سينماتك

 

المهرجانات السينمائية.. تكريس الجوائز بديلاً عن الإبداع

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

ثمة ظاهرة ملازمة للإبداع الفني والأدبي في مختلف مجالاته انتشرت في العالم بخاصة منذ القرن العشرين وما تزال تتعاظم، ألا وهي منح الجوائز السنوية لأفضل الأعمال المنتجة خلال العام. هناك جوائز محلية وأخرى عالمية، جوائز تمنح في مهرجانات (معارض دولية أو محلية للكتب، مهرجانات مسرحية، مهرجانات للموسيقى أو الأغاني، بيناليات للفن التشكيلي ومهرجانات سينمائية)، وأخرى من قبل هيئات مشكلة خصيصا لهذا الغرض ومنها على سبيل المثال جائزة نوبل للآداب. وتشترك جميع هذه الجوائز في أنها جزء من صناعة الترويج للمنتج الأدبي أو الفني بوصفه سلعة، على الرغم من أن معظمها يدعي أن الهدف منها ثقافي محض.

في كل الأحوال تتسبب الجوائز في شهرة المنتج الإبداعي الحاصل عليها وتمنحه أهمية خاصة وقيمة ما كان يمكن أن يلتفت إليها أحد لولا الجائزة. لكن، وبالعلاقة مع الجوائز التي تمنح لمختلف أنواع الإنتاج الفني أو الأدبي، فما من جائزة ترقى في أهميتها وتأثيرها الاجتماعي والثقافي والنفسي، وبالتالي في مردودها المالي بما يجعلها جزءا من آلية الصناعة الخاصة بالنوع والتي تساهم في دوران عجلة الإنتاج على نحو متواصل مضطرد، الى مستوى مردود الجوائز السينمائية بالذات، وما من جائزة استبقت عصر العولمة ومهدت له وساهمت فيه، كما الجوائز السينمائية، وما من جائزة تدوي أصداؤها وتشع أضواؤها وتبرق كما الجوائز السينمائية، وما من جائزة مشكوك في مصداقيتها ويختلف حولها البشر، ومع ذلك يظل تأثيرها قويا، كما الجائزة التي يمكن أن يحصل عليها فيلم ما.

المهرجانات العالمية التي تقام في مختلف أرجاء العالم و التي تمنح الجوائز السينمائية لمختلف الأنواع الفيلمية أكثر من أن تحصى، بل يمكن القول إنه لو أراد ناقد ما أن يشارك في القسم الأعظم من المهرجانات لظل في ترحال على مدار العام ولما دخل منزله أبدا. أخطر ما في الجوائز السينمائية أنها صارت أصناما. هذا على الرغم من أنه بات معروفا للجميع أن الجوائز التي تمنحها المهرجانات سواء منها التي ترفع شعارات ثقافية أو تلك التي تهدف صراحة لخدمة الترفيه والتجارة، ليست بريئة وليس حيادية او موضوعية. هناك جوائز تمنح لإرضاء الخواطر وهناك جوائز تمنح لأسباب سياسية وأخرى لأسباب تجارية تسويقية... إلخ.

ومع ان الجوائز تمنح في العادة من قبل لجان تحكيم متنوعي المشارب، إلا ان القرار النهائي ورغم كل ما يقال عن نزاهة أعضاء لجان التحكيم، يبقى خاضعا لتأثيرات كثيرة ومحكوما بتوازنات متعددة وبتوجهات غير معلنة من قبل إدارات المهرجانات بحيث تضمن هذه الإدارات النتيجة المرجوة مسبقا من خلال عملية اختيار أعضاء اللجان بما يضمن لها نتيجة إيجابية بواسطة ضمان أغلبية الأصوات. لهذا السبب مثلا، دخلت المهرجانات السينمائية في خضم صراعات الحرب الباردة بين الدول الرأسمالية والدول الاشتراكية، فميزت مهرجانات الدول الاشتراكية السينمائية نفسها عن المهرجانات الرأسمالية برفضها مبدأ المسابقة وبالتالي الجوائز الناجمة عنها، ولهذا السبب ذاته، وقبل نحو ثلاثين عاما وبالتزامن مع انتشار الحركات اليسارية الشبابية في العالم، دخلت السينما حلبة الصراع بين قوى اليمين وقوى اليسار في العالم، بحيث صار السينمائيون اليساريون، وبخاصة منهم سينمائيو العالم الثالث، يطالبون بمهرجانات سينمائية من دون مسابقات ولا جوائز.

هكذا اكتسب مهرجان صغير في إيطاليا في فترة السبعينيات من القرن العشرين، هو مهرجان بيزارو والذي كان يرفع شعار: من أجل سينما جديدة شهرة عالمية، وصار محط اهتمام ودعم السينمائيين الشباب، وذلك لأنه كان مهرجانا بلا جوائز (وبالمناسبة، فالمهرجان ما يزال مستمرا منذ ذلك الحين، لكن صداه لم يعد كما في السابق، لأن الحاجة للجوائز فرضت نفسها على الجميع، ولأن الغلبة كانت في نهاية المطاف لصالح المهرجانات التي تمنح الجوائز). في كل مرة يقام فيها مهرجان سينمائي دولي ما، وبخاصة عندما يكون مهرجانا كبيرا مثل مهرجان كان او مهرجان فينيسيا أو برلين، أو عندما يقترب أوان الإعلان عن جوائز الأوسكار التي تمنحها الأكاديمية الأميركية (والأوسكار مسابقة من دون مهرجان)، يتسابق النقاد والصحفيون المتابعون للسينما لإعلان توقعاتهم بشأن الأفلام التي ستفوز.

وفي معظم الأحيان تأتي الجوائز مخيبة للتوقعات لأن حسابات التحكيم غير حسابات الصحفيين والنقاد، أو حتى السينمائيين المشاركين في المسابقة، ولا تكون التوقعات أقرب إلى النجاح إلا عندما تأتي من قبل أصحاب الخبرة والمراس في المهرجانات السينمائية و لجان تحكيمها وجوائزها.

عندما شارفت دورة مهرجان كان السينمائي الأخيرة على الانتهاء، كانت أغلبية النقاد والصحفيين السينمائيين المشاركين في المهرجان، عربا كانوا أم غير عرب، يبدون إعجابا فائقا بالفيلم الفلسطيني/ الفرنسي المشترك يد إلهية ويعدّونه الأفضل من بين الأفلام المعروضة في المهرجان، ويؤكدون أحقيته بالفوز بالجائزة الذهبية. غير ان الفيلم لم يفز بالجائزة الذهبية بل بجائزة ترضية (على أهميتها) هي جائزة لجنة التحكيم الخاصة. كنت خلال فترة انعقاد المهرجان أتابع ما يكتبه الزملاء المشاركين عن الأفلام المعروضة، وقد فوجئت ذات يوم بمقال لناقد سينمائي عربي قدير، يسير عكس التيار فلا يتنبأ بالجائزة الكبرى للفيلم الفلسطيني، بل يتوقعها بثقة لفيلم آخر.

وقد تبين بعد إعلان الجوائز انه كان محقا في توقعه، لأن الفيلم الذي اختاره نال الجائزة الكبرى، هذا مع ان غيره من النقاد رأوا أن الفيلم الفائز لا يستحق الفوز، فهو فيلم سينمائي عادي لا يتميز بإبداع خاص، وعزوا سبب فوزه لتأثير الحركة الصهيونية العالمية على قرار المهرجان، ولكون الفيلم يطرح موضوع اضطهاد اليهود من قبل النازيين، أي انه يعتمد على الموضوع المفضل للسينما الداعمة للصهيونية، ولكون المخرج من أصول يهودية.

أما الناقد الذي توقع فوز الفيلم فقد كان معجبا به، ولكن توقعه فوز هذه الفيلم بالذات لم يكن بسبب إعجابه بالفيلم فقط، بل على الأغلب، لكون هذا الناقد من أكثر النقاد العرب خبرة في المهرجانات السينمائية ومن أكثرهم ارتباطا بعلاقات مع السينمائيين ومع مديري المهرجانات، كما إن له تجربة كبيرة كعضو لجنة تحكيم في العديد من المهرجانات، وهو بالتالي يعرف المهرجانات وما يدور في كواليسها وما تتطلبه من إقامة التوازنات الضرورية.

ومن هذه التوازنات ما حصل في مهرجان كان الذي تورط فقبل، داخل المسابقة الرسمية، بمشاركة فيلم لمخرج فلسطيني يطرح القضية الفلسطينية بذكاء وبفنية عالية وتم تمويله من قبل فرنسا وعدّه المتابعون الفيلم الأكثر استحقاقا للفوز بالجائزة الكبرى، فكان لا بد، من الناحية السياسية وليس الفنية، من تقديم بديل يرضي الطرف السياسي المقابل. تصح هذه الملاحظات أيضا على جائزة الأوسكار الجائزة الأشهر في العالم والتي تمنح دونما حاجة لإقامة مهرجان خاص لأنها مدعومة بقوة هيمنتها على السوق السينمائي محليا وعالميا.

وهذا على الرغم من ان الجائزة مخصصة تحديدا للسينما الأميركية، فالسينما الأميركية ليست كلاً متماسكا وهي لا تخلو من التناقضات.

الأفلام التي تفوز بجوائز المهرجانات هي، بطبيعة الحال، الأفلام التي تسلط عليها الأضواء والتي تحظى بالقدر الأكبر من اهتمام النقاد والصحفيين.

وبالطبع فإن بعض هذه الأفلام الفائزة قد يستحق الجائزة عن جدارة، ولكنها استثناء وليس قاعدة. بالمقابل، يتم تجاهل، إما جزئيا او كليا، أفلام أخرى أكثر قيمة من الناحية الفنية الإبداعية غير أنها، مثل فقراء الناس، تنتمي إلى الأفلام الأقل حظاً في مجتمع المهرجانات السينمائية فلا تحضي بالرعاية المناسبة من قبل النقاد والصحفيين ووسائل الإعلام عموما، ناهيك عن الإقبال الجماهيري عندما تتاح لها فرصة العرض العام. المهرجانات السينمائية والجوائز التي تمنحها تظل ضرورية لصناعة السينما، بل هي جزء أساسي من بنيتها.

وهذا هو الجانب المشرق منها. أما الجانب المظلم او السلبي منها، على المدى البعيد، فهو التجهيل الثقافي المرتبط بتكريس الأفلام الأقل إبداعا فنيا والأقل قيمة فكريا والأقل مصداقية في علاقتها بالواقع والأقل إنسانية من حيث مضمونها العام وتتويجها ملكة على عرش السينما، وبالتالي، تشكيل الأذواق وفقا لها.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 16 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك