سينماتك

 

استوود يروي قصة صورة علم رفعه الآباء فوق جزيرة

هذه هي الحرب: الأبطال يتساقطون في الميادين أو عالم النسيان

الوسط - نبيل عبدالكريم

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

في فيلم مميز نجح المخرج كلينت استوود في إقامة دراما متكاملة على قصة صورة أخذت في جزيرة «ايووجيما» اليابانية. ومن الصورة قرأ استوود الوجه الآخر للحرب وبنى عليها مجموعة حكايات محزنة. آنذاك كانت الولايات المتحدة تخوض تلك المعارك الضارية ضد النازية (ألمانيا) في أوروبا والمحيط الأطلسي غرباً وضد اليابان في آسيا شرقاً. بدأت الحرب تصل إلى نهاياتها وأخذ الفزع يعصف بالدولة خوفاً من الإفلاس المالي وعدم قدرة الخزينة على تغطية نفقات الحرب في لحظاتها الأخيرة.

كذلك كان الرأي العام الأميركي ودافع الضرائب بدأ يمل من استمرار الحرب وينتظر بشغف ذاك الإعلان الرسمي عن النصر وعودة الأبناء إلى ديارهم مكللين بمهمتهم.

وبسبب الخوف على خسارة الحرب نتيجة فراغ الخزينة من المال أو نتيجة الملل من طول مدتها أو عدم جدواها دخلت إدارة واشنطن في صراع مع الوقت، فهي كانت تبحث عن إشارة للانتصار ترفع معنويات الناس وتشجعهم على التبرع بالمال أو شراء سندات الخزينة طمعاً في كسب الحرب التي تحتاج إلى تضحية وتغطية نفقات ومزيد من الصبر.

في هذه اللحظات جاء التقاط الصورة مصادفة. وتحولت الصورة التي نشرتها صحيفة أميركية إلى رمز ألهب المشاعر وعززت الثقة بالنفس ورفعت من درجة الانضباط بالواجب الوطني وأعطت دفعة معنوية كانت قيادة الجيش بحاجة إليها لكسب ذاك التعاطف المطلوب للاستمرار في اجتياز الخطوات الأخيرة من الحرب.

الصورة عادية جداً ولكنها كانت كافية للإيفاء بالغرض. فهي تصور مجموعة جنود يرفعون العلم الأميركي على مرتفع في تلك الجزيرة. ومشهد رفع العلم يعني أن القوات الأميركية في موقع المنتصر، ويعني أيضاً أن أباء وأمهات وزوجات وشقيقات والأسر التي تتلهف لحظة عودة أولادها إلى الوطن لم تعد بعيدة.

إلا أن لهذه الصورة المنشورة كانت لها حكاية. وحكايتها ليست للسرد حتى لا تنكشف ألغازها وتحبط العائلات والأسر وتعطي مفعولها العكسي.

استوود وبعد 62 عاماً على تلك الصورة التاريخية قام بكشف تلك الجوانب المظلمة والمؤلمة وأزاح عنها ذاك الغبار الكثيف من خلال كتاب أصدره ابن أحد الجنود كان له دوره في رفع العلم. فالكتاب صدر بعد وفاة الأب واستند إلى أرشيف والده وما تركه في ذاك الصندوق من صور وذكريات ونياشين وأوسمة.

المأسوي في الأمر أن الأب لم يحدث ابنه عن ذاك اليوم أو تلك البطولات. فالأب تجنب الكلام عن تلك الصورة وأبقى تلك المسألة في ضباب كثيف. وحين شارف الأب على الموت كانت تلك اللحظة المفارقة التي تخللها اعتذار الأب للابن عن إهماله ومفارقته الدنيا تاركاً لولده الأسرار في ذاك الصندوق.

شكل كتاب «Flags of our Fathers» مادة أساسية للشريط السينمائي الذي أنتجه وأخرجه استوود بالتعاون مع بيتر سبيلبرغ. ومن الكتاب صنع ذاك الفيلم الذي يعيد قراءة التاريخ كما يرويها أبطال الميادين لا كما وردت في صالونات السياسة وأعضاء الكونغرس وجنرالات واشنطن.

