سينماتك

 

هالة العبدالله وعمارالبيك في حوارية حول فيلمهما "أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها":

أخذنا الفيلم خطوات أبعد بالسينما وببلدنا وبالصدق

ريما المسمار

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

قليلة هي التجارب السينمائية التي تقوم على شراكة ابداعية متساوية حيث يصير العمل نتاج مماحكة بين فكرين ورأيين ورؤيتين. وقليلة هي التجارب التي ان قامت على ذلك أثمرت ما هو أعمق وأبعد وأكثر إثارة مما قد يتأتى عن التجربة الفردية. كذا هي الحال مع هالة العبد الله وعمار البيك في فيلمهما الوثائقي المشترك "انا التي تحمل الزهور الى قبرها". انها التجربة الاولى للعبد الله في مجال التأليف والاخراج المنفردين بعد سنوات طويلة من العمل (المسجّل وغير المسجل) على مشاريع سينمائية كمنتجة فنية أو مشاركة في الكتابة او سواها من الأعمال التي تتطلب تورطاً شخصياً وابداعياً يبدو لدى العبد الله اسلوب عمل وحياة. اما البيك فيأتي من تجربة فوتوغرافية وإخراجية ذات نبرة جمالية وفنية أثمرت مجموعة افلام قصيرة من بينها "انهم كانوا هنا" و"كلاب".

التجربة بخصوصيتها جالت على افكار كثيرة في الشكل والمضمون. بين التجريب البصري الذي يمنح الشريط مساحة رحبة للقول والبوح والابيض والاسود الذي يختزل في مكان ما غصة وفي آخر شعرية لا يمل الفيلم من محاولة الامساك بها، تحكي هالة بينما يعبّد عمار الطريق بالصورة والحث والاستفزاز، افكار وتجارب ربع قرن عاشتها في باريس وزارت خلالها بلدها الأم سوريا في رحلات عمل تسميها رحلات "استطلاع". تكاد رحلة الفيلم الحالي لا تخلو من استطلاع ايضاً خلا انه استطلاع لأماكن بعضها في الذاكرة وبعضها الآخر وهم ومنها ما هو ثابت وواقعي. بين هذه الحالات يتفرع الفيلم، فيحكي عن احلام وآلام وخيبات جيل (من النساء) ومنفى فنان ومشاريع افلام لم تصبح افلام باحثاً في كل ذلك عن الشعر الذي يبكي الفيلم لشدته.

افتتح الفيلم في عرض اول في مهرجان البندقية في ايلول الفائت وانطلق بعدة في عروض مهرجانية في بيروت وقرطاج ودبي (حاز الجائزة الثالثة) ومؤخراً في الاسكندرية. في هذه الاثناء يُعرض في سوق مهرجان برلين الذي انطلق امس ويتحضر للمشاركة في مسابقة مهرجان المكسيك المعاصر للفيلم.

اللقاء مع المخرجين كان أشبه بامتداد لحوارية بدأت بينهما منذ زمن طويل وأتقناها من دون ان يفقدا طزاجة اكتشاف الاشياء. كان يكفي سؤال صغير او ملاحظة أو تساؤل عن كيفية التعاون لينطلق الحديث فياضاً ويعبر من فكرة الى أخرى ومن حكاية الى حكاية حتى يبدو للسامع ان فيلماً آخر يمكن ان يُنجز عن كواليس هذا الفيلم ومراحله.

هنا محاولة لسبر أغوار هذه التجربة تقوم على حوارية بين المخرجين.

لعب وبوح

·         الفيلم قائم على علاقة ثلاثية بالزمن وبالسينما وبالمشاهد. أية لعبة تخوضانها هنا وما الذي حركها؟

هالة: هو كل هذا وغيره. الفيلم لعبة بالفعل لأنني ميالة الى الاعتقاد بأن كل مشروع هو دعوة الى اللعب. دعوة المتفرج الى دخول المغامرة ودعوة أنفسنا الى اكتشاف ما نريد صنعه بدون ادعاء مسبق بمعرفة الشكل النهائي الذي سيتقر العمل عليه. الحياة هي هكذا لعب وجد ومزاح وغموض. هي ان نمسك خيطاً لا نهايته غير واضحة او ان نفتح باباً لا نعرف الى اين سيفضي. هذا لعب ولا نستطيع ازاء الحياة ان نمسك بشيء بشكل نهائي ان ان نقرأه كصفحة مكتوبة. من هنا تحضر مشاهد ورق اللعب التي تجعل فكرة اللعب محسوسة.

