معادلة جديدة وغريبة انتجتها السينما المصرية مؤخرا.. فبعد ان حققت بعض الافلام الملايين.. استعد رجال السينما بكل طوائفهم لتحقيق احلامهم وطموحاتهم التي كانت محبوسة باحكام مادية نهائية.. باعتبار ان الملايين تصل الي شباك التذاكر بسهولة. الا انهم فوجئوا بان الجميع يتحدث عن ضرورة تخفيض ميزانيات الافلام حتي تلك التي تحقق الملايين لأن الافلام تخسر او ان الاستثمار في السينما له عائد ضعيف او لا توجد اصلا استثمارات من اجل انتاج افلام جديدة. هذه المعادلة تمت صياغتها مؤخرا في اتجاهين.. اتجاه اقتصادي يبحث عن اقتصاديات جديدة لصناعة الفيلم المصري وتحمل رؤية واحدة فقط هي خفض تكاليف انتاج الافلام ويترأس هذا الاتجاه المنتج د. محمد العدل الاكثر عملا في الفترة الاخيرة بصناعة السينما.. ورأيه جاء علي اعتبار ان الافلام منخفضة التكاليف هي الحل في فك شفرة ازمة السينما. واتجاه فني يبحث في الاستقلال عن السينما السائدة بنظامها الذي يعتمد علي النجوم ويتوقع الربح الكبير ويهدر اي قيمة فنية، وهذا الاتجاه بدت ملامحه تتكون في السنوات الاخيرة عبر ما يمكن ان نسميه السينما المستقلة. وبين الاتجاهين ما زال هناك اتجاه ثالث يؤسس لنظريته وافكاره وهو اتجاه الديجيتال الذي يقوده حاليا المخرجان محمد خان وخيري بشارة. ويعلق علي ذلك المنتج والموزع محمد حسن رمزي قائلا: اذا كان ظهور شركات الانتاج السينمائي المستقلة التي يحاول اصحابها صنع افلام ذات طابع فني متميز بعيدا عن الحسابات التجارية البحتة التي تتحكم في انتاج الشركات الكبري... احد الاركان المهمة في شكل اي سوق سينمائي محترم ومتوازن.. فان هناك ركنا آخر يجب القاء الضوء عليه فلا يستقيم الحال ابدا اذا كان السوق مجرد كيانات انتاجية ضخمة تملك كل شيء وتصنع الافلام بميزانيات كبيرة فاصبحت الملايين الخمسة هي اقل رقم نسمعه لميزانية اي فيلم جديد في السنوات الثلاث الاخيرة.. وتقابلها كيانات مستقلة متناثرة تحاول الحياة علي الهامش وتكتفي بصنع ما يرضيها فنيا دون خسائر او باقل خسائر ممكنة، لان اقتصاد السوق علي هذين الركنين معناه تقسيم الافلام الي نوعيتين: الاولي تجارية بحتة تستجدي دافع التذكرة وتجر رجله باي اسلوب رخيص متاح للحصول علي اكبر مكسب. والنوعية الثانية تجريبية بحتة ومتخصصة حتي النخاع لا يشاهدها الا صفوة الصفوة من المثقفين والمتعمقين في الفن السينمائي لانها ستكون خالية من اي عنصر جذب يمكن لفت نظر المشاهد العادي. وعلي الجانبين فالسينما في مجموعها خاسرة! خاسرة للفن والقيم في النوعية الاولي، وخاسرة للتواصل مع المتلقي العادي بالرغم انها فن جماهيري بطبيعته في النوعية الثانية. وهنا لا بد من ظهور الركن الثالث الذي من شأنه تحقيق التوازن لاي سوق سينمائي.. انها الافلام منخفضة التكاليف التي تقوم علي انتاجها شركات الانتاج الكبري، فهذه الافلام لا تخلو من عناصر الجذب الجماهيري من ناحية وانخفاض ميزانيتها لا يخيف منتجيها من الخسارة اذا لم يبتذلوا من ناحية اخري. يري المنتج سامي العدل انه بالامكان انتاج فيلم ناجح بفلوس قليلة مثلما فعلت منذ سنوات بانتاج فيلم ثقافي وقدمت فيه لاول مرة احمد رزق واحمد عيد وفتحي عبد الوهاب.. وطبيعة الفيلم سهلت ذلك.. فلم يكن باستطاعتي تقديم النجوم المعروفين في هذه الادوار لان الجمهور لن يصدقهم وبالتالي استعانت بالشباب فادي ذلك الي تخفيض الميزانية. يقترح العدل ان يتم تثبيت اجور النجوم بحيث تمثل نسبة معقولة من اجورهم الحالية يتسلمونها قبل عرض الفيلم وباقي الاجر يتحدد حسب الايرادات.. وبالتالي يشارك النجوم في مخاطر الربح والخسارة. يقول المنتج والمخرج مجدي الهواري: ان ميكانيزم الانتاج حاليا قد لا يسمح بهذه المخاطرة للنجوم.. ويضيف موضحا: هناك عناصر لا يمكن التحكم فيها مثل اسعار الخام والخدمات الانتاجية المصاحبة للفيلم وعلي رأسها الحملات الدعائية والاهم انه لا توجد سيناريونات تصلح لهذا النوع، فاغلب المتاح يحتاج الي ديكورات فخمة ومشاهد خارجية وفرق معارك، وكل هذا لن يتم بتكاليف منخفضة ثم اننا في حاجة ماسة لمنافسة السينما التي تنتهجها الدول الاخري، فكيف نقنع المشاهد ان يترك الفيلم الامريكي المبهر ويختار الفيلم المصري الضعيف في ميزانيته مع الوضع في الاعتبار ان ضعف ميزانية الفيلم يؤثر بشدة علي جودة عناصره الفنية. اراء المخرجين وقد تباينت اراء المخرجين ايضا، فالمخرج سعيد حامد اكتفي بالقول ان هذه القضية عمرها من عمر السينما المصرية، وهناك افلام خرجت للنور بميزانية منخفضة ولكن لا يمكن فرض هذا النظام علي الجميع وبالتالي يجب ان يحدث ذلك تدريجيا لا ان تتم المطالبة به. بينما يري المخرج شريف عرفة: ان السيناريو هو الاساس في هذه الاشكالية فكلما ارتفعت جودته واختلف مضمونه اصبح المخرج قادرا علي انجاح الفيلم ايا كانت ميزانيته. ويقول شريف عرفة: الملايين لا تصنع فيلما ناجحا اذا كان الورق دون المستوي.. وقد ننتج فيلما جيدا بفلوس قليلة طالما كانت الفكرة تحتمل ذلك. ويؤكد عرفة: مستعد لاخراج فيلم منخفض التكلفة، ولكنه يتساءل: اذا كان النجوم يتقبلون ذلك؟ فهذا هو المهم، لان رفضهم معناه الاعتماد علي وجوه شابة جديدة وبالتالي ندخل في مخاطرة قد لا يتحملها المنتج الشجاع الذي وافق علي تمويل الفيلم. يستعد لاخـــراج فيلمين احدهما ديجيتال والآخر سينـــــــما. المخرج طارق التلمساني ومدير التصـــــوير المعروف يقول: نظام الديجــــــــيتال لا يصلح لكل الافلام فهو يحـــتاج لاضاءة معينة وديكورات خاصة وبالتالي فان السيناريو هو الذي يحدد ذلك. اضاف: ازمة السينمائيين عندنا في الادارة.. والان نجد في البلاتوهات عشرات الفنيين والعمالة الزائدة التي تعطل التصوير وترفع التكلفة وما زلنا عاجزين عن فتح اسواق لنا في الخارج حتي تزيد ايرادات الفيلم ولو حدث ذلك سيمكننا انتاج افلام باي ميزانية ما دام العائد مضمونا. اشار التلمساني الي ان سوق السينما تتحكم فيه حاليا مجموعة تريد فرض نمط معين من الافلام تقدم الضحك فقط ايا كان نوعه وهذا استغلال لظروف الناس النفسية والاقتصادية وطول عمر السينما المصرية بها جميع انواع الافلام ما عدا السنوات الاخيرة، لم نسمع ابدا من قبل عبارة فيلم لا يخدش حياء الجمهور وفي ظل هذه الظروف لن يخرج للنور فيلم جيد حتي لو احتاج الي ميزانية لا تزيد عن تكلفة الدعاية لفيلم من الافلام الحالية. ويقول الفنان محمد سعد الشهير بـ اللمبي : صعب جدا انتاج فيلم جيد بميزانية قليلة.. فالغالي ثمنه فيه.. وطالما تحقق الافلام المكلفة ارباحا فلماذا يبخل عليها المنتجون؟ القدس العربي في 6 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
رغم تحقيق الملايين في الافلام الجديدة: ازمة بين المنتجين والمخرجين والممثلين في مصر بسبب ميزانيات السينما! محمد عاطف |
|