نافذة ضوء في جدار مظلم, إنعكاس لخيالات أشخاص
على شاشة عملاقة, أبصار شاخصة، هدوء يخيم على المكان, تقطعه ضحكات عالية
بين الحين والآخر، هكذا كان الحال عندما ذهبت, يدفعني الفضول لمشاهدة تجربة
الكويت الوليدة في عالم السينما التجارية، يصاحبني توجساً من أن أفاجئ بما
كنت أتوقعه من قبل, ولكنها كانت رحلة تستحق العناء, ومثلما قلت للكثيرين,
كنت سأندم إن فاتني اختبار هذه التجربة الغريبة.
قد يسترعي الإنتباه كلمة "الغريبة", ولكنها
بالفعل كذلك, لم تكن جميلة تستدعي الثناء والإشادة, ولا هي رديئة لا تستحق
المشاهدة, هي تجربة تتأرجح بين هذا وذاك, وهي في كل الأحوال جديرة
بالمشاهدة.
الفيلم الكويتي "شباب كوول" هو أول بارقة ضوء في
نفق مظلم، عمل انتظرناه طويلاً، ورغم كل هذا الفرح بقدومه, فلابد لنا من
تقييم هذه التجربة السينمائية, بكل مالها, وما عليها، ننظر لها بعين
الخبير, وعين المحب، وبالإثنتين معاً,حتى تكتمل الرؤية, وتعبر بصدق, بدأنا
معاً في أولى نقاط الضوء, وعلينا الآن أن نراجع نقاط الظلام, نقطة, نقطة,
على أن نعود للضوء من جديد, ولنبدأ معاً الرحلة.
فيلم " شباب كول " أولى تجارب "شركة السينما
الكويتية" مع الصناعة المحلية, وهي تجربة ناجحة جماهيرياً, فقد استقطبت
حضوراً غفيراً على مدى أسابيع عرضه الطويلة, بل حرص الكثيرون على مشاهدة
الفيلم لأكثر من مرة, هذه التجربة السينمائية حملت توقيع المخرج التلفزيوني
المميز “محمد دحّام الشمري” صاحب المشهدية المميزة في الدراما الرمضانية
"يا خويّ", وكاتبه هو الآخر قادم من عالم الدراما التلفزيونية, فهو المؤلف
التلفزيوني “حمد بدر” الذي قدم من قبل مسلسل "خطوات على الجليد", ولربما
لكون ركيزتيّ العمل الأساسيتين المتمثلة بكاتب العمل ومخرجه هم بالأصل
نماذج تلفزيونية, فقد ساهم هذا الأمر بظهور العمل, وبشكل غير محسوس, بصورة
تلفزيونية أكثر منها سينمائية, وقد يرجع ذلك إلى أن فريق التمثيل,
والإنتاج, والتقنيات كله لم يعمل من قبل في السينما, بل كانت تجاربه
تلفزيونية, هذا على الرغم من تصوير الفيلم بكاميرات سينمائية, ولكنه, وبكل
الأسف, إفتقد تقنية السينما, عدا بعض المشاهد, مثل مشهد البداية الذي إلتقط
صورة عامة للمنطقة من مكان عال, وتلك المشاهد البسيطة التي تناثرت هنا
وهناك، يجدر الإشارة بداية بأن الظروف الإنتاجية للعمل كانت ضخمة وعالية
الجودة, ولكنها للأسف لم توظف بشكل جيد، وفيما يتعلق بمواقع التصوير, فجاءت
في بعض الأحيان موفقه وحلوة من حيث الزوايا, واللقطات, ولكنها أشعرتني في
بعض المرات بأنها دعائية, وسياحية.
كانت الموسيقى التصويرية بدورها كارثة, فالموسيقى
التي وضعها الدكتور "عامر جعفر", والذي يعتبرمن أحد الرموز المهمة في
الموسيقى التصويرية، ولكنها فاجأتني بكونها مزعجة, وغير متوافقة مع
المشاهد, فهي تحاول إنتشال المشاهد من فخ الرتابة, والسقوط التي تقع فيه
أحياناً, ولكنها, وبكل الأسف, فشلت في تلك المهمة, فهي تصب في منعطف آخر
بعيداً عن الحدث المتوقع.
وإن تجاوزنا كلّ النواحي التقنية التي نلتمس
العذر فيها لأصحاب الفيلم, نظرا لغياب الخبرة, فإنني, لن أتساهل معهم في
النواحي الموضوعية للعمل, فالسيناريو, والقصة, والحوار, والشخصيات تتطلب
المناقشة، كلنا يعلم بأن الفيلم سبق عرضه الكثير من الجدل, والأقاويل
المعارضة لظهوره, إلى حدّ رجحت بعض الآراء بمنعه من العرض, ولكن الفيلم حمل
أكثر مما يحتمل في الواقع, فقصته خفيفة, وبسيطة, إن لم نقل سطحية, وهي بذلك
تنفي هذا الثقل المفترض في المضامين المعروضة ضمنها.
فكرة العمل جميلة لو وظفت بشكل جيد, ولو لم يقحم
فيها الجانب السياسي, الذي لم يكن له أي دور, فلو إكتفى الكاتب بتلك القصة
الرومانسية الصغيرة, وما ينطوي عليها من مفارقات كوميدية مضحكة, لكان أفضل
بكثير, ولكن إصراره على ضمّ هذه المضامين العميقة شوّه العمل, وما يعيب
الفيلم كذلك, التركيز على الفئة الغير طبيعية, إن لم نقل الشاذة في
المجتمع, فعلى إعتبار أن السينما من أوجه الثقافة الأخرى, بل هي أقرب أشكال
الثقافة للجميع, يقع عليها إذاً عبء تشكيل الوعيّ العام لدى الجماهير,
بالتعريف بطبيعة هذا الشعب ومعتقداته ، فمن لا يملك أدنى فكرة عن واقع
الكويت الإجتماعي, ويشاهد فيلماً كهذا, ستتشكل لديه قناعة بأن جميع أبناء
الكويت من العاطلين عن العمل, ممن لا يملكون هماً في الدنيا سوى كيفية
التعرّف على الجنس الآخر, والاستهتار بكافة صوره, وهي فكرة مغلوطة تماماً,
فإن كان هناك عدد كبير من أمثال هذه الفئة في المجتمع, ولكن تبقى على الأقل
فئة أصغر منها مازالت تلتزم بتقاليد المجتمع, مثقفة, متدينة, وملتزمة, هذه
الفئة لم يشر المخرج, أو المؤلف إليها, ولو بإشارة صغيرة, وهو مطب مهمّ,
ماكان عليهم أن يقعا فيه.
خطأ آخر واضح, وقع فيه العمل, وقد لا يرجع هذا
للسيناريو, أو لعيوب الإخراج, ولكن, إلى مقص الرقيب الذي إقتطع الكثير من
أجزاء الفيلم, فظهر في كثير من مواضعه مهزوزاً, مشوشاً, وغير متسق, حتى
أننا نتساءل عن سبب وجود بعض المشاهد في هذا المكان بالذات, نظراً لغياب
العلاقة بينها, وبين ما يليها, وما يسبقها.
أما الحوار, فله قصة أخرى, وهو يشتمل على مفردات,
وألفاظ لن أقول مقززة, وإنما على الأقل لا تمت لواقع اللغة المحكية في
الكويت بصلة, حتى أنني, وأنا ابنة هذا البلد, كنت أجهل أغلب المفردات
المتداولة على لسان أبطال العمل.
ولنتحدث عن النجوم والأداء, فبطل العمل “محمد
الرشيد”, وعلى الرغم من إجادته التي لا يختلف عليها أحد للدور الموكول به,
وهو دور صعب, كنت أفضل بأن يستعين المخرج بممثل آخر لأداء هذا الدور الذي
أجده لا يناسب “الرشيد” من حيث العمر, وكان من المفترض أن يسند إلى أحد
الممثلين الشباب الجدد، إلى جانبه النجمة السينمائية "فاطمة عبد الرحيم"
التي أجدها تمتلك مقدرة أداء فنية عالية تؤهلها للقيام بكل الأدوار
الموكولة لها باقتدار, وحرفة, ولكن الدور لم يسمح لها بالتحرك إلاّ في إطار
منطقة ضيقة لم تبرز إمكاناتها الفنية بشكل جيد، وكان أداء الفنان "مشعل
القملاس" الأكثر صدقا وقرباً من المشاهد, فالدور المكتوب بإحتراف عالي أضفى
عليه "القملاس" روحاً مختلفة, ماكان لها أن تتوافر لو أُسند الدور لنجم
آخر, وبقدر كراهية المشاهد للشخصية المؤداة, بقدر نجاح هذا الممثل في
تجسيدها باقتدار، كما يتوجب بأن أبدي احترامي الشديد بقبوله لهذا الدور,
فهي مغامرة مهمة في مجتمع ضيق مثل الكويت تحسب له، وفي المحصلة, أجد في "القملاس"
مشروع نجم قادم للساحة, وبقوة.
وأخيراً, فليعذرني صناع هذا الفيلم إن كنت قاسية
بعض الشيء عليهم, فكل تجربة تنطوي على الجيد والرديء, ولكن في عملهم
"وللأسف" غلب الرديء على سواه, ومع ذلك, تبقى تجربة تستحق المشاهدة,
والتشجيع لتحقيق المزيد منها، ولا يمكن أن ننكر حقيقة كون الفيلم يمثل نقلة
للفيلم الكويتي, مهما إختلفا أو إتفقنا على نوعيتها ، فعلى الأقل, بات
بمقدورنا الآن مشاهدة أفلام كويتية تعرض تجارياً, ففي الماضي القريب,
والقريب جداً, كانت العروض مقتصرة على نادي السينما, أو التلفزيون الذي
يفقد العمل السينمائي الكثير من بريقه, وألقه.
وهناك قاعدة سينمائية عامة تنصّ على أن كل
التجارب على إختلاف مشاربها, وتباين درجات تمايزها في الرؤية السينمائية,
تبقى جديرة بالاحترام والتقدير, فمجرد الإقدام على إنتاج أفلام سينمائية في
بلد لا يملك مقومات الصناعة, ولا يعترف بأهميتها, تعتبر مغامرة حقيقية,
محفوفة بالكثير من المخاطر, تتطلب الشجاعة, ومواصلة السير على هذا الدرب
يتطلب أيضاً الكثير من التشجيع والدعم, وهنا يبرز دور المعنيين بالصناعة,
أو حتى ممن تربطهم علاقة قريبة أو بعيدة بها, كي يتوفر الدعم المادي اللازم
لإنتاج تلك الأفلام, بالإضافة إلى الدعم المعنوي, عبر تعزيز دور صناع هذه
السينما, ولن ننسى دور الجمهور, فبحضورهم يؤسسون لقاعدة سينمائية راسخة.