سينماتك

 

"آخر ملوك اسكتلندا" مغامرة روائية أولى للمخرج الوثائقي كيفن ماكدونالد

فوريست ويتايكر سارق المشهد بشخصية شديدة التدرجات بين الأبيض والأسود

ريما المسمار

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

يخوض المخرج كيفن ماكدونالد تجربته الروائية الاولى بعيد فيلمين وثائقيين ليسا بعيدين تماماً من التوظيف السردي والخيالي للوقائع والحقائق. فمن يتذكر فيلمه الأخير "ملامسة الفراغ" Touching the Void (أنجزه بعد "يوم في أيلول" One Day In September الذي تناول الأحداث الدامية التي وقعت خلال دورة الألعاب الاولمبية في ميونيخ العام 1972 عندما أقدمت فرقة من الفدائيين الفلسطينيين على اختطاف وقتل نحو أحد عشر رياضياً اسرائيلياً فيما هي الحكاية نفسها التي شكلت أساس الفيلم الأخير لستيفن سبيلبيرغMunich )، يدرك تماماً ان التجربة الروائية كانت على بعد خطوة منه. ذلك ان المشاهد يحار ما اذا كان الفيلم يعتمد التوظيف الدرامي لعناصر من الحكاية الواقعية لمتسلقي جبال ام أنه يوظف الجانب التوثيقي ليقول حكاية مستوحاة من تجربتهما. الواقع ان الفيلم المذكور الذي يعيد تصوير رحلة الثنائي جو سيمبسن وسايمن ياتس الى إحدى قمم سيولا غراندي التي لم تطأها قدم من قبل، يفرد نصف مساحته لحوار مع الرجلين اللذين نجيا بأعجوبة (او كما يقولان بالحظ وقدرة الاحتمال) من موت محتوم، بينما يخصص النصف الآخر للرحلة التي أعيد تمثيل وقائعها.

لفيلمه الروائي الاول رسمياً، يقوم المخرج بخلطة مشابهة ليس على الشاشة وانما على الورق. فهو بدايةً اختار عملاً أدبياً يقوم على مزج شبيه بين التوثيقي والدرامي. انها رواية "آخر ملوك اسكتلندا" لجيل فودن التي تتناول فترة حكم الزعيم الديكتاتوري الافريقي عيدي أمين خلال تبوّئه سدة الرئاسة في أوغندا بين 1971 و1979. ولكن الكاتب يذهب الى روايته من باب آخر. فلا يروي الوقائع كراوٍ متخفٍ أو مجهول بل يأتي بشخصية متخيلة تمت الى واقع أمين بخيط رفيع. ذلك ان الرجل استعان بطبيب اسكتلندي ليكون طبيبه الخاص ولكن الطبيب الذي يظهر في الرواية وفي الفيلم والذي من خلال عينيه نرى الأحداث ليس مبنياً على شخصية الطبيب الواقعية.

على الشاشة، لا يفصل ماكدونالد بين الرواية والتوثيق الا اذا كان استخدام بعض الصور الفوتوغرافية للمجازر التي ارتكبت في حق الشعب الاوغندي خلال حكم أمين هي في حد ذاتها توظيف للوثائق. خلا ذلك، يذهب المخرج الى بناء عالم فيلمه من الصفر او لنقل من رواية فودن، آخذاً على عاتقه منح تلك الأحداث بعداً بصرياً هو إنجازه وحده ولعله يبقى الأكثر حضوراً في الذهن انما بالطبع بعد أداء الممثل "الوحش" فوريست ويتايكر.

مزيج ساحر

خلال فترة حكمه، اتخذ عيدي أمين لنفسه ألقاباً كثيرة. "رئيس لمدى الحياة"، "سيد وحوش الأرض وأسماك البحار"، "آخر ملوك اسكتلندا"... ليس عبثاً اختيار الكاتب للقب الأخير مدخلاً الى حياة الرجل ذلك انه بين الالقاب الأخرى هو أكثرها تعبيراً عن المزيج الخاص الذي كون شخصية عيدي أمين. انه اللقب الذي يخرج من سخرية الزعيم ونرجسيته وفهمه للعبة السياسة (اسكتلندا في مقابل بريطانيا التي أوصلته الى سدة الحكم بعدما خدم في جيشها كعامل تنظيفات) ومن عبثه الطفولي الذي وحده يبرر حبه لكل ما هو اسكتلندي. لا عجب اذاً في أن يقوده ذلك التعلق الطفولي باسكتلندا الى تعلق بمن يمثلها في بلاده. انه الطبيب الشاب المتخرج حديثاً "غاريغن" والذي يجاريه بطفولية مماثلة إذ يترك بلاده هرباً من خطط والده المبرمجة ليحط في "أوغندا" بعد ان قام بما يشبه لعبة "الروليت" واضعاً إصبعه بشكل تلقائي على مجسم لكرة أرضية أثناء دورانها ومقسماً التوجه الى البلد الذي تصيبه إصبعه. ولكنها ليست محض صدفة. فإذ تقع إصبعه على كندا في الجولة الاولى، يعيد الكرة بما يثبت انه يبحث عن مكان يتوافق وأفكاره الجاهزة. المناخ الاستوائي والنساء الافريقيات والحياة الفارغة بمعنى أو بآخر كانت في خلفية اختياره وما فكرة مساعدة الفقراء الا المبرر او المدخل الى المغامرة. تأتيه الأخيرة بعد أيام قليلة على وصوله الى قرية نائية حيث ينضم الى طبيب بريطاني وزوجته الجذابة "سارة" (جيليان اندرسن). لوهلة يبدو ان المغامرة و"الخدمة الاجتماعية" اجتمعتا معاً. ولكن تردد الزوجة يحبط شيئاً من حماسته. هكذا بعد حادثة يتعرض لها الرئيس الجديد "عيدي أمين" خلال زيارته الى القرية ولا يجد من يداويه سوى الطبيب الشاب، يتعارف الاثنان وسط حماسة الزعيم لمعرفة انه الطبيب اسكتلندي. يقدم هذا المشهد الأرضية لفهم العلاقة اللاحقة بين الاثنين. فمن جهة، يوفر مساحة لأمين لإظهار تلاوين شخصيته متنقلاً من الغضب المزمجر الى الرعب الساكن الى الحميمية المطلقة. اما "غاريغن" فبقيامه بقتل بقرة جريحة بمسدس "أمين" يبين عن طبيعة مغامرة وندية. الزعيم الذي يحتاج الى بعض التغيير من روتين علاقاته القائمة على خضوع الآخرين المطلق له يعثر في "غاريغن" على محفز. والشاب الذي يبحث عن المغامرة ينجذب الى "أمين" بسحر الأخير الغامض ومديحه الذي يصيب من الشاب موقع إرضاء الغرور.

هكذا عندما يرسل اليه في اليوم التالي من ينقله الى مقره في المدينة ويعرض عليه ان يكون طبيبه الخاص، لا يتردد "غاريغن" الا للحظات ثم لا يلبث ان يوافق عارفاً بامتيازات ذلك المنصب. يأخذه "أمين" تحت جناحه ويجعله مستشاره الأقرب مما يقلق حاشيته كما يستدعي تدخل متنفذين بريطانيين يقلقهم خروج تلك العلاقة عن سيطرتهم. تتخذ العلاقة بين "غاريغن" و"أمين" أشكالاً عدة. تبدأ بانجذاب الطبيب الفعلي الى "أمين" الذي هو انجذاب فعلي قائم على سذاجة الشاب باللعبة السياسية. وهو ايضاً انبهار لا يخلو من حكم مسبق بقدرة هذا الرجل الاسود على تسلم زمام الأمور في بلاده. من هنا يأتي قول غاريغن لأحد الدبلوماسيين البريطانيين أنهم لا يحتملون فكرة قيادة رجل أسود لبلاده. بقدر ما قد تحمل تلك الجملة من الواقع، الا انها في سياق الفيلم تشكل الطرف الآخر للعصا. أي ان رأي "غاريغن" هذا لا يخلو من السذاجة واطلاق الاحكام ذاتهما حيث ان انبهاره او الأحرى احساسه بالذنب كأوروبي ابيض يسوغان له فساد "أمين" حيلة من أعدائه. لا تلبث العلاقة ان تسترد شكلها الطبيعي بين زعيم وخادمه بحسب ما يتوقع الاول من أفراد حاشيته. ينجذب الشاب الى دائرة المؤامرات السرية والعلاقات المريضة والخيانات التي تحوط الديكتاتور. والمعروف ان في هذا النوع من العلاقات، لا يصمد الا من يأتي بالطرائد الى سيده. هكذا يتوجب على "غاريغن" أن يوقع بأحدهم ليثبت للزعيم وفاءه وحرصه على حياته ومصلحته. ولكن في خلفية العلاقة، يجثم نموذج الاب­الابن الذي هرب "غاريغن" منه في علاقته مع والده ثم عاد ليقع فيه انما بشروط مغايرة قوامها المخاطرة. لعل في ذلك ما يقترح المنحى الأبوي الذي يزين لأي ديكتاتور أفعاله البغيضة ويحول الاستسلام لجاذبيته مشروعاً قاتلاً. "غاريغن" من جهته يتطلع الى نموذج الاب الذي لم يعرفه الا منتقداً وصارماً.

تدرج الظلال

تتخذ المشاهد بين "غاريغن" و"أمين" سحراً خاصاً يتيح للممثلين إظهار قدراتهما وان كان الأخير هو سارق المشهد باستمرار. ليس ذلك بجديد على ويتايكر ولكن إحاطته بشخصية الديكتاتور تذهب أبعد من إتقان حركته ومشيته وطريقة كلامه. انه تلبّس كامل لشخصية معقدة شديدة التدرجات بين الابيض والاسود، متبدلة الأمزجة وفي الوقت عينه متوحشة الجاذبية. بأدائه، يترك ويتايكر المشاهد امام شخصية تلجمه، لا تتيح له الوقت الكافي ليقوم برد فعل فيبقى مندهشاً على الدوام. لا يكاد يخلو مشهد لويتايكر من عرض تمثيلي مبهر، يتقلب فيه من الرعب المسمر الى الخفة المطلقة من دون ان تفلت منه تلك الكاريزما ولو للحظة.

اما "غاريغن" فيلعبه جايمس ماكافوي بخفة الشباب وليونة الذكي واصرار المغامر. يحلق أداء ماكافوي بعد نقطة التحول التي تصيب شخصيته. من ذلك الشاب المنطلق الى المغامرة، يستحيل فأراً خائفاً عالقاً في مصيدة لا فكاك منها. و مما يزيد الامر سوءاً ان "غاريغن" ليس شخصاً مبدئياً ولا هو متمسك بأي شيء سوى حياته. ذلك التحول الذي يصيبه يتشكل رعباً في نظراته وارتجافاً في حركته.

على الصعيد الدرامي، لا يخلو الفيلم من هنات مردها الى ان بعض الأحداث يطلع من حاجة السرد وليس من تطور الشخصيات وأفعالها. فعلاقة "غاريغن" بزوجة "أمين" الثالثة "كاي" (كيري واشنطن) تبدو بعيدة من الصدقية لاسيما لقاءاتهما التي تتخذ من شارع مكشوف مقراً لها. أليس من بديهيات هذا النوع من الأنظمة تسليط مخابراتها على المقربين منها قبل الأبعدين؟ لو أن لقاء "كاي" جاء في مستهل قدومه كان ذلك ليُبرر بتوقه الى المغامرة. ولكنه وقع بعيد اكتشاف "غاريغن" للجانب القاتم في شخصية "أمين". غالب الظن ان تطوير هذا الخيط الدرامي كان هدفه الإضاءة على فظاعات الديكتاتور وجرائمه. إذ ان هذا النوع من الاعمال مهما شذ عن السائد، يواجه أصحابه مأزق "الضمير" اذا ما مروا على شحصية مثل "عيدي أمين" من دون الاشارة (بالصورة تحديداً) الى وحشيته. كأن الفيلم بذلك يتخذ من جملة الطبيب الاسود الاخيرة لغاريغن هدفاً له إذ يقول له "اذهب وخبّر عن فظاعات أمين..سوف يصدقونك لأنك رجل أبيض". ولكنه من الظلم بمكان تأطير الفيلم داخل هذا المفهوم السياسي العليوي إذ انه، خلا تفاصيل صغيرة، لا يسعى الى خطاب سياسي من النوع الذي يسود أفلام البيض عن أفريقيا السوداء. كما لا يتخذ من شخصية الرجل الابيض المحورية نموذج البطل. بل انه يحتمل الكثير من السخرية في ذلك الجانب إذ ان هذا "البطل" الذي نجا من براثن الوحش والموكل مهمة إظهار الحقيقة كان نفسه متواطئاً في إخفائها او تجاهلها في أحسن الأحوال. لا بد هنا من الاشارة الى ان الجهد البصري الذي يبذله المخرج لمنح الشريط قماشته المحلية المنتمية الى مكان الأحداث هو واحد من العناصر التي تجنب الفيلم الوقوع في خطاب سياسي متعالي. فذلك المزيج من الالوان البرتقالية والترابية والتمييز بين الريف والمدينة تشكل حساسية الفيلم تجاه المكان والحكاية والزمان ايضاً حيث يمكن تلمس عناصر في الصورة توحي بصورة السبعينات.

المستقبل اللبنانية في 23 فبراير 2007

 

ويل سميث يقدم ثاني أدواره الكبيرة بعد "علي" في "السعي إلى السعادة"

"السعادة أن تكون حراً في السعي إلى تحقيق رغباتك"

ريما المسمار 

من الصعب بمكان أن نتخيل ويل سميث متخففاً من نزعته الكوميدية، التهكمية غالباً. فعلها مرة وإن ليس بشكل كامل عندما أداره المخرج مايكل مان في Ali. كيف لا وهو لا يزال يؤكد، عندما يأتي الحديث على ذلك الفيلم، ان دور "علي" هو من بين الادوار التي "كنت مستعداً لأدفع من جيبي مقابل أن ألعبها." وها هو يكرر فعلته، أي خلع رداء الكوميديا، من أجل دور يقول عنه أيضاً أنه كان على استعداد ان يدفع المال من في سبيل ان يلعبه (ولكنه في المحصلة تنازل عن نصف أجره). انه دور "كريس غاردنر" في "السعي إلى السعادة" The Pursuit of Happiness.

فالممثل، الموهوب بدون شك ،هو مزيج من نشأته في غرب فيلادلفيا حيث أمضى معظم سنيه منمياً قدراته الكوميدية من خلال مناوشاته مع الاولاد في سنه من شتى الاشكال والأعراق. أما المنحى الثاني المكون لشخصيته فهي موسيقى الهيب­هوب التي­وقلة ربما تعرف تلك البدايات­ توجته مليونيراً شاباً قبل بلوغه العشرين عندما حاز جائزة غرامي الموسيقية عن عرض مع الدي­جاي جازي جيف. ثم كانت بداياته السينمائية الواثقة التي تكرست بالكوميديا المطلقة في Bad Boys مع مارتن لورنس. كل ذلك حدا بالممثل الى تكوين شخصية سينمائية مطعمة بالخفة والمرح والتهكم. باختصار، للمثل شخصية خاصة لا تشبه شخصيات زملائه، لاسيما من الممثلين السود، السينمائية. فهو بخلاف زميله، الأشهر بين الممثلين السود، دنزل واشنطن لا يملك ملامح الغموض والقسوة والقوة التي يملكها الأخير وتسنح له التنقل بين الأدوار في مروحة تجمع أقصى الطيبة بأقسى الشرور (فلنتذكرTraining Day مثلاً). كما انه، اي سميث، لا يشبه بملامحه الشكلانية والتعبيرية ملامح زميله الآخر الصاعد منذ سنوات جايمي فوكس بدراميتها (Collateral مثلاً). وهو حتماً بعيد من سامويل جاكسن المخضرم والحريف.

في شباك التذاكر وفي حسابات الاستديوات، سميث هو الاول بأجر لا ينخفض تحت العشرين مليون دولار. ولكنه في سبيل The Pursuit of Happyness تقاضى أقل من عشرة ملايين.
الأخير هو فيلمه الأول الكبير، على صعيد ابراز القدرات التمثيلية، منذ
Ali الذي حاز عنه ترشيح اوسكار لأفضل ممثل ولكنه خسره أمام دنزل واشنطن عن دوره في Training Day. قبل Ali، كان سميث الممثل المحبب والطريف. بعده صار الممثل القادر على منح دور يحتاج الى قدرات بدنية وملامسة شخصية واقعية حقه. فقد لعب شخصية الملاكم الاميركي الشهير الذي اعتنق الاسلام "محمد علي" بواقعية لا تخلو من لمسته الخاصة.

المفارقة ان المحطة الثانية الكبيرة في مسيرة الممثل هي تجسيده شخصية واقعية أيضاً لرجل يعاقر الحياة بقسوتها وجبروتها من دون ان يتخلى عن تحقيق حلمه. لعل ذلك هو المقصود بالبحث عن السعادة، أي ألا يتنازل المرء عن حلمه. تتخذ هيئة الممثل في الفيلم جدية لم يسبق له ان جسدها على تلك الشاكلة. ولكنها ليست وحدها الملمح الاساسي للدور ولا هي نقطة التحول في أداء الممثل. بل هي قدرته على عجن شخصيته وملامحه بمن قاسى من الحياة وأشقته. ببعض خصلات أبيض وتعب محفور في ملامح الوجه، يكتسب سميث نضوجاً هو نقيض شخصيته السينمائية الطريفة التي تتجلى في أعمال من نوع Men In Black وBad Boys. إن ذلك النضوج هو لا محالة القيمة غير الملموسة لدوره الأخير التي تمهد لمواقف تمثيلية ما كانت لتتوافق مع شخصيته لولا التحضير لها من خلال الشغل على شخصية الرجل الناضج ورب العائلة. اذاً هي حكاية كريس غاردنر مندوب المبيعات المتزوج والاب لصبي (هو ابنه الحقيقي). يقضي نهاراته محاولاً تسويق ماكينات طبية، استثمر كل مدخراته فيها. ولكن الحال بات يضيق وخلافاته مع زوجته تتخذ شكلاً أعنف الى ان تنتهي بانفصالهما وذهابه الى ولاية أخرى للعمل بينما يحتفظ هو بالصبي. من هناك تبدأ رحلته الشاقة مع ابنه لاسيما عندما يعقد العزم على الانضمام الى برنامج تدريبي في مجال البورصة. إزاء كل الصعوبات التي تواجهه، يتمكن "كريس" من الانضمام الى البرنامج بفضل موهبة طبيعية في جذب الناس والتواصل معهم. بقي ان عليه ان يفوز بين عشرين متدرب ليتمكن من نيل الوظيفة الراقية.

صحيح ان الفيلم قائم على معرفة المشاهد المسبقة بأن الرجل سيتمكن من تحقيق حلمه، الا ان ذلك لا يفسد متعة مشاهدة الفيلم لأسباب عدة. اولاً هناك أداء سميث التمثيلي العالي وعلاقته بابنه الحقيقي التي تضفي سحراً اضافياً على علاقتهما داخل الفيلم. ثانياً، يعتمد الفيلم على التفاصيل، فلا يقفز الى حكاية البطولة من خلال أحداث غير منطقية او مفتعلة. مرة أخرى يرجعنا ذلك الى أداء سميث والى تركيبة الشخصية اللذين يقنعان المشاهد بأن ما يحققه "كريس" انما نتيجة مهاراته وليس تحصيل حاصل لمعادلة سينمائية تنصر البطل دائماً. ان تلك التفاصيل اليومية التي يعيشها مع ابنه والتي تتكرر بشكل مختلف كل يوم هي طاقة الفيلم المسيِّرة للأحداث. وسط كل ذلك، يمتلك الرجل الارادة الكافية ليكمل بلا شيء، مراهناً على ارادته فقط. أي ان سلاحه هو نفسه ما يراهن عليه وان عنى ذلك ان تشوب القسوة تصرفاته، القسوة على نفسه قبل اي أحد آخر.

يستمد الفيلم قوته من حكايته الانسانية. تلك الرحلة التي يقرر "كريس" خوضها وما يتخللها من مشاعر ودموع وخيبات ومذلة هي جوهر الفيلم وهي معنى السعادة في المحصلة. فالسعادة بحسب ما يردد "كريس" مقتبساً الدستور الاميركي كما وضعه رئيسها الأسبق توماس جيفرسن (القائم على الحياة، الحرية والبحث عن السعادة) هو حرية السعي الى تحقيق الاحلام بحرية تامة.

سميث متحدثاً

يشير ويل سميث في حوار الى مجلة "إمباير" الى أن الفكرة الجوهرية في الفيلم هي ان الفقر هو فقر الافكار فكريس "ليس أكثر ثراءً من المتشردين الذين يبيت معهم في ذلك المأوى ولكنه ثري بالافكار التي تحول الفراش القاسي وثيراً والجوع شبعاً." وعن اختياره ابنه "جايدن" لدور الولد يقول "لم أختره بل هو اقترح ان يلعب الدور بعد أن سألني عمَّ يدور فيلمي الجديد" مشيراً الى انه تعلم منه مجدداً الخروج من ميكانيكية المهنة الى عفوية وطزاجة من لا يأبه لشيء سوى أن يعيش اللحظة.

يعتبر سميث ان هذا الدور ينضم الى دوره في "علي" ليشكلا أفضل دورين لعبهما خلال مسيرته التمثيلية قائلاً ان كلا المخرجين، مايكل مان وغابرييل موتشينو، "قادران على النظر الى داخلي وإخراج الكثير مني." وعن ان كليهما تجسيد لشخصية واقعية يقول: "أن تلعب حياة أحدهم فذلك لا يشبه صنع فيلم للعائلة او حكاية هوليوودية لطيفة. انها حياة أحدهم بكل اسرارها وخصوصيتها وما يخرج عنها لا يمكن محوه، لذلك آخذ هذا النوع من الأدوار بجدية اضافية لأنها مسؤولية كبرى".

عن رؤيته للسعادة يقول: "لم أكن يوماً تعيساً. ثمة مراحل قليلة كانت الامور فيها تجري عكس رغبتي. التعاسة هي ان تصحو يوماً وقد قمت بعمل انت نفسك لا تحترمه."

يتحدث الممثل باستفاضة عن نشأته في فيلادلفيا في عائلة تنتمي الى الطبقة العاملة في محيط يتشكل بنسبة خمسين في المئة من اليهود الاورثوذوكس وبنسبة أقل من المسلمين. "كنت محاطاً بأديان متعددة." في المدرسة، كانت الغلبة للبيض (90%). "كنت أصادق الافضل من الجهتين. حسي الكوميدي تربى هناك في الحي الأسود حيث كان الكل يقدر الكوميديا التي تتناول الحياة اليومية بالنقد. اما في الحي الابيض، فالفانتازيا كانت مصدر الكوميديا. صرت أبحث عن النكات التي تثير الجهتين لأسباب تختلف بين حي وآخر."

على الرغم من أن الدورين اللذين جلبا له التقدير الكبير لا ينتميان الى الكوميديا، مازال سميث يعتبر الكوميديا هي الحرية: "اذا قمت بحد خيالي سأفقد سريعاً القدرة على ان أكون كوميدياً. الكوميديا هي أن تدع نفسك تذهب بعيداً وتراقب الى اين يمكن ان تصل قبل ان تسقط الى اين يمكن ان تصل بغبائك وحريتك وقدراتك بكل شيء. هذا ما استرجعته عندما شاهدت ابني يمثل. تلك الحرية المطلقة كأن يترك المشهد اذا ما جذب شيء خارجي اهتمامه تلك الحرية هي التي تخرج جواهر التمثيل. هذه الحرية هي التي فقدتها كممثل". ثم يضيف "الضحك هو طريقي الى الناس لا سيما النساء. القدرة على إضحاك إمرأة أهم من العضلات والمال والشكل".

المستقبل اللبنانية في 23 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك