سينماتك

 

أبناء الرجال.. بلا رجال

الفيلم المرثية فى عالمنا المعاصر

رمضان سليم

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

هناك أكثر من فيلم سينمائى ينتمى إلى نوعية الخيال العلمى أو أفلام الحركة المتخيلة ويتطرق إلى الدمار الذى يمكن أن يصيب الأرض والهلاك الذى يؤدى بالإنسانية إلى الاندثار فلا يبقى إلا الرجل الأخير على الأرض "أوميغا مان" أو توشك الكوارث على تخريب الحياة كما فى فيلم "فى المواجهة" المهم أن المخاوف من تدمير الكرة الأرضية أو انقراض الإنسان يبقى من الهواجس التى تسيطر على خيال أصحاب قصص الخيال العلمي.

تقارير ووقائع

هناك بعض التقارير العلمية الواقعية التى قد تشير إلى ملامح معينة محدودة النتائج يستخدمها العلماء فى حدود ضيقة لكنها تشكل بداية تعتمد عليها أفلام الخيال العلمى ومن ذلك ما نشر فى إحدى الجامعات بالدنمارك من أن الخصوبة البشرية والقدرة على الإنجاب قد تراجعت فى العقود الأخيرة وبنسب تصل إلى 20 ٪ مقارنة بالعقود السابقة وهذا يعنى أن العقم يهدد البشرية بحيث تصبح مسألة إنجاب طفل من الظواهر التى يفرح لها أهل الأرض، هذه الفكرة التقطها فيلم "أبناء الرجال" اعتمادا على رواية بنفس الاسم للكاتبة البريطانية فيليس دورثى جيمس التى قدمت أول أعمالها عام 1962 بعنوان تغطية الوجه كما نقلت روايات لها إلى التلفزيون، ولكن سينمائيا لم تقتبس لها أية رواية سابقة وكان هذا الفيلم "أبناء الرجال" 2006 وهو أول اقتباس عن رواية خيال علمى للكاتبة بعد سلسلة من الروايات البوليسية الغريبة من كتابات أغاثا كريستى وبشخصية مفتش سرى اسمه آدم. تقع أحداث الفيلم فى المستقبل عام 2027 والمكان هو بريطانيا باعتبارها آخر معاقل أوروبا بعد أن دب الدمار والخراب فى باقى أرجاء العالم. ولكن بسبب العقم البشرى وانعدام الخصوصية فقد عاش العالم دون إنجاب لمدة 18 سنة ويتوقع أن تكون نهاية الإنسان محتملة إذا استمرت الأحوال على ما هى عليه.

يظهر الشريط بشكل موسع الفوضى التى تصاحب الأحداث ويلتقط مشاهد مرئية كأنها مستوردة من القنوات المرئية الحديثة، فهناك حالة هيجان عامة وطوارئ تصاحب تهجير الأجانب بشكل عشوائى بعد أن يتم جمعهم فى أقفاص كبيرة تمتد على طول الطرقات، كما أن الانفجارات تتوالى دون هدف محدد، والنساء يصرخن فى الشوارع على مصابهن، ورجال البوليس يندفعون إلى داخل البيوت فكأن المشهد قد استل من أحداث العراق المعاصرة أو غيرها من المناطق الساخنة فى العالم.

رجل وامرأة

وهنا تظهر خلفية الفيلم وكأنها مشهدية مقصودة لذاتها، فأحداث القصة لا تشد الانتباه كثيرا بعكس مشاهد الخلفية التى تبدو وكأنها الأصل فى الفيلم، بحيث يمكنها أن تسيطر على المشاهدين رغم أن أغراضها وأهدافها غير واضحة. لكن يمكن القول بأن العصابات المنظمة هى التى تقود هذه الأحداث الدموية من باب رفض قوانين التهجير ومحاربتها، بالإضافة إلى وجود عصابات أخرى منظمة تصارع الدولة من باب المعارضة المسلحة ومطالب غير واضحة. أما الشخصية الرئيسية فهو المراقب "زان ليبت أو تيو" المسؤول فى وزارة الطاقة ويلعب الدور "الممثل كليف أوين" ومهمته المساعدة فى تطبيق القانون ، لكنه يدخل فى قصة أخرى عندما تختطفه جماعة سرية مسلحة تقودها رفيقته السابقة "جوليان" وتلعب هذا الدور الممثلة جوليان مور، التى تطلب منه القيام بمهمة خاصة، فحواها الوصول إلى امرأة زنجية اسمها ريكى وهى ممن تسعى الدولة إلى تهجيرهم إلى بلادهم الأصلية.

لا يوجد أطفال على الساحة، والعقم أصاب الرجال جميعا، والأطفال كانوا يموتون تباعا فى سنوات سابقة، ومن بينهم طفل لـ"تيو" ورفيقته السابقة جوليان إلى جانب ذلك كله هناك عصابات للمعارضة تسعى أحيانا لقتل أى طفل يولد نتيجة ظروف معينة، ويبدو أن الطفل الأسود الجديد سيكون هو البشير للمستقبل العالمي، لذلك هناك محاولة لخطف أمه وهى فى شهرها الثامن ونقله إلى أمريكا، باعتبارها المكان الأكثر ضمانا للحفاظ على مستقبل البشرية أو لأغراض لا يوضح الفيلم اسرارها.

فى انتظار المنقذ

يبدو ابن "كي" المنتظر وكأنه المنقذ فى عالم مضطرب فيه من اضطرابات العالم المعاصر الكثير، وكما أشرنا فإن الصورة التلفزية هى الحاضرة فى هذا الفيلم، حيث الفضاء الخارجى هو المؤثر الذى يحبس أنفاس المتفرج بصرف النظر عن القصة الدرامية نفسها والتى يطالها بعض الارتباك والتشويش.

إن سينما اليوم هى سينما الأجواء العامة، حيث يبدو المحيط الخارجى الذى يلف الفيلم أهم من القصة نفسها، وأهم من الموضوع الذى لا يصمد أمام المنطق الخارجى أو الداخلي. لا نفهم لماذا كل هذه التنظيمات والعصابات؟ ولماذا التشاحن والخروج عن النظام؟ وما هو الهدف النهائي؟ ولماذا يحاول بعض الأفراد دعم فكرة القضاء على مستقبل للبشرية، متمثلا فى وجود طفل أو حالة هدوء واستقرار؟

ويترك الفيلم الأسئلة دون إجابات ويكمل قصته فى نفس الأجواء التى تحبس الأنفاس، وفى بعض الأحيان يشعر المشاهد بأنه أمام فيلم تسجيلى فيه بعض الغموض على غرار أعمال "كين لوش" أو المخرج "مايك كاين" والفيلم فعلا فيه الكثير من الغموض غير المبرر، غير أن ما يجعل الفيلم تجاريا وناجحا، ليس الموضوع المرتبك بل الحركة التى تصاحب الفيلم من داخل الكادر وخارجه، إن الحركة لا تتوقف نهائيا وأحيانا تتم الاستفادة من المشاهد بدرجة قصوى، ومن ذلك مثلا المشهد الذى تحاول فيه جماعة معينة ثائرة على الدراجات النارية اللحاق بالمرأة الزنجية، حيث يبدو المشهد وكأنه مصور بعشرات الكاميرات.يساعد "تيو" رفيقته ومجموعتها فى العثور على المرأة الحامل وتحيلها بعد مطاردات عنيفة إلى صديقه "جاسبر" وهو شخصية غريبة الأطوار، يعتبر معادلا للعالم المضطرب ، لأنه يعيش فى حالة عدم تركيز، ويستمع إلى أغانى البيتلز وأغان صاخبة تعبر عن مرحلة معينة تعتبر مثالية مقارنة بحالة العالم العشوائية المرتبكة التى يعبر عنها عام 2027، بكل العنف والحالة الإرهابية التى تسيطر عليه، وكأننا أمام سفر القيامة بكل أوجاعه وفقدان الإنسانية العامة فيه لأن كل فرد يبحث عن خلاصه الشخصي.

إن جاسبر "يلعب الدور ببراعة مايكل كاين" والذى يبدو بشعره الطويل وملابسه المزركشة وكأنه الرد الطبيعى على هذا العالم. أما زوجته فهى شبه غائبة عن الوعى طوال الوقت، وعندما يظهران تختفى صورة العنف والاعتقالات المنقولة من المشهد اليومى الواقعى تقريبا من خلال ساحات بيروت والعراق وأفغانستان ومناطق فى آسيا وافريقيا.

شخصيات وملامح

هناك شخصية أخرى يحاول "تيو" أن يستفيد منها لكى ينقل المرأة الحامل إلى الخارج وهو "فيغل" الذى يظهر وكأنه محترف فنون تشكيلية، فهو يعلق لوحة كبيرة لبيكاسو فى المدخل "جرنيكا" ولوحة أخرى لمايكل أنجلو فى الحمام "دافيد" وفى الحقيقة هو أقرب إلى لص اللوحات أو المتاجر بها دون أية مقاربة للحالة التذوقية الفنية والتى تنطبق على المرحلة التى تدور فيها أحداث الشريط فى غياب شبه كامل للفنون الراقية.

هذه التصورات الافتراضية هى مكملات فقط ، أما انعدام الإخصاب البشري، فهو يمثل حالة من حالات التخوف البشرى الذى يرتبط أحيانا بمخاوف أخرى مثل وجود هجوم خارجى على الكرة الأرضية أو الاستخدام غير المسؤول للقنابل النووية أو تعرض الأرض والبشر للدمار الدائم.

ويبقى المنقذ هو النموذج المطروح فى اللحظات الأخيرة.، غير أن هذا الفيلم يجعل المنقذ فيه صبيا أسود نعرف أمه ولا نكاد نعرف له أبا، بل إن الأم نفسها لا تتذكر شيئا عن الأب، وإن كان هناك حديث هامشى على أن لها عشيقا هو ابن عم "تيو" وهو مختف ولا نعرف عنه شيئا.

الأب المفقود

وفى الوقت الذى ينبغى فيه الاهتمام بالأب بسبب عامل الإخصاب المتوفر لديه، يتم التركيز على المولود الجديد والأم، وهذا يعنى أن الأب هو مجرد عامل مشارك وليس له دور كبير فى حل هذه المشكلة التى تهدد البشرية.

وهنا يظهر الميل نحو الاتجاه الأنثوى فى الكتابة، فالكاتبة "فيليس دورتي" تنظر إلى المرأة على أنها هى المنقذة للعالم وهى العالم الأهم وتضع الرجل فى الدرجة الثانية.

هذا بالإضافة إلى زعيمة التنظيم الذى يحاول البحث عن المرأة الزنجية "كي" امرأة أيضا "جوليان" ورغم أنها تموت مبكرا برصاصة من قاتلة، إلا أنها تطرح فى شكل المرأة الشهيدة، المضحية بنفسها فى سبيل هدف نبيل. واعتمادا على التركيبة الأنثوية للفيلم وقبل ذلك للرواية، فإن الشخصية الرئيسية التى يقع على عاتقها إنقاذ المرأة الوحيدة الحامل وهى "تيو" قد بدا بطلا سلبيا، فهو يجرى ويلهث طوال الفيلم ولكنه لا يحمل سلاحا ولا يقوم بالضرب أو المواجهة العملية، بل يفر دائما من خصومه ومن الانفجارات التى حوله، وفى مشهد وحيد نراه يضرب أحد الرجال من المهاجرين والذى بدا أقرب إلى الأفغانى المهاجر، غير أنه يتعثر فى الطريق ويكاد يسقط على الأرض، فهو إذن بطل دون بطولة، وإذا قلنا بأنه شخصية واقعية، فذلك بعيد عن التصور لأن الفيلم بأسره خارج سياق الواقعية.

إن التصور الأنثوى هو المسيطر على الفيلم والمرأة هى التى تنقذ العالم بطفلها، بصرف النظر عن الأب الهامشى المعاقب بفقدان الإخصاب إلا فيما ندر وبشكل مؤقت. لقد ظهرت الزنجية الأم "كي" أقرب إلى مريم العذراء بمنقذها ومنقذ العالم الذى ينتظره الجميع ويحرسونه ويهربون به بعد أن تم توليده من قبل الرجل أيضا "تيو" الذى قام بعمل بطولى بطريقة معاكسة عندما عمل فى مجال التوليد – تأنيث الرجل – بعد أن ظل لفترة طويلة حاميا وحارسا لامرأة حامل تخفى حملها عن الجميع بأغطية لكى لا يتم قتل جنينها. ربما كانت المجموعات الأصولية الإرهابية، بحسب التصور الذى جاء به الفيلم هى السبب فى تدمير المستقبل واغتيال النساء الحوامل وقتل الأطفال، ولكن كل ذلك لا يقوم على تصور منطقى إزاء فقدان الخصوبة التى سيطرت على العالم، والتى ليس لها حل وليس لها سبب مباشر، إلا القول بتلك المشكلات البيئية مثل تلوث العالم أو الإشعاعات والمخلفات التى تفرزها التجارب العلمية كل يوم، مما يترك أثرا سلبيا على الفاعلية البشرية وتراجع نسبة الولادات.

مخرج وممثلون

ورغم أن المخرج ألفونسو كيورون قد قدم جهدا إخراجيا محترفا يتمثل فى خلق أجواء مرعبة طوال الفيلم قادرة على الإيقاع بالجمهور، وهذا يختلف تماما عن فيلمه "الأمانى الكبيرة.. 1998" وفيلمه الشهير هارى بوتر – سجين أزبكان 2005، رغم كل ذلك فإن العمل الأساسى قد قام به طاقم التصوير متمثلا فى مدير التصوير إيمانويل ليوبسكى صاحب فيلم العالم الجديد، وباقى الأفراد من مصورين وفنيى إضاءة وهم جميعا قد قدموا أجواء بصرية فائقة تعتبر هى أساس الفيلم، مقارنة بباقى المؤثرات الصوتية أو فى تقارب لافت للنظر للديكورات الخارجية التى أنقصت من قيمة الحوار وجعلته يتراجع إلى الخلف.

أما بالنسبة للممثلين فقد برز بشكل واضح "مايكل كاين" فى دور "جاسبر" الذى يتجاسر ويتباهى بشكله وأسلوبه وينطلق فى حركته البسيطة وينادى صديقه "تيو" أميغو ويحرس زوجته الهادئة مع تقديم نكات قديمة لا تضحك وسماع أغان بعيدة عن زمنها، وهو فوق ذلك رجل ساخر ومصمم للأفلام الكرتونية ويعيش حالة التقاعد بتكاسل وهزل، والحقيقة أن اختيار هذا الممثل لمثل هذا الدور هو مجازفة محسوبة، فهو من الجيل القديم- أول فيلم له "جحيم فى كوريا 1956" لكنه يمارس مهنة التمثيل بلا توقف ويكسب الأدوار فيلما بعد فيلم. أما جوليان مور فقد مرت سريعا فى الفيلم ولم تلفت الانتباه كثيرا ، لكنها قدمت دورها ببعض الرصانة وجعلته قريبا من الممكن رغم ذلك فإن شكلها لا يتناسب مع الزعامة المفترضة، والدور لا يصل إلى مستوى أدوارها الأخرى مثل قوانين الجاذبية – الساعات – أرض الحرية – اليد التى تهز المهد – نهاية المسألة.. وغير ذلك من الأفلام.

يبقى بطل الشريط وهو بطل سلبى كما قلنا، يتميز بأنه إنجليزى يتناسب مع الدور دراميا لكنه يظل ذلك الممثل الجامد التعبير الذى لا يلون فى الأداء، بل يحرص على أن يكون كما هو مستفيدا من صوته بالدرجة الأولى ومتماسكا إلى النهاية فى إيقاع واحد، إنه الممثل كليف أوين الذى اشتهر ببعض الأدوار مثل الملك آرثر – الاقتراب – رجل الداخل – وهو هنا يكسب تجارب جديدة ولكن فى حدود ضيقة، حيث نراه يفتقد الجاذبية اللازمة للاقتراب من الجمهور، وخصوصا وأن الفيلم لم يهتم كثيرا بصناعة تركيبة ثنائية ملائمة بين البطل والبطلة، وهو أمر له أهمية خاصة فى نجاح أى فيلم.

العرب أنلاين في 16 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك