بصبر ينصت ويتلمس من خلاله كل ما هو جديد في زمنه العراقي المزدحم بالاحداث والوعود، ينتظر المخرج قاسم حول اشارة البدء لتحقيق فيلمه الجديد" المغني" للعودة الى المناخ العام والذهنيات التي اطبقت بظلامها الفكري والاخلاقي على مرحلة تاريخية امتدت اكثر من ثلاثة عقود من حياة الشعب العراقي..."ايلاف" التقت الفنان لتجري معه الحوار التالي: · خلال الفترة القريبة القادمة ستبدأ مرحلة تصوير فيلم "المغني" هل سيكون بمثابة إمتداد لمسيرتك الفيلمية السابقة؟ - بشكل أو بآخر نعم وأيضا لا بنسبة ما لأن الموضوع يتعلق بحرية التعبير وإلإمكانات المتاحة للإنتاج .. واقع الحرية هو الذي يقلل نسبة المساومة في الإبداع وبشكل خاص السينما. في كل تاريخ السينما في العالم سوى الإستثناءات العبقرية كانت ثمة مساومة في الإنتاج السينمائي. أما أن تكون مساومة في إختيار الموضوع من أجل تحقيق فيلم بنفقات قليلة بمعنى إختيار قصة قليلة الشخصيات قليلة مواقع التصوير أو هناك مساومة ما مع المنتج الخضوع لشروطه بهذا الشكل أو ذاك. مدير شركة مترو جولدين مائير مثلا فرض على مخرج كبير مثل إيليا كازان إعادة تصوير مشهد للممثلة أودري هيبورن لأن مسار الدمعة على خدها وهي تبكي لم تعجبه. موافقة إيليا كازان على إعادة تصوير المشهد نزولا عن رغبة مدير الشركة المنتجة هو نوع من المساومة. والمساومة لا تعني التنازل ولكن الوصول إلى تسوية لأن السينما هي مال ونقود تختلف عن القصيدة واللوحة الزيتية .. هي ملايين الدولارات لا يمكنك اللعب فيها. عندما بدأت حياتي الفنية أسست شركتي السينمائية وكنت أطمح لتطوير العمل. الواقع السياسي فرض علي الهجرة. صرت أبحث عن فرصي في ظروف صعبة. لا أستطيع تحقيق شروطي مطلقا .. والحرية دائما نسبية. اليوم تتاح لي فرصة ليس سهلا الحصول عليها. لقد تم إختيار فيلمي من بين 120 سيناريو وهذا ماصرح به مدير السينما لصحيفة الأكسبرس الفرنسية. لأول مرة أكتب ما أريد. ولكن مدير السينما عندما إلتقاني ليبلغني النبأ في دعوة غداء في باريس طلب أن نعمل إجتماع بعد شهرين من إبلاغي نبأ أختيار فيملي ( المغني ) ليدعم إنتاجيا. لقد أجرينا حوارا مطولا بصدد السيناريو الذي كان معجبا به. حوار حول بعض المشاهد ليس من الناحية السياسية بل من الناحية الدرامية. أنا شخص مستمع جيد وأعرف بأن السيناريو ليس كتابا مقدسا فهو في كتابة دائمة حتى بعد التصوير حتى على طاولة المونتاج .. هكذا السينما. إذأ الحرية، حرية التعبير والمستوى .. المستوى الثقافي للمنتج هذه هي الشروط الموضوعية التي تحدد المسيرة. إذأ مسيرتي في فيلم ( المغني ) ستكون مختلفة لأن شروطها الموضوعية أفضل. والفيلم يعتبر مسار مختلف بالضرروة. تجربتي في فيلم ليلى العامرية الذي لم يعرض بعد وقد يعرض لاحقا بعد فيلم المغني شكل قفزة تجريبية في تعاملي مع لغة السينما. المغني أمر مختلف ولا أستطيع التكهن بردود الفعل قبل أن يعرض على الشاشة. المغني إذاَ ليس إستمرارا لمسيرة سابقة بل هو نتاج شروط موضوعية مختلفة للإنتاج وهذه الشروط الأفضل لابد أن تنتج شيئا مختلفا. · هل تعتقد بأن إنتمائك العراقي في الفترة الساخنة الحالية التي يمر بها العراق كان له تأثير على عملية منح الدعم؟ - الفنان العراقي كان يعاني من حالة حصار بسبب المساومات السياسية لكثير من بلدان العالم مع نظام الدكتاتور. كنا عندما نكتب رسالة لفضائية لا يجيبنا أحد. اليوم أختلف الوضع وخرج الفنان العراقي من دائرة الحصار. ولكني أقول لو كنت قدمت سابقا مشروعا ما للجهة الداعمة في فرنسا وكان يتمتع بمستوى فني ممتاز في الكتابة لتم الدعم. هذه البلدان تحترم المستوى الجيد للإبداع وهي تختلف عن البلدان العربية. وقوع العراق في دائرة الضوء يتيح فرصة الإنتباه دون شك، ولكن لو كان السيناريو الذي قدمته الآن ضعيف من الناحية التقنية أو البنيوية لما قبلته اللجنة الداعمة للإنتاج السينمائي وبالمناسبة فهي ليست لجنة واحدة بل لجنتين، بمعنى أن السيناريو يمر بلجنتين. · هل لك أن تفصح عن بعض أسماء كادر التمثيل؟ - قبل أن يتم التعاقد مع الممثلين من قبل مدير الإنتاج لا يحق لي إعلان أسماء الممثلين كما وإنني ربما أغير بعض الممثلين في آخر لحظة لأن عندي خيارات ومراجعات مع نفسي. ولكن المبدأ الذي أختار بموجبه الممثل أولا السلوك الجميل الذي أشعر فيه بالمتعة مع الممثل خلال فترة العمل، ثم تأتي الموهبة. والموهبة السينمائية عندي لا تحتاج إلى عبقرية خارقة. أنا عندما ألمس قدرة الممثل فإني أعرف كيف اقوده إلى التألق لأنني وبصراحة أعرف التمثيل معرفة علمية قائمة على الدراسة والتحليل ، وقد خدمني عملي في المسرح ودور أساتذتي الذين درسوني إبراهيم جلال وجاسم العبودي والدكتور علي الوردي والدكتور كمال نادر وجعفر علي وبهنام ميخائيل والحاج ناجي الراوي وحامد الأطرقجي وسعدون العبيدي وإبراهيم الخطيب وأسعد عبد الرزاق والسيدة نعمت أستاذة الأزياء .. هؤلاء علموني أسس التمثيل وإحترام المهنة. أستطيع أن أقول أن العناصر النسائية أغلبها من لبنان مع ممثلتين من العراق وأغلب الممثلين من العراقيين وثلاثة من أقطار عربية مختلفة وإثنين من أسبانيا. بطلة الفيلم لعبت بطولة فيلم من أفلامي التي نفذتها خارج العراق. · لماذا هذا الإختيار من بلدان عربية والفيلم تدور أحداثه في العراق؟ - الفيلم لا تدور أحداثه في العراق إنما أحداثه مستوحاة من العراق وأسقطها عربيا وعالميا. والممثلات العربيات اللواتي إخترتهن لأني أعرف قدرتهن الإبداعية عن قرب. وسأعطي دورا أو ربما دورين أحدهما هاما لممثلتين من العراق. عندما يقترب موعد التصوير ويتم توقيع العقود سنسمي الممثلين بأسمائهم. · هل ستكون توجهات الفيلم ساخرة؟ - نعم .. ساخرة .. كوميديا مرة. كوميديا ليست تهريجية إنما كوميديا الموقف التي تثير الضحك. سوف لن أحول شخوصي إلى كاريكاتير ولن أسخر منهم فهم يتصرفون كما هم وذلك ما يثير السخرية والضحك. · هل ستدخل بعض التقنيات الحديثة في فيلمك .. الديجيتال مثلا؟ - سأستفيد من التقنية الحديثة في العمليات اللاحقة فقط .. سأحتاج لها في بعض المشاهد ذات القيمة التعبيرية لأن طبيعة بعض المشاهد لا تحتمل الواقعية وهي قليلة فلا بد من الإستعانة بالمؤثرات البصرية. والفيلم سيصور بشريط السينما. · متى تعتقد بأن الفيلم سيشاهده الجمهور في العراق؟ - إذا أنجزت التصوير هذا العام فإن الفيلم سيعرض السنة القادمة .. أما متى يعرض في العراق فذلك في إعتقادي بعد الإنتهاء من الفيلم التراجيدي الذي يعرض يوميا في العراق! · ما هو دور المؤسسات العراقية المختصة في دعم المشروع؟ وهل فاتحت هذه المؤسسات؟ - لا توجد مؤسسات عراقية متخصصة يمكن الحديث عنها. مؤسسة السينما العراقية ينبغي أن ينتهي دورها الذي رسم لها سابقا. ويجب أن تتأسس كمركز عراقي للسينما يعنى بدعم الإنتاج وفق قانون عصري للسينما يتيح للمبدعين والمؤسسات الخاصة الإنتاج بحرية، وهذا أمر ليس سهلا. الأمريكان الذين جاءوا إلى العراق جاءوا لتدمير أسس العراق الثقافية والإرثية والإقتصادية والإجتماعية. العراق بلد ثري ليس فقط بطاقته الطبيعية ولكن أيضا بطاقاته الإبداعية. الذي يحصل اليوم في العراق هو الفصل الثاني من المسرحية. كان الفصل الأول طويلا ومملا بدأ يوم 17 تموز 1968 وإسدلت عليه الستار يوم 9 نيسان 2003 وكان فصلا تراجيديا واليوم يأتي الفصل الكوميدي. · أين ستتم عملية التصوير ؟ - في أحد البلدان العربية. · ولماذا لا يكون لبعض المواقع العراقية حصتها في التصوير؟ - الحال غير مستتب وشركات التأمين ترفض التأمين على حياة الممثلين وعلى المعدات، ثم أن العراق واقع تحت الإحتلال ومن غير اللائق بالنسبة لمثلي أن يطلب الإذن للتصوير من قوات الإحتلال أو من حكومة غير منتخبة .. لو كان ذلك ممكنا لمثلي .. لماذا تركت العراق إذاَ أيام حكم الدكتاتور؟! · هل إعتمدت على نص روائي؟ - أنا كتبت القصة ، السيناريو ، والحوار · ما هو رأيك بالمسيرة السينمائية الجديدة للسينما العربية في فلسطين والجزائر وتونس والمغرب؟ - بالنسبة لفلسطين كانت ثمة سينما مهاجرة فعادت إلى الوطن وصار السينمائيون الفلسطينيون ينتجون أفلامهم بحب وعمق ولغة متميزة وأنا متفائل كثيرا بها. السينما الجزائرية مشكلتها هي سينما مهاجرة، ولم تكن هذه السينما قد هاجرت بسبب التيارات الأصولية ولكن في لقاء لي مع وزير الثقافة الجزائري بعد رحيل هواري بومدين أخبرني بأنه قد أغلق الديوان القومي للسينما بعد أن عرف بأن كافة الأفلام الجزائرية المنتجة كانت تطبع وتباع من فرنسا وأكتشف ذلك بسبب مشاهد تشييع جثمان هواري بو مدين فلقد تأخر عرضها في صالات السينما. يومها عرف بأن الأفلام الجزائرية تحمض وتطبع وتبقى وتباع من فرنسا. فتوقفت السينما الجزائرية فخسرنا ذلك الزخم الجميل للسينما الوطنية الجزائرية ( رياح الأوراس وحسن تيرو وعمر قتلته الرجولة وسنوات الجمر والليل يخاف الشمس .. ) وصارت فرص السينمائيين الجزائريين متعلقة بالدعم الخارجي لسينمائيين جزائريين ليسوا في الجزائر وهذه مشكلة ينبغي حلها. أما السينما في المغرب وتونس فهي على العكس من السينما الجزائرية فالسينمائيون في هذين البلدين المغاربيين موجودون داخل بلدانهم ويحصلون على الدعم أغلبه من فرنسا وبمساهمات أوربية داعمة ويحقق السينمائيون نتائج ممتازة لسينمائيين مثل رضا الباهي ونوري أبو زيد والطيب الوحيشي ومن المغرب عبد اللطيف بو عماري وأخيرا محمد العسلي الذي أعجبني فيلمه ( فوق الدار البيضاء لا تحلق الملائكة ) لقد وضع محمد العسلي أسسا للغة سينمائية متميزة ويتمتع بروح شاعرية عالية المستوى وفيلم رضا الباهي صندوق العجب هو الآخر فيلم شفاف وجميل .. هناك أمل كبير كما ونوعا في سينما المغرب العربي. موقع "إيلاف" في 21 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
موسى الخميسي |
|