من الواضح أن السينما المصرية تعيش الآن حالة من العقم الجماعي، لا أفلام جيدة ولا نجوم جدد ولا رؤيا إخراجية متجددة ومثيرة. خلال الأعوام السابقة يمكن أن ننعت هذه المرحلة بمرحلة اللاشيء فكل الهيجان والضوضاء التي أحدثها الهنيدي والسقا وهاني ورمزي ومصطفى قمر هي في النهاية وبمعيار القيمة الحقيقية لا شيء يُذكر. مؤخراً فقط برز فيلم جديد أجمع الكثير من نقاد السينما المصرية على احتفاظه بمقاييس سينمائية حقيقية تريد أن تقول شيئا في النهاية، وهذا الفيلم هو "سهر الليالي" الذي يشير احتفاء النقاد الناقمين دائماً - وهذا من حقهم - فيه إلى أنه ولد من أرض مجدبة. السينما المصرية ليست فقط لم تقدم خلال الأعوام الماضية أعمالا جيدة، وإنما امتدت رداءتها إلى عدد من الأفلام الأمريكية العظيمة عندما استنسختها بطريقة مشوهة وتافهة حتى أوصلتها إلى الحضيض الفني والإبداعي وحولت عظمتها الشاهقة إلى تفاهة وضيعة. من هذه الأفلام التي عُبث بها فيلم "عطر امرأة" للفنان العظيم ألبا تشينو التقطه الفنان عادل إمام وقدم منه نسخة معرّبة بعنوان "أمير الظلام". الذي يشاهد الفيلم يشهد عملية من أكثر العمليات في حياته تشويهاً وتحقيراً وتبشيعاً لفيلم يُعد من أروع ما قدمته السينما الهوليودية. فيلم "عطر امرأة" كان يتحدث عن القنوط من الحياة والبحث عن دفق مضاد من السعادة يهرب فيه الإنسان من هذا الشعور المأساوي ويصور بذهنية عبقرية يملكها القائمون على الفيلم هذه الحالة النفسية الغامضة في ماهيتها القائمة على تضادات غريزية بالبقاء وأخرى عقلية بالخلاص والراحة من الدنيا التي لن تحبل أيامها القادمة بما يستحق الانتظار من أجله. ويلامس الفيلم أيضاً بمهارة فائقة الفروق الطبقية مركزاً على الجانب السيكولوجي المتنافر فيما بينها والذي عليه في النهاية أن يلتئم ليكون مستقبل الوطن. أما فيلم "أمير الظلام" فكان عبارة عن فلهوة الأعمى ومقدرته في رؤية تقليدية فجة - على التغلب على المبصرين بل وقتلهم وحيداً بأسلحة متطورة ومن مناطق دقيقة مثلاً في مقدمة الرأس. ويتناول الفيلم - كما هي العادة دائماً في السينما المصرية - مسألة السرقة والسطو المنظم الذي ينتهي في الغالب بموت جميع أفراد العصابة أصحاب الوجوه الطويلة الحمقى. باختصار الفيلم كان عبارة عن فلهوة وبلطجة ولا بد من غواية انثوية اكسسوارية من أجل اكتمال الطبخة وكان ذلك بوجود الفنانة شيرين سيف النصر. الفيلم الآخر، الذي يدلل على مقدار التشويه الذي ألحقته السينما المصرية بالأفلام الأمريكية الرائعة، كان في فيلم قديم ورائع أيضاً للفنان ألبا تشينو بعنوان (صاحب الندبة) وقدمه الفنان أحمد زكي بعنوان (الامبراطور). صاحب الندبة، كان يقدم الشخصية الفقيرة والمتغطرسة والمسكونة بطموح كبير وحب للسيطرة والتملك والتقدم. ويستعرض الفيلم جوانب الشخصية من خلال رغبته السيطرة على رؤسائه وتجاوزهم خلال فترة وجيزة والحقد القابع في أعماقه من أيام فقره على من هم أعلى منه والثقة المفرطة بالذات التي تدفعه لعدم ثقته بالآخرين. أما "الامبراطور" فكان تصويرا سطحيا للتدرج في صعود سلم الثراء بدون أي ملامسة عميقة للجانب النفسي الأهم الذي يمر فيه البطل.. الفيلم كان عبارة عن رغبة مجردة للثراء السريع عن طريق الاتجار بالمخدرات وما يتبع ذلك من عصابات وترويج واتفاقات وخيانات. هذان فيلمان من موجة كبيرة من الاستنساخ قدمتها السينما المصرية حولت فيها أعمالا عظيمة إلى أعمال في منتهى التفاهة. الأشخاص غير المحظوظين - وأنا منهم - سيكون قد شاهد الفيلمين المصريين قبل الأمريكيين وهذا سيعني أن المقارنات ستتوارد تباعاً على ذهنك وستنغص عليك المتابعة. ستكون كمن يترك تناول وجبة لذيذة وشهية وعند المكان الذي يقدمها بشكل أصلي لتذهب إلى مطعم يقدم الوجبة ذاتها ولكن بمكونات فاسدة. ستعلق في حلقك الكثير منالمرارة. الرياض السعودية في 22 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
عندما تحول السينما المصرية أعظم الأعمال إلى أتفهها ممدوح المهيني |
|