الشيء الآخر الذي يحرك هذا الفيلم هي الرغبة بالمفاتحة أو الأصح الرغبة المتطرفة في مفاتحة المتفرج وكشف الاوراق أمامه بعيداً من الضوابط الداخلية والخارجية. لعل تجاربي السابقة والكثيرة مع المخرجين راكمت عندي تلك الرغبة. غالباً ما كان يستوقفني في المشاريع السينمائية التي شاركت فيها او عملت عليها المحاولة المقصودة او غير المقصودة لوضع حاجز بين المخرج والمشاهد على مستوى البوح. في هذه التجربة، أحببت ان يكون هناك بوح لا نهائي وتسليم كامل للمفاتيح الفنية والروحية للمشاهد

أما البعد الثالث فيتمثل بالعلاقة بالزمن. لذلك هناك مقدمة بصوتي تعبر عن المعنى العميق لتداركي الزمن، كإمرأة، بلحظات أخيرة. سبق ان تداركته بإنجاب طفلة وكان علي ان أتمم ذلك بإنجاز فيلم. ما أقوله في الفيلم هو عصارة وقت طويل مضى. ولكنني الآن بالذات، أي آن تبلور الافكار في مشروع، رغبت في توقيف الزمن. ربما لأنني خفت من ان تتحول كل تلك المشاعر تجاه السنوات الماضية الى حنين فتضيع خلف ظهري من دون ان أنجز شيئاً.

كنت تماماً كمن يمسك بطفل ويحاول ان يمشّيه ولكنني أحتاج الى من يمسك بيده الأخرى. كان "عمّار" هو من أمسك به من الجانب الآخر. بالطبع هذا الكلام نتيجة تحليل لاحق للأشياء. الآن أفهم كا كنا نفعله وأحاول توصيفه. ولكن في وقتها كان اللاوعي والرغبات الدفينينة وانسجامنا في نوع معين من الشغل هي الصفة الغالبة للعمل.

أعتقد أن أي مشروع سيلي هذا سيكون معقوداً ايضاً على الرغبة في فتح القلب والبوح تجاه الآخر. هذا المشروع كان أشبه بحبة الحمص التي تنمو في محيط خصب وتتكاثر. لقد كان موجوداً في داخلي دائماً آخذاً في النمو الى ان وصل الى لحظة التفجر فجاء "عمار" وفتح الباب له.

بناء وتكسير وجنون

·     كيف استقر الحال على ان يكون الاخراج مشتركاً؟ كيف يمكن هذا النوع من الافلام القائم على ذاتية شبه مطلقة ان يحتمل شخصين؟ وما هي المراحل تالياً التي مر فيها؟

عمار: أعرف "هالة" منذ سنتين. قبلهما، كنت أعرف اسمها الذي قرأته في عدد كبير من الافلام السورية ومن بينها مشاركة إخراجية مع محمد ملص. فاجأني ذلك لأن فكرة تشارك الاخراج تفترض علاقة خاصة. ولد ذلك عندي الرغبة في التعرف بها. في الوقت عينه كنت أكتب سيناريو فيلم طويل وبعد ان التقيتها صرت أقرأ لها ما أكتبه وكانت تعليقاتها تفصيلية ودقيقة فطلبت منها أن تشاركني إنهاء السيناريو. دائماً كانت تُسأل لماذا لا تصنع فيلماً. الواقع انني اكتشفت عندها سيناريوات وأفكاراً لا تحصى على الورق من دون ان تملك الجرأة لتبدأ. كانت لديها فكرة جمع كل ما كتبته في فيلم واحد يقوم على رحلة استطلاع لأماكن تصوير محتملة في سوريا. ومن جهة ثانية، كانت متمسكة بالمادة المصورة لصديقاتها الثلاث. بدا هذا الخليط المادة الاساسية للمشروع كما بدا ان هذا الخلط سيذهب بالمشروع بعيداً جداً. على صعيد آخر، كنت قد بدأت مشروعي الخاص لصنع بورتريه عن الفنان يوسف عبدلكي، زوج هالة. المادة انتهت الى الفيلم في شكل مختلف.

هالة: بالفعل المشروع مر في مراحل كثيرة ومعقدة قبل ان يرسو على مضمونه وشكله النهائيين. في أرشيفي نحو من خمسة عشر فيلماً مكتوباً. عندما قررت صنع فيلم، وجدتني أبحث عن طريقة للتخلص منها دفعة واحدة. فكانت فكرة اختيار مشهد واحد من كل سيناريو والتفتيش عن مكان لتصويره في سوريا وبعد العثور على المكان، أصور المشهد سينمائياً. هكذا ظننت أنني أنهي علاقتي بتك الأفلام بأن أجسدها سينمائياً ولو بمشهد واحد مع التركيز على رحلة استطلاع الأمكنة كرحلة ذاتية جوانية قائمة على البوح. كان العنوان الاولي "استطلاع الحب والموت". صورنا أماكن كثيرة ولكن مع اقتراب الرحلة من نهايتها، بدا لي ان تصوير المشاهد السينمائية لم يعد حاجة. الرحلة في حد ذاتها أرضتني.

عمار: أضيفي الى ذلك ان تصوير المشاهد سينمائياً كان سيتطلب انتظار التمويل في حين ان الانتظار لا ينسجم مع مادة من هذا النوع. فكان قرار الذهاب أبعد في الجنون.
هالة: بعد ذلك انفصلنا عمار وأنا، فأكمل هو العمل على مشروع "يوسف" وبدأت أنا بالتفكير في المادة التي بين يدي. بعدها اقترح عمار ان نقوم بالدمج، اي ان يدخل مادته عن يوسف في الفيلم. من هناك، دخل الفيلم في مرحلة جديدة. حضور "عمار" كمصور وطريقة التصوير هما مشاركة في الاخراج فضلاً عن ان حضوره منحني لحظة الاسترخاء أمام الكاميرا تماماً كما كان تأثير حضوري على صديقاتي في بوحهن للكاميرا. قبله، كنت أشعر بالقلق ازاء ظهوري امام الكاميرا او حتى حضور صوتي. الثقة بيننا مهدت للبوح. هو خلف الكاميرا وأنا أمامها والمكاشفة هي الوسيلة للتواصل مع المشاهد.

كتابة بالخرائط

·         ماذا كُتب من الفيلم قبل التصوير وماذا كُتب خلاله؟ بمعنى آخر، هل كان هناك سيناريو اتبعتماه؟

عمار: خلق عملنا المشترك على السيناريو الخاص بي الذي ذكرته رفقة، رفقة سينما بيننا واتفاق على آراء كثيرة حول السينما عموماً والسينما في سوريا خصوصاً. كتابة هذا المشروع تمت في مرحلتين. المونتاج هو نوع من الكتابة. كنا نكتب خرائط: السجن، البنات، يوسف... كثافة هائلة في المادة المصورة والصوت. الشريط الصوتي المرافق كتب كذلك مراراً وتكراراً.

هالة: كان واضحاً انه إخراج مشترك وان المشروع سيُكتب أثناء التصوير. في أحيانٍ، راودتني فكرة الظهور أمام الكاميرا في وضع شبيه لصديقاتي ولكن ذلك لم يكن ممكناً بدون أحد خلف الكاميرا يمسك بالخيط من طرفه الآخر. كان يستحيل فعل ذلك مع "عمار". فما بيني وبين النساء الثلاث تجربة عمرها 30 سنة ولحظة ألم مشابه. لذلك كان يتحتم على حضور "عمار" ان يكون في مكانه ومكانه التجريب والاكتشاف الحر.

·     الفيلم رحلة جسدية فضلاً عن كونه رحلة سينمائية. هل الرحلة الجغرافية ضرورة لاجتيار المسافة الروحية التي يتطلبها العمل السينمائي؟

هالة: رحلة الاستطلاع هي اجتياز طريق يفضي الى مكان المشهد المكتوب سينمائياً. ولكنه ايضاً الطريق الى نفسي وجيلي والطريف للفيلم لكي يتشكل وللكلمة لكي تخرج. انه الطريق الى طريقي. غموض مطلق كان رفيق الرحلة في الذاكرة والتاريخ والقصة تتجسد في أماكن ذات دلالات جغرافية وتاريخية ودرامية.

في المونتاج، اتخذ الفيلم شكلاً شديد التركيب الذي هو مزيج من الرحلتين الجسدية والنفسية. وما كان ذلك ليكون ممكناً لولا نظام مونتاج رقمي في البيت وتفرغ عمار الكامل للمشروع قرابة العام بحثاً وتجريباً في الامكانيات اللامتناهية للتركيب. كانت التجربة خاصة جداً بدون قيود زمنية أو مادية قائمة على مماحكة بين عمار وبيني وتمسك كل منا بأفكاره وطريقة شغله. الوصول الى فكرة جديدة كانت متعة نسكر منا.

