سينماتك

 

رفيق الصبان يكتب عن: موجة دراما السير الذاتية التي زادت في العالم وفي مصر

هناك فرق بين كتابة التاريخ وبين تقديم الشخصيات التاريخية في الدراما

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

> النجاح الذي حققته مسلسلات السيرة الشخصية أغري السينمائيين المصريين بتقديم حياة المشاهير من خلال أحداث حقيقية مضافا إليها بعض البهارات لإعطاء الفيلم طابعا تجاريا

> الانتقادات التي وجهت لمسلسل السندريلا والعندليب يمكن أن توجه لمسلسلي بليغ حمدي وفريد الأطرش القادمين.. لأن المزاج العربي لا يقبل الشطحات الخيالية الضرورية جدا للدراما

> التاريخ علم له قواعده الصارمة والسينما فن يعيش علي انطلاق الخيال، لذلك علينا أن نحكم علي جودة العمل الدرامي من خلال قدرته علي التعبير الفني بعيدا .عن التاريخ أو السينما التسجيلية  

يبدو أن ما كان في السينما مجرد نزوة أو خيط رفيع يقدم ضمن خيوط أخري كثيرة أشد قوة وأكثر تأثيرا.. ابتدأ يتحول إلي موجة حقيقية قد تشكل في السنوات القادمة تيارا خاصا بالسينما يشابه التيار الأدبي الذي ركز علي السير الذاتية لعظماء التاريخ والفن والسياسة.

تقديم حياة المشاهير.. كان منذ بدء اختراع السينما.. نوعا من أنواعها.. ولكن في البداية اقتصر علي تقديم الشخصيات التاريخية التي امتلأت حياتها بالأحداث وتحولت في خيال الناس إلي أساطير متحركة ككليوباترا أو نابليون وسواهما.. كنيرون الإمبراطور الروماني الذي أحرق روما وجلس يعزف وهو يري النيران تلتهمها أو الملكة كاترين ال؟؟ التي تخصصت في قتل أعدائها بالسم ودبرت لأكبر مذبحة في تاريخ فرنسا.. بين البروتستانت والكاثوليك ذهب ضحيتها في ليلة واحدة مئات الألوف (وربما كانت أول مجزرة دينية في التاريخ).

الشخصيات المعاصرة

ولكن يبدو أن السينما في أعوامها الأخيرة لم تعد تكتفي بصفحات التاريخ القديم.. بل تحولت إلي منطقة جديدة أشد حساسية بكثير وهي التاريخ الحديث والشخصيات المعاصرة.. ولا شك أن السينما الأمريكية كانت أول من سبق سائر السينمات الأخري في العالم في تقديم شخصيات تاريخية، البعض منها مازال حيا يرزق.. والبعض الآخر توفي ولكن ذكراه وحياته مازالت ملء الأذهان والذاكرة.. ثم انتقلت إلي الشخصيات الفنية الحية والميتة لتقدم عنها أفلاما.. البعض منها لا يزال في الذاكرة كالأفلام الموسيقية التي روت حياة «جيروم كيرن» أو «نحرشوين» أو «زيجفيلد» أو الأفلام التي توقفت أمام مشاهير العلماء والأدباء كمدام كوري وأديسون وإميل زولا وادجار الان بو هذا إذا تركنا جانبا كل الأفلام الأخري التي استلهمت التاريخ القديم والحديث أحيانا مادة لأفلامها.

وبالطبع فإن اللائحة تطول وتطول ولكن ما يلفت النظر الآن هو الكثافة الكبيرة التي تحصل في تقديم أفلام السير الذاتية وحياة العظماء.. ففي هذا العام وحده.. قدمت لنا هوليوود أفلاما عن روبرت كيندي ومقتله.. وعن المؤلف ترومان كابوت لثاني مرة خلال عامين فقط وللملكة إليزابيث الثانية وللفرقة الموسيقية «بنات الأحلام» والفيلمان الأخيران مرشحان لجوائز الأوسكار القادمة.. كما سبق لها أن قدمت العام الفائت فيلما عن الكاتبة فرجينيا وولف وفيلما آخر عن الملاكم محمد علي كلاي وعن المطرب بوبي دارين (ولا ننسي أن أوسكار العام الماضي قد ناله فيلم يتكلم أيضا عن حياة أحد مغني الجاز والروك» هذه الموجة الأمريكية في تقديم حياة المشاهير انتقلت بسرعة النار إلي البلاد الأخري ففي فرنسا مثلا تقدم السينما الفرنسية اليوم فيلمين مهمين أحدهما عن حياة موليير والأخر عن حياة المغنية «اديث بياف».

أما في مصر قد انطلقت أفلام السيرة الذاتية بقوة بعد نجاح مسلسل أم كلثوم في التليفزيون والذي أعقبه مسلسل عن حياة قاسم أمين وسبقته عدة مسلسلات عن حياة طه حسين والعقاد ويوسف السباعي، ومن قبلها حاولت السينما المصرية علي استحياء تقديم حياة بعض مشاهير السياسة والفن كمصطفي كامل وسيد درويش واتبعتها بأفلام عن بعض الفنانات كبديعة مصابني وبمبة كشر والراقصة القنبلة امتثال أو بأفلام روت حياة بعض المشاهير ولكن من خلال اسماء مستعارة.. كما حدث مثلا للفنانة كاميليا في فيلم حافية علي جسر من الذهب أو حكاية أنور وجدي وليلي مراد في فيلم رواها علي طريقته مع تغيير الأسماء.

البهارات التجاري

ولكن يبدو أن السينما المصرية بعد النجاح الذي حققته المسلسلات التليفزيونية قررت أن تتابع السير علي هذا الخط، وأن تقدم حياة المشاهير من خلال أحداث حقيقية يضاف إليها بعض «البهارات» المقبولة لإعطاء الفيلم طابعا تجاريا، خصوصا بعد النجاح الذي صادف الأفلام التي روت حياة زعماء مصر ورؤسائها كعبد الناصر والسادات.

وهكذا بدأت المشاريع تتوالي والخطط السينمائية تذاع ويعلن عنها، فهناك فيلم مثلا عن محمد علي مؤسس مصر الحديثة وآخر عن فاروق آخر ملوك الأسرة العلوية وهما قيد التنفيذ، كما أن هناك مشاريع تليفزيونية كثيرة عن حياة فريد الأطرش وبليغ حمدي وإحسان عبدالقدوس وروزاليوسف.. لم يتراجع أصحابها عنها رغم المشاكل الكثيرة التي سببتها المسلسلات التي روت حياة سعاد حسني أو عبدالحليم حافظ والدعاوي الكثيرة التي أحاطت بها وبصانعيها.

كل هذا جميل ومهم لأنه يضع السينما أمام مسئوليتها كنور خاص يضيء حياتنا الثقافية والفنية ويضع المتفرجين حتي هؤلاء الذين لم تدركهم الثقافة أو التعليم أمام رموز الفن والسياسة والأدب، ولكن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه الموجة من الأفلام هي بالضبط مدي تلاؤم الوقائع التي يرويها الفيلم مع الأحداث الحقيقية للشخصية المقدمة.

فكلنا نعرف كما يقول أوسكار وايلد أن الحياة بشكلها المجرد لا تشكل عملا فنيا. وإن الفن وحده والخيال بالذات هو القادر علي إعطاء الحياة نبضا وإيقاعا وتأثيرا وأن الحدث العادي إذا لم تمسه مخيلة الفنان بدا مجردا من أية قيمة.

ولكن إلي أي حد يمكن أن يشتط الخيال في تقديم سيرة فنان أو أديب أو سياسي ما زال يعيش بيننا إن لم يكن يجسده دائما بذكراه التي لم تمت بعد.

وهذه الشطحات في الخيال هي التي سببت في رأيي موجة الانتقاد الكبيرة التي وجهت إلي السندريلا والعندليب والتي يمكن أن توجه أيضا بنفس القوة إلي المسلسلات القادمة التي تتحدث عن بليغ حمدي أو فريد الأطرش.. إذا تسني لها أن تري طريقها إلي النور.

ومع ذلك فإن أي دراما في الدنيا لا تقوم علي الصراع .. لا تستحق أن تسمي «دراما» وهذا الصراع قد يواجه في الحياة بصورة هادئة أو خفية ولكننا عندما ننقل حياة أي شخص كان للدراما، فعلينا أن نخرج الصراع من داخليته لنضعه في مقدمة الأحداث وإلا ظهر الفيلم أو المسلسل خاليا من النبض.. وبالتالي مفتقدا للإيقاع.

في الفيلم الأمريكي الذي يروي قصة اغتيال روبرت كيندي علي يد الفلسطيني «سرحان سرحان» أضاف الفيلم عددا من الشخصيات الوهمية إلي جانب الشخصيات الحقيقية التي كانت متواجدة في الفندق الذي وقعت فيه الجريمة .. مما اعطي الأحداث في الفيلم قوة خاصة وتأثيرا حرص عليه أصحابه .. واعطي بالفعل مفعوله.

لكن يبدو أن المزاج العربي عموما لا يقبل هذه الشطحات الخيالية «الضرورية جدا للفن الروائي» ويرغب بأن يتجسه الفيلم اتجاها تسجيليا .. عوضا عن اتجاهه الروائي، وهذا ما يفقد السينما الروائية الحقة بهاءها وتأثيرها الكبير فمثلا قبل أن يظهر مسلسل عن بليغ حمدي بدأت الاعتراضات تتولي من جانب وردة زوجته السابقة التي تصر علي أن تقدم صورة بليغ حمدي في شكل مثالي بعيدا عن الوقائع المحزنة والفاجعة التي عاشها.. خصوصا في أواخر أيامه. قيود وإبداع
ولعل الجرأة البالغة التي حققها المخرج الإنجليزي «ستيفن فريزر» عندما قدم صورة عن حياة الملكة اليزابيث «التي ما زالت تحكم وتعيش» وعن الأزمة التي مرت بها بعد موت الأميرة ديانا وحيرتها بين واجبات الملك والعرش والتي تجبرها علي عدم المشاركة في احتفالات السفراء أو تقبله لأن ديانا طلقت رسميا ولم تعد واحدة من أفراد الأسرة المالكة، ومن الاهتمام الشعبي الكبير الذي أحاط بموت الأميرة المحبوبة والتي تطالب الملكة بالتخلي عن صرامة تقاليدها ومشاركة الشعب في أحزانه.

الفيلم انطلق من هذه النقطة بالذات، الصراع بين الواجب والعاطفة .. ليجعل من فيلم الملكة تراجيديا معاصرة وليس مجرد حدث تسجيلي أو وثائقي.

فإذا كانت السينما الإنجليزية قد سمحت لنفسها باستعمال خيالها في تقديم صراع خاص خلقته في أحداث فيلم يتحدث عن ملكة مازالت تحكم البلاد، فيمكننا أن نتصور الحال عندما نقدم علي تصوير شخصيات أخري لا ترقي إلي الذات الملكية.

ولعلي مازلت أذكر الاعتراضات التي تقدمت بها أسرة عبدالناصر بعد عرض «ناصر 56» لأن أحد مشاهده قد أظهر عبدالناصر في بيته وبين أولاده وهو يرتدي البيجاما «!!» أو القيود التي وضعها علي أنفسهم الفنانون الذين أرادو تجسيد حياة «السادات».

المشكلة الآن بعد انتشار وذيوع أفلام السيرة الذاتية التي تقدم شخصيات حية أو معاصرة وما زالت تحيا في الذاكرة هي مواجهة النفس وسؤالها هل نصنع فنا أم نكتب تاريخا؟. التاريخ علم يخضع لقواعد العلم الصارمة والسينما فن يعيش علي انطلاق الخيال وجموحه سواء كان الموضوع يتعلق بشخصية حقيقية أو متخيلة.

ومن خلال هذا الخط الفاصل علينا أن نحكم علي الفيلم أو المسلسل لا من جهة صحته التاريخية البحتة.. بل من خلال قدرته علي التعبير الفني لحياة الشخصية التي نقدمها. ومن خلال هذا التعبير يمكننا الحكم علي جودة الفيلم أم عدمها.. أما ما سوي ذلك يعود للتاريخ أو السينما التسجيلية .. وهذا موضوع آخر.

جريدة القاهرة في 13 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك