شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في هذه الحلقة من كتاب سينما اوليفرستون يأخذنا المؤلف «نورمان كيجان» في قراءة سريعة لفيلم «الوجه ذو الندية» او مقدمة القراءة بقوله:جاء مشروع سيناريو فيلم «الوجه ذو الندية» عام 1980 بعد ان شاهد المنتج مارتن برجمان الفيلم الكلاسيكي الذي اخرجه هوارد هوكس عام 1932 بالعنوان نفسه، فقرر ان يصنع نسخة حديثة منه من بطولة آل باتشينو مع تعديل الموضوع بحيث يدور حول تجارة الكوكايين في اميركا اليوم، وقد صرح ستون بأنه قبل كتابة سيناريو الفيلم فقط لأن لآل باتشينو طلب منه ان يكتبه.

ومن نهاية السبعينيات حتى الثمانينيات كان الكوكايين شيئاً اعتيادياً في حياة اوليفر ستون، وهو يقول عن ذلك: «لقد قادني الكوكايين الى الحافة وادركت اخيراً انه هزمني تماماً ولم استطع ان اهزمه».

وقام ستون الذي تعامل مع المخدرات من قبل في فيلم «قطار منتصف الليل السريع» بدراسة جوانب الموضوع استغرقت شهرين، دار معظمها في العالم السفلى للمهاجرين من اميركا اللاتينية في جنوب فلوريدا، وقد سجل احاديث مع كثير من عملاء المباحث الفيدرالية وضباط مباحث المخدرات وادارة الشرطة في ميامي ومفتشي شرطة جرائم القتل وغيرهم، والتقى ايضاً ببعض المجرمين الشباب الذين يتم استئجارهم لتفريغ حمولات المخدرات من السفن الواقفة قرب الشاطيء وبعض مروجي المخدرات في الشوارع، والتجار ورجال الاعمال الذين يمولون صفقات المخدرات.

واضافة الى هذا قام بالبحث في كولومبيا والاكوادور وبيرو وبيميني «وهي معبر لشبكات نقل المخدرات» ويصف ستون التجربة في حديث معه في مجلة «بلاي بوي» في فبراير عام 1980 فيقول: كانت التجربة مرعبة.. فقد شعرت ان حياتي معرضة للخطر.. وكان معظم ما اقوم به من عمل يتم بعد منتصف الليل وحتى الفجر، وهو ليس افضل وقت للتواجد في الخارج بمفردك وانت تتعامل مع اناس قد يقررون في أية لحظة انهم صرحوا لك بأكثر مما ينبغي.

وفي موضع آخر يقول ستون: كان تصوري للفيلم في شكل «سوب أوبرا» وقد صغته في قالب «ريتشارد الثالث» ولكن كاميرا بريان دي بالما الذي اخرجه، كانت ابطأ كثيراً من خيالي الشخصي، لذا اضطررنا الى استبعاد بعض المقاطع من السيناريو، ولكني كنت سعيداً بالفيلم، فقد اتاح لي تناول الشمبانيا مجاناً في شتى ارجاء العالم.. قدمها لي مجرمون ورجال عصابات كانوا يسألونني بالحاح: كيف عرفت كل هذه الاشياء؟ وفي مرة اخرى، قال ستون لمخبر صحفي انه قام باجراء ابحاثه وهو تحت تأثير المخدرات لكنه كتب السيناريو وهو واع تماما!

ولعل مما يميز فيلم «الوجه ذو الندبة» انه يحتوي على اقتباسات كثيرة من افلام اخرى سابقة، في البداية يكاد بطله الشاب يعلن انه تعلم كيف تبدو الحياة في الولايات المتحدة من مشاهدة افلام جيمس كاجني وهمفري بوجارت.. انه قناع الوهم حقا!

ويتجاهل البطل افراد اسرته، ولا يمنحونه هم بالتالي الدعم المنتظر فأمه تدين تصرفاته وتتبرأ منه وسلوك شقيقته يثير فقط قلقه المرضى الواضح. اما المجتمع فيعطيه دروساً خاطئة: فالشخصيات التي تمثل رجال الاعمال والحكومة ورجال المال والاجانب القادمين من ثقافات اخرى، تساهم في دفعه اكثر في اتجاه الجريمة والفساد وتدمير النفس، اما الشخصيات الاكثر ثقافة مثل محاميه وحبيبته السابقة، فانها لا تبالي بما يفعله، باستثناء ما توجهه زوجته من نقد مرير لطريقة حياتهما معا.

والحقيقة ان عبارة بطل الفيلم توني التي يردد فيها «انني اقول الحقيقة دائما بينما تعيشون انتم في الظلام» هي عبارة كان من الممكن ان تقولها لخصومها شخصيات ابطال ستون المقهورة والمنعزلة في افلامه السابقة «نوبة مرضية» و«قطار منتصف الليل السريع» و«اليد» وربما تكون ايضاً دفاعاً عن موقف السينمائي او الفنان عموماً! ويكثف موقف البطل وهو يواجه اعداءه الغامضين في مشهد المذبحة الاخير الرغبة المرضية عند بطل ستون في البقاء بأي ثمن.

