محمد عبيدو : صالات سينما "المتواصل" |
صفحات خاصة
|
كلماتُ السيد "أنطوان إستنبولية" (صاحب دار العرض السينمائية بحلب) عبر حواره المنشور بتاريخ 10 / 3 /2007، في جريدة "بلدنا"، (التي اختصرَ فيها الكثير من قضية يعود تاريخها إلى ما يزيد عن أربعين عاماً من تاريخ السينما وتاريخ مهنة عرض الأفلام السينمائية)، حفّزتنا للقيام بجولة على صالات السينما التي يبلغ عددها 12 بالعاصمة دمشق، للاطلاع على واقعها؛ لنجد أن أغلبها– باستثناء اثنتين سعر تذكرة الدخول فيهما يفوق قدرة المواطن المتوسط– يقوم بعرض أفلامٍ تجارية مستهلكة وقديمة، وبشروط عرض سيئة، من حيث أدوات العرض وطقوس المشاهدة ..... لا يقف أمام إحدى صالات السينما سوى بضعة أنفار استعداداً لحضور أحد العروض السينمائية، وننتقل لأبواب باقي الصالات، لنقرأ عبارات إعلانية طنانة ومثيرة تحاول جذب الجمهور، رغم أنها كثيراً ما تجافي الصحة . "فيلم للكبار فقط" "يمنع دخول الأحداث " "جاكي شان أقوى اللكمات والرفسات" " أقوى برنامج سينمائي عالمي" "أحدث الأفلام العالمية لعام 2007 " وعلى الرغم من أن معظم الأفلام المعروضة تعود لربع قرن مضى، فإننا نقرأ "أضخم عمل سينمائي لهذا العام". ويمكن أن نميز بين صور الفيلم المعروضة على بلور السينما "ناهد شريف" (الممثلة المتوفية منذ أكثر من ربع قرن من الزمن). أهمُّ بالتقاط صورة فوتوغرافية لواجهة إحدى الصالات، فيخرج أحدهم مسرعا ومستنكرا "شو عمتعمل؟". أمضي لصالة ثانية، وبعد قطع التذكرة نتبين الطريق الداخل إلى الصالة وسط الضجيج والدخان العابق. الصالات فارغة إلا من صفين من المقاعد.. فأصحابها منذ سنوات خلعوا باقي الكراسي، وذلك للتهرب من الضرائب المرتفعة التي تؤخذ على عدد المقاعد ولو فارغة. المُشاهد في هذه الصالات، يتابع بصعوبة ما يجري على الشاشة بسبب عاصفة الدخان المنتشرة، والأحاديث الجانبية وأصوات "فصفصة " البزر والموالح المختلفة، وسندويشات الفلافل وزجاجات الكازوز. كما إن صوت البواب يطغى على أصوات الممثلين في كثير من المشاهد، وكأنه يصرخ للترويج لبضاعة يبيعها، كالخضار أو المازوت والغاز : " هلق بلش، فيلمين عربي وأجنبي بحفلة واحدة، هلق بلش " "متواصل .. بس بخمسين ليرة يا بلاش، هلق بلش " ويظل يصرخ "هلق بلش، هلق بلش"، رغم أن الفيلم يكون في نهايته. روّاد الصالات المتواصل من أبناء الريف السوري عموماً، القادمين إلى دمشق، أو ممن يؤدون خدمتهم العسكرية، أو من العاطلين عن العمل الذين يمضون أوقات فراغهم بين هذه الصور.. وبعضهم ذكر أنه يأتي لهذه الصالة كي ينام، لأن صالات السينما لاتغلق أبوابها طوال اليوم..!! واقع هذه الصالات وطبيعة الأفلام المعروضة، وطقس المشاهدة السينمائية في سورية، موضع نقاش وتساؤلات: فالمؤسسة العامة للسينما، تخلت عن احتكارها استيراد الأفلام المخصصة للعرض على شاشات الصالات السورية، وهي تنتقي المتنوع والحديث المتميز في الأفلام التي صارت تستوردها، وهذا واضح في التظاهرات السينمائية الكثيرة التي تقيمها، والجمهور الشغوف بالسينما الذي تضيق عليه المقاعد. لكن هل تكفي أسابيع وتظاهرات سينمائية لعودة طقس المشاهدة السينمائي؟ ثم أين هو النادي السينمائي بدمشق المغلقة أبوابه، وهو الذي تلمسنا مع عروضه ونقاشاته في السبعينيات والثمانينيات أهم الأفلام وأبرز سينمات العالم، وهل انتشار الفضائيات المتخصصة بالسينما، وقرصنة أفلام (الـ"سي دي"، والـ"دي في دي")، وانتشارها بأسعار زهيدة، هي السبب في عزوف الناس عن ارتياد الصالات؟. ثم لمَ لا يتم تحديث حقيقي للسينمات، التي يعود بعض أجهزتها للخمسينيات، ولم لا تناقش الدولة أصحاب رؤوس الأموال، وتحثهم أوتلزمهم على إنشاء عدد من الصالات السينمائية الصغيرة (300 – 500 كرسي) في الفنادق الضخمة أو الأسواق الكبيرة التي يبنونها، كما نشاهد في العديد من عواصم ومدن العالم . ويعود صاحب إحدى دور السينما مع طقوس الذاكرة، ويتمنى لو تعود أيام الستينيات والسبعينيات، حيث كانت تعرض في سينماه أفلام لـ"مارلون براندو" و"روك هدسون" و"صوفيا لورين" و"عبد الوهاب" و"عبد الحليم حافظ"، و"فاتن حمامة" و"ناديا لطفي" و"عمر الشريف".. والصالات مكتظة بالعائلات في طقس اجتماعي وجمالي حميم، حيث السينما كانت تجذب الناس إلى عتمتها وطقوس مشاهدتها الجميلة. إنه جمال ينبع من أنه قطعة حية من العصر الذهبي للسينما، تهب علينا كشوق لزمن جميل، محملة بذكريات شبابنا وأشواقنا ونزاوتنا، بأحزاننا وأفراحنا، بهزائمنا وانتصاراتنا، بقصص حبنا الفاشلة والحالمة، مغلفة بمشاعر الحنين إلى زمن لن يعود. لكن مرارته تنبع من أنه يدفعنا إلى المقارنة بينه وبين حاضر تراجعت فيه أغلب القيم الجميلة، وأغلقت أبوابه أمام الحملة باستعادتها، أو استنبات ما يساويها. موقع "بلدنا" في 30 مارس 2007
|