سينماتك

 

سينما الرتابة والقوالب المتكررة

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

الرتابة هي الوصف الذي تستحق أن توصف به معظم الأفلام التي تعرضها الفضائيات والتي تسمى عادة أفلام الحركة (الآكشن)، وعلى ما في هذا القول من مفارقة فهو واقع. أفلام الآكشن ذات نمط رتيب، وليس هذا فقط لأن جلّ هذه الأفلام مصنوع على نسق واحد من حيث الحكاية التي تتضمن صراعا بين أخيار وأشرار، بل أيضا لاحتوائها على قوالب متكررة من ذات المشاهد التي بات بمقدور أي مدمن على مشاهدة هذه الأفلام أن يحفظها غيبا. وقد وصف أحد النقاد الأوروبيين متهكما أفلام الآكشن على النحو التالي: مطاردات، إطلاق رصاص، ثم مطاردات وإطلاق رصاص من جديد، ولا تنسوا تعرية شقراء جميلة، على هذا النحو تقريبا يتطور الموضوع في أفلام الآكشن التقليدية.

من أبرز هذه القوالب المتكررة والتي تحتل حيزا كبيرا من مساحة أفلام الآكشن مشاهد مطاردة السيارات وهي نوعان، الأول فيه تجتاح السيارة الشوارع الضيقة المكتظة وتجرف في طريقها الأكشاك ومقاعد مقاهي الرصيف وواجهات المحال وترعب المارة. يتضمن النوع الثاني مطاردات شرسة في الشوارع تتسبب في مصادمات وحرائق وانقلابات بين سيارات أخرى فيما لا تتأثر سيارة الهارب أو سيارة الذي يطارد. فإذا كان الهارب بطل الفيلم والذي يطارده شرطي أو شرير تنقلب سيارة الشرطي أو الشرير أو تصطدم بشي أو تهوي في منحدر، أو تعبر الطريق شاحنة ضخمة يتفاداها الهارب البطل بطريقة أو بأخرى فيما يصطدم بها الذي يطارد البطل أو تعيقه عن المتابعة.

من القوالب المتكررة أيضا مشاهد تعقب أو البحث عن المجرم المختبئ في مبنى ما، فنرى أفراد الشرطة يتنقلون في الرواق واليدان تقبضان على المسدس ويتحركون يمنة ويسرى بحذر، يرفسون بابا فلا يجدون أحدا وينتقلون إلى آخر، وهكذا دواليك. ويجري في جميع هذه الأفلام تبادل إطلاق الرصاص بين البطل والخصم، وفي اللحظة التي تصبح فيها حياة البطل معرضة لإصابة محققة يظهر فجأة في اللحظة الأخيرة من لا مكان صديقٌ منقذ يردي الخصم برصاصة. وفي جميع هذه الأفلام يجاهد الممثل طويلا ويده تمسكك بحافة مبنى شاهق محاولا الصمود، فإن كان بطلا، تمكن من القفز مجددا نحو الأعلى، وإن كان شريرا هوى نحو مصيره الحتمي. ولا تستغني هذه الأفلام أيضا عن ثورة الكمبيوتر المعاصرة، فتجعل أبطال الأفلام يندفعون بقوة نحو شاشة الكمبيوتر يضغطون على مفاتيح الطابعة بسرعة فائقة فتنكشف أمامهم معلومات تعجز عن اكتشافها كل أجهزة الأمن في العالم.

هذه بعض تفاصيل نماذج عن قوالب متشابهة في أفلام هي نتاج سينما متشابهة تحكمها قواعد واحدة. ويمكن لأي هاوي سينما لبيب أن يعثر بسهولة على عدد كبير من نماذج لمشاهد متكررة.

لم تغير التطورات التقنية في هذه القواعد شيئا، وكل ما فعلته في مجال الأفلام هو زيادة إبهار عيون المشاهدين بواسطة المؤثرات البصرية الصارخة. لكن المؤثرات البصرية أيضا سرعان ما وقعت في مطب الرتابة، فهي في النتيجة تعرض نفس الأحداث ولكن بنسب متفاوتة من حجم المبالغة في استخدام المؤثرات، ومثال ذلك أن السيارة المعرضة للمطاردة كانت في الماضي تنحرف عن الطريق أو تصطدم بجسم صلب، أما الآن فصار بالمقدور تصويرها وهي تنقلب وتنقلب وتطير في الهواء وهي تهوي نحو واد سحيق ثم تنفجر وتلتهب.

التفاصيل المتشابهة هي نتيجة حتمية للبنى المتشابهة. وقد تسنى لي الاطلاع على كتاب عن السيناريو كتبه واحد من المنشغلين في صناعة كتابة السيناريو في هوليوود حدد فيه بدقة، اعتمادا على خبرته الشخصية، الآليات والقواعد التي لا محيد عنها والتي تتحكم في عملية كتابة نصوص السيناريو. ينطلق المؤلف من اشتراط أن السيناريو بطول ساعتين يجب أن يتكون من مئة وعشرين صفحة تحديدا بمعدل دقيقة للصفحة الواحدة. وانطلاقا من هذه القاعدة الراسخة يحدد المؤلف بعض التعليمات ومنها أن الحدث يجب أن يصل في الصفحة كذا حصرا إلى نقطة تطور محددة أو أن يصل في صفحة أخرى إلى دخول شخصية جديدة أو بروز عنصر جديد أو تحول ما والخ. ويؤكد المؤلف أن الالتزام بهذه القواعد الراسخة والمجربة عبر تاريخ سينما الآكشن الطويل شرط لا غنى عنه من اجل ضمان تشويق جماهير المشاهدين إلى الأحداث في كل زمان ومكان.

يختلف جماهير مشاهدي الأفلام المعاصرين عن أسلافهم الذين فاجأتهم ولادة السينما بصورها المتحركة كما في الواقع فانبهروا، كما يختلف المشاهدون المعاصرون عن الذين عاشوا قبل خمسين عاما أو أقل ولم يعودوا مبهورين بحركة الصور بل بمحتواها، وما عادت صناعة الأفلام تشكل سرا بالنسبة لهم، يختلفون بحكم التطور الطبيعي وزيادة المعارف وتراكم الخبرات. من المفترض إذن، أن يتغير وعيهم وان تتغير أذواقهم وتتطور، وهذا حاصل بطبيعة الحال في معظم مجالات الحياة والنشاط الإنساني، ولكن، بنسب متفاوتة. يرتبط أقل هذه النسب بعلاقة غالبية جماهير مشاهدي الأفلام بالسينما، حيث لا يزالون مرهونين للسينما الترفيهية التي تشكل أفلام الآكشن بمختلف أنواعها عصبها الرئيسي. وفي هذا الصدد يحضرني رأي أورده ناقد سينمائي أوروبي قبل عدة عقود من الزمن يتعلق بتحديد لمن تتوجه أفلام الآكشن عامة، إذ ذكر أن أفلام الآكشن تتوجه نحو جمهور متوسط الغباء. وربما قد يفسر هذا الرأي، على ما فيه من تعبير حاد قد يستنكره الكثيرون، السبب الذي يجعل تلك النوعية من الأفلام الرتيبة المتشابهة تستمر في الاحتفاظ بجاذبيتها الجماهيرية لدى أجيال المشاهدين المتعاقبة، وذلك على الرغم من أنف التقدم التاريخي والتطور الحضاري وأنف النقاد السينمائيين والمهرجانات السينمائية الدولية التي تمنح جوائزها لأفلام مغايرة كليا وفيها الكثير من الإبداع والتميز والفرادة.
* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 9 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك