وصلنى، عن طريق وسيط، أن أسرة فاتن حمامة غير راضية عن نشر مذكراتها، وأنهم
يهددون برفع دعوى لمنعها، ولما أرسلت إليهم ما معناه أننا لا ننشر كلامًا
من تأليفنا، وأن لدينا الأعداد الأصلية من مجلة «الكواكب» التي تحتوى على
نص المذكرات، كان ردهم مستفزًا ومسيئًا للفنانة الراحلة بشكل غريب، قال
الذي يحسب نفسه وسيطًا: لقد كانت فاتن «تهلفط» مع الصحفيين كثيرًا في فترة
ما، وقد أخذوا هذه الحوارات وحولوها إلى مذكرات، وأنها لم تكن راضية عن
نشرها، ولذلك لا ينبغى أن ننشرها نحن.
واضح أن هذا الكلام هو «الهلفطة»، لأن فاتن حمامة لم تعترض على الإطلاق على
نشر مذكراتها في «الكواكب» التي استمرت على مدى شهور، وربما تكون قد ندمت
فيما بعد، عندما بدأت تتملكها المرارة من الصحافة ومن فشل علاقتها بعمر
الشريف، ومن موقف النظام الناصرى منها، والذي دفعها إلى الهرب خارج مصر حتى
وفاة عبد الناصر.
الحقيقة أن فاتن كانت سعيدة جدًا بنشر مذكراتها، بل أكثر من السعادة، كانت
تعتقد أنها تتطهر وتنضج بالاعتراف، وأنها تكتب تجربتها في الحياة لتستفيد
منها في مستقبلها، وقد كتبت بالفعل مقدمة للمذكرات نشرت مع الحلقة الأولى
منها في عدد يونيو ١٩٥٦ هذا
نصها:
«
لماذا أكتب مذكراتي؟ كان هذا هو السؤال الذي وجهته إلى نفسى أكثر من مرة،
وقد بقى طويلًا بلا إجابة شافية حتى قرأت ما كتبه مفكر فرنسى شهير هو «بليز
باسكال» فوجدت فيه الإقناع القوى، وتناولت بعده القلم لأصور فصول حياتى
الماضية كما مرت بى تماما...
يقول باسكال: «إن الماضى هو الرصيد الذي ادخره الأمس بحرص لينفقه الغد في
حذر، هو مزاج من التجربة والخطأ، هو معاول تمهد الأرض التي أتعبتنا لنعود
إلى السير عليها بلا مشقة، وليسير عليها من يجىء بعدنا في يسر».
ماضينا إذن، كما تخيل باسكال، وكما تقدمه المذكرات الشخصية، مجموعة من
المصابيح الهادية نتركها وراءنا لتنير الطريق، طريق الغد...فإلى من ينضم
إلى أسرة السينما بعدنا، وإلى من يهمه من أمرنا الكثير، أقدم أنا فاتن
حمامة هذه الصفحات من كتاب حياتى.. وهى صفحات كتبها الكفاح.. وصورتها
الصراحة المطلقة.. ورتبها بمعرفته القدر!!»
وليس هناك تبرير لنشر هذه المذكرات أفضل ولا أروع مما كتبته فاتن حمامة
نفسها، فربما يعتبر المعتبرون... والغاضبون.
في الحلقة الماضية توقفنا عند سفر فاتن إلى لبنان ومواجهة أحد الصحفيين لها
بأن زوجها عز الدين ذو الفقار يخونها، وأنه تخلف عن اصطحابها إلى المطار
لأنه كان مشغولًا بموعد غرامى.
اليوم نستكمل قصتها، وصولًا إلى اللحظة التي تعرفت فيها على زوجها الثانى
عمر الشريف!
اتصل بى يوسف شاهين وقال: «عندى لك فيلم جديد» فسألته «مين البطل؟» فرد
«اسمه ميشيل شلهوب».. ضحكت بشدة عندما سمعت الاسم وقلت: «هو ده اسم؟» فقال
«يوسف شاهين»: «ما أنا سميته عمر الشريف»
عادت الأحداث واضحة جلية.. كما تعود الصور القديمة في الأفلام.. صور الماضى
المعروفة باسم.. الفلاش باك.
وتذكرت شيئا هاما.
تذكرت أننى عثرت ذات ليلة.. في جيب من جيوب سترة عز.. وكان من عادتى أن
أنقل محتوىات الجيوب من بدلة إلى أخرى.. عثرت على صورة ممزقة.. وقد تفحصت
بقايا الصورة فلم أجد فيها غير جزء من وجه عز.. وبقايا صورة امرأة لم يبق
منها إلا جديلات من شعر أصفر رخيص.
وقد سألت عز عن الصورة في اليوم التالى.. فقال لى إنها لقطة من ألبوم
الفيلم لم يرض عنها فمزقها.
وحاولت أن أعرف الحقيقة من الجاسوس فلم أظفر بطائل وإن كان قد أخطأ.. وذكر
أن عز سهر قبلها بيومين في الأريزونا.. وهو ملهى في شارع الهرم يديره
المطرب المعتزل محمد أمين.
وتذكرت أيضا مكالمة تليفونية أثناء غيابه في الإسكندرية فقد رن التليفون في
بيتى.. فلما رفعت السماعة سألنى المتكلم:
-
الأستاذ عز موجود؟
وأجبت بالنفى.. فعاد يسأل:
-
حيرجع إمتى؟
وهنا قلت له:
-
مين حضرتك؟
وسمعته يهمس إلى إنسانة تقف بجواره:
-
بتسألنى انت مين يا ست سامية.
وقبل أن يرد أغلقت السكة فجأة!!
وهنا أحسست أننى حللت اللغز المستعصى.. وقلت لا بد أنها سامية جمال.
ولكن..
ولكنى اتهمت إنسانة بريئة في الواقع، فسامية جمال صديقة عزيزة.. وهى إنسانة
تقيم وزنا كبيرا للصداقة.. وللمبادئ.
وحاولت أن أنسى.. فوقفت قليلا أنظر إلى البحر، البحر الكبير الذي تنسكب فوق
مياهه قطرات من ماء القمر.. وقطرات أخرى من مصابيح الطريق.. وتمزج أمواجه
قطرات الضوء ببعضها البعض كما يمزج البارمان خموره.
وفتحت لى الصورة التي تجسدت أمامى باب الهروب من المتاعب.. قلت لنفسى:
-
لا بد أن أشرب الليلة.
وبدلت ملابسى بسرعة.. وأزلت من عينى بقايا الدموع بالريميل.. ونزلت سلم
الفندق.. وأنا أرسم على شفتى ابتسامة عريضة.. ولكنها ابتسامة مزيفة.
وبرقت في وجهى عشرات من مصابيح «الفلاش».. والتقطت لى صور عديدة وأنا أسير
إلى المائدة الرئيسية في المأدبة التي أقيمت على شرفى كما يقال في لبنان
الحبيب.
وعندما رفع الداعى زجاجة الويسكى يصب الخمر في كأسى لم أعترض.. وإنما قلت
له:
-
أريد ثلجا.. ثلجا كثيرا.
ولمحت الدهشة على الوجوه.. فلم يكن من عادتى أن أشرب.
وشربت كأسا.. وأخرى.. وثالثة.. وهنا فوجئت بالصديق ألبير نجيب.. يرفع الكوب
الفارغ من أمامى ويقول بشىء من العتاب:
-
كفاية كده يا تونة.
وقلت له:
-
ليه حرام عليك.. أنا عاوزة أشرب.
فقاطعنى قائلا:
-
حرام عليكى انت هتعدمى صحتك.
وطلب لى الصديق العزيز فنجان قهوة بلا سكر حتى ينقذ رأسى من الدوار الذي
بدأ يستبد به.
وانتهى الحفل.. وبدأنا نصعد إلى حجراتنا.. وسار ألبير إلى جوارى فقلت له:
-
قوللى يا ألبير.. فيه واحدة في فيلم عز اسمها سامية؟
وفكر ألبير قليلا.. وراح يستعرض لقطات الفيلم التي مرت أمامه على
«الموتيدلا» ثم قال:
-
لا مافيش!
وقبل أن نصل إلى الدرج المؤدى للطابق الثانى.. توقف ألبير قليلًا.. وقال
كمن تذكر شيئًا:
-
يكونش قصدك سامية كمال..
وقلت له دون أن أدرى:
-
لازم هي.. لازم هي..
ولم يفهم الصديق شيئا مما أقوله.. وراح ينظر إلى بإشفاق.. تماما كما ينظر
المارة إلى سكير كاد يسقط على الطريق.
وصعدت درجات فندق «بياريتز» والاسم يطن في أذنى.. كان صوت عجلات القطار في
رحلة طويلة مملة.. سامية كمال.. سامية كمال.. سامية كمال.. وكدت أسقط
إعياء.. وتحاملت على نفسى حتى وصلت حجرتى.. وهنا انهارت مقاومتى فارتميت
فوق السرير بثوب السهرة.
وصحوت قبيل الفجر.. صحوت على أشعة الشمس الأولى التي تسللت إلى مخدعى.. عبر
النافذة المفتوحة.. وحاولت أن أنهض من رقدتى.. فلم أستطع في البداية.. كان
كل جزء من جسدى يؤلمنى.. كأن هناك عشرات من المسامير، قد دقت فيه.. واكتشفت
السبب عندما رأيت زجاج النافذة المطلة على البحر مفتوحًا.
وتحاملت على نفسى من جديد.. فخلعت ثوبى.. وارتديت روبا وتسللت إلى الفراش..
بعد أن أغلقت النافذة.. وحاولت أن أفكر بهدوء.
إن عز فنان.. والفنان عرضة لأن ينجرف فترة مع تيار عاطفى معين.. ولكن هذا
لا يعنى بأية حال أنه نسينى، أو يفكر في نسيانى مع امرأة أخرى.. أيا كانت
هذه المرأة، وسواء أكانت بطلة أم راقصة مغمورة.
وأحسست بشىء من السكينة مع هذا التفكير المنطقى.. ولكن الجرح عاد يؤلمنى..
الجرح الذي يصيب المرأة عندما تشك وعندما تتعذب.. فالخيانة لا توقظ في
النفس أكثر من الإنانية.. نحن نتساءل في أعماقنا ودون أن نحس:
-
لماذا ينصرف عنا الناس إلى أناس آخرين.
ما الميزة التي يجدونها في الآخرين.. ولا يجدونها فينا.. هذه المقارنة
اللاشعورية هي التي تخلق معه الخيانة.. خيانة.
وشعرت بالغيرة تفرى نفسى.. تمضغها مضغا.. وكأنه قطعة «لبان» بين فكين لا
يرحمان.. وعدت إلى السؤال الذي طالما أرقنى:
-
هل عز الدين هو رجل حياتى؟ هل هو رفيق مشوار العمر الطويل؟
ووجدت الإجابة صعبة جدًا.. ومرة جدًا.
ولم أشأ أن أضعف أو أتخاذل.. قررت أن أكون حازمة في موقفى.. بشرط أن أدرس
الموقف كله.. وأن أحيط بتفاصيله.. ولما كانت المسألة من الصعب أن تتم في
لبنان.. فقد قررت أن أرجئ البت فيها إلى حين عودتى.. ورأيت أيضا أن أكبت في
نفسى كل قلق.. وكل تعب حتى لا أظهر أمام المعجبين بصورة تختلف عن تلك التي
اعتادوا مشاهدتها.
واتصلت بأحمد ضياء الدين تليفونيا في حجرته.. وقلت له:
-
بابا أحمد أنا عاوزه منك طلب.
وأسعده أن أناديه بلقب بابا.. فقال لى بفرحة:
-
أنا تحت أمرك يا بنتى.
فقلت:
-
أريد أن أسهر الليلة.
وأجاب على الفور:
-
بس كده.. أنا تحت أمرك.. بس بشرط..
وسألته:
-
إيه هو؟
فقال على الفور:
-
مافيش شرب.
وضحكت كطفل ذكروه بخطأ ارتكبه وقلت:
-
لا خلاص بطلناه.
وكانت آخر مرة شربت فيها الخمر.. فلم أتناول بعدها كأسا واحدة بأية حال.
وتلقيت ذات صباح برقية من عز الدين هذا نصها:
-
وحشتينى جدا، تلحمى اتصل بى من أجل فيلم جديد..
عودى بسرعة.. قبلاتى..
وطويت البرقية.. ووضعتها في حقيبة يدى.. وطويت معها بعضا من مخاوفى
السابقة.. واتصلت بالزملاء أخبرهم باضطرارى إلى العودة.
ورجع معى ضياء وحده.. في حين رأى ألبير أن يمدد إجازته قليلا.
وعدنا إلى القاهرة.. إلى الوطن الغالى.. ولمحت وأنا في ردهات المطار
المغطاة بالزجاج.. لمحت عز الدين وسط المستقبلين.. كانت معه شقيقتى ليلى..
ونادية العزيزة.. وشقيقى الأصغر مظهر.. وبعض الأقارب.. ومندوبو الجرائد
والمجلات..
ولوحت لهم من بعيد..
