هل لدينا سينما مغربية تعكس هويتنا ؟ من السهل أن نجيب بنعم أولا، ومع ذلك فثمة أفلام مغربية ولا أقول ثمة سينما كمفهوم وتراكم يحصرانها في دائرة الخصوصية ويضفيان عليها بعداً مغربياً صافيا. إن موضوع أي فيلم يبقي في النهاية موضوعا مغربيا، لكن التقنية أجنبية من حيث التصوير والصوت والانارة والاخراج وإدارة الممثلين، من هنا سر ولع "مخرج"، مثل نبيل عيوش، بالخبرة الاجنبية عندما يقرر إنجاز شريط سينمائي جديد، فهو يجهل حتي اللغة الدارجة ولذلك يتساءل البعض كيف "يقرأ" هذا الشاب الفرانكفوني الواقع المغربي بتمظهراته ؟ ثم لماذا لم تستفد السينما المغربية، حتي الآن، من الأدب ؟ هل لغموضه وتجربيته أم لوضوحه الواقعي المباشر أو للتكوين الفرنسي لأغلب المخرجين المغاربة وقد درسوا في باريس وبولونيا ؟ إنه هذا العنصر وذاك، إذ بإمكان هذه السينما الفتية أن تستفيد من الأدب لما يزخر به من موضوعات وأحداث نابعة من صميم المجتمع مؤرخة لتحولاته ومساره التاريخي عبر حقب منها. فقد تعاملت السينما العالمية مع الأدب تعاملا منبهرا مزج بين الاقتباس والحرفية إن لم يكن بنوع من التجزيئية والتشويه مثلما وقع لروايات نجيب محفوظ الذي لم يكن راضيا عن تحويلها إلي السينما، لكن مخرجي الروايات لهم أنفسهم تصورات أخري تقنية عن الروايات المرشحة للأفلام، كل ذلك في قالب درامي فرجوي يمزج بين الملهاة والمأساة، بين الممكن والمستحيل، بين البناء والمتعة. لنأخذ مثلا فيلم "البؤساء" الفرنسي المقتبس عن نفس العنوان لفيكتور هيغو والذي حُوِّل إلي مسلسل تلفزيوني شهير، لقد جمع بين الفرجة والتشويق، كذلك فيلم "ذهب مع الريح" المقتبس، هو الآخر، عن رواية الامريكية مارغريت متشيل، أما رواية الكاتب الزنجي الامريكي إليكس هالي "جذور" فقد أسالت كثيرا من الدموع لأنها تؤرخ، بأسلوب واقعي شبه وثائقي، لمأساة العبيد الامريكيين عبر حقبة معينة من تاريخ أمريكا تعرضوا خلالها لأبشع أنواع الاستغلال والابادة علي أيدي المهاجرين البيض، مثلهم في هذا المسار الاسود مثل الهنود الحمر. أيضا، يغامر المخرج الفرنسي جان لوك غودار بإخراجه، في شكل اقتباس، رواية "السأم" للايطالي ألبرتو مورافيا حيث أضفي عليها مسحة غرائبية وسحراً خاصا علي مستوي التصوير وبناء الشخوص والفضاءات الخارجية، وحتي يثبت إعجابه به أتي غودار بالمخرج الالماني فريتزلانج كي يتحدث عن السينما وهو في إحدي قاعاتها، أما السينما الروسية فقد تعاملت مع أدبها عبر رواية "الحرب والسلم" لتولستوي، ولأن الحرب الباردة كانت مستمرة بين الشرق والغرب في القرن الماضي، فإن هوليود استغلت رواية الدكتور زيفاغو" للشاعر بوريس باسترناك للتنديد بفترة الشيوعية. لكن لا يعني هذا أن تعامل السينما مع الأدب قد اكتسي دوما طابع "النجاح" الكامل للروايات المقتبسة، بالعكس، ثمة مخرجون شوهوا نصوصا روائية وأضافوا إليها من عندياتهم، بل منهم من استلهم الفكرة الاساسية لبعض الروايات وأعطاها بعداً فنيا متميزا. إن مجرد نقل نجيب محفوظ إلي الشاشة هو عمل جيد بغض النظر عن مستواه الفني، فقد وضعه في دائرة الضوء الجماهيري الواسع، لقد كانت هناك محاولات خجولة مع كل من عبد الكريم غلاب ويوسف فاضل (في حلاق درب الفقراء) والطاهر بنجلون في "صلاة الغائب"، غلاب مع لطيف لحلوفي "شمس الربيع" وفاضل مع الراحل محمد الركاب وبنجلون مع حميد بناني، وسننتظر وقتا ثانيا لنتساءل عن مدي عدم التفات السينمائيين عندنا إلي الادب المغربي مادام قد حقق تراكماً كمياً ونوعيا، إذ باستطاعته أن يفيد السينما المغربية بسرده وموضوعاته الجريئة بدل النزعة الفولكلورية التي تطبع هذه السينما وتُقَوقعها في دائرة الغرائبي والنظرة المسطحة. أعتقد أن التساؤل عن هوية السينما المغربية هو سؤال مشروع لأنه يفترض نوعاً من التراكم الكمي والنوعي يجدد مساره واختياراته الفكرية والايديولوجية، نحن فعلا بحاجة إلي سينما تعكس صورتنا كما نحن في الواقع وفي المتخيل، لكننا ننتج أفلاماً لا ترقي إلي مستوي طموحاتنا، ذلك لأن بعضها لا يتوفر علي الحد الأدني من السرد الفيلمي أو الحكائي أما "الموضوع" فتلك مسألة أخري، إن الامر هنا لا يتعلق باختيار مسبق هاجسه الانتاج فحسب، ولكنه يتعلق بمشروع مستقبلي يفتقر إليه السينمائيون المغاربة، إنهم ينجزون فعلاً أفلاماً، لكنها مجرد محاولات ليس إلا، وأعتقد بأنه آن الأوان لكي يلتفتوا إلي أدبهم (بغض النظر عن اللغة) علهم يجدون فيه ما يفتقدونه، ثمة زفزاف وبرادة، محمد الهرادي والخمليشي، بوزفور والمديني، مصطفي المسناوي وربيع مبارك، فنصوصهم القصصية والروائية قابلة للاقتباس السينمائي بشرط أن تتوفر علي كاتب سيناريو جيد مثل يوسف فاضل.
القدس العربي في 19 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
في المسألة السينمائية إدريس الخوري * |
|