كلينت ايستوود يفكك الصورة في "رايات آبائنا" جنود في نفق طويل رهائن الحرب والبطولة ريما المسمار |
صفحات خاصة
|
في الغالب، لا تتسع أفلام الحرب لأكثر من الحرب. هذا ما يثبته تاريخ السينما، الجماهيرية والسائدة على الأقل حيث يتخذ النوع (genre) موقع المحرّك والمتحكم. بعض التجارب ارتقى فوق جحيم الحروب على الأرض ذاهباً الى معاينة جحيمها في النفوس حيث يتوقد شريط تيرينس ماليك "الخيط الاحمر الرفيع" مثالاً حياً في الذاكرة. الحكايات الفردية للجنود وصدمة الحرب كانت موضوعة شغلت العديد من الافلام لاسيما التي ناهضت الحرب واشتغلت على فكرة الفرد وقلقه وتجرده من انسانيته في وجه فكرة البطولة الملحمية ("بلاتون" لاوليفر ستون، "القيامة الآن" لفرانسيس فورد كوبولا وسواهما). في فيلم كلينت ايستوود الجديدالحربي مبدئياً "رايات آبائنا" Flags of our Fathers، يتسع المكان للحرب وحكايات الجنود والاهم لنقاش حول الصورة وسلطتها وحقيقتها "الكاذبة" أحياناً. لعل السينما لم يسبق لها ان عرضت في فيلم كلاسيكي لنقاش معاصر حول الصورة الفوتوغرافية يصل حد تفكيكها كما يفعل إيستوود. أول ما يجنبه "رايات آبائنا" بنفسه عنه، بما هو من مقومات أفلام الحروب المحورية، فكرة النصر او ما يقابلها في المقلب الآخر، الهزيمة. لفهم تلك "الاستراتيجية"، لا بد من العودة الى الدافع الذي حرّك المشروع برمته والمتمثّل بالصورة الفوتوغرافية الشهيرة لستة جنود اميركيين يزرعون العلم الاميركي على قمة جبل سوريباتشي الياباني بعد خمسة أيام من وصولهم الى جزيرة "إيوجيما" في شباط 1945. بكلام آخر، لقد اختار ايستوود أن ينطلق من الثابت أو أن يبدأ من نقطة النهاية. فيلمه ليس إعادة احتفاء بالنصر أو بالخطوات التي أوصلت اليه. بل هو إعادة صوغ التفاصيل، أو السياق بلغة الصورة، الذي رافق كل ذلك. وهو قبل أي شيء مقاربة ليس للنصر وانما لكيفية تجسّده في صورة فوتوغرافية وحيدة. بهذا المعنى، لا يبدو مفاجئاً أن تقفز الأحداث الى ما بعد المعركة قبل أن نرى الأخيرة على الشاشة. بل إن الجدل حول الصورة يبدأ منذ المشاهد الاولى التي تدور في الزمن الحاضر عندما يقول المصور الفوتوغرافي الذي التقط الصورة الشهيرة "الصورة الصحيحة قد تخسر حرباً أو تربحها". صورة الجنود يرفعون العلم تنتمي الى الفئة الأخيرة التي ربحت الحرب. ذلك ان توقيت الصورة تزامن مع تململ الناس من الحرب فإذا بالصورة تجلب نصراً مبكراً إذ لم يكن قد مضى أكثر من خمسة أيام على دخول الجيش الاميركي الجزيرة. ولكن الصورة من دون استغلال معانيها وايحاءاتها ما كانت لتحقق ما حققته. بكلام آخر، أسهم ظهورها على الصفحات الاولى في كافة الصحف في منحها صدقية الحقيقة. لقد أصبحت الصورة الرسمية التي لا نقاش حولها بما يفسر كلام الرئيس الاميركي وقتذاك روزفلت "أعتقد أننا وجدناها" أي الطريق الى النصر. ولكن عظمة ايستوود تكمن في انه وتماماً كما هي الصورة ـ يحاول ان يبني فيلمه في طبقات وأحياناً أجزاء أفقية ليتمكن من رصد أثرها في أكثر من جانب. على صعيد السلطة، بدا واضحاً ضرورة استثمار انبهار الناس بالصورة لاذكاء الحرب وتطويل أمدها. فإذا بالجنود الثلاثة الذين بقوا على قيد الحياة بين الستة الذين تظهرهم الصورة، يُسحبون من الجبهة ويُرسلون الى بلادهم للقيام بجولات دعائية وجمع الاموال للحرب. لا تغير في الخطة شيئاً معرفة المسؤولين الكبار أن الصورة لا تلتقط واقعة رفع العلم الحقيقية بل لحظة استبداله بعلم آخر بناءً على طلب ضابط أراد الاحتفاظ بالعلم الاول. كما لا يعنيهم كثيراً أن أحد الجنود الذين ذُكرت أسماؤهم لم يكن موجوداً في الصورة بالفعل. التفكيك لا تلبث كاميرا ايستوود أن تستدير الى اللحظة التي التقطت فيها الصورة. هنا يدخل الفيلم بشكل بصري في تفكيك الصورة. كاميرا الفيلم تصبح بمثابة كاميرا Making-Of تصور ما يجري على الجبهة. المصور الفوتوغرافي الحربي حاضر بينما الجنود الستة الذين اختيروا اعتباطياً لانزال العلم الاول واستبداله بآخر يقومون بتثبيت الرافعة. في تلك اللحظة بالذات، يلتقط المصور صورته بينما نسمعه يقول لزميله انه كان يفضل إظهار وجوههم. ولكن ذلك التفصيل بالذات، أي عدم إظهار وجوههم، هو الذي يسهم بشكل كبير في تخليد الصورة من جهة وتمويه الحقائق من جهة ثانية. فعدم ظهور الوجوه يمنح الصورة بعداً مجرداً عن البطولة والاخوة في الحرب تماماً كما يُصنع تمثال للجندي المجهول أو نصب للشهداء عموماً. ولو أن المصور استطاع أن يظهر الوجوه لانتفى على الاقل الارباك المتعلق بهوية الجنود في الصورة. ولهذا المشهد بعد آخر انه يضع المشاهد في موقع المصور بعد أن كان متلقياً في المرة الاولى في جانب جمهور الصورة. في خط آخر، يتابع الفيلم تأثير الصورة في أهالي الجنود.تترك الصورة أثرها في أهالي الجنود ايضاً. نشاهد كيف أن إحدى أمهات الجنود في الصورة والذي استشهد لاحقاً، يخفف عنها وطأة موته انه شارك في رفع العلم واعتُبر بطلاً. أما تلك التي تكتشف ان ابنها ليس من بين "الأبطال"، فتنهار لاحقاً علاقتها بزوجها إذ تحمله مسؤولية ذهاب ابنها الى الحرب وموته. والمثير أنها تعرف في ما بعد انه كان حاضراً عند رفع العلم الحقيقي ولكن لا يعود ذلك مهماً لأن الصورة هي التي خلدت الجنود وليس الواقعة. المناورة اذا كان ايستوود غير مهتم بنتائج الحرب ، فهو شديد الاهتمام بخطواتها وأكثر ما يلتزم به "المناورة". انه اسلوب ايستوود في مقاربة موضوعاته بعد صولات وجولات. فهو لا يطرح فكرة قبل أن يمهد لها ويرمي بإلماحات ثم يصل اليها ليعود ويبني بعيداً منها. انه بمعنى آخر يبني العلاقة بالفضاء المكاني بعد أن حاك أحداث الفيلم في الزمن المتقطع والمتقلب ومتعدد المستويات، أليست السينما بتعريفها الاساسي والذي بات مفقوداً اليوم هي العلاقة بالزمان والمكان؟ ايستوود هو آخر الكلاسيكيين بهذا المعنى. يدرك تماماً العلاقة بين شخصياته والفضاء من حولهم. يبدو ذلك جلياً في سلسلة مشاهد قصيرة تخطف الانفاس. الام الواقفة على الدرج أمام جمهرة من الصحافيين والأخرى المنفردة بزاوية في حفل استقبال كبير على شرف امهات الشهداء... يتخذ ذلك شكلاً أوضح مع المعركة ككل. ثلاث محاولات بصرية وسردية تسبق دخول الفيلم المعركة: "برادلي" المسن (أحد جنود الصورة) يستفيق مذعوراً من أحلام الحرب ثم ينهض ليقطع غرفة معتمة بتوابيت مفتوحة؛ المصور الفوتوغرافي يشرح لابن برادلي الذي يقوم بجمع معلومات لكتاب عن والده عن معنى الصورة قبل أن تظهر الاخيرة في المطابع. يلي ذلك مشهد يبدو انه من المعركة حيث يتسلق ثلاثة جنود التلة لرفع العلم ليتضح انها مجسم لجبل سوريباتشي وان الجنود يقومون بإعادة تمثيل الواقعة أمام جمهور في ملعب كرة قدم! بعد كل ذلك، يأتي المشهد الاول من المعركة الحقيقية. ولكن ماذا فعل ايستوود؟ لقد طرح كل الافكار المضادة والنقدية قبل أن يستسلم لاستعراض الحرب والمعارك والمشاهد البطولية. لقد فكك كل ذلك قبل أن يصل اليه. ان هذه المناورة قبل الوصول الى الفكرة هي ايضاً أخذ مسافة ومنح الفكرة مساحة لا بد من عبورها للوصول الى المعنى. ولكن العلاقة بين الشخصية وفضائها تتجلى بأفضل أشكالها في رسم حيوات الجنود الداخلية. من "برادلي" طبيب الجبهة الى "غاغنون" صائد الاضواء والشهرة مروراً بـ"آيرا" الهندي الأميركي، يتيح الفيلم للشخصيات ان تتبلور تحت ضغط فكرة البطولة وفي فضاءات شديدة التباين. من الجبهة حيث يجابهون الرعب والموت، يُنتشل الثلاثة الى القصور والمطاعم الفخمة والفنادق المرفهة ليعيشوا الكذبة الكبيرة: بطولة لم يسهموا في تحقيقها. ولكنها في المحصلة حياة لا تختلف كثيراً عن حياة الجبهة. فمن خنادق الحرب الى القطارات فالممرات الخلفية في الفنادق وخلف الكواليس تبدو حيوات هؤلاء نفق طويل متواصل وهم فيه إما رهائن حرب أو رهائن بطولة. والواقع ان محاولة رسم التشابه بين حيوات الجنود في الجبهة وبعد الحرب تستمر من خلال برادلي الذي في مشهده الاول يعبر تلك الغرفة بتوابيتها المفتوحة (هو يملك شركة لدفن الموتى) انما هي تنويعة على تنقله بين الجرحى والموتى على الجبهة. يختلف تأثير الحادثة في نفوس الثلاثة. "غاغنون" هو الأكثر ملاءمة للدور (البطل) مع أنه الاقل اسهاماً فيه والأكثر كذباً بينهم. انه هو من سرب اسماء جنود لم يكونوا موجودين في الصورة طمعاً في أن يحقق له ذلك حظوة بين المسؤولين. يضعه ذلك في مواجهة مع "آيرا" الأكثر هشاشة بين الثلاثة الذي يتحول الى السكر لمواجهة إحساس قاسي بالذنب تجاه زملائه الذين قاموا برفع العلم الفعلي. كما يواجه مفارقة ان يكون بطلاً بينما يُمنع دخول حانة لأن هندي. اما "برادلي" فهو الوجه الذي يخفي الكثير من دون أن يعبر الا في المشهد الاخير وهو على فراش الموت. ولكن صدمة الحرب ترافقه كوابيس حتى نهاية حياته. إنه في موقع مختلف عن موقع الجنود حيث ينبع إحساسه بالذنب من انه لم يتمكن من إنقاذ جندي على حافة الموت أو لم يستطع تلبية نداء جريح.
الفيلم
بتركيبته السردية شديد التعقيد. يتنقل من الجبهة الى رحلة الجنود الترويجية
للحرب ومن تلك الى الحاضر حيث يقوم ابن برادلي بتأليف كتاب عن والده من
شهادات الاحياء من الجنود والمصورين. وحتى في مشاهد الحرب ثمة توظيف مختلف
للزمن يمكن اختصاره بـ"قبل رفع العلم" و"بعده". يحاول ايستوود تسهيل ذلك من
خلال تتابع يحققه أحياناً بالالوان فقط. مشاهد ايوجيما تنحو برمتها تجاه
الاسود والابيض بينما تطغى الاوان على رحلة الجنود ويتلون الحاضر بألوان
أقرب الى الباردة. المستقبل اللبنانية في 30 مارس 2007
الخطر المثير وجمال الطبيعة والهروب الى الماضي (إعداد ريما المسمار) ظهرت في السنوات الاخيرة مجموعة من الافلام التي تتناول حكايات من افريقيا لتقدمها الى جمهور غير افريقي. هي بمعنى آخر، أفلام البيض عن السود، كما يصفها أحد النقاد. Hotel Rwanda، Shooting Dogs، The Interpreter، The Constant Gardener هي بعض تلك الافلام التي بدأت بالظهور منذ العام 2003. ثم أبصرت النور خلال العام الفائت ثلاثة افلام أخرى تصب في الاتجاه عينه هي Blood Diamond وThe Last King of Scotland وCatch a Fire. أية صور تقدم تلك الافلام عن افريقيا؟ وما هي الفوارق التي تتبدى لدى مقارنتها بأفلام لمخرجين افريقيين مثل عبد الرحمن سيساكو (باماكو) ومحمد صالح هارون (دارات: موسم الجفاف) وفانتا ريجينا (ليلة الحقيقة)؟ يقدم كل من catch A Fire وThe Last King of Scotland نسخة جديدة لحقبات معروفة من تاريخ افريقيا المعاصر بما يتيح لمخرجيهما إظهار صور درامية من افريقيا اليوم من دون الدخول في حياة ناسها اليوم او احوالها السياسية. في الاول، من اخراج الاوسترالي فيليب نويس، حكاية تعود الى ثمانينات القرن الماضي عن شاب جنوب افريقي ينضم الى الهيئة التشريعية العليا (ANF) ابان سياسة التمييز العنصري ليقوده ذلك الى مواجهة مع ضابط أبيض ينكل به. الا ان ما يبدو تاريخاً من الآمن كشفه اليوم، قدمه الجنوب افريقي الابيض اوليفر شميتز في فيلم بعنوان Mapantsula العام 1988 متناولاً حكاية مشابهة وصوره في الخفاء ليسهم في الحركة المناهضة لسياسة التمييز العنصري. أما الثاني فيروي فترة حكم عيدي أمين في أوغندا وسياسته الوحشية. تأتي خيارات المخرج كيفن ماكدونالد بعدم الاغراق في مشاهد العنف لصالح الفيلم. لقد اختار المخرج الآتي من العالم الوثائقي ان تكون شخصية الطبيب الاسكتلندي الشاب الذي يعينه امين طبيبه الخاص هي عيننا على أمين وحياته. في إطار معاصر، قدم البرازيلي فرناندو ميرييس اقتباسه لرواية جون لو كار The Costant Gardener عام 2005. بخلاف شريط سيدني بولاك The Interpreter الذي يخترع دولة افريقية (ماتوبو) ليروي أحداثه، زرع ميرييس حوادث فيلمه في كينيا اليوم حيث تقوم شركات كبرى للأدوية بتجارب على المرضى هناك. تميز الفيلم بقدرة مخرجه على التقاط التفاصيل والوجوه والناس وهو الآتي من العالم السفلي لريو ديجينيرو حيث أنجز فيلمه الشهير City of God. ولكن كما العين البيضاء هي مرشدتنا الى حياة عيدي أمين كذلك هي هنا حيث تكتشف "تيسا" (رايتشل وايز) زوجة الدبلوماسي البريطاني (رالف فاينس) مخطط الشركات قبل أن تقتل تاركة الحقائق بين يدي زوجها وصديقتها ليكملا المشوار. اذا كان من وصف ينطبق على تلك الافلام فهو انها تكتب معاناة السود على وجوه البيض في ما يبدو انه تحول لازمة في الافلام الاميركية والاوروبية التي تدور أحداثها في افريقيا. وذلك يحتم عليها ان تكون افلاماً ترفيهية بالدرجة الاولى، لا تخرج من حاجة أو هم. في كلا الفيلمين Shooting Dogs لمايكل مايتن جونز وHotel Rwanda لتيري جورج يروي المخرجان المذابح التي وقعت في رواندا عام 1994. ولكن بالمقارنة مع فيلم The Night of Truth لفانتا ريجينا (بوركينا فاسو) عن الموضوع نفسه، يمكن ان نلحظ الفرق في نقل الواقع. فحيث تتوقف المذابح في Shooting Dogs فجأة عند أبواب المدرسة المسيحية، تسبح الرؤوس المقطوعة والجثث المحروقة في النهر الى ما لا نهاية. في الأخير، لا حاجة الى الروتوش او الى التفكير في اعتبارات كالجمهور الاجنبي الذي يريد معرفة الحقائق انما بحدود لا تتعدى الترفيه. معايير النوع تفرض شروطها على هذه الافلام. شريط مثل Gardener، هو في الاساس تشويقي لا يرمي الى تحقيق دراسة سياسية اجتماعية كاملة عن موضوعه. بل ان الاخيرة تدعم النوع من دون ان تطغى عليه. لكأن المخرج يخاف من أن يُضجر الجمهور الذي يخرج في نهاية المطاف من الفيلم بصور تطغى عليها المناظر الخلابة والملاحقات المشوقة. الامر غير بعيد من ذلك في catch a Fire. بعد ما شاهدناه من تنكيل بالشاب الافريقي ومن ظلم، ينتهي الفيلم بفصل أخير على شكل مطاردة حيث يحاول الشرطي الابيض منع الرجل الاسود من زرع قنبلة. وبالمعنى نفسه، يُختتم The Last King of Scotland بحادثة خطف طائرة اسرائيلية يتيح انشغال الكل بها للطبيب الابيض الهروب من الجحيم الافريقي. في الافلام الثلاثة المذكورة، تخيم النهايات الاستعراضية على المقاربات الاولى الحساسة للمكان وناسه. خلف تلك الخيارات جهل أحياناً أو تواطؤ او ببساطة ضغوط تجارية. فالتاريخ الملون يُسوق بشكل أفضل من المآسي المعاصرة. وشخصيات اكزوتيكية أكبر من الحياة مثل عيدي أمين تجذب جمهوراً أكبر مما تفعل وجوه أناس عاديين من اوغندا او زيمبابواي او كينيا. والوجوه البيضاء تبعث على التعاطف وسط نهر من الوجوه السوداء والاحكام المسبقة لدى المشاهد لم تتأخر أفلام مثل Casino Royale في تعزيزها عندما تختصر افريقيا بطفل يحمل سلاحاً. في مطلق الاحوال، لطالما منحت افريقيا المخرجين الاحساس بالخطر الاكزوتيكي. الصورة الاكثر طغياناً لافريقيا في اذهان المخرجين هي مزيج الخطر والجمال البصري. وآخر من انجذب خلفها المخرج ادوارد زويك في Blood Diamond الذي يروي حكاية متخيلة عن صائد ماس جنوب افريقي ابيض يقرر استغلال الحرب الدائرة في سييراليون في التسعينات للقيام بعملية تهريب كبرى. وسط كل المآسي، يبقى المحور ليوناردو ديكابريو ومغامراته وعقدة البطل المضاد. في المقابل، تسطع الافلام الافريقيةوليس الافلام المصنوعة عن افريقيا بحقائق أخرى. لعل المثال الابرز على تجربة معاصرة لا تساوم في الشكل هي "باماكو" او "المحاكمة" لعبد الرحمن سيساكو. تجري معظم احداث الفيلم في باحة منزل خلفية حيث تجتمع هيئة محلفين تمثل المجتمع الافريقي لمحاكمة شركات مالية ابرزها "البنك الدولي". تعرج المونولوغات الطويلة للشهود على الفساد داخل افريقيا نفسها ويحول سيساكو السياسي والعام الى الخاص من خلال حكايات الافراد الذين يسكنون المنزل حيث تقام المحاكمة. في النهاية تصدر المحكمة حكماً على البشر بالعمل الاجتماعي المؤبد بعد ان يقرر أحد المحامين انه ليس من فائدة من رمي رذيس البنك الدولي بول وولفويتز في النيجر لأن التماسيح لن ترغب به! من الموضوعات البارزة أيضاً في الافلام الافريقية الجديدة الهجرة التي نقع عليها في فيلم سيساكو السابق "في انتظار السعادة" (2002) والتأثيرات الاجتماعية والنفسية للحرب كما نراها في The Night of Truth و"دارات: موسم الجفاف" للتشادي محمد صالح هارون. والاخير متمرس في معاينة السياسي من خلال الخاص والحميم كما فعل في فيلمه السابق "أبونا". في "دارات"، يصل الشاب "أتيم" الى العاصمة "دجمينة" للعثور على قاتل والده ابان الحرب الاهلية والانتقام منه تنفيذاً لرغبة جده الأعمى. عندما يجده، يعرض الاخير عليع عملاً في فرنه من دون ان يعرف هويته. هكذا تنشأ بين الاثنين علاقة غريبة هي مزيج من الحب والكره. يجمع بين هارون وسيساكو وفانتا ريجينا انهم مقيمون في الخارج ولكن افلامهم تركز على موضوعات عن اوطانهم الام.
الحكاية
مختلفة في جنوب افريقيا حيث تشهد الصناعة السينمائية نشاطاً بسبب
الاتثمارات الاجنبية والنجاحات الجماهيرية والنقدية لعدد من الافلام من
Yesterday
لداريل روت بين أفلام هؤلاء وأفلام نظرائهم من المخرجين الغربيين مسافة كبيرة كالتي تفصل بين إحساس "الآن هنا" الذي يسود الافلام الافريقية ومناخ المناظر الخلابة والماضي السحيق والحاضر العصي على التناول في أفلام البيض عن افريقيا. المستقبل اللبنانية في 30 مارس 2007
|