صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

120

119

118

117

116

 

بوليوود، وأخواتها

ترجمة وكتابة: صلاح سرميني

 
 
 

لا تحتوي السينما الهندية (والتي تتنافس على المركز الأول مع الولايات المتحدة) على جواهر سينمائية فقط، ولكنّ العدد الأكبر من أفلامها الجماهيرية أصبحت من الكلاسيكيات (البعض منها تصدّر واجهات الصالات المحلية لأكثر من 100 أسبوعاً)، وبالآن ذاته، تمكنت، مع مرور الوقت، بأن تصبح مصدر إلهام لجمهور واسع، وترضي عشاق السينما بأصالتها.

ومع أنّ التيمات التي تعتمدها تتكرر عادةً: تمزقاتٍ عائلية، قصص حبّ محبطة، معارك سياسية، نضالاتٍ اجتماعية، قصصاً تاريخية، وملاحم أسطورية،... فإنّ الكثير من الأفلام لا تُحقق رغبات الجمهور فحسب، ولكنها، في بعض المرات، تصبح أكثر تعقيداً، وتقدم مستوياتٍ متعددة للقراءة، وتعكس تساؤلاتٍ معمّقة عن ميلاد، وتطوّر أمّة مازالت تُعتبر شابة (أصبحت الهند دولة مستقلة في عام 1947 )، ومجتمع هنديّ تتواجه فيه التقاليد، والحداثة.

وتهدف هذه القراءة التمهيدية لبعض الأفلام إلى تسليط الأضواء على الجوانب الخفيّة، أو المخفيّة من كلمة "بوليوود"، واكتشاف (أو إعادة اكتشاف) أفلاماَ، وسينما ما تزال حتى اليوم قادرةً على جعل الملايين من المتفرجين يحلمون، يغنون، يرقصون، ويفكرون.

 

شامي كابور، صاحب القلب الكبير

في اللقطة الافتتاحية الأولى من فيلم (VALLAH KYA BAAT HAI ) ـ إنتاج عام 1962، وإخراج "هاري واليا" ـ يتردد صدى صوت المؤذن.

بتأثيراتٍ من الملاحم، والحكايات الشعبية تبدأ الكثير من الأفلام الهندية عادةً بالراويّ الذي يحكي بداية الحكاية، يُفسرها، ويلخص رسالتها الأخلاقية، وهذا بالضبط ما كان يحدث في بعض الأفلام المصرية التي نجد فيها عناصر كثيرة مشتركة مع السينما الهندية.

في تلك الفترة، الستينيّات، لم تتخلص الأفلام الهندية من التأثيرات المسرحية في التمثيل، وحتى في الإخراج.

كوندان (شامي كابور) يعيش في أحد الأحياء الفقيرة لمدينة بومباي، عاطلٌ عن العمل، لا يتمكن من معالجة أمه، وشراء الدواء لها، تفارق الحياة، يتجول في الحارة حزيناً، ومن خلف الأبواب، والشبابيك، يصغي إلى أحاديث جيرانه، ينتقل من بيتٍ إلى آخر، ويسمع دردشاتٍ عائلية متتالية، تكشف معاناتهم، وآلامهم: الفقر، الجوع، المرض، والإدمان،....

من خلال حوارٍ داخليٍّ يقسم كوندان بأن لا تموت أيّ أمٍّ من الجوع كما ماتت أمه، يكررها مرةً أمام رماد أمه، ومرةً أخرى بعد جولته في الحارة.

منذ تلك اللحظات، نفهم بأن تحولاتٍ كبيرة، وخطيرة سوف تطرأ على حياته.

جائعٌ، تقوده قدماه إلى مطعم في فندق، يأكل، ويمتنع عن دفع الحساب، تخلصه راقصةٌ من هذه الورطة، تجد فيه رجلاً مفيداً في تجارتها.

يساعد أهالي الحيّ من النقود التي يكسبها من القمار، إنه يأخذ من الأغنياء، ويعطيها إلى الفقراء، بدون أن يؤهلهم للعمل، أو يحضّهم على التمرد، "روبن هود" على الطريقة الهندية.

رينا، صحفيةٌ تتنكر مرةً كخادمٍ في المطعم، ومرةً أميرة، وثالثةً مدلك شعر باسم "ديلبار حسين".

وهكذا يعيش كوندان حياةً مزدوجة، مقامرٌ ليلاً، وفتى شهم في الحيّ نهاراً.

يطفح الفيلم بالأغنيات، ونلاحظ بأن شامي كابور لا يرقص، ولكنه يتحرك وُفق إيقاع الأغنية

ينقذ كوندان الطفل راجا من خاطفه، وتموت السيدة كايت بطلقةٍ نارية من أحد رجال العصابة، ويجتمع العاشقان، ويغنيا مبتهجين.

تستوحي الأغاني الموسيقى الغربية لتلك الفترة مع الاعتراف بأنها كانت محشورةً في الفيلم، لا تقدم، ولا تؤخرّ من المسار الدرامي للأحداث، ولكنها ضرورية في مكوّنات الأفلام الهندية الجماهيرية.

 

نحن معكِ، وبالقرب منكِ

فيلم (Hamara Aapke Paas Hai) من إنتاج عام 2000 لمخرجه ساتيش كوشيك واحدٌ من الأفلام الهندية الجماهيرية النادرة التي تتعرّض لقصة اغتصاب شابة، وقد استغل الفيلم الجانب الجماهيريّ الترفيهيّ كي يقدم رسالةً واضحةً، وصريحةً متعاطفاً مع تلك الحالة، التي كشفت الخوف، والصمت أمام جرائم زعيم إحدى العصابات بافاني شودراي (موكيش ريشي)، عندما يقتل معلماً، ولا تجد الشرطة أحداً يشهد على تلك الجريمة التي تحدث في إحدى الساحات العامة أمام سكان الحيّ، ماعدا الثريّ رجل الأعمال أفيناش (أنيل كابور) الذي يدافع عن الضحية بارماناند، ويحمله إلى المستشفى، وبريتي (أيشواريا راي) التي تشهد ضدّ القاتل، ويكون عقابها فيما بعد اغتصابها من طرف أخّ زعيم العصابة بابلو(بورو راجكومار)، وقد تمّ تنفيذ مشهد الاغتصاب بتكثيفٍ مونتاجيّ مُقتضب، وتعبيرية سينمائية بليغة، وبحياءٍ بليغ يختلف عما نعرفه عن مشاهد الاغتصاب في السينما.

وعلى إثر ذلك، يطردها أبوها المُتدين من البيت خشية النتائج المُترتبة على شهادتها، ولا تستقبلها عائلة صديقتها خوفاً من العار الذي سوف يلحقها، ولا تجد بريتي أمامها غير أفيناش الذي يأويها في منزله، ويحميها ضدّ الأشرار.

خلال إقامتها معه، يكشف السيناريو، وبافتعال، النفاق الأخلاقي، والديني الذي يعيشه سكان الحيّ المُطالبين دائماً بمغادرة بريتي من المنزل، ولكن، تتوطدّ العلاقة بين الإثنين، وتتحول إلى حبٍّ متبادل، ولكن بريتي ترفض الزواج من أفيناش معتقدةً بأنه يعطف عليها.

في هذا الفيلم قدم السيناريو نظرةً جريئةً، وجادةً عن تلك الحالة، وكان أفيناش نموذجاً للرجل الطيب، الشجاع، المُتفتح، والذي يتولى رعاية أخ، وأخته، نعرف فيما بعد بأن والده أنجبهما من علاقةٍ غير شرعية مع عشيقته التي كانت تعمل في شركته، وخدعها، ومن ثم تركها تموت وحيدةً من المرارة، والقهر قبل أن تكشف عن السرّ لـأفيناش، وتطلب منه بأن يهتم بابنها، وابنتها، فكان بمثابة الأب بالنسبة لهما حتى كشف عن فعلة أبيه في نهاية الفيلم.

لم يلجأ السيناريو إلى حلولٍ قدرية معهودة، بأن تموت بريتي مثلاً، أو تنتحر، على العكس، كشف عن روحها الأصيلة في مواجهة قبح أرواح الآخرين، وطبيعتهم الشريرة، وبكشفهم، أعاد أفيناش الاعتبار لها كونها ضحية المجرم المُغتصب، والمجتمع، ولم يتدّخل الجانب الديني في هذه الحالة تعاطفاً، نفوراً، أو نبذاً، واستلهم السيناريو القصص الدينية كمراجع.

 

قيامة: مدينة تحت التهديد

فيلم "قيامة: مدينةٌ تحت التهديد" من إنتاج عام 2003، وإخراج هاري باويجا.

يُوكل المكتب المركزي للتحقيقات قضية ثلاثة إرهابيين إلى الضابط أكرم شيخ (سونيل شيتي) من المكتب المركزي للتحقيق.

الإرهابيون الثلاثة إخوة، علي (أرباز خان)، عباس (سانجاي كابور)، وصديقتهما المُشتركة ليلى (إيشا كوبيكار) إحدى أكبر عصابات تهريب السلاح في آسيا، يبدأ الضابط أكرم بمتابعة القضية، ويطلب من مسؤوليه بأن يطلقوا سراح رشيد (آجاي ديفكان) كي يساعده، والذي كان سابقاً واحداً من عصابة الأخوة راماني قبل أن يخونوه، ويقتل واحداً منهم، ويدخل السجن، ويهرب منه، ويُعاد القبض عليه، ويطلب الضابط أكرم من مسؤوليه إخلاء سبيل رشيد لمساعدته في الوصول إلى السجن في جزيرة وسط البحر، معاً، وبرفقة مجموعة من الكوماندوز، والعالم راؤول (أشيش شوداري) يتفوق في القبض على الثلاثي، ويُفشلون خطتهم في إطلاق صواريخ إلى البحيرات، وخزانات المياه المحيطة بمدينة بومباي، ونشر جرثومة خطيرة سوف تقضي على سكان المدينة.

"قيامة، الفيلم البوليودي بإمكانياته الإنتاجية الضخمة ليس إلاّ النسخة الهندية من الفيلم الأمريكي "الصخرة" (The Rock) لمخرجه ميكائيل باي، يحتفظ الفيلم بنفس الحدوتة، ولكنه يغيّر من مكان الأحداث.

ويحتفظ الفيلم بالحركات البطيئة، الأماكن المهجورة، مونتاج سخيّ باللقطات المُتعددة على نفس الشاشة.

مجموعة من الإرهابيين يحاصرون السجن القديم، ويحتفظون بـ 213 رهينة، ويهددون بإطلاق صواريخ على مدينة بومباي تحتوي على جرثوم خطير جداً

النجم الهندي آجايّ ديفكان يأخذ دور شين كونري، ومن المفترض بأن يكون أخرس إثر صدمة نفسية تعرض لها.

ونيكولا كيج الذي مثل دور العالم الشاب أخذ مكانه ممثلاً جديداً هو أشيش شوداري، وتأتي سابانا (نيها دوبيا) ملكة جمال الهند لعام 2002 حبيبة السجين كي تمنح الفيلم بعض البهجة.

وعلى الرغم من أن الأغنيات لا تدخل في صلب العقدة، إلاّ أن المتفرج لن ينسى رُبما الأولى منها "قيامة"، وفيها إستيحاءات كثيرة من الموسيقى الغربية بملابس لا تقل إثارةً عما يقدمه ملهى "المولا ن روج" الباريسيّ.

"قيامة"، فيلم حركة طموح، وناجح، قادر على منافسة الأفلام الأمريكية من نفس النوع.

سينماتك في ـ  24 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 06.11.2022

 

>>>

120

119

118

117

116

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004