ورد عز على تحيتى مرات عديدة.. ثم مد يده يجذب شعيرات ذقنه التي أطلقها في
فترة من الفترات.. وهى عادة تلازمه عندما ينفعل.
ولم تطل وقفتى في المطار.. فقد أسرع أحد الموظفين يرحب بى.. ويسهل لى مهمتى...
سهرت الأسرة كلها معنا حتى الفجر تقريبا.. وأوينا إلى الفراش في ساعة
متأخرة.. واستيقظت نحو الساعة الحادية عشر صباحا لأجد عز قد توجه إلى
الاستودويو.
ورن جرس الباب.. وفتحت.. وياليتنى ما فتحت!!
كان الطارق هو البواب النوبى الطيب الذي رحب بى، قائلا:
حمد لله على السلامة يا ست فاتن، مصر نورت..
وقلت له وأنا أبتسم:
-
الله يسلمك، متشكرة قوى.
ومد الرجل يده وناولنى عدة أوراق مالية صغيرة، فسألته بدهشة:
-
إيه ده يا عم إدريس؟
وقال الرجل ببساطة:
-
دول سبعين قرش يا ستى باقى حساب بتاع الست اللى كانت نازلة عندكم.
وسألته بدهشة:
-
نازلة عندنا فين؟
فقال بسذاجة أهل النوبة الطبين:
-
الست الضيفة.. ما كانش معاها فكة.. سبت لى جنيه.. وبعدين مشيت من غير ما
تاخد الباقى.
وأحسست بالأرض تميد تحت قدمى، أحسست كأن هناك عشرات المدقات قد هوت على
رأسى بشدة، وجاهدت كثيرا في سبيل تمالك أعصابى، وقلت للرجل وأنا أغلق الباب:
-
حاضر لما تيجى حبقى أديهم لها.
وقبل أن يختفى الرجل داخل المصعد..
سألته:
-
هي الست دى شكلها إيه؟
فنظر إلى بدهشة. ثم قال:
-
سمينة شوية، وشعرها أصفر طويل.
ووجدت الأوصاف تنطبق على سامية كمال!!
وعندما عاد عز الدين في المساء كنت قد اتخذت قرارا بينى وبين نفسى..
كنت قد اعتزمت أن أتكتم بما عرفته حتى أهتدى إلى الحقيقة كلها.. وجلست إلى
مائدة العشاء أمثل وأتظاهر بأنه لم يحدث ما يعكر صفوى على الإطلاق...
وفى الاستوديو حاولت أن أعرف من هي سامية كمال.. وقيل لى يومها إنها راقصة
مغمورة.. استغلت بعض الشبه بينها وبين الصديقة العزيزة سامية جمال.. لتحاول
التشبه بها في أشياء أخرى كثيرة.. حتى اسمها حاولت أن تسطو عليه بعد أن
غيرت فيه حرفا واحدًا.
وكانت سامية تعمل مع شقيقة لها لا أذكر اسمها.. في بعض ملاهى شارع الهرم..
ملاهى الدرجة الثانية أو الثالثة.. وفى أحد هذه الملاهى التقى بها عز..
وكان معه مساعده رزق.. وقام رزق بمهمة التعارف بين الإثنين.. وقال لأستاذه
بمهارة القط المدرب على اصطياد الفريسة:
-
مش سامية تنفع في ديكور الكباريه بكره؟
ونشر إليها عز والرواية مصدرها رزق نفسه كما رواها لأحد الأصدقاء وقال:
-
والله فكرتنى.. إبقى فوتى على بكره.
وكانت عبارة عز مفتاحا إلى المجد، كانت فرصة أكبر من تفلتها فتاة ناشئة..
بينها وبين الفن مسيرة آلاف الأميال.. وقد أرادت المرأة أن تنتهز الفرصة،
فتمسكت بالموعد.
...
وجد عز في سامية -كما عرفت بعدها- لونا رخيصا من ألوان العلاقات العاطفية،
وقد مال إلى هذا اللون، وإن لم يحبه، وكان يقول للأصدقاء الذين يعاتبونه:
-
الواحد ما يقدرش ياكل بقلاوة على طول، لازم برضه يأكل طرشى بلدى من وقت
لآخر.
وكانت الراقصة نصف المعروفة هي قطعة الطرشى التي هفت إليه أنفس عز.
وكانت قطعة الطرشى هي السبب الذي من أجله قررت أن أنفصل عن عز.
كانت أمنية الطلاق قد اختمرت في ذهنى. وكنت قد صممت بينى وبين نفسى أن أضع
حدا لتلك العلاقة الزوجية، التي أصبحت تنغص على حياتى أكثر مما تسعدنى.
كانت سامية كمال السبب المباشر، ولكن الأسباب الأخرى كانت عديدة. وذات صباح
اتصل بى يوسف شاهين، وكان قد عاد من أمريكا بعد أن درس الإخراج هناك، وقدم
للشاشة أول أفلامه فيلم «بابا أمين» الذي سبق زمنه بأعوام طويلة.
وقال لى يوسف:
أنا عندى لك فيلم جديد.
وقلت له مداعبة.
-
بس اوعى الفيلم يطلع مقلب زى «بابا أمين».
غاب صوت المخرج الشاب ثوانى ثم قال بأسى:
-
بذمتك كان فيلم وحش؟
وقلت له، وكنت صادقة كل الصدق.
أبدا يا يوسف. الفيلم كان كويس جدا، وأنا شخصيا قمت بدوري وأنا سعيدة لكن
تعمل إيه للجمهور؟
وأجاب:
عندك حق.. المرة دى الفيلم مختلف تماما.
وسألته:
إزاى:
وراح يوسف يروى لى ملخص القصة.. قال لى إنها قصة فتاة تعيش في الصعيد برفقة
قريب لها.. وفجأة يطمع القريب في مالها، ويبدأ أكثر من محاولة للحصول على
هذا المال، وبمحاولات مشروعة، وغير مشروعة، حتى يفكر في النهاية في قتلها،
ويكاد ينجح في خطته لولا شاب جرىء يتدخل لإنقاذها، وينجح فعلا وتحب البطلة
منقذها وتتزوجه.
ووجدت في القصة لونا من الإغراء الفنى، فالواقع أننى كنت ولازلت أرتاح جدا
للعمل مع يوسف شاهين، بالرغم من الشائعات التي حامت حول ارتياحى هذا.
فقد قيل إن يوسف أحبنى في فترة من الفترات، وأننى بادلته هذا الحب، وأنا
أقول إن نظرتى إلى يوسف لم تتعد في يوم من الأيام نظرتى إلى فنان مجتهد،
أعجب بأسلوبه في معالجة الأفلام، ولشخصيته في الحياة.
هذا هو كل ما في الأمر، أما ما قيل عن حبه لى، وعن محاولته الانتحار ذات
مرة من أجلى، فهو أمر لا أساس له من الصحة، أو أنه لا علم لى به.
وأرسل لى جو، ملخص القصة لأقرأه، واتصلت به تليفونيا لأبدى بعض الملاحظات..
فكان من الطبيعى أن أسأله:
-
مين أبطال الفيلم؟
وقال لى:
-
محمود المليجى وفريد شوقى..
وعدت أسأله:
-
طيب والبطل؟
فتردد قليلا، ثم قال:
-
لا دى مفاجأة..
وقلت ليوسف شاهين بشىء من العصبية والفضول:
-
أنا لا أحب المفاجآت في العمل.
فرد على قائلا:
-
إنه صديق لى، جمعتنا الدراسة معا في كلية فيكتوريا في الإسكندرية، وقد
افترقنا سنوات طويلة، ثم التقينا فجأة منذ أسابيع، فعرضت عليه الفكرة، فكرة
التمثيل فلم يعترض.
وقاطعته قائلا:
أنا لا يهمنى أن استمع إلى تاريخ حياته، أنا أريد أن أعرف من هو.
فقال يوسف بهدوء يشبه البرود:
سوف ترينه طبعا، ولكنى أحب أن أعطيك عنه فكرة قبل أن تقابليه.. هو شاب مهذب
رياضى، وسيم كان نجما لامعا في فرقة الكلية المسرحية.
وكاد صبرى ينفد فقلت له:
اسمع، أنا أريد أن أعرف اسمه على الأقل.
ونطق يوسف بالاسم أخيرا فقال:
-
اسمه ميشيل شلهوب.
وضحكت عاليا، بل استبدت بى نوبة من الضحك.. فسمعت صوت المخرج الناجح يصرخ
قائلا:
-
بتضحكى ليه؟
فقلت له وأنا أغالب الضحك بصعوبة:
-
هو ده اسم ده؟
فثار يوسف ثورته المحببة التي تجعل الكلمات صعبة النطق على شفتيه، ثم قال:
-
ما أنا غيرته.. سميته عمر الشريف. |