بعيداً من جمالية الحركة ومواقع التصوير والأغاني والرقصات والأزياء, من المعروف أن للملصقات الاعلانية تأثير خاص في السينما الهندية, اذ ان الهند دخلت عبرها ومنذ وقت مبكر في القرن العشرين عصراً هيمنت عليه الصورة السينمائية داخل مشاهد طبيعية أوسع تميزت أكثر ما يكون بجمالية واقعية شدّت اليها الأنظار الى حد بعيد. ويفرد كتاب "السينما الهندية" من تأليف راشيل دواير وديفا باتل الذي ترجمه الى العربية عمار أحمد حامد ليصدر عن منشورات وزارة الثقافة السورية - المؤسسة العامة للسينما, فصلاً خـاصـاً يتـنـاول فيـه "فـن الإعلان" في السينما الهندية شرحاً وتفصيلاً. وكما جاء في الكتاب تعود "نقطة البداية" لهذه الفترة "العينية - البصرية" في الهند الى تلك الصورة التي ابتدعها "فالك" في أفلامه التي أنتجها ما بين عامي 1913 و1937, حينما قدّم جمالية بصرية أثرت تأثيراً كبيراً في السينما الهندية التي كانت تخضع لتأثيرات عدة, أهمها رسومات رافي فارما الذي يُنسب اليه ابتداعه أسلوباً جمالياً جديداً كان له تأثيره الكبير في الثقافة البصرية الهندية, كما تنسب اليه أيضاً مساهمته في ولادة الحركة الوطنية". وجاء هذا النجاح الاستثنائي لرسوم فارما كما ورد في كتاب "السينما الهندية" من تصويره مواضيع مألوفة لآلهة الهندوس, بطريقة لم يُشهد لها مثيل من قبل, وأعلى في الوقت نفسه من شأن طبيعتهم الجسمانية وبجّل ألوهيتهم... وبذلك يعتبر تحوّل خيال فارما الى السينما بداية تغير في مطبوعات الصور الأسطورية والصور السينمائية, إذ ازداد انتاج المطبوعات الأسطورية واتسعت شعبيتها على مدار السنوات, وهي تعرف اليوم بالمطبوعات الشعبية, والمطبوعات الشرقية أو الفن التقويمي". انقلاب على الفن الخام وشيئاً فشيئاً دخلت الجامعات في كالكوتا وبومباي في نقاش بحثت ضمن اطاره العمل الايديولوجي للقومية الثقافية في تعريف وتحديد فن هندي "أصيل" يقدم هوية الهند القومية, اما أعمال فارما فكان ينظر اليها على أنها "أعمال بطولية", بموجب ايديولبوجية الفن "السواديشي" التي تم رفضها. فيما اعتبرت لوحاته لوحات "خام", غير ناضجة وعادية ذات واقعية أكاديمية عرفت في الغرب وبالتالي تتعارض مع الموضوع الهندي. أما مدرسة بومباي فاعتبرت ان العمل الصادق للفنان الهندي الحديث هو في احياء الأساليب القديمة والوطنية في التعبير الفني وتجديدها واسترجاعها. و"إن أي احياء لأساليب قديمة يجب ان يدعم ايضاً بدراسة دقيقة عن الشخصية الانسانية, وبالتالي تم التشديد على التصوير الدقيق عبر مثاليات الواقعية الغربية عبر أساليب متعددة, اعتبرت كلها هندية بالتساوي. وكان أسلوب الفن المدرسي هو الأسلوب المفضل لدى المخرجين والاستوديوات الذين كانوا يتمتعون بحساسية خاصة ومعرفة بالفنون الجميلة. وكانوا يأملون أيضاً باستخدامها لتأكيد البديل أو الطبيعة الخاصة في أفلامهم. ونجد انعكاساً لهذه المشاعر الجمالية في اعلانات الكثير من الافلام منها "اللهيب الخالد" (1936) وغير المتوقع" (1937) اللذان اخرجهما "شانتار ام" على رغم الاتجاه السائد في العديد من الاستوديوات لإنتاج ملصقات رخيصة ذات نوعية جمالية باهتة". البحث عن الهوية / هجمة التكنولوجيا والبحث عن الهوية عرف منذ وصول السينما "اذ كان كل عقد يشهد هذا البحث الى ان اصبح اكثر صعوبة. وفي الثلاثينات كان تقدم الحداثة مصحوباً بالخوف من اختفاء التقاليد امام هجوم تغريب الثقافة. في الأربعينات, علت الأصوات المنادية بالاستقلال التي اخذت تشتد قوة. والعديد من الأفلام في تلك الفترة توجهت لمعالجة هذه الأزمة عبر نطاق واسع من المواضيع المتعلقة بذلك, من قصص أبطال الحرب الى المشاهد التاريخية الكبيرة, من القصص الرومانسية الى واقعية الحياة الهندية وجدت الافلام ذات المواضيع البطولية نفسها امام مشاعر الغضب المستعرة والعواطف الجياشة, والحنين والاعجاب والكبرياء. وكان احد معاني الصور الرئيسة استثارة هذه العواطف ونقل الموضوع الوطني عبر رسم خريطة الهند, كما نرى في غلاف كتيب فيلم "الهند اليوم" (1933) وفيلم Janma Bhoomi (1936) وفيلم "أم الهند" (938) وهكذا قدمت الاعلانات عن الافلام التاريخية هذه الايديولوجية الوطنية عبر صور عكست أمجاد الهند الغابرة. واعتمدت هذه الافلام على التصوير الجمالي للواقع والأزيـاء من أجـل إحداث التأثير. ومع بداية التسعينات تغيرت الاعلانات السينمائية. فمع ازدياد الاموال التي تنفق على الحملات الاعلانية للفيلم تم احضار كمية ضخمة من التقنيات المعقدة من أجل هذه الحملة. و"أصاب التغيير التطور التكنولوجي الذي شهد المونتاج, وتلوين الصور على الملصقات في العقدين الاخيرين وحلت محلها صور بسيطة غاية في الأناقة. وتعددت أحجام الصور بواسطة الفرص التي قدمها التصميم بمساعدة الكومبيوتر اذ يمكن مضاعفتها على الشاشة, وتسمح بتركيب الصور السهلة, ومكانها, وإنقاص حجمها, وضخامتها وتنـاقـض الالوان فـيها وإضـافة النص". وعلى هذا الشكل حلّت التكنولوجيا الحديثة محل فنان الملصق, وتغير ايضاً فنان لوحة الاعلانات الضخمة. وبذلك دخلت تكنولوجيا الكومبيوتر عصراً جديداً شهد استبدال الاشكال التقليدية للإنتاج الفني... ان الصورة السينمائية اليوم, أكثر منها في أي فترة أخرى في تاريخ الفيلم الهندي, تهيمن على المشهد البصري في الهند وستصبح هذه الصورة اكثر انتشاراً عبر مواقع الانترنت المنتشرة في أصقاع العالم. جريدة الحياة في 7 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مشاهد جعلت جدران المدن غابات من الحركة والألوان فيكي حبيب |
|