فيلمه الثاني بعد العودة ينتصر أيضاً للمشاعر سينما محمد خان بداية "الرومانسية الجديدة" |
صفحات خاصة
|
القاهرة - “الخليج”: في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي كان اسم المخرج السينمائي محمد خان على قمة لائحة ما سماهم النقاد وقتها “مخرجو الواقعية الجديدة”، وكانت تضم معه علي عبد الخالق وخيري بشارة والراحل عاطف الطيب ورأفت الميهي وداود عبد السيد. شكل هذا الفريق وقتها تيارا رائعا في السينما المصرية وقدم أفلاما نالت الاهتمام النقدي والجماهيري وكان توصيف الواقعية الجديدة ملائما لهم بعد واقعية صلاح أبو سيف المخرج الكبير الذي شهد مولدهم وعملهم وتتلمذ بعضهم على يديه. بعد ربع قرن من العطاء والعمل السينمائي الرائع يعود الى الساحة بعد انقطاع دام عدة سنوات المخرج “محمد خان”، لكن من الواضح أن هذه العودة قد تبشر بميلاد تيار جديد يمكن أن نسميه “الرومانسية الجديدة” اذا ما كتب له الاستمرار والنجاح وتبعه فيها مخرجون آخرون. وقد تكون العودة ارهاصة تفتح الطريق أمام نوعية مختلفة يطرحها مخرج متمكن صاحب وجهة نظر ورؤية ابداعية ويتعامل مع السينما على أنها فن رفيع موجه الى جمهور عريض. في كل الحالات لا يستطيع أحد أن يغفل حالة نشاط مخرج مخضرم لفت الانتباه وسجل أهدافا وأفلاما نالت الاحترام والتقدير والجماهيرية عندما بدأ في الثمانينات وهو في أوج شبابه صنفت على أنها واقعية جديدة، ويعود وهو في بداية مرحلة “الشيوخ” العمرية ليلعب بحساسية فائقة على وتر الرومانسية المختلفة.. رومانسية الألفية الجديدة. فيلمان قدمهما حتى الآن ولفت بهما نظر السينمائيين والنقاد والجمهور في وقت ساد فيه تيار هادر، أقل ما يقال عنه انه يشبه ما سمي بأفلام المقاولات في الثمانينات، وان اختلف في الشكل وحجم الانتاج لكن المضمون واحد. فيلمان رغم تواضع امكانات إنتاجهما والأموال التي ضُخت فيهما، بالمقارنة الى الأفلام السائدة حظيا بمزيد من الترحيب والثناء كبصيص ضوء لعودة سينما جميلة نفهمها وتؤثر في مشاعرنا. كان طبيعيا ألا يصمد الفيلمان طويلا أمام الأفلام السائدة، لأنهما يتحدثان لغة جديدة تحتاج وقتا ليفهمها جمهور الشباب الذي يوجه شكل وحجم الايرادات داخل دور العرض، ومع ذلك فان النتائج التي ظهرت حتى في الايرادات تبشر بأن هذه اللغة التي يعود بها محمد خان وجدت من يفهمها ويشعر بمعاني مفرداتها، سواء في الحوار أو المشهد أو الصورة السينمائية أو المشاعر التي تعكسها وتبشر بأن الجمهور الذي تعود لفترة زمنية على الأفلام السطحية السهلة قد يتحول يوما الى السينما الأجمل والأرقى، اذا ما وجد اصرارا ممن يقدمونها على الوصول اليه. في فيلم “في شقة مصر الجديدة” يقدم محمد خان رؤية جديدة للحب عام 2007. رؤية بسيطة رقيقة كتبتها زوجته وسام سليمان، اهتم خان فيها بالتفاصيل ونسج خطا رومانسيا ناعما وسط تناقضات قد تكون غاية في الخشونة ولكنه استطاع أن يوصل رسالته متناغمة مع أروع ألحان الحب والرومانسية بأغنية “قلبي دليلي” لليلى مراد التي أدتها في الفيلم ريهام عبد الغفور. لكن هل يوجد رابط بين هذا الفيلم وفيلمه السابق عليه “بنات وسط البلد”؟ الذي كتبته زوجته أيضاً بالطبع نعم، فمن يشاهد الفيلمين يشعر بأن محمد خان يريد أن يقول شيئا أو على الأقل يشعر الناس بهذا الشيء، وهو أنه رغم المعاناة وسرعة ايقاع الحياة وتوحشها وتغير الظروف وطغيان المادة الا أن المشاعر الجميلة والرومانسية لن تختفي أبدا وستجد طريقها نحو الواقع اذا ما وجدت الظرف المناسب. وتحولت هذه المشاعر على يد محمد خان الى قلوب تنبض بالأحلام في شوارع من نار، وقد يكون استقى هذا الخط من تجربته السينمائية الممتدة، وليس فيلما “سوبر ماركت، وأحلام هند وكامليليا” ببعيدين. المهم أن محمد خان الذي يعول كثيراً على التفاصيل الصغيرة ويصنع منها مشاهد كبيرة، ويُخرج من المواجع لمسات عشق ورومانسية، تحدى وعاد في زمن كاد جيله يفقد فيه ايمانه بامكانية العمل في هذا المناخ المشبع بأفلام رديئة متواضعة المبنى والمعني، وفي زمن اتهمت هذه الهامات التي سجلت صفحات رائعة ومؤثرة في تاريخ السينما المصرية، بأنها تصنع أفلاما “غير جماهيرية”، ويبدو أنهم لم يراجعوا هذه الأفلام جيدا ليدركوا أن معظمها حقق نجاحا نقديا وجماهيريا، وشاركت في مهرجانات دولية وحازت التقدير والاحترام. رأى محمد خان أن ما يقوله المنتجون حول أعمالهم مجرد شماعة و”تشنيعات” أرادوا بها أن يمرروا بضاعتهم التي يسمونها “سينما”، ومع ذلك تحدى ونزل الساحة ليس ليثبت أنه قادر على تحديهم بأدواته ولكن ليغير ويؤثر في الجمهور، أفلام شبابية نعم، ولكن بأسلوبه.. برؤيته.. بقواعد صناعة حقيقية. في فيلم “بنات وسط البلد” حقق المعادلة الصعبة، وان كان لم يعرض الا في 40 دار عرض فقط، وهو ربع العدد التي تقدم فيه أفلام الآخرين، ليؤكد أنه كان ولا يزال يصنع أفلاما للجمهور لكن بقواعد الصناعة السينمائية وبنجوم المرحلة أيضا. فيلم بمقاييسه وبرؤيته، قدم فيه ما يريد بالطرق التي يريدها، ليثبت شيئا بسيطا: أنه من الممكن أن نقدم سينما حقيقية تنعش الجمهور وتحرك عقله وعواطفه وفكره وتحقق أرباحا.. أيضا سينما فاعلة وليس سينما للضحك الوقتي سينما محركة وليست سينما مغيبة. ومنذ أن قدم فيلمه “طائر على الطريق” في ،1981 ظهرت ملامح سينما جديدة عند محمد خان، حيث سعى الى التخلص من الأنماط والشخصيات التقليدية المستهلكة والحوار الطويل الذي يحوله الى حوار مقتضب لتلعب الصورة السينمائية الدور الأصيل في العمل وفي التعبير عن الحدث الدرامي ثم “الحريف” في ،1984 الذي يعد تجربة سينمائية مهمة وجريئة، وبعدهما “زوجة رجل مهم” عام ،1988 الذي يغوص فيه في الأغوار النفسية للشخصية التي يقدمها والعلاقة بين الفرد والسلطة من خلال تفاصيل صغيرة أبرزت جوانب نفسية وأخلاقية تفهمها العين قبل أن تسمعها الأذن. ولا شك أن أفلام خان المتواترة تؤكد اهتمامه بصنعته وتؤكد انتماءه الى قواعد هذه الصناعة واهتمامه بالجمهور المتلقي، اذ اهتم بالصورة التي يعتبرها هي السينما والتي لابد من تطويرها حتى نصل الى سينما حقيقية تمتع الجمهور، وان كان في الوقت نفسه لم يكن مفتونا بالصورة الا بالقدر الذي يوصل المعنى الدرامي. لا يستخدم امكاناته ليستعرض عضلاته أو تمكنه في ابراز الجوانب الجمالية في كادراته الفيلمية وان كان ذلك لا ينفي وجود كادرات جميلة تستحق التصفيق لأنها باختصار جاءت معبرة عن الحدث الدرامي ومتأملة فيه.غالبا ما يكون المخرج العاشق للسينما مثل محمد خان في صراع بين النص والسيناريو.. والحوار.. وبين الصورة، يحاول جاهدا أن ينتصر للصورة ليس على حساب النص ولكن توضيحا وتأكيدا وتعبيرا عن أنها مهمته، فالفيلم في النهاية يحمل توقيعه ويحمل رؤيته، ورؤيته هي الصورة، وغالبا ما يستطيع أن يتفوق على النص بالصورة ويتوغل في تفاصيل لا يستطيع أي حوار مهما كانت عبقريته أن يقدمها.ستظل سينما محمد خان أحد رموز الواقعية الجديدة في الثمانينات والتسعينات هي كما هي، كما يحلم الرجل الذي لن يتخلى عما يريده هو لها، سيظل يأخذ شخصيات أفلامه وحكاياتها وقضاياها من قلب الواقع ويستلهمها ويصيغها سينما جميلة غير مبتذلة ودون فجاجة. الخليج الإماراتية في 30 مارس 2007
|