سينماتك

 

المخرج استمر 6 سنوات فى كتابة السيناريو

فيلم برستيج: اسأل عن سر النجاح.. ولا تسأل عن سر السحر

أحمد يوسف

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

أعترف للقارئ بأننى ألجأ أحيانا للكتابة عن الأفلام الأجنبية هربا مما يحدث فى السينما المصرية، فالفرجة على أفلامنا أصبحت سببا قويا للاكتئاب لأنها تدل على أننا نعيش حالة من الغيبوبة والانقطاع التام عما يحدث فى العالم، وعلى أن أبجديات الفن السينمائى أصبحت غائبة عن وعينا لأننا نقتصر على المظهر لا الجوهر الحقيقى من هذا الفن، ولأن الكتابة عن أفلامنا باتت تدور فى حلقة شديدة الضيق تجعل الناقد فى معظم الأحوال متهما بأنه يشتم برغم أنه ليس طرفا فى أية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك، بل لأن النقد السينمائى بمعناه التقليدى أصبح ترفا فى سياق يشهد التردى على كل المستويات حتى أن المرء يشك أحيانا فى أن هناك قارئا واحدا يهتم اهتماما حقيقيا بنقد الأفلام، وأخيرا لأن كل ذلك لا يحقق المتعة فى الفرجة أو الكتابة، لذلك قد يكون الهرب إلى السينما الأجنبية حلا، لولا أن مايحدث للسينما المصرية ولنا يشكل هما لا يمكن نسيانه، ففى كل مرة أشاهد فيلما أجنبيا تجتاحنى المرارة عندما تجنح بى المقارنة دون أن أشعر إلى الواقع الذى نعيشه.

مع كل فيلم أجنبى أشاهده تسيطر فكرة رئيسية أشعر أننا نفتقدها بشدة، وخلال مشاهدة فيلم برستيج أدركت أننا لم نعد نعرف معنى كلمة الاحتراف، الذى جعل من مخرجه كريستوفر نولان يعمل فى السيناريو ست سنوات كاملة مع شقيقه جوناثان، وهو الاحتراف الذى أتاح للمخرج حرية الانتقال بين أساليب فنية عديدة فى أفلامه دون أن يصبح أحدها هو الحل الجاهز السهل الذى يلجأ إليه، مثل فيلمه تذكارات الذى يقوم على بناء سردى يتجه بلا توقف عكس الزمن من الحاضر إلى الماضى القريب ثم البعيد، ثم فيلمه التجارى عودة باتمان الذى أحيا أسطورة الرجل الخارق لكى يجعل منه إنسانا عاديا، وهاهو فى برستيج يغوص فى عالم غامض يقف على الحافة الفاصلة بين الواقع والخيال، أو بين الحقيقة والإيهام، ليصور تنافسا داميا بين ساحرين يفترض أنهما عاشا بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهى الفترة التى شهدت مولد فن السينما، الذى كان هو ذاته نوعا من السحر، ليس بمعناه التقليدى الشائع وإنما بتلك القدرة التى تستند على منطق علمى شديد التماسك لكى تجعل المتفرج يغوص فى قاعة العرض فيما يشبه الحلم.

الاحتراف هو الذى يجعل الفنان السينمائى قادرا على تحقيق هذا الحلم، من خلال جهد فائق قد يأتى أحيانا على حساب حياته الشخصية، وأرجو أن تقارن كيف يتم صنع معظم أفلامنا كأنها نزوات عابرة تسنح لأصحابها خلال حفلات أعياد الميلاد والمآدب التى لا يتوقف فنانونا عن حضورها، فلا ندرى متى يجدون الوقت لصنع الأفلام، كما أرجو أن تتأمل تلك الشرائط التى تذيعها القنوات الفضائية ويسمونها ميكنج أوف فتدرك - على عكس قرينتها عند الخواجات - أنها ليست إلا حالة من الهزل والهزار المتواصلين، بما يؤكد أننا نتعامل مع كل أمور حياتنا بخفة واستخفاف، بلا تخطيط أو خطة أو محاسبة للنفس او تساؤل عن الأبجديات التى فقدناها، أو فلتقل: بلا احتراف.

فى كل مشاهد فيلم برستيج رأيت قيمة هذا الاحتراف ومعناه، حتى كاد الفيلم وموضوعه أن يصبحا شيئا واحدا، فالفيلم يحكى حكاية شديدة التعقيد أرجو أن ننجح هنا فى تقديم خطوطها الرئيسية: ساحران شابان يعيشان فى تلك الفترة التى كانت فيها الإنجازات العلمية تقدم ابتكارات شديدة الشبه بالسحر، فقد أصبح ممكنا تسجيل الصورة العابرة على ألواح فيما عرف باسم الفوتوغرافيا، وأصبح من الممكن استعادة الأصوات من خلال الفونوغراف، وانتقلت الإشارات الكهربية من مكان إلى آخر عبر الأسلاك وبدونها، فهل بات قريبا أن ننقل الأشياء والأشخاص بنفس الوسيلة؟! قد يبدو الفيلم عند هذه النقطة أقرب إلى الخيال العلمى لكنه لا يطأ هذه الأرض وإن أوحى بذلك أحيانا، فكل مافيه من الخدع السحرية - مثل فن السينما تماما - ليس إلا نتيجة جهد فائق يقوم على حقائق علمية ومنطقية ومادية.

نحن إذن مع الساحر أنجيير هيو جاكمان ذى الأصل الأرستقراطى الذى فتنه عالم تسلية الجماهير بالخدع، والساحر بوردين كريستيان بيل القادم من الطبقات الشعبية ويعوض افتقاره إلى المال ببذل أقصى قدر من الجهد لكى يحافظ على تفوقه على أنجيير. لقد كانت بين الساحرين صداقة قديمة عندما كانا يعملان لدى الساحر العجوز ميلتون ريكى جاى الذى يعمل بالفعل فى عالم الخدع السحرية، لكن بوردين يتسبب - دون دليل دامغ - فى مصرع زوجة أنجيير التى كانت تشارك فى إحدى الألعاب الخطرة سوف يجد المتفرج تفسيرا إذا رأى الفيلم مرة أخري، ومنذ ذلك الحادث يفترق الصديقان ليصبحا عدوين لدودين، استحوذت على كل منهما فكرة هزيمة الآخر بالتجسس أحيانا على أسرار الحيل التى يقوم بها كل منهما، أو بالظهور تحت قناع التنكر خلال العرض لإفساد الحيلة التى قد تصل إلى حد الإيذاء البدنى، مما ينتهى بفقد بوردين لأصبعين من كفه، ويصبح أنجيير أعرج، لكن المأساة تزداد عندما تتشابك الحياة الخاصة لهما فى حلبة هذا الصراع فيسقط بعض الضحايا الأبرياء فى هذا الطرف أو ذاك.

إن كانت هناك شخصية تمثل المتفرج فى ذلك كله فهى كاتر مايكل كين، فبرغم أنه المهندس وراء حيل أنجيير فإنه يدرك أن الصراع بين الساحرين يبدو حتميا وعبثيا فى آن واحد، إنه حتمى لأن الاحتراف يقضى بأن يتفانى كل منهما فى عمله، وعبثى لأنه لن ينتهى أبدا بانتصار طرف وهزيمة الآخر. ومع كاتر سوف يبدأ الفيلم الذى يشرح سيناريو الإبهار فى أية حيلة يقوم بها الساحر: المقدمة هى إظهار عصفور فى قفص، والوسط هو اختفاء العصفور من القفص الذى لايزال مغلقا فى إحكام، والخاتمة التى يحصل بها الساحر على التصفيق والبرستيج تأتى بعد أن يظهر العصفور فى القفص مرة أخرى. إن سيناريو الفيلم يتبع نفس الخطة ذاتها، وبين عشرات المرات من الظهور والاختفاء سوف يبهرك الفيلم بحق، لكن المهم أن تتذكر أنه لا يعمد إلى أى حيل خارقة وإنما إلى خفة يد فنية منطقية مثل الحاوى الذى يخفى فى كمه أوراق لعب بديلة يظهرها فى الوقت المناسب. وفى مثل هذا النوع من الأفلام يمكن أن تفسد المقالة النقدية على المتفرج متعة مشاهدة الفيلم، لذلك سوف نكتفى بالإشارة إلى استخدام المخرج كريستوفر نولان الإيقاع اللاهث فى معظم مشاهد الفيلم، تتحرك فيها الكاميرا المحمولة دون توقف، وتتدفق قطعات المونتاج فى زوايا غير مريحة فى تعاقبها مما يصيب المتفرج - عمدا - بالدوار، كما أن البناء الدرامى يقوم على التقاطع والتداخل بين الأزمنة، واستخدام الفلاش باك داخل الفلاش باك، ناهيك عن عشرات الأفكار التى سوف تطير فوق رأسك كانها الحمائم تخرج من تحت قبعة الساحر، ولعل أهم هذه الأفكار أنه لكى يصبح الساحر جديرا بمهنته فإنه يجعل حياته هى خدعته الكبرى، حتى لو فقد سعادته وعاش حياة مزدوجة، وأرجو أن تتأمل ذلك الساحر الصينى العجوز الذى أوهم الجميع فى كل لحظات حياته أنه ضعيف البنية مقوس الساقين، لأن حيلته المهمة كانت إخفاء حوض زجاجى بين ساقيه لكى يظهره فجأة من تحت الوشاح. إنه الاحتراف الذى يفرض عليك أحيانا قدرا لا يستهان به من القسوة على نفسك وعلى الآخرين، وهو الاحتراف الذى يقوم على أكثر الأفكار بساطة وبديهية، لكن العمل الشاق وحده الذى يجعل هذه الفكرة جديرة بأن توضع فى مصاف الإنجازات الإنسانية الحقيقية. لذلك لا تبحث عن سر السحر فى برستيج فى أية ألاعيب بهلوانية، فالتفسير السهل الأقرب هو الصحيح، لكن اسأل نفسك فقط عن الثمن الذى يجب أن يدفعه المرء لكى يعثر لنفسه عن وسيلة لتحقيق هذا السحر.

العربي المصرية في 4 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك