سينماتك

 

أفلام مهرجان «فجر» طغت عليها مواضيع ادمان المخدرات والغربة والمشاكل التربوية...

السينما الإيرانية مبدعة في الخارج ... ضعيفة في الداخل

طهران – ندى الأزهري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

يراود المرء فضول لمعرفة نوعية الأفلام الإيرانية «الأخرى»، تلك التي لا نراها في الغرب، والتي لا تحضر المهرجانات الدولية. هل هي تجارية تتشابه في موضوعاتها وأسلوبها مع بقية الأفلام التي تعبر الشاشات من دون أثر يذكر؟ أم أنها فنية في معظمها، مصنوعة بحرفية بيد أنها لا تجتذب المشاهد الغربي أو لا تهمه لأنها محلية في توجهاتها؟

يتيح مهرجان فجر الدولي في طهران إشباع هذا الفضول. مسابقتان، من ضمن خمس مسابقات للأفلام الروائية ينظمها المهرجان، يمكن من خلالهما الاطلاع على مشهد عام لهذه السينما: واحدة للأفلام الإيرانية، وثانية للعمل الأول لمخرجين إيرانيين.

في دورته الخامسة والعشرين التي انتهت قبل أيام، عرض المهرجان السينمائي الأكبر في ايران فيلماً في مسابقة السينما الإيرانية، و 17 عملاً أولاً. تفاوتت المستويات، وحضرت بعض الأسماء اللامعة عالمياً، مثل دريوش مهرجوي ورخشان بني - اعتماد، وتلك اللامعة محلياً، فيما غابت أسماء أخرى على رغم جاهزية أعمالها انتظاراً، ربما، لمهرجان آخر لعله» كان»!

معظم الأفلام المشاركة أتت مختلفة شكلاً ومضموناً عن تلك التي تعرض خارجاً. مخرجون قادمون من التلفزيون، وأعمال أولى وحيوية سينمائية واضحة، بيد أن المستوى العام كان دون المرجو. عانت أعمال من ضعف السيناريو أو من ضعف الإخراج. وعلى رغم تحلي بعضها بحساسية تصويرية رفيعة، ولقطات فنية جميلة، وبنواة حكائية، فإن الحبكة السينمائية بدت هشة، ولم يتمكن العمل من الذهاب بعيداً فظل يراوح مكانه أو راح يدور في حلقة مفرغة. إنما ثمة أمر يميز هذه السينما المحلية وهو فن القص. فالفيلم مهما بدا ضعيفاً ومتواضعاً في إمكاناته الفنية، و «تلفزيونياً» في إخراجه، فإن «الحكاية» فيه تظل جاذبة على نحو ما، وإن تعسرت في بعض الأحيان وانقطعت أو اشتطت، فإنها تشهد في بعض مراحلها توهجاً، قد ينطفئ سريعاً لكنه كان هنا. كما تتمتع تلك السينما بخصلة أخرى وهي إنسانيتها. بعد فيلم «حافلة الليل» لكيومرث بورأحمد عن الحرب العراقية - الإيرانية، والانتقاد الذي وجهه له ضيوف من مهرجانات دولية، اعترضت ناقدة إيرانية تعمل في الغرب والشرق، على الطريقة التي يتناول فيها بعض النقاد الغربيين السينما الشرقية «لا يرون إلا التقنية! ثمة أعمال منجزة بحرفية لا عيب فيها، لكن لا روح فيها كذلك..».

هذه الروح هي ما يميز الأعمال التي تأتي من بلدان الأطراف. ثمة حياة وأناس يعيشون، يعانون ويفرحون، هناك حساسية إنسانية، وشخصيات ذات عمق إنساني وحرارة نجدها في هذه النوعية من الأفلام ونفتقدها في السينما الغربية.

هذه الحرارة الإنسانية، تجسدت أيضاً في فيلم «الشجرات المعزولة» لسعيد ابراهيمي فر، والذي استغرق إنجازه ست سنوات، أنجز خلالها أفلاماً أخرى فهو فيلمه الرابع. بدأ الفيلم بداية موفقة ثم انحرف وأصبحت الحكاية حكايتين في تطويل ممل. لكنه تطرق في البداية إلى قضية الغربة من خلال عودة ابن شاب لزيارة والده وأخته. فبعد كل سنوات الغياب، رجع لأيام معدودة، أخذ يقضيها، ليس في رؤية الناس والحوار معهم، بل في محاولته تصوير دقائق حياتهم وملاحقتهم في كل تحركاتهم ليري كل ذلك إلى زوجته الفرنسية وأطفاله الذين امتنعوا عن القدوم معه. ثمة لقطات إنسانية (موقف الجد من ملاحقته المستمرة بعدسة ابنه) وفنية في الفيلم كانت لتجعل منه ناجحاً لولا انحرافه نحو قضية أخرى وهي موت الأب ومحاولات الأسرة لدى جمعية الفنانين أخذ الاعتراف به كشاعر!

تعرية الواقع

تنوعت المواضيع التي تطرقت إليها الأفلام الإيرانية المشاركة. وإن كانت السينما انعكاساً للواقع وتعرية له في بلد ما، فإن أكثر ما عولج هنا كان إدمان المخدرات، الغربة، المشاكل التربوية «القفل» لغلام رضا رمضاني، الإعاقة الجسدية والعقلية التي ظهرت في عملين بسيطين يقاربان الأعمال التلفزيونية في أسلوبهما وبعدهما عن البحث الفني («الطفل الأبدي» لبوران در خشنده، و «رجل الشاربين» لجواد اردكاني). وبالطبع كانت الحرب العراقية - الإيرانية، التي تسببت في فناء مليونين وفي إعاقة الآلاف، حاضرة إما بأحداثها - «حافلة الليل» - أو في ذكرياتها - «تعويض السكوت» - لمازيار ميري عن الشهداء الذين يلقون بظلهم على حياة البعض ولاسيما هؤلاء الذين شهدوا موتهم.

أما مشكلة المخدرات فقد تطرق لها المخرجان دريوش مهرجوي ورخشان بني اعتماد. «خنبازي» الفيلم التاسع لرخشان بنى اعتماد بمشاركة محسن عبدالوهاب، يتطرق إلى إدمان الشابة سارة ومحاولات والدتها تخليصها من هذا الإدمان قبل عودة خطيبها، الطالب في تورنتو، لتحضير إجراءات الزواج. بني اعتماد صاحبة الفيلم الإيراني الأشهر «نرجس 1991»، أنجزت أيضا عدداً من الأفلام الوثائقية التي ركزت فيها على الأمراض الاجتماعية التي رافقت التمدين السريع. يبدو ان عملها هذا جاء مسطحاً رتيباً تكررت فيه المشاهد من دون معالجة معمقة ولكن ميّزته عدسة محمود كالاري المحترفة. أما فيلم مهرجوي «سنتوري» والمقصود به العازف على آلة السنتور، فهو عن «علي» العازف والمغني الشهير الذي سقط في الإدمان، وبعد تخلي حبيبته عنه انغمس في حياة هامشية مع المشردين.. وقد أتت النتيجة أقل مما هو متوقع من مخرج معلم كان فيلمه «البقرة» (1969) المؤسس للسينما الإيرانية. حيث غلب الطابع الميلودرامي على الأحداث كما عانى الفيلم من التطويل، ولكن لن ننسى هنا الإشارة إلى الأداء المميز للممثل بهرام رادان.

ثمة فيلم ثالث استقطب الاهتمام إضافة إلى هذين العملين، بالنظر إلى الأسماء الكبيرة التي أنجزته وهو «فرش إيراني». 15 مخرجاً إيرانياً شاركوا في إنجاز هذا الفيلم المشترك عن السجادة الفارسية، وخصصت سبع دقائق لكل منهم، وشارك فيه عباس كياروستامي، جعفر بناهي، مجيد مجيدي، مهرجوي، بني اعتماد، خسرو سينائي وكمال تبريزي... واختار كل منهم طريقته في التعبير عن «شجرة الحياة» تلك ورموزها التي تحكي حكايات ألف ليلة وليلة..

مسك الختام

كانت الأفلام غير المبرمجة في المهرجان أو تلك المنتهية في اللحظات الأخيرة، تتداول في الأروقة على أشرطة فيديو أو DVD، فمع تواجد العديد من مديري المهرجانات الدولية، كانت هذه فرصة لبعض الموزعين. وهكذا تسنت لنا مشاهدة الفيلم الثاني لمانيا أكبري بطلة فيلم كياروستامي «تن» والذي انتهت منه للتو. أطلقت أكبري على فيلمها الوثائقي هذا اسم «عشرة زائد أربعة» لأنها حققته بعد أربع سنوات من قيامها ببطولة فيلم كياروستامي. وتحكي فيه تجربتها مع المرض الخبيث وعلاقة المحيط بها وتحول نظرة الآخرين إليها بسبب مرضها وتجري وهي تقود سيارتها حوارات عفوية مع شخص آخر: ابنها، أختها، صديقاتها. وحين يمنعها تقدم المرض من القيادة تنتقل العدسة إلى المقعد الخلفي. الأمكنة كلها مغلقة، والخارج يعبر سريعاً والعدسة تلاحقها في أمكنتها الداخلية دائماً. فيلم قاس ومؤثر من دون أن يغرق في الانفعال، يعج باللمحات الإنسانية التي التقطتها إنسانة حساسة حولها المرض وجعلها تنظر إلى الحياة من منظار جديد. تظهر في جميع حالاتها وتبدو على طبيعتها العفوية قوية تارة وضعيفة تارة أخرى.. ومن خلال قصتها تظهر قصص أخرى وحيوات نساء أخريات يعانين من الضغط الاجتماعي ومن البسيط الممنوع. فيلم يطمح إلى عرض عالمي كما تناهى إلينا.

الحياة اللندنية في 16 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك