في الوقت الذي تصرخ فيه مخرجة سينمائية مصرية- وللأسف الشديد- من خارج حدود بلدها. انها لا تأخذ حريتها في عمل أفلامها الجريئة أو الجنسية أو المناظر أو أي مسمي من مسيات العري وفضح الجسد.. مع أن الذي رفض هذا الأسلوب هو الجمهور الذي تراجع عن مشاهدة أفلامها. وكذا الممثلات اللاتي رفضن العمل في أفلامها.. أما غير هذا فلم يقف أحد في طريقها. ولا حتي الرقابة نفسها التي تسمح لها بعرض كل ما تعمله يداها! في نفس الوقت نجد السينما الأمريكية التي طالما صدرت لنا هذا الأسلوب تراجعت عنه تماماً.. وخلت أفلامها الجديدة كلها من مشاهد الجنس والعري.. بل وصل الأمر إلي عدم وجود حتي القبلات في أفلامها.. وأصبح المخرجون هناك- حتي المنفلتون منهم- أكثر محافظة من المحافظين أنفسهم في اتجاه غريب ومثير للدهشة.. يبرره البعض بأن هذه السلعة بارت بالفعل ولم يعد لها مشاهدون. خاصة وأن الجنس تجده بسهولة علي النت وغيره كما لم يعد مادة جاذبة. ويبرر البعض الآخر السبب بمحاولة المجتمع الأمريكي تقمص النزعة الدينية التي حرم منها طويلاً! أما المبدعون الحقيقيون فيرون الفن في الموضوعات الانسانية ومشاكلها المعقدة التي تبحث لها عن حل فلا تجدها.. حتي لو لجأوا إلي التاريخ والقصص الديني! ولكن الشيء الذي لم يستطع الأمريكان التخلص منه.. هو "الدماء" التي تسيل بغزارة.. في الواقع وعلي شاشات السينما.. وكأنهم يبدلون الشيء.. بما هو أسوأ.. وأضل سبيلاً!! لعبة التضليل في فيلم "التحقيقات الحاسمة" لنجمهم الأشهر جون ترافولتا.. الراقص الوسيم سابقاً.. الذي ازداد سمنة ولاذ بالشراسة الآن. متفقاً مع الرؤية الأمريكية "المتدينة" الجديدة! حيث تدور الأحداث بداخل المؤسسة العكسرية الأمريكية بدعوي تطهيرها من مفاسدها.. لنكتشف انها غارقة فيها حتي الثمالة!! في دراما لا تخلو من الغموض والإثارة نري مجموعة من الجنود وعددهم ستة أفراد مع قائدهم الرقيب الأسود ويست "كوني نيلسون" في مهمة استطلاعية في الغابات.. ويتم اسقاطهم بمروحية علي أن تعود تلتقطهم بعد عدة ساعات.. وحين تعود تكتشف اغتيالهم ولم تستطع أن تلتقط سوي اثنين أحدهما سليم والآخر جريح بعد تبادل لاطلاق النار.. ويفهم مما حدث انهم قتلوا بعضهم البعض! يحتار قائد القاعدة فيما حدث ويأمر بالتحقيقات. ولكن الناجيين يرفضان الكلام شكاً في إدارة الجيش وخوفاً من غدرهم!! فيستعين القائد ومساعدته الضابطة برجل مباحث كفء "جون ترافولتا" سبق له العمل في الجيش.. وفي عدة لقاءات مع الجندي المعتقل.. وزميله طريح المستشفي بين الحياة والموت.. تبدأ لعبة التضليل.. ليس في المعلومات المقدمة فقط من الشاهدين الباقيين عن الحادث.. ولكن في أسلوب المخرج "جون ماكيترنان". والمؤلف "جيمس فاندربيلت" بالتحكم في المفاجآت والمفارقات التي تقنعك بكل حكاية تروي وكأنها الصحيحة.. حتي تتوالي أخري تناقضها.. فتعود لتقتنع انها الأصح.. إلي أن تري غيرها.. وهكذا! معتمداً علي مشاهد "الفلاش باك" أو العودة إلي الحادثة بتفاصيلها المختلفة من وجهة نظر كل شخصية.. والتلاعب المحكم في وسائل التأثير الدرامي لتظل مشدوها بالأحداث حتي النهاية! وبعد العديد من المفارقات نكتشف أن الموضوع كله سببه تجارة المخدرات التي تفشت في الجيش الأمريكي. والتي تصدمنا الأحداث بأن مروجها هو قائد القاعدة نفسه الضابط الكبير متستراً خلف طبيب المستشفي!! نيولوك فني بل وفي نهاية أخري. وبمفاجأة أعلي وأشد غرابة للمتلقي. نكتشف أن المجموعة لم تُقتل أصلاً.. وأن ما حدث كان اتفاقاً بين أفرادها باستثناء من خالفهم- علي الفور- بصفقة المخدرات. واظهار انهم ماتوا في المهمة.. ليعيشوا حياة أخري وبأسماء جديدة.. وأن من اتفق معهم هذه المرة ليس القائد ولا الطبيب.. وإنما عميل المباحث الذي كلف بمهمة كشف الحادث"!!" تلفيق لا مثيل له.. في لعبة الدراما الحديثة. أو النيولوك الفني.. أهم ما فيها أنها تعول بقوة علي إحكام حبكة السيناريو البوليسي لدرجة فائقة من التشويق والترقب والاثارة.. حتي ولو علي حساب العناصر الفنية الأخري.. فالأماكن محدودة. والتصوير معظمه في ظلام أو إضاءة خافتة.. والممثلون ليسوا من نجوم الشباك كما كانوا. بل ولا دور للمرأة سوي الوجود الشرفي.. وهي رسالة واضحة للسينما المصرية التي مازالت أسيرة لحواديت المطرب المسبل والممثلة العريانة أو العدمانة. والمايوهات وشواطيء البحر المكررة! أما أطرف ما في الفيلم.. فهو تلك المصطلحات الجديدة التي دخلت علي حوار السينما الأمريكية مثل: "أنت طيب".. "أنت من الصالحين".. ولكنها ترد علي ألسنة تجار المخدرات والقتلة والسفاحين.. وأهو كله "نيولوك"!! الجمهورية المصرية في 22 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
جون ترافولتا يرقص على كل الحبال.. من أجل صفقة مخدرات محمد صلاح الدين |
|