شعار الموقع (Our Logo)

 

 

"... أين المنطق؟ هل هو الكبت الذي نعانيه من كل من يملك سلطة سواء دينية أم دنيوية؟ أي منطق في بلادنا الممزقة, المطروحة للنهب, والبيع والابتلاع. من أي جانب أنظر الى الواقع لأرى فيه ولو اشراقة بسيطة؟ عندما تهدأ العاصفة, أنظر فأرى الريشة على مرمى البصر, لم تغيبها الأعاصير.

أشعر باطمئنان بسيط, لكنه يبدأ في الانتشار داخل كياني, هذه الحال من السكينة, تأتيني عندما أشعر بأنني لست وحيدة.

لست وحيدة, ففي كل حين, ووسط هذا التوحش الذي يحيط بنا, أسمع صوتاً صارخاً في البرية, يبشر بميلاد حياة جديدة لا ريب في مجيئها".

في النهاية تظل نبيهة لطفي - صاحبة هذه الكلمات - متفائلة. على رغم كل شيء تظل متفائلة. ابنة وفية لستينات القرن العشرين وسبعيناته يوم كانت منذ طفولتها مناضلة تتطلع الى التقدم بعيون مطمئنة.

ابنة البيت الصيداوي العريق. المقيمة منذ زمن في القاهرة حتى صارت, بالنسبة الى السينمائيين والى أنواع نزيهة من المناضلين معلماً من معالم العاصمة المصرية.

نبيهة لطفي تؤمن اليوم بأنه لن يصح في نهاية الأمر الا الصحيح. لذلك تبتسم وتعمل على رغم آلامها وأوضاعها الصحية. تعشق مهنتها الى درجة انها حين تقف وراء الكاميرا لتصور, أو تجلس الى مكتبها لتكتب, تطل منها ابنة الستينات المرحة, الدينامية, المحبة للسينما ولسينما الواقع التسجيلية بخاصة, كما تطل منها المناضلة في سبيل قضايا المرأة العربية من خلال انخراطها في تجمعات للسينمائيات العربيات. فهل تستجيب اليوم نهضة السينما التسجيلية - إذا كان هناك من نهضة في نظر نبيهة لطفي - للنضال الطويل الذي بدأت به منذ وقوفها للمرة الاولى وراء الكاميرا؟

"لم أكن وحدي في تلك المعركة", تقول نبيهة لطفي, "كنت بين آخرين, أناضل وأدافع عن معتقداتي. فكل واحد من هؤلاء الذين حملوا راية التسجيلي يشكل قطعة في شبكة للكلمات المتقاطعة إذا جمعت كل أجزائها تصبحين على تماس مع السينما التسجيلية العربية, ذلك ان كل واحد منا يكمل الآخر".

وبابتسامة ساخرة تواجه نبيهة لطفي مفهوم المنافسة وتقول: "المنافسة حلوة, لكنني أؤمن أن علو شأن أحدهم لا يقلل من شأن غيره, فكل نجاح لي هو نجاح لغيري ومساهمة في رسم خريطة الفيلم التسجيلي في العالم العربي. وهنا لا أتكلم فقط عن الذين كرسوا حياتهم للسينما التسجيلية فحسب, لا بل أشمل في كلامي هؤلاء الذين اشتغلوا بالروائي أيضاً من أمثال خيري بشارة وداود عبدالسيد وغيرهم... مهما يكن من أمر عندما انظر الآن الى السينما التسجيلية أشعر ان مع كل هذا التطور لم يذهب صبانا هدراً. إذ لا يمكنني أن أخفي فرحتي بوصولها الى استقطاب شرائح اكبر فأكبر من الجمهور يوماً بعد يوم".

لماذا ننكر دور التلفزيون؟

لطالما شكلت العلاقة بين السينما والتلفزيون منذ ظهوره محطة للنقاشات وموضوع جدل انقسمت الآراء فيه بين رافض ومؤيد. فهل ترى نبيهة لطفي دوراً للتلفزيون في انتشار السينما التسجيلية وماذا عن العلاقة بين الاثنين؟ "لا يمكنني أن أنكر دور المحطات التلفزيونية - فضائية وأرضية - ومساهمتها في نشر "عادة" متابعة ما هو تسجيلي, فالعلاقة بين الاثنين علاقة متبادلة, فيها الكثير من الاخذ والعطاء. والحال أن أفق السينما التسجيلية اتسع مع ظهور التلفزيون, فصار الجمهور مهتماً بمتابعة كل ما هو تسجيلي. وفي رأيي حقق التلفزيون نقلة كبيرة للسينما التسجيلية على رغم انكار بعضهم لأهمية الشاشة الصغيرة في هذا المجال".

سنوات عدة قضتها نبيهة لطفي في السينما التسجيلية والنضالية, والسؤال: الى أي مدى ترى أنه لا يزال هناك اليوم مكان للنضال داخل السينما؟

"منذ البداية كنت اعرف تماماً أنني لن أصنع أبداً فيلماً يتغير به مجرى التاريخ. بكل بساطة في أفلامي أعبر عن وجهة نظري, ما يولد تراكماً معيناً, يساهم في نهاية الامر بالتأثير على المدى الطويل".

ولا تخاف نبيهة لطفي من البوح بحاجتها الدائمة للتكلم عن الجمال البحت, هي التي لاحقتها الصفة النضالية طوال حياتها. تقول: "تلاحظين عندي وعند كثر من الذين يصنعون أفلاماً - وحتى من يصنعون أفلاماً عن الحرب - عطشاً دائماً للحظة تتكلمين فيها عن الجمال, بمعنى أنك تشعرين بحاجة دائمة للتعبير عن شيء معين, إما عن عاطفة, أو عن تفكير أو عن صورة تبقى أساسها الجماليات التي تختزنها, والموسيقى والشاعرية".

وتعود نبيهة لطفي بالذاكرة الى الوراء لتردد الاجابة عن سؤال طرح صاحبه الازدواجية في أفلامها, تقول: "بعد فيلم "تل الزعتر" صنعت فيلماً عن دير سانت كاترين, الامر الذي سبب حيرة في نفس أحد المشاركين في البرنامج الأوروبي, فسألني: كيف يعقل أن تصنع المرأة نفسها فيلمين أحدهما عن "تل الزعتر" والآخر عن دير سانت كاترين, ولا أنسى جوابي حينها, إذ قلت له: أن تشعر بعذاب طفل محروم أو بائس, طفل شوارع, لا يمنعك من الاحساس بجمال وردة".

"نساء"... دائماً

منذ أربع سنوات بدأت نبيهة لطفي مشروعاً عزيزاً جداً الى قلبها, مشروع "نساء" الذي أخذ منها معظم وقتها, "نفذت منه عشر بورتريهات حتى الآن, أما أهمية هذا المشروع فليس بالصنعة السينمائية, انما بقول ما اردت قوله. فأنا امرأة لبنانية, جئت الى مصر وأنا في الثامنة عشرة من عمري, ومنذ ذلك الحين وأنا في هذا البلد, أي منذ خمسين سنة. ولا ابالغ ان قلت أنني عشت في صميم مصر: القاهرة, الريف والصعيد... من هنا شعرت أن المرأة المصرية قوية على رغم ان غالبية القوانين ضدها, وعلى رغم ان العرف الاجتماعي يظلمها, ومع هذا هي قوية وصلبة, إذ تساهم في بناء البنى التحتية لهذا البلد بالقوة نفسها التي يساهم بها الرجل. من هنا قلت لم لا اجمع سلسلة عن نماذج من تلك النساء, سواء كن في المراكز العليا ام الدنيا, لأقدمها الى الملأ من دون أن تكون دعاية للمرأة, إذ أعتقد أن قضية المرأة قضية متصلة اتصالاً مباشراً بقضية المجتمع وطريقة التعليم والوعي الاجتماعي, وبالتالي ما اردت قوله هو ألا نصدق عبارة "دول ستات ما يطلعش منهن حاجة" لا بل على العكس باستطاعة المرأة فعل الكثير وهذا ما صورته في أفلامي".

آخر أعمال نبيهة لطفي كان "بقايا زمن". "وهذا الفيلم يتمحور حول شارع محمد علي, تقول لطفي, هذا الشارع الذي تغيرت حاله مع الأيام, فهو كان معروفاً بأنه شارع الأغاني والرقص والأفراح وهو قبل ذلك كان شارع المكتبات ودور الكتب, أما اليوم فقد تحول الى مكان لصنع الموبيليا. من هنا أردت ان أتكلم عن بقايا زمن. مهما يكن من امر, هذا الفيلم فإنه انتهى وأصبح لا بد من التفكير بما بعده".

الحياة اللبنانية في 22 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

نبيهة لطفي:

مشاهدة عذاب طفل لا تمنع جمال الوردة

القاهرة/ فيكي حبيب