سينماتك

 

«ذو برستيج» للإنكليزي كريستوفر نولان تبدأ عروضه اليوم في بيروت

بعض جماليات.. وسلسلة أحقاد تطوّق امرأة

نديم جرجوره

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

تبدأ، بعد ظهر اليوم الخميس، العروض التجارية لفيلم «ذو برستيج» للسينمائي الإنكليزي كريستوفر نولان، في صالات المجمّع السينمائي اللبناني «أمبير»، في «سينما سيتي» (الدورة) و«أمبير أ ب ث» (الأشرفية) و«دون» (فردان) و«إسباس» (جونية) و«غالاكسي» (بولفار كميل شمعون). تمثيل: هيو جاكمان وكريستيان بال ومايكل كاين وسكارليت جوهانسن وريبيكا هال.

اعتمد مترجمو الفيلم الأخير لكريستوفر نولان كلمة «إظهار» رديفاً للعنوان الإنكليزي، الذي يعني، بحسب «مورد» منير البعلبكي: اعتبار، هيبة، مقام، احترام أو نفوذ ناشئان عن تحقيق أعمال عظيمة. فـ«إظهار» تأتي في سياق تفسير «منطقي» للمراحل الثلاث التي تمرّ فيها عملية الألعاب السحرية أمام مرأى الناس، وتحتل المرتبة الثالثة والأهمّ، إذ إنها، بـ«إظهار» خاتمة ما جرى في المرحلتين السابقتين (تقديم كل ما هو عاديّ، وإخفاء هذا العاديّ لإحداث صدمة)، تجعل المشاهدين «يصدّقون» اللعبة، وتدفعهم إلى تصفيق حار، لأنهم استحسنوا عمل الساحر. هنا، يتضح معنى التعبير الإنكليزي: في المرحلة الثالثة، تنكشف أهمية الساحر، الذي يلقى، بفضلها، اعتباراً وهيبةً من الجمهور، ويحظى بمقام واحترام ونفوذ بسبب «أعمال عظيمة» قام بها.

فيلم عاديّ

بعيداً عن الترجمة الحرفية والتعابير المستلّة بها، وهي كلّها منصبّة في اتجاه واحد (أعتمد في هذه المقالة كلمة «إظهار» كعنوان عربي للفيلم)، فإن النتاج الأخير للسينمائي كريستوفر نولان (مواليد لندن، 30 تموز 1971) لم يلبّ حاجة المتلقّي المهتمّ بالسينما إلى متابعة «تعقيداته» البصرية في أفلام، اتّخذت الغموض والالتباس والتداخل بين الواقع والمتخيّل مواد درامية وجمالية وفنية لمساراته الإبداعية، في «تذكار» (تذكِرة: شيء يُذَكِّر أو يُحذِّر) الذي أنجزه في العام ,2000 و«أرق» (2002) تحديداً. ذلك أن «إظهار»، الذي تناول تداخل العلم بألعاب سحرية تبلغ أحياناً مرحلة الخطر الفعلي، ظلّ مرتبكاً في مساره الدرامي، وعادياً في تقديمه أنواعاً عدّة من الصراعات القائمة في داخل الفرد نفسه، وبين الناس العاملين في مجال واحد. وعلى الرغم من أنه يسلّط ضوءاً على الأعوام الأخيرة من القرن التاسع عشر، التي شهدت تطوّراً ملحوظاً في العلوم والتقنيات والاختراعات (تلميحات عدّة لإديسون وسعيه إلى امتلاك ما ابتكره غيره)، فإن «إظهار» ظلّ عملاً سينمائياً عادياً في معالجته الدرامية وفضائه الإنساني واشتغاله الفني، من دون أن يفقد، كلّياً، بعض جمالياته.

إن إجراء مقارنة نقدية بين الفيلمين السابقين لكريستوفر نولان وجديده هذا، من دون تناسي العوالم المختلفة التي ابتكرها في «بداية الرجل الوطواط» (2005)، لن تكون لمصلحة «إظهار». ذلك أن الذين شاهدوا فيلميه هذين «تذكار» (momento) و«أرق» (insomnia)، يُدركون تماماً جماليات الحرفية الإبداعية التي اشتغلها نولان (المخرج والسيناريست والمنتج ومدير التصوير والمولّف) في صوغه تلك العلاقات الملتبسة بين الفرد وذاته، والعوالم الغامضة التي يعاني المرء تداعياتها القاسية في يومياته. في الأول، قدّم السينمائي ملامح من تلك العلاقة المرتبكة بين المرء وذاكرته، صانعاً من الذاكرة والنسيان لعبة بصرية تمزّق بعض الأقنعة النفسية والروحية، من خلال مطاردة رجل فاقد ذاكرته رجلاً آخر قتل زوجته وسرق منه حياته، ولم يعد لديه سوى جسده ليخطّ عليه ملاحظات تعينه على عدم النسيان (تمثيل: غاري بيرس وكاري آن موس وجو بانتوليانو). وفي الثاني، وهو نسخة ثانية للأصل النرويجي الذي أنجزه إيريك سكيولدياريغ في العام ,1997 يتحوّل الأرق إلى مادة لكشف مآزق الذات في علاقاتها وانفعالاتها، في إطار بحث بوليسي عن قاتل فتاة (تمثيل: روبن ويليامز وآل باتشينو وهيلاري سوانك). في الفيلمين، بدا التوليف صانعاً إبداعياً لنصين بصريين جمعا عالمين مختلفين: جريمة القتل التي تُطلق المسار الدرامي للفيلم، والنفس البشرية التي تعاني مآزق وانهيارات سابقة على تورّط المرء في البحث عن الفاعل (مرتكب الجريمة) وعن ذاته في وقت واحد. أما «بداية الرجل الوطواط»، الذي جمع كريستيان بال ومايكل كاين معاً في فيلم واحد، قبل أن يتعاون نولان معهما في جديده الأخير هذا، فلم يخل من سمات متكرّرة للعلاقة المتداخلة بين العامل الخارجي السلبي، والتفاصيل الإنسانية والنفسية والاجتماعية في داخل المرء، من دون التخلّي عن «أسطورة» الرجل الوطواط، ومناخه الغامض الذي يجعل الصورة الفنية غامقة، بألوانها الداكنة وديكوراتها المثيرة لبعض الرعب والدهشة.

تفاصيل

تتمتّع المادة الدرامية لـ«إظهار» بتفاصيل متنوّعة مكتوبة بلغة بصرية لم تتماسك كلّياً في ترجمتها السينمائية. ويحمل الشكل الفني لهذه المادة لحظات جميلة في سردها حكاية الصراع العنيف بين ساحرين، لكنها أخفقت في أكثر من مرحلة، وبدت مرتبكة في قدرتها على الجذب وإثارة التحريض. فبين العلم وعناوينه المختلفة من جهة، والألعاب السحرية من جهة ثانية، عاش المجتمع الإنكليزي عشية القرن العشرين مرحلة خصبة بالتطوّرات المختلفة، التي أراد «إظهار» أن «يُظهر» شيئاً منها، عبر تلك الحكاية التي جمعت ألفرد بوردن (كريستيان بال) بروبرت آنجييه (هيو جاكمان): صداقة لم تستمر، ومنافسة مليئة بالعنف والدم والأكاذيب، وصراع مكشوف على احتمالات مختلفة، وقدرات هائلة على ابتكار الحيل التي بدت، في لحظة ما، وكأنها لن تُقدّم خاتمة للفيلم. وفي سياق هذه العلاقة الحادّة والقاسية، هناك شخصيات لعبت أدواراً مكمّلة لهذا الصراع الثنائي: هناك كاتر (مايكل كاين)، المدرّب ومبتكر الألعاب والرجل الثاني الذي يبقى في كواليس العروض والمناكفات. وهناك أوليفيا (سكارليت جوهانسن)، الفتاة الجميلة التي عاونت روبرت في استعراضاته، قبل أن تنتقل إلى ألفرد وتعيش معه قصّة حبّ أضرّت بزواجه من ساره (ريبيكا هال)، المرأة التي وجدت نفسها معلّقة في مزاجية زوج يعاني خللاً في مشاعره وهوساً بعمله، والمرأة التي أخفقت في مواجهة قدرها هذا، على الرغم من إنجابها ابنة.

علوم متطوّرة، واختراعات تثير حفيظة كثيرين وتحثّهم على «سرقتها»، ومنافسة مليئة بالجشع والحقد والجرائم المتبادلة بين صديقين عدوّين، وتمزّق نفسي واجتماعي، وسلسلة لا تنتهي من الأحقاد والأكاذيب والخدع. مع هذا، فإن «إظهار»، الذي كشف أسراراً عدّة في نهايته تبقى هنا «سرّية» كي لا يفقد القارئ/المُشاهد «متعة» اكتشافها، يرسم لوحة لعصر، ويُقدّم متتاليات مشوّقة في لحظات فنية عدّة.

السفير اللبنانية في 15 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك