سينماتك

 

في "بابل".. أفكار تستحق التأمل وحالة سينمائية متفردة

عرض وتحليل: عماد النويري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

ظهور فيلم 'بابل' وعرضه كان واحدا من أهم الأحداث السينمائية العام الماضي، فقد حصد الفيلم العديد من الجوائز لعل أهمها جائزة افضل مخرج من مهرجان كان وتدحرجت بعدها كرة الجوائز ليحصد الفيلم العشرات من الجوائز والتقديرات والترشيحات من المهرجانات والجمعيات السينمائية المختلفة وكان آخرها سبع ترشيحات لجائزة الأوسكار التي من المتوقع ان تعلن بعد أيام قليلة.

على مدار نحو ساعتين ونصف الساعة، يروي الفيلم ثلاث قصص تبدو مختلفة تدور أولها تدور في المغرب، وتحديدا في منطقة جبلية وعرة يقطنها بدو يرعون الأغنام ويعانون الفقر و شظف العيش. يبدأ الفيلم بشراء أحد الرعاة بندقية من راع آخر مسن، إلا أنه سرعان ما يعطيها لولديه اللذين لا يتجاوز أكبرهما 11 عاما. يستخدم الولدان البندقية ويحاولان اختبار مداها للتأكد من صحة ما ذكره عنها الرجل الذي باعها. يطلق الولد الأصغر الرصاص على حافلة سياحية عن بعد فتصيب رصاصته سائحة أميركية (كيت بلانشيت) بصحبة زوجها (براد بيت). وتسيطر حالة من الهلع على ركاب الحافلة، ويتجه بها السائق إلى أقرب قرية بحثا عن طبيب. يأتي طبيب ـ يقولون إنه بيطري ـ يرتدي أسمالا بالية يطلق لحيته، لا يستطيع إلا أن يقوم بخياطة الجرح من دون استخدام المخدر، ويتجمع نساء القرية للفرجة على تلك الاميركية التي توشك على الموت. الزوج يشعر بالخوف والفزع وينجح بصعوبة في العثور على هاتف يخاطب منه صديقا لكي يتصل بالسفارة الاميركية ليطلب مساعدة طبية عاجلة. ركاب الحافلة السياحية من الاميركيين وغيرهم، يشعرون بالخوف والفزع أيضا من فكرة التعرض للقتل على أيدي الإرهابيين في القرية. ينتشر الخبر وتسارع الشرطة إلى المنطقة بحثا عن الشخص الذي أطلق الرصاص. الشرطة تذيع أن ارهابيا قتل الاميركية، وينتشر الخبر في العالم عبر التلفزيون ووكالات الأنباء. الرجل يعرف بالخبر ويتساءل عما حدث. الابنان يعترفان بما ارتكباه. الرجل ينهال عليهما ضربا ثم يصطحبهما بعيدا للهرب. رجال الشرطة يتوصلون إلى الرجل الذي باع البندقية. ينهالون عليه ضربا. يقول لهم إنه حصل على البندقية كهدية من سائح ياباني عمل مرافقا له في رحلة صيد. أثناء البحث في الجبل يرون الرجل وابنيه. يطلقون الرصاص فيقتلون الابن الأكبر.

غياب وفرصة

في اليابان، ضابط شرطة يبحث عن مدير مصرف، لاستجوابه بشأن البندقية للتحقق من أنه أهداها للمغربي، وذلك بناء على طلب الشرطة المغربية. وفي كاليفورنيا، مربية مكسيكية بصحبتها طفل وطفلة اميركيين ترعاهما في غياب والديهما في رحلة: هل هما الرجل والمرأة أنفسهما في المغرب؟ هذا ما يعتقده المرء في البداية لكننا نرى الأب في نهاية الفيلم يتكلم هاتفيا مع ولديه بشكل طبيعي في منزله في كاليفورنيا. مربية مكسيكية ترعى الطفلين يقرر شقيقها اصطحابها لحضور حفل زواج قريب لهما عبر الحدود المكسيكية. الشرطة تشك في شقيق المرأة يوقفونه، يفتشون السيارة، يحاولون اعتقاله من دون ذنب أو جريرة، يقرر فجأة الهرب بالسيارة عبر الحدود. ينزل الرجل شقيقته والطفلين ويتركهما في الأحراش، ويواصل الهرب نحو المجهول. في اليابان، ابنة المصرفي تعاني الإحساس الشديد بالوحدة، وهي فتاة بكماء وتحاول بكل الطرق البحث عن الحب،. وأنباء تسري عن الإرهابيين الذين يهددون العالم. الاميركية تنزف في الكوخ القذر وتصل مروحية خاصة اليها أخيرا لنقلها إلى المستشفى. والأب الياباني الذي انتحرت زوجته بإطلاق النار على نفسها، يحاول جاهدا التقرب من ابنته المراهقة. التي تحاول جهدها اقتناص أي فرصة لممارسة الجنس لإشباع رغباتها. كأنها تحاول التواصل من خلال جسدها مع العالم بعد أن فقدت وسائل الاتصال العادية والطبيعية معه.

صورة العربي

قد نرفض الفيلم للوهلة الأولى بعد اتهامه بتصوير العربي بطريقة تحمل الكثير من الظلم والتجني، وقد نرى ان المشاهد التي صورت في المغرب تذكرنا بعشرات الأفلام التي تصور في البلدان العربية والشرقية عموما ولا نقترب فيها إلا من كل ما هو بدائي ومتخلف.

وقد نشعر بأن الفيلم يصور العربي وهو مصاب بثقافة التلصص والكبت الجنسي وقهر الاخر بطريقة همجية بعيدا عن القانون وقد نجد المرأة العجوز التي تمثل في جزء منها المرأة العربية نراها بعينيها الغريبتين تذهب لمساعدة الاميركية المصابة، فلا تجد شيئا لمداواة هذه الأميركية إلا أن تناولها غليونا محشوا بالأفيون، لربما يخفف من حدة الألم، ثم تقرأ آيات من القرآن وكأنها دلالات توحي بثقافة 'إدمان الدين والمخدرات'!

لكن قبل اتهام المخرج والفيلم بالعنصرية والاستشراقية يجب التوقف عند العديد من محطات التميز. على مستوى السيناريو وعلى مستوى الإخراج وعلى مستوى بعض الأفكار المطروحة.

مصير واحد

الفيلم السيناريو لايهتم كثيرا بالشخصية قدر اهتمامه باختيار نماذج من البشر يمثلون مجتمعات محددة وثقافات معينة فالأحداث تجري في أربعة بلدان في ثلاث قارات مختلفة، ويجمع بين الشخصيات رصاصة انطلقت بطريق الخطأ وكان لها ان تجمع كل هذه الشخصيات في قصة واحدة. ربما أراد كاتب السيناريو ان يقول انه مهما اختلفت الثقافات فان الحياة واحدة والموت واحد والحب والكراهية والقهر والعذاب انما هي واجهات لعملة واحدة. هذه العملة هي الإنسان في كل الازمان وفي كل الأمكنة. وربما أراد كاتب القصة والسيناريو ان يقول لنا ان الحياة تجري طبقا لقوانين عبثية لا دخل للبشر فيها، وان الحال ستبقى على ماهي عليه وعلينا ان نواجه مصيرنا بشجاعة. ففي نهاية الفيلم يرحل الأميركي الى بلادة ويبقى الياباني في مواجهة مصيره ويبقى العربي في حالة التخلف المفروضة عليه ولايتم لقاء حقيقي بين البشر. وربما اراد الفيلم ان يقول انه على رغم الارتباط الوثيق بين البشر وعلى رغم هذا المصير الواحد فإن هناك مساحات كبيرة تفرق بين الشعوب المختلفة والثقافات المختلفة مزروعة بالكراهية والحدود المصطنعة والاعلام الكاذب. يعني كل ذلك اننا بصدد فيلم لايتحدث عن شخصيات من لحم ودم وانما يتحدث عن افكار تستدعي التفكير والتأمل. أفكار عن الغربة والوحدة التي يعانيها الانسان المعاصر وأفكار عن العلاقات المتأزمة بن البشر بين الزوج وزوجته وبين الأخ وأخته وبين الأب وابنته.

إيقاع الأحداث

وفي الفيلم الفن يجيد المخرج استخدام أدواته من إضاءة وتصوير وموسيقى ليقدم لنا مشاهد كثيرة تضعنا في تصادم مع روح الأمكنة سواء في المغرب او في اليابان او في المكسيك، ومن خلال هذه المشاهد التي جرى التعبير عنها بنجاح نتعرف على بعض عادات وثقافات الشعوب. وينجح المخرج أيضا في مزج الروائي بالتسجيلي لتقديم الشخصيات والأفكار والأحداث مع قدرة كبيرة على الاحتفاظ بأجواء وإيقاع الأحداث في كل بلد من البلدان التي جرى فيها التصوير.

فيلم 'بابل' مع تحفظنا على صورة العربي لايقدم الأسطورة القديمه ولا يعلي من شأن الإنسان البطل وانما يقدم دعوة الى الانسان المهزوم لكي يتجاوز ضعفه وهزيمته.

القبس الكويتية في 13 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك