صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

95

94

93

92

91

 

الماضي المُستعاد

ترجمة: صلاح سرميني

 
 
 
 
 

 

لا نُقلل من شأن الحنين إلى الساعة الأولى، الماضي لا يُعيد نفسه، بل يُعيد تشكيل نفسه.

فجأةً عادت ذكرى ما إلى الظهور أثناء محادثة، أو الاستماع إلى أغنيةٍ من ديزني، أو قطعة جاتو غارقة في الشاي.

يظهر جزءٌ من الذاكرة، ويفسح المجال لرحلةٍ داخلية نحو ما تمّ اختباره من قبل.

 

لذلك، يتمّ استحضار الذاكرة على مرحلتين:

ذكرياتٌ ثمّ رحلة استبطانٍ نحو الماضي، كانت تيمة دورة ربيع 2022 في نادي السينما الخاص بجامعة جنيف/سويسرا، هو "رحلةٌ مؤقتة" ثمّ تطوّر إلى عنوانه الحالي "الماضي المُستعاد".

بمعنى آخر، أهمية هذه المرحلة الثانية (وهي الرحلة إلى الماضي عبر الذاكرة) للفريق الذي صمّم اختيار الأفلام، والمجلة المُصاحبة للتظاهرة.

هذه العملية الذهنية للسفر عبر الزمن تمتلك أيضاً اسماً علمياً chronesthesia ، وهو مفهومٌ تمّ جعله ديموقراطياً من قبل عالم النفس إندل تولفينج في عام 1972.

وقد أعطى الأدب مكانة فخرٍ لهذا المفهوم بفضل مؤلفين مثل فيليب ك. ديك، أو بالطبع مارسيل بروست مع "البحث عن الزمن الضائع".

في السينما الأمثلة كثيرة، من خلال الجمع بين صور الماضي، والحاضر من خلال الفلاش باك (العودة إلى الماضي) على وجه الخصوص، تجعل السينما العلاقة بين الذاكرة، والسفر عبر الزمن أكثر وضوحاً.

تكاد الذكريات في الأفلام قديمة قدم السينما نفسها، وقد تطوّر تصميمها الاخراجيّ بمرور الوقت.

يشير الافتتاح البطيء للقزحية إلى بداية استحضار ذكرى فرانسيس في فيلم "عيادة الدكتور جاليجاري" (روبرت واين 1920).

من ناحيةٍ أخرى، فإن اكتشافات جيسون بورن حول حياته السابقة تأتي في ذكرياتٍ متقطعة في فيلم "Memory in the Skin" (دوغ ليمان، 2002).

غالباً ما تُستخدم الذكريات في الأفلام، أو في أيّ مكان آخر لتمييز الشخصية، يمكن للمرء أن يفكر في صحفيّ "Citizen Kane" (أورسون ويلز، 1941) يحاول إعادة بناء حياة تشارلي كين من خلال قصص الشخصيات التي يعرفها.

عندما يبحث شخصي ما عن لحظة عاشها، أو إحساسٍ اختبره، فإنه ليس أقلّ من أناه في الماضي الذي يحاول إعادة اكتشافه، أو استرداه.

يبدو أن الذكريات تشكل نوعاً من الهوية الماضية، وهكذا، غالباً ما يقترن استحضار ذكريات شخصية الفيلم بالبحث عن الهوية، أو الحقيقة.

بحثٌ عن الطفل الذي كنا في فيلم "المرآة" ( أندريه تاركوفسكي، 1975).

بحثً عن الحب الذي فقدناه في Eternal Sunshine of the Spotless Mind  (ميشيل جوندري، 2004).

أو بحث الأب، والأخ في Incendies (دوني فيلنوف، 2010).

يقدم الشكل الأبديّ لفقدان الذاكرة تمثيلًا أكثر مرحاً لهذا السعيّ وراء الذات، ضاع فاقد الذاكرة في عالمٍ لا يعرف تاريخه، ولا قواعده، تماماً مثل جمهور الفيلم، كلّ معلومة جديدة على كلّ من الشخصية، والمُشاهد.

ومع ذلك، يمكن اقتطاع الذكريات، وتزييفها، ثم يجد الماضي المُستعاد نفسه مختلفاً عن الماضي كما حدث.

يقوم مخرجون مثل تيم بورتون مع Big Fish بخداع المشاهدين من خلال تقديم قصة تبين أنها خاطئة، أو مشكوك فيها.

لم يعدّ المتفرج يعرف ما هو حقيقي، أو مخترع، ثم يختبر الطبيعة المزدوجة للذاكرة المتداخلة بين الواقع والخيال.

يمكننا أخيراً أن نسأل أنفسنا عن أهمية هذه الدورة في عام 2022، في عالم ما بعد الجائحة حيث نفضل أن نعرض أنفسنا في المستقبل بدلاً من الخوض في الماضي.

قال بروست:

"النسيان هو أداةٌ قويةُ للتكيّف مع الواقع".

ومع ذلك، غالباً ما كان الفنّ موجوداً لنقش حدث سابق في الحجر لتجنب فقدان الذاكرة الجماعي.

أشارت السينما عدة مرات بأصابع الاتهام إلى العصور الماضية، وتجاوزاتها.

سوف نأخذ على سبيل المثال فيلم The Watermelon Woman (شيريل دوني، 1996) حيث تبحث امرأة تدعى شيريل عن ممثلةٍ سوداء من الأربعينيّات، لم يُذكر اسمها في عناوين الفيلم، وهو أمرٌ كان شائعاً للأسف للممثلين السود في هوليوود القديمة.

بينما سيموت آخر الناجين يوماُ ما، ستظل أفلام مثل Nuit et Brouillard (آلان رينيه، 1956) بمثابة شهاداتٍ لأهوالٍ لا ينبغي أن ننساها أبداً.

إذن، السينما كأداةٍ لواجب الذاكرة؟

نحن لسنا بعيدين جداً عن ذلك.

افتتاحية مجلة النادي السينمائي الجامعي لجامعة جنيف، أبريل 2022

الإبداع المُستمر.. إنيّو موريكوني

في سنّ الثامنة، كان إنيّو موريكوني يحلم بأن يصبح طبيباً، لكن والده قرر أن يكون مثله، عازف بوق.

من المعهد الموسيقي إلى أوسكار لأفضل مؤلف موسيقيّ للأفلام، مسار رحلة أحد أعظم الموسيقيين في القرن العشرين.

 

المؤلف الموسيقيّ الأسطوري

فيلم (Ennio) هو بورتريه لـ إنيّو موريكوني، المؤلف الموسيقي الأكثر شهرةً، وغزارةً في القرن العشرين، والأكثر إعجاباً من قبل الجمهور، وحصل مرتين على جائزة الأوسكار، ومؤلف أكثر من 500 موسيقى تصويرية.

يصفه الفيلم التسجيلي من خلال مقابلة طويلة مع المخرج جوزيبي تورناتور، وشهاداتٍ من فنانين، وصانعي أفلام، مثل برناردو بيرتولوتشي، وجوليانو مونتالدو، وماركو بيلوتشيو، وداريو أرجينتو، والأخوين تافياني، ولوكا فيردوني، وباري ليفينسون، ورولان جوفي، وأوليفر ستون، وكوينتين. تارانتينو.

(Ennio) هو أيضاُ تحقيقٌ يهدف إلى الكشف عن القليل المعروف عن موريكوني، مثل شغفه بالشطرنج، والروابط الغامضة التي تربطه بموسيقاه.

 

تعاونٌ ثريّ

عمل جوزيبي تورناتور لمدة خمسة وعشرين عاماً مع إنيّو موريكوني الذي شارك بالفعل في جميع أفلام المخرج تقريباً، ناهيك عن الأفلام الوثائقية، والإعلانات التجارية، وغيرها من المشاريع التي لم تنجز.

يقول تورناتور:

"خلال كلّ هذا الوقت، أصبحت صداقتنا أقوى، لذلك، عندما التقينا، وتعاوننا، كنت أتساءل دائماً عن نوع الفيلم الوثائقي الذي كان بإمكاني صنعه عنه، اليوم، أصبح حلمي حقيقة".

"لم يكن الأمر يتعلق فقط بجعله يتحدث عن حياته، وعلاقته الخاصة بالموسيقى، ولكن أيضاً في العثور على مقابلاتٍ، ولقطاتٍ أرشيفية من جميع أنحاء العالم، من مشاركاته العديدة مع أهمّ صانعي الأفلام في حياته المهنية".

"لقد قمت ببناء فيلم Ennio كعرضٍ سينمائيّ احتفاليّ، من خلال مقتطفاتٍ من الأفلام التي وضع لها الموسيقى التصويرية، وأرشيف اللقطات، والحفلات الموسيقية، لإدخال المُشاهد في تجربة فنية، وشخصية هائلة لأكثر الموسيقيين المحبوبين في القرن العشرين."

"ثم ركزت على علاقتي المهنية مع إنيّو موريكوني، وتحدثت أيضاً عن الطريقة الخاصة جداً التي بنينا بها عملنا، من Cinema Paradiso إلى La Corrispondenza

 

موسترا 2021

تمّ عرض الفيلم لأول مرة عالمياً في مهرجان فينيسيا السينمائي 2021.

 

منظومة الفيلم التسجيليّ

خلال خمس سنواتٍ من تصوير Ennio ، سافرجوزيبي تورناتور حول العالم لمقابلة أكثر من سبعين مخرجاً، وموسيقياً حول حياة، وعمل إنيّو موريكوني، تتخلل هذه المقابلات أجزاء من حياة موريكوني الخاصة، وتسجيلات جولاته، ومقاطع أفلام، ومقابلات مع الأصدقاء والمتعاونين، وأرشيفات غير منشورة حول مهنة تمتدّ لأكثر من 70 عاماً.

 

الإبداع المُستمرّ

يعتمد الفيلم على فكرة اللقاء، ولكن أيضاً أصل بعض حدسه الموسيقيّ، مثل صرخة الذئب في فيلم

The Good, the Bad and the Ugly

 أو التصفيق الإيقاعيّ للأيديّ على علب الصفيح من قبل المُضربين الذين يقودون مسيرة احتجاجية في شوارع روما، والتي سوف تلهم موضوع فيلم  Pereira  Pretend الرائع.

استعداد للاكتشاف يتأكد في حب إنيّو موريكوني المُستمر للموسيقى، وفي كفاءته للتجريب المُستمر.

مراسي الفنّ السابع

تأسّست سينما العوّامة (أو عوّامة السينما) على إحدى القنوات المائية الباريسية في قلب حدائق لافيليت في عام 2008.

وتعتمد نشاطاتها على نظام جمعية خاضعة لقانون عام 1901، وتُعتبر منصةً لمخرجي الغدّ، ومفترق طرقٍ حقيقيّ للقاءات، حيث يختلط عامة الناس، والمهنيين.

وينتظم فيها عروض الأفلام القصيرة، والمهرجانات، والفعاليّات حول صانعي الأفلام، والمُنتجين، تقدم سينما العوّامة، أو عوّامة السينما برنامجاً انتقائياً طموحاً، ومُتطلباً.

وهي عروض مجانية، تتيح توقعاته إمكانية اكتشافٍ لأكبر عددٍ ممكن من الناس شكل الفيلم القصير، الذي غالباً ما يُساء فهمه، ونادراً ما يُعرض في الصالات التجارية.

خلال الاجتماعات، والمناقشات، كتاب السيناريو، والممثلين، والفنيين، والمصورين السينمائيين، والديكور، والملحنين يشاركون خبراتهم مع الجمهور.

مكان لقاء وديّ، مفترق طرقٍ للأفكار، والطاقات الإبداعية، حيث تُولد رغباتٌ جديدة في الإنجاز، والتعاون، وترغب الجمعية أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لمُبدعيّ الغدّ.

أفلامٌ روائية، كوميدية​​، أفلام قصيرة هجينة، أفلام قصيرة تجريبية، كلّ الفضول لها مكانه في عوّامة السينما.

تبرمج العوّامة الأعمال الواعدة لصانعي أفلام الغدّ، ويتبع العرض نقاشاً بحضور المخرجين.

كلّ شهر، تترك عوّامة السينما المجال مفتوحاً (كارت بلانش) لمؤسّسة، أو مدرسة أفلام، أو منتج، أو مخرج.

فرصة بهدف اللقاء، والمناقشة، وتبادل الآراء مع الفنانين في جوٍّ دافئ.

*****

يدعو طاقم عوّامة السينما الراغبين من الهواة كي يعيشوا تجربة مبهجة من خلال إنجاز فيلماً قصيراً في يوم واحد.

مغامرةٌ جماعية، نهجٌ في موقعٍ للفنّ السابع، وتدريب سريع على تقنيات، ومهن السينما، من كتابة السيناريو إلى التمثيل، بما في ذلك التأطير، والإخراج، إلخ.

في فرقٍ مكوّنة من 8/12، يشرف عليها مدربون محترفون، تشارك لحظة من السينما من خلال كتابة سيناريو معاً - محاكاةٌ ساخرة، كوميديا ​، فيلم إثارة، إعلان، إلخ.

الإكسسوارات، والأزياء، والديكورات تحت تصرف المجموعة، الفريق يُقسّم الأدوار: مَن أمام الكاميرا، ومَن خلفها في مهمات مثل: مدير الإنتاج، أو السكريبت، أو المصور، أو المخرج.

بمجرد تصوير الفيلم، يتمّ المونتاج في الموقع نفسه، ومن ثم عرض الفيلم، أو الأفلام بعد ذلك على الشاشة الكبيرة في نهاية اليوم.

يشارك كلّ فريق انطباعاتهم عن اليوم، ويغادرون مع فيلمهم على قرص DVD.

تمّ تصميم ورش العمل هذه بروحٍ من الودّ، والتبادل، والمُشاركة.

مسموح إنجاز أفلام من كل الأنواع، بما في ذلك الأفلام الصامتة.

حيث أن المشاركين سوف يدركون بأنفسهم أنه مع حواراتٍ، أو بدونها، يمكن التعبير عن أشياء كثيرة في الفيلم الأول، أو أيّ فيلم.

سينماتك في ـ  20 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 31.07.2022

 

>>>

95

94

93

92

91

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004