شعار الموقع (Our Logo)

 

 

بهدوء تام دخل فيلم «الساموراي الأخير» الى دور العرض المحلية من دون أن تسبقه هالة إعلانية كالتي نراها مصاحبة لبعض أفلام الإثارة والحركة، ومع ذلك استطاع هذا الفيلم أن يروي عطش الباحثين عن المتعة السينمائية الحقيقية على الرغم من وجود أكثر من منافس له في أيام عطلة العيد الكبير، ولعلنا نحتاج الى مساحة أكبر حتى نوفي هذا الفيلم حقه الكامل ولنقل كل ما له وما عليه مع ان سلبياته لا تكاد تذكر خصوصاً وأن أحوال السينما المقدمة للجمهور في هذه الآونة.

قد سيطرت عليها الأبعاد التجارية البحتة في الوقت الذي يمكن فيه تقديم مضمون جيد وقصة ذات أبعاد إنسانية تحقق الأرباح وتمتع الجمهور في الوقت نفسه، فيلم «الساموراي الأخير» استطاع أن يحقق هذه المعادلة ويخرج منتصراً فنياً ومادياً ليحفر اسمه في سجل تاريخ السينما العالمية دونما أدنى شك.

وهو الذي نال الاستحسان عند النقاد أصحاب الرؤى التحليلية الأكاديمية قبل أن يقبل عليه الجمهور بحماس منقطع النظير، ونحن إذ نكرر بأن الفيلم السينمائي يعتمد أولاً وأخيراً على السيناريو الجيد القادر على رسم الشخص من الخارج والحامل لقضية ذات أبعاد أخلاقية واجتماعية تهم الإنسانية، «الساموراي الأخير» عنوان محمل بدلالات تكشفت من خلال الرد المشهدي لأحداث الفيلم ليخرج المشاهد من قاعة العرض .

وقد انطبعت في ذهنه صورة لمقتل الأخلاق على يد العصرية الزاحفة بقوة آخذة في طريقها بقايا الشهامة والشجاعة ونبل الانسانية في أحلك الظروف، مقاتل الساموراي الذي يعلن ولاءه للحاكم ويدافع عن عرشه شريطة أن يبقي على تراث هؤلاء المحاربين وطقوسهم وطريقة عيشهم، هو نفسه الذي يصر على البقاء في ساحة المعركة حتى آخر لحظة من حياته.

وهو الذي يعلن هزيمته بنفسه بكل شجاعة ولا يتردد في قتل نفسه مفضلاً ذلك على الاستسلام، وهو الذي وهب حياته للفروسية حتى يحمي حدود ممتلكاته دون أن يعتدي على أحد، ومع ذلك نجد أن صفة هؤلاء المحاربين لا تتعدى الهمجية عند أنصار العصرية الداعين الى القضاء على أسلوب هؤلاء في الحياة.

الفيلم من وجهة نظر أميركية يعد بمثابة صرخة إدانة للذين حاربوا الهنود الحمر في الحرب الأهلية الأميركية قبل أن ينتقل الى اليابان ليلقي الضوء على قبائل الساموراي وكيف أنهم في الطريق الى الفناء بفعل فاعل، وكيف أن تراث الشعوب المطعم بأخلاقيات الفرسان قد أهين بشكل فاضح، وعودة إلى أحداث الفيلم سنجد الممثل الرائع «توم كروز» المحارب القديم في الحرب الأهلية تحت اسم «ناثان الجرين» قد خرج من هذه المعركة بمشاكل نفسية وهو الذي قتل الأبرياء تحت إمرة قائده.

وعندما تضطره الظروف المعيشية لأن يقبل بتدريب الجيش النظامي الياباني للقضاء على المتمردين من فرسان الساموراي، يفاجأ ان مهمته ستعيده إلى ذكرياته في الحرب ضد الهنود الحمر، وتشاء الأقدار ان يتم أسره ويظل فترة تحت رعاية الذين يقاتلهم، والمفاجأة الأكبر تتمثل في هذه السيدة التي تداوي جراحه وتطعمه بيديها والتي ما هي إلا أرملة أحد المقاتلين الذين قتلهم بسيفه.

وبعد حوار مع «كاتسو موتو» قائد الساموراي يتعرف على مطالب هؤلاء الناس الذين لا يريدون مجداً سياسياً ولا منافع شخصية ولا طمعاً في السلطة، فقط مشكلتهم الوحيدة هي الحفاظ على تراثهم وطريقتهم في الحياة، ليقرر في النهاية ان يتعلم منهم كل شيء وينحاز إلى قضيتهم ويحارب في صفوفهم حتى النهاية، وعلى كل الفيلم يحتاج إلى أكثر من قراءة وهو بكل المقاييس أكثر من رائع ويمكن للأسرة مجتمعة أن تشاهده.

جريدة البيان في  9 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم "الساموراي الأخير" معالجة تاريخية بكاميرا أمريكية:

أخلاق الفرسان في الزمن الصعب

عز الدين الأسواني