الوطن والذاكرة

·         هل الفيلم إعادة اكتشاف لفكرة الوطن؟ هل هو إعادة رسم لخريطته؟ مصالحة معه؟ حفظ لذاكرتك فيه؟

هالة: خلال ربع قرن هي فترة اقامتي في باريس، كانت زياراتي الى سوريا للعمل فقط بينما كان يوسف محروماً منها. تحول الوطن خلالها طرقات استطلاع ولقاء اصدقاء. كنت أتعرف الى سوريا كمكان لفيلم روائي او وثائقي، كشيء منفصل عن الحياة وموازي لها. هذا واقع لا استطيع خلعه لذلك يتشكل خط الرواية او السرد في الفيلم من مزيج تاريخي وجغرافي وموروث.

عمار: في الفيلم تتجلى علاقة الغربة مع المكان. ولكن الفيلم نفسه يتحول الوطن او مجموعة الاوطان. بعد مماحكة جيلين وحالتين يطلع هذا الفيلم وطناً أفتخر بالانتماء اليه. انه زاويتي كي لا اقول وطني.

هالة: حكاية الطفل في الجزيرة تختصر الفيلم. هي قصة لا تشبه باقي القصص وتمتاز بخصوصية القراءات المتعددة. انها لعبة او موقف سوريالي او خرافة عن جزيرة ارواد التي تصبح بلا سلطة فيأتي الطفل في لحظة ليصبح هو السلطة من دون ان يكون لذلك اي معنى في غياب البشر والحياة عن الجزيرة ثم ينفخ الروح في القارب ويغادر. هذا هو احساسي تجاه الفيلم وتجاه الحياة.

هذا نوع آخر من الافلام الوثائقية حيث الهدف ليس الحفظ بل الكشف. الاشياء التي نتحدث عنها محفوظة وذاكرتها موجودة وهي لعين ذلك تحتاج الى ان تُكشف وتُعرض للشمس. ثمة لحظات في الفيلم محفوظة كحكاية السيدة الارمنية التي تسكنها ثم يأتي الفيلم ليخرج لحظة الالم هذه ويحررها من الكبت والحفظ والتاريخ.

المغامرة­الانتاج

·         كيف أنتج هذا المشروع؟

هالة: هذا المشروع قام على التحدي والعناد. كان يمكن الموضوع ان يثير فانتازيا الغرب. لذلك لم يكن صعباً ايجاد التمويل لاسيما ان هذا الشق من صميم عملي السينمائي كمنتجة. ولكن العزوف عن البحث عن تمويل او مساندة مادية كان سببه رغبة دفينة في تحدي التشوه الفظيع الحاصل في المنطقة في تركيبة الانتاج التي لا تنبع بالضرورة من رغبة المخرج ولا من حاجة المشروع. جرفنا احساسنا الى توفير الحرية غير المشروطة للمشروع بدون اي التزام مادي او زمني.
عمار: أجد فكرة التمويل والانتاج القائمة على مبدأ العرض والطلب تقلل من قيمة الفكر الانساني. صاحب المشروع ينتظر رأي طرف الانتاج فقط لأن الاخير يدفع المال.

هالة: دخلنا في المغامرة الى الآخر وعلى جميع الاصعدة. مغامرة الشكل ومغامرة الا نعرف ماذا سيحّل بالفيلم. هذا التطرف في المغامرة متجذر لدي وقد وجد في تعاوني مع عمار صدىً وتصعيداً.

نقطة على السطر

·         هل يقفل هذا الفيلم الباب على مرحلة من حياتك؟ وهل ستنتظرين تراكماً جديداً قبل ان تقرري البوح؟

هالة: هذا الفيلم هو تماماً نقطة على السطر. ينتابني احساس عميق بالراحة وبإنزال حمل ثقيل عن كاهلي. بل انني أقف على مسافة من الفيلم من دون ان يعتريني تجاهه اي احساس بالملكية. أشعر أنني بهذا الفيلم ضحكت على الزمن. شُحنت من جديد. في اللحظة التي بلغت فيها الخمسين وبحت بذلك وتجسدت تجاعيدي في الفيلم، عدت عذراء ومقدامة ومشحونة بطاقة كبرى. لقد حقق لي الفيلم مصالحة ما بين الداخل والخارج. لن أنتظر بعد ذلك الزمن او التراكم لأصنع فيلماً جديداً.

عمار: هالة صنعت فيلمها ولهذا انا شديد الامتنان. على صعيد شخصي، أخَذَنا الفيلم خطوات أبعد في علاقتنا بالسينما وبلدنا والصدق ايضاً. لا أعتقد انني أستطيع ان أشارك أحداً فيلماً مرة ثانية. مع هالة كان للمتعة علاقة بفحوى السينما.

المستقبل اللبنانية في 9 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك