سينماتك

 

فيلم "بابل".. رصاصة طائشة تحرك العالم!

بقلم - محمد ممدوح

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

يعتبر فيلم "بابل" من الأعمال السينمائية التي تتأسس على مجموعة من الأفكار الفلسفية تطرحها سينما متوترة لتوضح وتكشف رؤية ما عن العالم بوعي واضح بالحياة وقضاياها وإشكالياتها.

فمما يجري في القرن الواحد والعشرين وتحديدا من نقطة الاختلاف بين البشر والشعوب وثقافاتها يعود مخرج "بابل" إلى الأسطورة ليقدم ذلك الارتباط الكبير في مصائر البشر رغم اختلاف الثقافات والأعراق والأماكن، ومعبرا عن التواصل الصعب في عصر العولمة، ناقدا إياه بتقديم قصص متخطية للحواجز ومدللة عن حالة البؤس الكوني بتقديمه نماذج من فضاءات ثلاثة مختلفة: المغرب، اليابان، المكسيك.

كل ذلك عبر سينما تبدو طموحة ومتوترة تماما كالواقع الذي نعيشه، وهنا بيت القصيد.

حضور الأسطورة

ينطلق "بابل "(Babel) للـمخرج الـمكسيكي "أليخاندرو غونزاليس" -الحائز على جائزة الإخراج الكبرى في مهرجان "كان" الدورة الماضية، وجائزة "الجولدن جلوب" كأحسن فيلم لهذا العام- من أسطورة بالعهد القديم يحكى فيها أن جميع البشر كانوا ينطقون بلسان واحد. وفي أحد الأيام قرروا أن يشيدوا برجا يصل بهم إلى السماء وكادوا أن ينجحوا، فقرر الرب أن يبلبل ألسنتهم، فجعل لكل منهم لغة ليفقدوا القدرة على التواصل فيما بينهم، فأصبحوا غير قادرين على استكمال بنائهم.

ويرد معنى الأسطورة في الكتاب المقدس في "سفر التكوين" في الإصحاح الحادي عشر: "كانت الأرض كلها لسانا واحدا، وحدث في ارتحالهم شرقا أنهم وجدوا بقعة في أرض "شنعار" وسكنوا هناك... وقالوا هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء... فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنوهما، وقال هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل، والآن لا يمتنع عليهم ما ينون أن يعملوه، هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض".

هذه الأسطورة التي لو قرأتها الآن في ضوء ما يحدث لشعرت بها بطموح مستتر في أن ما يحقق للبشر النجاح هو التواصل فيما بينهم والبحث عما يجمعهم وليس ما يفرقهم.

فهل كان البشر حقا ينطقون بلسان واحد؟ وهل كان هناك هما واحدا وقدرا مشتركا يجمع بني البشر؟.

سيبدو ذلك الطرح أمرا بعيد الاحتمال في هذا العالم الذي لا يستطيع البشر فيه فهم بعضهم البعض ليس لاختلاف اللغة وما يرافقه من تبعات، بل لاختلاف في رؤية العالم سواء فيما بين الجماعات الإنسانية أو حتى داخل حدود الجماعة الواحدة.

هذه الأسئلة أو الإشكاليات وأكثر يقدمها سيناريو طموح من أربع قصص تبدو منفصلة تماما، ولكن تربطها خيوط درامية تتأكد حينا وتتوارى أحيانا أخرى.

قصص متوازية

إذن نحن إزاء قصص أربع متوازية ومتقاطعة على مستوى السرد فيما بينها من خلال التوليف، تدور أولاها في صحراء المغرب، فنتعرف على طفلين مغربيين (أحمد ويوسف) اللذين يعيشان في كنف أسرة فقيرة ترعى الغنم. يحصلان على بندقية للصيد ليستخدماها في قتل الذئاب، وأثناء قيامهما بمسابقة للرماية تصيب إحدى الطلقات السائحة الأمريكية (سوزان)، فيتم مطاردتهما من قبل الشرطة المغربية بوصفهما "إرهابيين".

في صحراء المغرب أيضا وبوجهة نظر أخرى نرى الزوجين الأمريكيين اللذين قررا الخروج إلى مكان بعيد حتى يستطيعا أن يتعافيا من ألم فقدانهما أحد أبنائهما، وحتى يستطيعا أيضا إنقاذ زواجهما من انهيار وشيك فيتركا طفليهما عند مربية مكسيكية ويقدمان سائحين للمغرب الذي يكون بالنسبة لهما مكانا حقيقيا لاختبار حبهما.

هذه الرغبة لا تكتمل، وفي عشوائية شديدة يؤكد عليها الفيلم فتصيب الزوجة رصاصة أطلقها الطفلين، ونتابع بعدها مجموعة أحداث متوترة؛ يبحث الزوج عن مكان لعلاج زوجته، لنفاجأ بمدى الفقر والتخلف الذي تعاني منه القرى المغربية، ويلجأ إلى علاج مؤقت على يد أحد المعالجين الشعبيين لحين وصول سيارة الإسعاف لنقلها إلى أحد مستشفيات العاصمة.

القصة الثالثة تدور على الجانب الآخر من العالم تحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال "إميليا" المربية المكسيكية التي تعتني بطفلي الأسرة الأمريكية في المغرب، حيث تقرر اصطحاب الولدين إلى المكسيك لحضور زفاف ابنها، ولكنها في طريق العودة تواجه بمتاعب شديدة مع حرس الحدود الأمريكيين لإقامتها غير الشرعية في الولايات المتحدة رغم عيشها هناك منذ أكثر من 15 عاما.

القصة الأخيرة تدور أحداثها في اليابان، وهي امتداد للقصة المغربية؛ حيث نرى تحقيق الشرطة اليابانية حول ما إذا كانت البندقية التي أصابت الأمريكية "سوزان" لرجل أعمال ياباني كان يصطاد بها في صحراء المغرب قد أهداها لصياد مغربي عجوز باعها بدوره إلى والد الصبيين، أم أنها بيعت في السوق السوداء؛ لإثبات ما إذا كان العمل إرهابيا أم لا.

لنتعرف على ابنة رجل الأعمال الياباني الصماء المراهقة التي تعانى من انعدام تواصلها مع الآخرين وتفتقد الحنان والحميمية، هذا الفقد الذي تعبر عنه بحسية شديدة، وبعرضها لنفسها على الضابط المحقق، لمجرد أن تشعر بلمسة حانية على جسدها المعذب.

حبكة دالة

اختيار صانع الفيلم الجمالي أن ينسج حبكة عمله السينمائي من أربع قصص متوازية دون تفاعل حقيقي لأبطال كل قصة مع أبطال القصص الأخرى، لم يأت من فراغ، حيث عبر هذا البناء عن الانفصال الحاد بين الجماعات الإنسانية فيما بينها من جهة، كما أكد على ما سيحدث إذا ما التقت هذه الثقافات دون فهم واضح لبعضها البعض.

كما حاول المخرج بالتعاون مع مدير تصويره أن يحافظ على فراغ بصري خاص لكل قصة، فتغلب الألوان الباردة على القصة التي تدور في اليابان، والأصفر والبني على قصة المغرب، والأحمر في المكسيك. فالمخرج هنا أراد أن يقدم لوحة أقرب إلى الكولاج أو إلى الفسيفساء أو النمنمات تحمل شهادة عن "بابل" اليوم في ظل عصر العولمة وواقع البشرية الذي يدفع بهم إلى الإحباط رغم التقدم الصناعي الذي يلف المجتمعات الحالية.

معاينة للواقع

ورغم أن مخرج الفيلم قادم من العالم الثالث (المكسيك) فإن رؤيته للعرب والمسلمين لم تكن موضوعية تماما، فقد ركز على الأسر المسلمة الفقيرة والمتخلفة، كما حرص على الإشارة غير المبررة دراميا على علاقة محارمية بين "علي" ووردة أخته المراهقة.

كما ظهرت الأسر المغربية من رؤية نمطية للعرب وقراهم وبوصفهم بدائيين متخلفين. وهنا يتجاوز الحديث عن التكوين المشهدي للمجاز البصري ليعبر عن تلك الذهنية التي تكوّن المجاز من خلالها وانطلق.

فـ"بابل" هنا -ورغم سقوطه في تلك النظرة الضيقة- نرى أنه قام بمعاينة لوقائع الأحداث من وجهة نظر عالمية وحدود تلك النظرة، وهنا تحديدا يتعلق الأمر بحدود النظرة الضيقة التي ينظر بها الغرب إلى "الشرق"، وبالكيفية التي تغطي بها نظرة السائح على الوقائع والحقائق الواقعية وتلغيها.

ولمشهد خروج الزوجة محمولة على نقالة إلى طائرة الإنقاذ التي أرسلتها السلطات المغربية بناء على توجيهات السفارة الأمريكية -دلالة بصرية هامة جدا، حيث بالغ المخرج في توضيح أثر هواء مروحة الطائرة على ملابس أهل القرية، وبدت كأنها تكاد تعصف بهم في إشارة لتدخل الآخر المختلف وما يجلبه معه من تغييرات وتبديلات كبيرة، وقد تكون بمثابة عاصفة بحياتهم مثلما حصل للأسرة المغربية التي قُتل أحد أبنائها واعتقل الآخر وتعرضت للتنكيل وتهم الإرهاب.

كما يقابل "بابل" بين نوعي من التصرف تجاه الإنسان الذي لا يبدو أنه متساويا، فهناك العناية الفائقة التي توليها الحكومة الأمريكية لرعاياها يقابله السلوك اللاإنساني للحكومة المغربية تجاه مواطنيها. فيقتل الصبي الأكبر برصاص الشرطة المغربية ويعذب الأهالي ويسحقون ويفقدون حياتهم لهواجس أمنية لم تكن تطالهم لولا تداعيات العولمة ذاتها.

ترابط لا تفاعل

جزء من أحداث الفيلم يتطور وصولا إلى نهاية متفائلة، فنجد أن إصابة الزوجة وما صاحبها من رعاية الزوج قد جدد الحب بينهما وكشفه بوضوح، واستطاعا أن يصلا إلى إنقاذ زواجهما من رحم المأساة.

فالرصاصة العبثيّة التي قلبت حياة القرية المغربية رأسا على عقب بتهم الإرهاب، هي التي جعلت الزوجين يقتربان من بعضهما ويعيدان اكتشاف مشاعرهما.

ويرصد الفيلم نهاية صعبة للمربية المكسيكية التي تتعرض لتمييز عنصري اجتماعي، الذي ينتهي بها في أحد المخافر يتم استجوابها مهددة بالطرد من الولايات المتحدة الأمريكية.

وكما يقول أحد النقاد: "الوقائع والشخصيات داخل (بابل) مترابطة عبر مستجدات وتقنيات وإستراتيجيات حديثة، لكن دون أن يتم أي نوع من التفاعل الحقيقي فيما بينها. فالسياحة تقذف بأناس داخل بلدان ليس لهم أدنى معرفة بها، ووسائل الإعلام سرعان ما تجعل من العملية التي أصيبت فيها سوزان سيناريو لأزمة إرهابية، والعولمة هي التي تسمح لسلاح ياباني بإتيان كارثة في المغرب".

اتهام العولمة يظهر بوضوح في أحداث الفيلم بتأكيد مقولة إن العوالم المختلفة التي تتلاقى داخل هذا الإطار المعولم (بشكل سلبي وغير متوازن) قليلة التلاؤم مع بعضها البعض، ووفقا لهذا يأتي الفيلم حادّا بأحداثه، متوترا بتفاصيله المؤلمة؛ انعكاسا للاحتدام الذي يحدث بين مختلف الرؤى والعقليات في هذا العالم.

والرسالة الضمنية العميقة التي يتأسس عليها الشريط تُدرَك بالتعمق في القصص الأربع؛ فمشروع تشييد برج بابل كعمل تقني يقود إلى بلبلة الألسن واستحالة التواصل، وهذا ما تجري ملاءمته مع واقع عصر العولمة وتجاوز الحدود.

إسلام أنلاين في 31 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك