوقا، لقد بدأت القبلة مع سلمى مكتملة محملة بكل عناصر قبلة الحب في
الفيلم الغربي العاطفي، ولو أنها تميزت عنها بكونها قبلة القطيعة وليست
قبلة اللقاء في النهاية.
هناك مشهد آخر في الفيلم وجدته أكثر المشاهد عمقا وجمالية، وهو مشهد
"آية" التي كانت قد أعدت معلقة الحفل، كانت آية في الشارع وحدها حين أبلغها
خالد أنه، لضعف الميزانية، لن يعطيها أجرا مقابل عملها، دون أن تبرح مكانها
وفي حركة بسيطة ونظرات عفوية قالت وهي سعيدة وكأنها تكلم نفسها: ".. ومن
قال أنني كنت أطلب أجرا.." (أو شيئا من هذا القبيل)، قيمة هذا المشهد هو في
ترسيخه للصورة التي كنا كوناها عن آية في الفيلم، وهي أنها إنسانة متفانية
في حبها لفنها حد دفع عمرها ثمنا له.
لن أنسى أن أشير أيضا إلى الإيقاع الثابت والجميل، الوئيد أحيانا
والراقص أخرى، الذي ساهمت فيه بشكل كبير كاميرا طارق حفني المحمولة، حيث
كانت تقرِّب الوجوه والكائنات وتدخل بين الأشياء تصورها كبيرة وقريبة وذلك
كما في مثال وجوه وآلات الموسيقيين. كما كان للموسيقى واختياراتها الجميلة
مع ارتباطها الطبيعي بموضوع الفيلم وأبطاله دور مهم جدا في توجيه حركة
الكاميرا وإيقاعها. المونتاج الموفق جدا كان له هو الآخر دور مهم في صنع
هذا الإيقاع والمحافظة على زخمه.
كل هذا جعل الفيلم عبارة عن فسحة موسيقية راقصة خلال مدينة وجدناها
أجمل مما حدثونا عنها.
في الختام نعاود القول بأن أحمد عبد الله قد نجح، ليس على مستوى فيلمه
الطويل الأول وحسب وإنما نجح أيضا في تجربته الأولى المتمثلة في تحويل فيلم
تسجيلي إلى فيلم روائي ناجح زرع فيه حيوية الأول في أفق الثاني، ونجح في
تجربته الثانية من خلال تحويل حكايات شتى إلى حكاية واحدة موحدة لفيلمه،
ونجح في تجربته الثالثة التي جمع فيها فئات شتى من المجتمع المصري ومكَّنهم
كلهم –نسبيا- من حق الكلام وأن يكونوا مختلفين، وذلك دون اتهامات أو
استنقاصات أو مبالغات سينمائية. كما نقدر لأحمد عبد الله –أخيرا- دوره في
إعادة المدينة المصرية إلى السينما المصرية.
سينماتك في 20
أبريل 2012
|