سينماتك

 

الإنتاج الكبير ينحسر...

القصّابون يذبحون السينما بسكين المقاولات

القاهرة ـ حمدي رزق

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

يعلن الاعلامى عماد الدين اديب عن انتاج شريط سينمائي تبلغ كلفته 40 مليون جنيه مصري (أكثر قليلاً من سبعة ملايين من الدولارات) عن محمد على باشا ابرز حكام مصر في القرن التاسع عشر (1805 ـ 1849) يقوم ببطولته الفنان يحيى الفخراني، كما يستعد لانتاج شريط آخر عن "تنظيم القاعدة ـ قصة حياة الرجل الثاني أيمن الظواهري" من بطولة محمود عبد العزيز يبلغ نفس الكلفة تقريباً. وأديب خارج منذ اقل من عام واحد من انتاج شريطين بنفس الضخامة تقريباً من حيث الكلفة هما "عمارة يعقوبيان" و"حليم"، حتى قال المتفائلون ان نمط الانتاج الكبير عائد لا محالة الى السينما المصرية!

وفيما كانت هذه المقولة تسود، خيب منتج واحد هو محمد السبكي وشقيقه احمد وابنه كريم آمال الحالمين. آل السبكي ـ وهم بالاساس قصّابون ذوو سمعة كبيرة في دنيا "اللحم والعظم" في مصر! ـ اقتحموا الانتاج بشريط شهير جداً هو (اللمبي) لمحمد سعد قبل خمسة أعوام، وهو الشريط الذي حطم الارقام القياسية في ايرادات السينما المصرية، ولم يفلح شريط آخر أن يلحق بالرقم الذي حققه (23 مليون جنيه اي أكثر قليلاً من 4 ملايين من الدولارات..)، وواصل آل السبكي لعبتهم الجديدة، حتى تجاوروا مع آل أديب في نفس السوق. السبكي ينتج اشرطة لا تتجاوز كلفة الواحد منها فى اقصى تقدير مليون جنيه (175 الف دولار) ويحصد إيرادات لا تقل في اسوأ الاحوال عن عشرة أمثال هذا الرقم، والمنتجون الذين يدشنون نمط الانتاج الضخم ـ كأديب وغيره ـ يفعلون العكس..

ومن غرائب سوق السينما في مصر أن يتجاور النمطان في زمن واحد، ويتعايشان في أمان كامل لا يجوز هذا على ذاك، ولا ينتقص أحدهما من قدر الآخر! فيما تراجعت احتمالات ازدهار النمط الثالث وهو أشرطة الديجيتال ذات التكلفة الصغيرة والقيمة الفنية الكبيرة!

المنتجون والموزعون والنقاد يرون أن النمطين سيبقيان على الساحة، فالسوق في حاجه إليه معاً، لكن الظاهرة التي تلفت الانظار الآن وتستدعي نقاشاً جاداً، هي عودة ما يسمى بأشرطة المقاولات ذات التكلفة الصغيرة، وانتشارها في المواسم الاخيرة، بما يهدد بعودة آليات السينما المصرية إلى المربع رقم واحد، الذي كانت فيه خلال النصف الاول من تسعينيات القرن العشرين!

مصطلح الأزمة

لم تعرف السينما المصرية التي بلغت عامها العاشر بعد المئة مصطلح سينما المقاولات سوى من 20 عاماً! ولكي يكون المصطلح واضحاً، فإن خلاصة ما توصل إليه السينمائيون بشأن شريط المقاولات السينمائي هو أن الشريط ذو التكلفة الضئيلة، الذي يضطلع ببطولته ممثلون ذوو أجر منخفض، ويتناول موضوعاً تافهاً ـ أو موضوعاً له أهميته لكنه يتناوله بصورة سطحية ـ ويتم تصويره ومونتاجه وطبعه في مدة لا تتجاوز ثلاثة اسابيع على الاكثر!

وإذا كان الضد بالضد يذكر فمن المفيد هنا أن نقول ان الشريط السينمائي "المحترم" كانت تكلفته متوسطة إلى عالية، وأنه يصّور وتجري له عمليات المونتاج والطبع والتحميض في حدود عشرة اسابيع، وتقوم ببطولته أسماء معروفة أولها احترامها الجماهيري والنقدي، ويتناول موضوعاً مهماً أو كوميدياً، بعيداً عن الإسفاف!

النمط الثالث ـ الذي يبدو أنه لن يزدهر الآن ـ وهو أشرطة الديجيتال، تغلب عليه الجدية في الموضوع. انه الشريط ـ الفكرة، بالأساس... أما نجومه فيكونون عادة من الوجوه الشابه، ويتم الانتهاء منه وطبعه وتحويله الى شريط سينمائي من مقاس 35 ملم (الصالح للعرض فنياً وتقنياً في صالات السينما المصرية) في حدود 6 أسابيع... وهو بالاساس شريط اقتصادي لا يتكلف أكثر من مليون جنيه لكنه عالي القيمة من الناحيتين الفكرية والفنية.

أشرطة المقاولات تقترن في ذهنية السينمائيين المصريين بانهيار صناعة السينما في مصر، هذا أن ظهورها في منتصف الثمانينات، ظل يعمل عمل السُّوس في جذع الشجرة حتى منتصف التسعينيات، حتى أتى تماماً على الانتاج الجاد، وتدنى معدل الانتاج الى ان وصل الى اربعة اشرطة فقط في السنة (1995) وجاءت الكوميديا ـ كأسطورة (المخلص) ـ لتنقد الانتاج وتضخ في شرايينه الدم بشريط "اسماعيلية رايح جاي" ـ 1996 ـ وتدور العجلة من جديد! وسميت هذه السينما بـ"المقاولات" على يد طائفة من النقاد المصريين كان على رأسهم الراحل "سامي السلاموني"، والتسمية هنا مرتبطة بنوعية المنتج الذي يقدم سينما المقاولات!

تجار الخردة

فمنتج سينما المقاولات شخص غير مختص بالانتاج السينمائي من الاصل، وبدأ هذا النمط عدد من المقاولين الذين يعملون في مجال البناء والهدم في السبعينات، فسميت باسم طائفتهم، وان كان عدد من تجار الخردة والسيارات وبعض الحرفيين ممن أثروا في فترة الانفتاح الاقتصادي (1975 ـ 1981) باشر إنتاج هذه السينما التي أضحت من انتاج أصحاب الحرف، ومعظمهم من غير المتعلمين بالأساس!
ولان "من يملك يحكم"، فإن المنتجين من هذه الفئات فرضوا على الاشرطة (ذوقهم الفني) الخاص، فكان شريط المقاولات يتكون من خلطة شهيرة.. مقاديرها الكوميديا الممتزجه بالأكشن مع بعض من اللحم البض العاري ولا مانع من رقصتين شرقيتين واغنية شعبية تحمل أحطّ الكلمات وأهزل الالحان!

ساعد على انتشار سينما المقاولات في حقبة الثمانينات ومطلع التسعينات ما يمكن تسميته بـ"عصر الفيديو". ففي تلك المرحلة اخذ الموزعون السينمائيون يربحون الكثير جدا من تصدير الاشرطة السينمائية في صورة اشرطة فيديو. لم تكن الفضائيات قد ظهرت بعد, ولا كان ثمة انترنت ولا كانت الاشرطة المصرية تطرح في دور العرض في الخليج (لم تكن ثمة دور عرض هناك...) فكانت الوسيلة الاساسية لتصدير الاشرطة هي الفيديو، ذلك الجهاز الذي كان يهيمن على ذائقة الناس آنذاك، حتى إن المصريين كانوا يعودون بعد أول عام من سفرهم للعمل في دول الخليج بجهاز الفيديو، كانتصار كبير في حياتهم العائلية. ولان الفيديو جهاز منزلي بالاساس، فإنه يتقبل أشرطة المقاولات بألفة شديدة. انها اشرطة بسيطة الصورة والموضوع، تصلح تماماً للجلسات الاسرية الحميمية في آخر الليل، لا تشغل البال ولا تعمل الفكر، ويخلد الانسان للنوم بعدها بعمق ويسر!

نجوم المقاولات

أسهم كذلك في رواج سينما المقاولات في الماضي، كون السينما الجادة ابتعدت كثيراً عن الموضوعات الترفيهية، فلفظت الكوميديا وتجاهلت الجنس. وهكذا فإن عدداً من الممثلين والممثلات لم يجد له مكاناً في هذه السينما، التي ابتعد بها عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وايناس الدغيدي وأساتذتهم يوسف شاهين وصلاح ابو سيف وكمال الشيخ وحسين كمال عن الاسفاف والسطحية! وتحولوا الى الملف السياسي أو إلى كسر محرّمات الدين والجنس!

لذا انتشر في اشرطة المقاولات اولئك المطرودون من رحمة السينما السياسية والجادة عموماً، فكان على راس نجوم المقاولات سعيد صالح ويونس شلبي والراقصة هياتم والراقصة ـ سابقاً ـ عايدة رياض وممثلات لم يعد أحد يسمع أسماؤهن مثل سميرة صدقي او السورية غادة الشمعة. بل ان بعض نجمات السينما الحقيقية ـ كليلى علوي والهام شاهين ـ جرى إغراؤهن بسرعة تحقيق المكاسب في سينما المقاولات فتورطن في بعض اشرطتها!

ولكن، هل ثمة مبالغة في القول بأن سينما المقاولات ـ بهذه الملامح ـ عادت بعد غياب دام 12 عاماً؟

ثمة مؤشرات لا يطالها الشَّك تؤكد وجود هذه السينما وازدهارها الآن. المؤشرات هنا هي عدد من الاشرطة التي عرضت في العامين الاخيرين, وحققت مكاسب حقيقية، بل صنعت نجومية البعض. ولعل شريط مقاولات لم يصنع نجومية ممثل كما صنع (اللمبي) نجوميته محمد سعد (اهم المضحكين في مصر الآن والذي بلغ اجره عن شريطه القادم ـ اللمبي وجولييت ـ 8 ملايين من الجنيهات!) حتى ان سعد لفظ أشرطة المقاولات واتجه إلى كبار المنتجين ليقدم اسكتشاته الكوميديه المكررة، لكي يأخذ الأجر الملائم، لان منتج المقاولات الذي دشنه في "اللمبي" ـ السبكي ـ لا يدفع مثل هذه الأجور!

وفي العام التالي لـ"اللمبي" ظهر شريط "كلم ماما" لعبلة كامل ومنة شلبي وعدد من الممثلات، ليستثمر نجاح شخصية السيدة السوقية (الست فرنسا) في شريط اللمبي، ومني الشريط بالفشل النقدي والنجاح الجماهيري على ما به من التفاهة!

ولفترة اصبحت عبلة كامل حصان طروادة الذي دخل به منتجو المقاولات الجدد الى رحاب السينما المصرية. لكن هذا الحصان ـ بعد اربعة اشرطة ـ خارت قواه ، لم يعد يضحك أحداً؟ كل ما هنالك ان اسم عبلة كامل الذي راهن عليه النقاد في مطلع الثمانينات ـ بتقديم يوسف شاهين له عبر شريط "وداعاً بونابرت" ـ انهار فنياً، وبعد ان كان مرشحا لأعظم الادوار صار علامة على السوقية المفرطة لتصبح عبلة اولى ضحايا سينما المقاولات الجديدة!

وهذه السينما العائدة أفرزت في الموسمين الأخيرين اشرطة من طراز "لخمة رأس" لسعد الصغير وأحمد رزق و"العيال هربت" لميرنا المهندس وحماده هلال، و"قصة الحي الشعبي" لنيكول سابا وطلعت زكريا و"عليا الطرب بالثلاثة" للراقصة دينا ومحمد عطية وسعد الصغير، والشريط الاخير اقترن بالتحرشات الجنسية التي ألهبت شوارع القاهرة في وسط البلد ليلة عيد الفطر الفائت، وأخيراً شريط "أيظن؟" لحميد الشاعري وميّ عز الدين، النجمة الصاعدة بسرعة ملحوظة والتي كان يعرض لها شريط "خيانة مشروعة" ـ إخراج خالد يوسف وبطولة سمية الخشاب وهاني سلامة ـ في ذات التوقيت الذي عرض فيه شريط (أيظن؟) فأشاد النقاد بـ"خيانة مشروعة" الذي تكلف 7 ملايين من الجنيهات ولعنوا "أيظن" الذي تكلف مليوناً واحداً، فأعلنت ميّ ندمها على هذا الشريط وتعهدت بألا تعود لاقتراف مثل هذه الأشرطة او كذلك شريط "بالعربي سندريلا" لمغنية الإغراء الشهيرة بوسي سمير الذي لم يحقق نجاحاً تجارياً يذكر!

تواتر مثل هذه الأشرطة على شاشة السينما المصرية، يؤكد عودة موجه المقاولات، فليس من قبيل المصادفة عرض أربعة منها في أقل من عام واحد، وعرض 12 شريطاً منها 4 سنوات!

المعادلة تتكرر

وبنفس المعادلة التي أنتج بها "المقاولون" والحرفيون أشرطة المقاولات في الماضي، أنتج "القصابون" وأشباههم اشرطة المقاولات في السنين الأخيرة!انهم هنا يقدمون بضاعة زهيدة الثمن، ويراهنون على انها مهما تدنت مكاسبها فسوف تغطي تكلفة إنتاجها ويفيض منها مكسب يكفل للمنتج الربحية والاستمرار!

وعلى سبيل المثال فإن "أيظن؟" تكلف مليوناً واحداً. وعلى الرغم من أنه لم يحقق النجاح التجاري المتوقع، إلا انه جلب للسبكي اربعة ملايين ونصف المليون من الجنيهات! و"قصة الحي الشعبي" تكلف 900 ألف جنيه فقط، وبرغم فشله الواضح حقق مليونين من الجنيهات للمنتج! انها معادلة مضمونه المكسب في النهاية، لذا يقبل عليها بعض المنتجين بقلب مطمئن!

هذا هو الشق التجاري ـ المالي لمعادلة سينما المقاولات الجديدة، اما الشق الفني فإنه معدّل بعض الشيء عن نظيره في الثمانينات!

ففي الثمانينات كانت سينما المقاولات تعتمد على اسماء خافته لم تحقق نجاحاً في السينما الجادة، اما في القرن الواحد والعشرين فكل شيء يجوز. فنيكول سابا التي دشنها عادل امام ممثلة في شريطه "التجربة الدنماركية" ـ 2003 ـ هي ذاتها بطلة "قصة الحي الشعبي"، ومي عز الدين بطلة الاشرطة المتميزة هي ذاتها بطلة "أيظن؟"، وعبلة كامل ـ بل منه شلبي بطلة شريط يوسف شاهين الجديد! ـ هما بطلتا "كلم ماما"!

الراقصة والمغني

وثمة جزء أخير ـ ومهم ـ في المعادلة الفنية لاشرطة المقاولات التي عاودت الظهور في ثياب جديدة. فإذا كانت السينما المصرية ذات الانتاج الضخم موزعة بين اتجاهين ـ إما السياسة والكلام في المحظور، أو السينما النظيفة التي تعتمد على استبعاد القبلات والاحضان والمايوهات ـ فإن سينما المقاولات الجديدة تعتمد على ما هو أبعد من هذا!

الادوات التي تعتمد عليها سينما المقاولات أولها تحويل الممثلات الى راقصات شرفيات محترفات (نيكول سابا رقصت 3 رقصات في "قصة الحي الشعبي"... كما رقصت مي عز الدين رقصة شهيرة ومثيرة في "أيظن"؟...).

والرقص الشرقي هنا لا يحقق فقط التعويض للسينما النظيفة، بل انه كذلك يقترن بأغان شعبية حققت رواجاً ملموساً، فلا يكتمل شريط المقاولات من دون المغني الشعبي الذي تتحرك الممثلة ـ الراقصة على كلمات أغنيته الهابطة. فنيكول ترقص مع سعد الصغير على أغنية "الحنطور" ومي ترقص مع عماد بعرور "تعالى بالليل وانا اوريك الويل" ودينا ترقص مع سعد الصغير على اغنية "العنب"!

فأشرطة المقاولات تعتمد فنياً على كوكتيل من الضحك والرقص الشرقي ـ المتعري ـ المصحوبين بأغنيات يتعجب المرء من كيفية تمرير الرقابة لكلماتها الهابطة! ومن دون هذا الكوكتيل ـ الذي يتكلف تكلفة محدودة ويتم تصويره في أيام معدودة ـ لا يكتمل شريط المقاولات، الذي يعتمد بالاساس على جمهور من الحرفيين أو المراهقين تحت 21 عاماً!

عوامل مساعدة

اذا كان عصر الفيديو هو الذي فرض شروطه الموضوعية لتزدهر سينما المقاولات، فإن آليات السوق الحالية أسهمت بشروط مختلفة في ازدهار سينما المقاولات في موجتها الثانية!

الآن نحن في "عصر الفضائيات"... ثمة "بالوعة" كبيرة لا تشبع اسمها القنوات الفضائية، تعرض الاشرطة السينمائية من دون توقف وتعرض الكليبات طوال الساعات الأربع والعشرين، لذا فإن منتجي المقاولات، حتى إذا خسروا تجارياً ـ وهو احتمال مستحيل ـ فإنهم سيعوضون تلك الخسارة عبر البيع الحصري وغير الحصري للفضائيات العربية والمصرية الخاصة. وهم يبيعون الشريط بالقطعة. الكليبات تباع لقنوات الكليبات، ويتم هذا عادة قبل طرح الشريط في دور العرض، بهدف استغلال الكليبات للترويج التجاري للشريط قبل عرضه؛ والشريط نفسه يباع إلى قنوات السينما بعد انتهاء عرضه في الصالات، وانتهاء تسويقه على أشرطة الفيديو والاقراص المدمجة. وثمة آلية ناشئة أسهمت في ازدهار هذه الموجه، هي انتشار دور العرض السينمائي في دول الخليج العربي، وهو أمر لم يكن متاحاً خلال عقد الثمانينات، وهذه الاشرطة تعرض في "مجمعات الشاشات" في الخليج لتحقق للموزعين في مصر ارباحاً خيالية!

وهكذا اكتملت "شروط السوق" التي ساعدت أشرطة المقاولات على العودة الى الساحة.. فضلاً عما يشير إليه بعض النقاد والمهتمين بالسينما في مصر، من ان هذه الاشرطة تلقى "رواجاً نفسياً" ملحوظاً من الجمهور. المحبط بالأساس من الظرف الاقتصادي والسياسي الملم بالمنطقة كلها، انه يغسل همومه الثقال بهذه الاشرطة التي تقدم له الحياة كضحكة ورقصة ونزوة عابرة وحلم لذيذ.. لاعناء فيه على الإطلاق!

هل تستمر؟

سؤال فرض نفسه وبإلحاح على النقاد والمنتجين: هل سيستمر هذا النمط من الانتاج السينمائي؟ أم أن الانتاج الضخم سيتغلب في النهاية؟

جدل كبير أثير على خلفية الاجابة عن هذا السؤال الذي لم يحسم بعد, غير ان المؤشرات الاولية تؤكد ان أشرطة المقاولات ستستمر ولو إلى حين...!

فقدرة الانتاج المصري على إنجاز أشرطة تتكلف عشرات الملايين هي قدرة محدودة، لا يمكن أن تفرز أكثر من شريطين أو ثلاثة ـ كأقصى تقدير ـ في كل عام. اما أشرطة المقاولات فمن السهل أن يطرح منها 15 شريطاً على الاقل في كل عام!

وبين نمطي الانتاج المتناقضين كل التناقض، يظهر نمط ثالث مرشحاً للبقاء على الدوام، وهو الانتاج المتوسط، الذي يتكلف فيه الشريط عشرة ملايين على الاكثر.

ونظرة عابرة لانتاج السينما المصرية في العام الغابر 2006 تؤكد بقاء هذا النمط المتوسط الذي يطلق عليه المنتجون اسم "الاشرطة العادية" من دون تهديد... السينما المصرية انتجت في 2006 على وجه التحديد 31 شريطاً، منها اثنان فقط من نمط الانتاج الضخم و5 اشرطة مقاولات و24 شريطاً من النوع "العادي"! والانماط الثلاثة حققت نجاحات تجارية، ما يعني امكانية تجاورها الامن في السوق لفترة قادمة!

واذا كانت السلعة السينمائية مرهونة الرواج بمدى الاحتياج اليها، فان انماط الانتاج الثلاثة تجد من يحتاج اليها بين اوساط الجمهور المصري والعربي بنفس القدر، وبتساو واضح!

لكن المثقفين ومحبي السينما يخشون من ان ينخر السوس جذع الشجرة مجدداً، لان سينما المقاولات مغرية حقاً.. كونها النمط الاسهل والاقل تكلفة والاعلى ربحية، كذلك يخشون من ان يحمل بقاؤها تحولاً في الذائقة الفنية المصرية التي شهدت تحسناً صحياً ملموساً في السنين الماضية وانصرافاً واضحاً عن الاسفاف!

وهكذا تبدو عودة أشرطة المقاولات واضحة ملموسة لا شك فيها، وتبدو مخاطرها جسيمة وحقيقية، ومرشحة للتصاعد.. وتفتح ملف السينما المصرية على احتمالات مجهولة يخشاها كل من يحب هذه السينما ويخشى من عودتها الى الوراء..!

المستقبل اللبنانية في 18 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك