شعار الموقع (Our Logo)

 

 

آذار (مارس) عام 2003, الحرب الاميركية على العراق قائمة, التهديد المبطن إلى منطقة الشرق الأوسط برمتها" دعوة موجهة إلى المخرج والكاتب السوري محمد ملص من الجامعة الاميركية في القاهرة لعرض أفلامه وإلقاء محاضرات والمشاركة في ندوات حوارية, رُفض الطلب. وفي آذار (مارس) 2004, الحرب على العراق انتهت, والتهديد لم يعد مبطناً, بل إن أميركا تهدد المنطقة: التغيير وإلا" دعوة أخرى موجهة إلى ملص من الجامعة الاميركية, والدعـوة قُبلت.

وفي القاهرة, وتحديداً في الجامعة الاميركية, جلس ملص يحتسي القهوة العربية (أو التركية كما يطلق عليها المصريون) يتحدث إلى "الحياة".

يبدو مطابقاً للصور الفوتوغرافية التي تنشر له في الصحف, وإن كان أرق وألطف مما توحي به تلك الصور. ذقنه الطويلة على رغم تطابقها في صفاتها "التشريحية" وذقون المسلمين الأصوليين, تشير هي نفسها - لسبب مبهم - إلى غير ذلك.

كان واضحاً أن رقته وأدبه يمنعانه من الاعتراض على الأسئلة التي بدأت بها "الحياة" الحوار, والتي توضع عادة بغرض التلطيف, وكسر ثلوج اللقاء الأول. عدم سعادته أو انبهاره بالأسئلة الأولى لا يمنعه من الرد عليها بإسهاب وعناية فائقة يحسده عليها رجال السياسة في اختيار كل لفظ يتفوه به.

وفي الفرصة الأولى يسأل: ألا تودين أن تعرفي لماذا قبلت دعوة الجامعة الاميركية لي في وقت توجه فيه أميركا إلى بلدي سورية تهديدات صريحة, على رغم أني رفضت الدعوة العام الماضي؟ السؤال لا يحتمل الرفض أو القبول. "نعم, لماذا؟".

يقول: "في ظل الضغوط الاميركية على سورية والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية وغيرها, شعرت أن الصمت ليس الاسلوب الأمثل في الرد, فالالتقاء بالجمهور والطلاب في الجامعة الأميركية في القاهرة مهمة وطنية وثقافية, فهي تقوم على حوار حول الأفلام التي حققتها, والتي تتناول الواقع في سورية في فترات مختلفة توضح هوية الإنسان السوري وتراثه ومشاكله وقضاياه, ومن المناسب جداً أيضاً عرض فيلم "المنام" الذي يتناول المخيمات الفلسطينية في بيروت".

ويصمت ملص برهة, ويشعر أن رده "الدفاعي" على قبول الدعوة الأميركية في مصر لم يكن كافياً, فيقول: "يجب عدم الخلط بين الموقف الاميركي والجامعة الأميركية, وأنا أريد أن أقيم حواراً كوسيلة للتعريف والتوضيح, وبالتأكيد أقدم رؤية شخصية وليست رسمية, فأنا إنسان مبدع وحر, ولا يهمني إلا ما أفكر فيه, وفكري لا يختلف عن أبناء شعبي".

الكلمة الأقوى

هذه السلاسة في التفكير تتلاشى تدريجاً حينما حان وقت الحديث عن مؤسسة السينما في سورية. يقول: "باعتبار المؤسسة هي المنتج, فهي صاحبة الكلمة الأقوى والأعلى, وعلينا إما أن ننسحب أو نخضع. والخضوع لا يمكن مثوله, كذلك الحال مع الانسحاب. ومن خلال التعامل الطويل, استطاع السينمائيون السوريون أن يوجدوا اللغة والأسلوب اللذين يؤديان إلى تحقيق أفلامهم, ولأن الانتاج قليل, فإن هذه المعارك لا تُخاض في يوم وليلة. كل سينمائي سوري يقترح مشروعاً له, ثم يبقى زمناً في جدال مع الطرف المنتج الذي له اليد العليا".

وتظهر نبرة الاستسلام واضحة في حديث ملص الذي يقول: "نحن جزء من هذه الظروف, ونطمح في المزيد, لكننا عبر 30 عاماً لم نتمكن من تغيير الكثير, صنعنا من جلودنا طبولاً ومن أرواحنا عُصياً ونحن نقرع, لكن لا حياة لمن تنادي. فالسينما على ما يبدو لا تدخل في الأفق الثقافي الاستراتيجي في سورية, ويبدو أيضاً أننا بشكل أو بآخر نمضي إلى الخلف, والمؤسسة (مؤسسة السينما) ما زالت تتحكم فيها الأمزجة الشخصية والفردية, وتتحكم فيها المصالح المتبادلة, إلى الحد الذي تصبح معه السينما في ذيل قائمة الاهتمامات".

ردود ملص وكلماته تتسم بصيغة أدبية راقية, وهذا ليس بغريب على مخرج يتخذ من المشاريع الأدبية مهنة له بالتوازي مع الإخراج, إضافة إلى قناعته التامة بأن السيناريو الأدبي يمتلك حق وفرصة القراءة الأدبية البصرية, بدلاً من التركيز فقط على الجانب التقني, يقول: "سعيت دائماً لمنح السينما التي أحققها مذاقاً أدبياً, كما سعيت عبر النصوص الأدبية التي أكتبها إلى منح الكتابة مذاقاً بصرياً. فالكلمة إبداع يغذي حرية التخيل لدى القارئ, وهي همزة الوصل بينه وبين المؤلف, أما السينما فهي أكثر تحديداً, ولا تمتلك القدرة على إتاحة الفرصة لخيال القارى, فتصبح لحظة متألقة في سياق مجازي ورمزي وفي أفلامي هناك سعي حثيث لجعل الصورة مظهراً معبراً يستطيع من خلاله المتفرج أن يرى نفسه".

لكن هل يواجه الممثل قدراً أكبر من الصعوبة حينما يشارك في فيلم كتبه ويخرجه شخص واحد, إذ يجد نفسه مطالباً بتقديم شخصية سابقة التجهيز شكلاً وموضوعاً؟ ينفي ملص ذلك ويقول: "مهما سعى السينمائي إلى التأكيد على النص الذي كتبه ويهدف إلى تحقيقه, يبقى الفيلم السينمائي عملاً جماعياً يقوم على خلق علاقات وجدانية وروحية بين المؤلف والمصور والممثل. وأنا على يقين من أن النص حينما يتسرب إلى روح ووجدان الممثل, فإنه يحب أن يذوب في داخله, وهو بدوره ينتج هذه الشخصية, ليس كما كتبها المؤلف, لكن كما التحم معها, وهذا الالتحام لا ينشأ إلا في العلاقة الإبداعية, لا بد من أن يسلم الممثل نفسه إلى المخرج وهذا التسليم لا يحدث إلا في حال وجود حب متبادل بينهما, ولن أختار ممثلاً أو ممثلة لأفلامي إن لم أشعر أن الحب بيننا سينشأ".

الحب / المرأة

وما دمنا ذكرنا الحب فلا بد من أن نذكر المرأة, وما دمنا ذكرنا المرأة, فلا بد لملص من أن يسهب, فهي (المرأة) التي ترويه. وهو يسارع إلى توضيح أنها "ترويني بمعنى الرواية فهي التي تروي لي, وأروي لها وعنها, وهذا يبدو في الأفلام التي حققتها, في "الليل" كانت هي الراوي, وفي "أحلام المدينـة" كانت الراوية, وفي "شمس الأصيل" هي الضحية".

ويعلن ملص عن تضرره من الكلمات التي يوشك أن يقولها, فهي - على حد قوله - جواب تقليدي: "المرأة هي الكائن الجميل في الحياة, وأشعر دائماً أنها ضوء المجتمع, فهي التي تملك الرهافة والإحساس, وتحمل عبء التماشي, سواء كانت متمردة أو خانعة".

وهذا يجرنا إلى الحديث عن فيلمه "باب المقام" يقول: "المرأة في هذا الفيلم ضحية الزمان والمكان المفقودين, الزمن هو زمن الحرية, لذلك تبدو المرأة في "باب المقام" هي الشخصية الحرة, والحرة حينما تكون في المجتمع السوري المعاصر لا مصير لها إلا القتل, لأنها في حريتها ستكون فريسة هلاكين: الاستبداد والطغيان السلطوي, والتطرف الديني المتخلف الذي يستشري في جسد المجتمع, لذلك تبدو في آخر المطاف أنها الضحية".

جريدة الحياة في  16 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

محمد ملص

قبلت الدعوة الأميركية لأسباب "وطنية"

أمينة خيري