وكانت النسخة الاولية من السيناريو تحتوي على مشاهد للبطل «توني» وهو يصعد تدريجياً في عالم تجارة المخدرات: من سرقة الصيدليات الى ترتيب صفقات المخدرات الكبيرة بما في ذلك نقل المخدرات ليلاً من مركب وترتيب عملية تهريبها الى الولايات المتحدة وخداع ضباط الجمارك عن طريق استخدام راهبة وموظف متقاعد وربة بيت وطفل رضيع وصبي مراهق. ونرى كذلك كيف تقبله زوجته «الفيرا» قبيل فراقها له قائلة:

انه لامر سييء ان كلانا لم ينضج قط. ولكن هذه المشاهد كانت اقل اهمية من مشاهد صفقات المخدرات داخل اجنحة الفنادق الراقية والتي تسعى، كما ترى الناقدة بولين كيل الى جعل المخدرات تبدو مكروهة بتصوير تجارة المخدرات كتجارة مملة ومخادعة ان لم تكن قاتلة. ويبدو هنا الضعف الحقيقي للفيلم، الذي يقول ان تجار المخدرات الاميركيين في قرارة انفسهم هم مجرد رجال اعمال اتخذوا لانفسهم وجهة خاطئة منكراً ان هذا النوع من التجارة يمكن ان يكون شيئاً مربحاً وربما المخرج الوحيد من حياة الفقر.

وبالطبع فإن صناع الفيلم المقيدين بالرأي العام لا يستطيعون تصوير نشوة مدمني المخدرات فتصوير ذلك قد يلغي تعاطف المتفرج مع البطل «ناهيك عن تصويرهم سبب تعاطي الناس للمخدرات» وكل ما يبقى، قصة ميلودرامية مثيرة عن مافيا تجارة المخدرات.. والامر المثير للسخرية ان مشهد نشرة الاخبار التلفزيونية يعكس رؤية دقيقة للدور المكثف لتجار المخدرات في السياسة، ولكن لانه لا يتجسد درامياً فإنه يصبح مجرد خلفية للمشاجرة بين البطل وزوجته «وربما كان يمكن اضافة شيء عن تشويه هوليوود المتعمد لقضايا المخدرات بغرض جني الارباح».

وقد تركزت ردود فعل النقاد الاميركيين على ما يحتويه الفيلم من عنف وقسوة مع التنويه باشاراته وتعليقاته على عالم رجال الاعمال الاميركيين وعلى هوليوود نفسها.

في مقالة بصحيفة «نيويورك تايمز» عدد 9 ديسمبر 1983 كتب فنسنت كانبي يقول: هذا الوجه ذو الندبة لا يحظى بذرة واحدة من التعاطف، انه له تأثير الحكاية الواحدة التي تسرد في نفس واحد «الوجه ذو الندبة» حكاية قاسية مريرة ساخرة عن الجشع، تبدو فيها كل المشاعر التي يفترض انها رقيقة وقد تاهت، ويتبع ستون الخط العام لسيناريو بن هشت 1932 مع اختلاف واحد ملحوظ، فسقوط توني يأتي فقط لانه يتجاهل مبدأ العالم السفلى القائل بأن المرء لا يجب ان يقلل من حجم الجشع لدى الآخر.

ولسوء حظه يتجاهل توني ايضاً قاعدة اخرى تقول «لا تفرط في الحصول على جرعتك من المخدر» وهذا ابتعاد اساسي عن سيناريو بن هشت.. انني غير واثق على الاطلاق مما يقصد الفيلم قوله عن عالم واساليب عمل رجال الاعمال الاميركيين رغم انني اعتقد ان دي بالما وستون لن يغضبا اذا ما استقبل هذا كنوع من السخرية الاخلاقية .

ومن خلال كل طرقه الشريرة يلجأ توني مونتانا على العكس من بعض رجال الاعمال الشرفاء الى شراء النوع الراقي من المخدرات رغم ان هذا ربما لا يكون له علاقة بتمسكه بأصول التجارة النزيهة بقدر ما هو رغبة في تفادي ان يفقد حياته.وترى بولين كيل في كتابها «حالة الفن» الصادر عام 1985 ان تجسيد القصة بالطريقة السيئة التي عولجت بها لا يجعل الفيلم يندرج في اطار الواقعية الاجتماعية، المضحك ان شخصية توني شخصية سطحية ومنحلة.

انه منغمس في جمع المال وفي الكوكايين. وكلما واجه مشكلة ازدادت جرعات المخدر التي يتعاطاها لكن المشاهد عديمة الشكل، لدرجة اننا لا نعرف عند أي نقطة مطلوب منا ان نضحك. لكن ما اراده صناع الفيلم ان يكون مثيراً للسخرية، لا يبتعد عما يثيره الفيلم نفسه فينا من احساس بالسخرية.. وتتمثل رسالة الفيلم في ان توني هو رجل اعمال مخلص لتجارته.

قاسي القلب ولكنه ليس منافقاً مثل رجال الاعمال الاميركيين، وعندما يلقى توني درساً على الاثرياء في المطعم وهو مخمور ومحبط، يبدو كما لو كان يتحدث باسم الكاتب والمخرج. وهو يعرف، من وجهة نظر الفيلم الحقيقة عن السلطة وكيف تعمل ومن الممكن ان يكون اوليفر ستون وبريان دي بالما قد لجأ الى مثل هذا التشويه الرخيص مستخدمين صناعة السينما كنموذج للعالم.

البيان الإماراتية في  16 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

سينما أوليفر ستون

"الوجه ذو الندبة"

يقدم تجربة أوليفر مع عالم المخدرات