تبدأ حكاية الصورة في العام 1944 وهو العام الذي توفي فيه الرئيس روزفلت قبل أن يكمل ولايته ليأتي مكانه نائبه ترومان. آنذاك كانت القوات الأميركية نجحت في طرد القوات اليابانية من آسيا وأخذت بمحاصرتها وعزلها عن مناطق سيطرتها. وشكلت معركة جزيرة «ايووجيما» بداية جديدة. فهذه الجزيرة الصغيرة التي يبلغ طولها 7 أميال وعرضها 5 أميال تعتبر مهمة استراتيجياً والأهم تعتبر ضربة معنوية لطوكيو في حال انتزعت من الجيش الياباني. والسبب في ذلك هو أن هذه الجزيرة يابانية وتابعة للدولة وهذا يعني أن معركتها تشكل أول مواجهة حقيقية على أرض يابانية وهي بالتالي تعتبر معركة مقدسة للجنود اليابانيين. كل المعارك السابقة التي وقعت بين الجيشين كانت على أرضٍ ليست يابانية وبالتالي كان دفاع الجنود عنها مهماً ولكنه لم يرتقِ إلى «المقدس».

وبسبب خصوصية المعركة النفسية ركزت قيادة الجيش الأميركي على الاستيلاء عليها مهما كلف الأمر لأنها تشكل ضربة معنوية وضرورة عسكرية والأهم أنها تشكل بالون اختبار يعطي فكرة عن مدى استعداد الجندي الياباني على التضحية بنفسه دفاعاً عن «المقدس». فالمعركة اذاً محاولة جس نبض لقوة الجندي الياباني بعد حرب طويلة دافع خلالها جيش الامبراطور عن مصالح الدولة لا عن أرضها المقدسة.

وبدأت الحرب. القيادة العسكرية الأميركية قررت بداية استعراض قوتها الجوية فأرسلت مئات الطائرات وشنت آلاف الغارات على المواقع العسكرية في الجزيرة الصغيرة التي حشدت فيها طوكيو نحو 12 ألف جندي وأقامت تحصينات مخيفة تحت الأرض وحفرت الخنادق والجيوب في المرتفعات.

الجزيرة عموماً منبسطة باستثناء منطقة جزئية تقع فيها مرتفعات صخرية. ولذلك تركز القصف على ذاك الجزء لأن سقوطه يسهل عملية الاستيلاء على الجزيرة كلها.

بعد القصف الجوي اقتربت السفن والمدمرات وحاملات الجند البرمائية بأعداد هائلة تجاوزت ألف قطعة بحرية. وتوقف الزحف البحري على مقربة من الشاطئ وقصفت المدفعية لمدى ثلاثة أيام متتالية تلك المرتفعات الصلبة، وبعدها أعطيت التوجيهات بالإنزال البري. وهنا بدأت المشكلة.

القيادة العسكرية الأميركية اعتقدت للوهلة الأولى أنها سحقت المراكز اليابانية من خلال القصفين الجوي والبحري وأن عملية الإنزال لن تكون مكلفة بشرياً نظراً للتفوق الميداني وكثافة النيران. وما حصل على الأرض شكل تلك المفارقة المدهشة. فالتحصينات كانت قوية ومدروسة ومهندسة بطريقة مذهلة أدت إلى إحداث مفاجأة شكلت صدمة غير متوقعة للقوات الأميركية.

كانت التقديرات أن الجزيرة لن تصمد أكثر من ثلاثة أيام. وكانت قيادة واشنطن برئاسة ترومان الذي دخل حديثاً إلى «البيت الأبيض» ينتظر بفارغ الصبر تلك المعركة حتى يسجل النصر باسمه وتحت قيادته ويستطيع توظيفها شعبياً وداخل الكونغرس لكسب السمعة الطيبة وجمع الأموال الكافية للاستمرار في الحرب وإقناع الناخب بالصبر ودافع الضرائب بتمويلها. فالخزينة كانت على قاب قوسين من الإفلاس ووزارة الدفاع كانت بحاجة إلى موازنة لا تقل عن 14 مليار دولار لتغطية نفقات الحرب. لذلك ارتدت تلك المعركة الصغيرة أهمية كبرى. فالفشل يعني كارثة للإدارة والجيش معاً والفوز يعني بداية الانتصار العسكري.

وهكذا وقع قادة الجيش الميداني تحت ضغط القيادة السياسية في واشنطن التي كانت تستعجل إعلان الاستيلاء على الجزيرة، وتحت ضغط تلك المقاومة الشرسة التي ظهرت من قبل جنود جيش الامبراطور. وبدلاً من أن تسقط «ايووجيما» في ثلاثة أيام سقطت بعد 40 يوماً. وبعد أن كان الجنود يعتبرونها مجرد نزهة قصيرة تمهد الطريق لتلك المعارك الكبرى شكلت المعركة هزة نفسية بسبب الخسائر الهائلة وغير المتوقعة.

من هنا جاءت أهمية الصورة. وكان لابد منها لإعطاء فكرة سريعة عن النجاحات الباهرة التي يحققها الجيش ميدانياً. وتحت ضغط القيادة السياسية واستعجالها بإرسال إشارة بسيطة التقطت تلك الصورة على ذاك المرتفع في الأسبوع الأول وقبل نهاية المعركة بـ 4 أسابيع.

في الأسبوع الأول نجح «المارينز» في الاستيلاء على شريط ضيق شكل تلك المسافة لتوسيع الإنزال.

وقرر قائد الأساطيل البدء في الصعود إلى المرتفعات وطلب من المجموعة الأولى رفع العلم على أول تلة يصلونها والتقاط صورة تذكارية بالمناسبة.

يصل الخبر إلى واشنطن ويأخذ الزعماء والقادة والجنرالات وأعضاء الكونغرس بالتنافس على كسب الشهرة من خلال الفوز بذاك العلم الذي رفع على التلة. وتطلب القيادة السياسية من قائد الأساطيل إرسال العلم المرفوع إلى واشنطن لاستخدامه في رفع المعنويات وتنشيط حملات جمع التبرعات.

كانت المجموعة الأولى التي رفعت العلم فوق التلة غادرت مواقعها وتقدمت برياً لاستكمال مهمتها الصعبة في الاستيلاء على الجزيرة. فاضطر قائد الأساطيل إلى تكليف مجموعة ثانية بالتوجه إلى المكان نفسه وإنزال العلم الأول ورفع علم آخر بدلاً منه. المسألة عفوية وبسيطة وغير مقصودة ولكنها تحولت لاحقاً إلى حكاية كبيرة. وهنا بالضبط تبدأ فلسفة الشريط السينمائي.

اتجهت المجموعة الثانية إلى التلة حاملة معها العلم البديل وأنزلت السارية الأولى لترسل إلى واشنطن ورفعت السارية الثانية، وفي هذه اللحظة التقطت تلك الصورة التاريخية التي تحولت إلى رمز أميركا بعد نشرها في الصحف.

أحدثت الصورة مفعولها وكان وقعها على الرأي العام ودافع الضرائب وأعضاء الكونغرس والقيادة السياسية والرئيس ترومان أكبر من حجمها. وهكذا تحولت إلى مشروع تجاري يمكن استثماره لجمع مليارات الدولارات ولسد نفقات الحرب.

وعلى هذا تبدأ المفارقات. واشنطن طلبت من القيادة العسكرية إرسال تلك المجموعة من الجنود إلى البلاد للقيام بجولة على الولايات والمدن والعاصمة لرفع المعنويات والترويج للحرب. فالقيادة تريد المجموعة التي ظهرت في الصورة الثانية (البديلة والمزيفة) لأن الناس لا يعرفون حكاية الأولى واستبدال العلم الأول بالعلم الثاني. هذه نقطة.

النقطة الثانية أن المجموعة الأولى قتلت في المعارك ولم تعد موجودة، بينما المجموعة الثانية قتل نصفها وبقي ثلاثة من الجنود. فالحرب على الجزيرة لم تنتهِ بعد والقيادة تريد استثمارها سياسياً ومالياً في وقت يتساقط الجنود بالمئات.

النقطة الثالثة، هي أن المجموعة التي طلب منها التوجه إلى بلادها للدعاية للحرب وجدت نفسها في موقع صعب. فهي من جهة تسرق بطولات شهداء كان لهم الفضل في رفع العلم فوق التلة ومن جهة كان عليها أن تمارس الكذب والخداع والنفاق وتغطية موضوع الصورة ومتى أخذت ولماذا؟.

هناك اذاً صورة حقيقية اختفت وقتل أصحابها في أرض المعركة. وهناك صورة بديلة انتشرت في أميركا وتحولت إلى رمز وتشكلت منها لوحات زيتية في الصالونات وأنصبة وتماثيل في ساحات المدن والبلديات.

هؤلاء الثلاثة (نصف المجموعة الثانية) توجهوا إلى أميركا للمشاركة في ذاك السيرك السياسي.

النصف الآخر قتل بينما المجموعة الأولى التي هي من رفع العلم غابت عن التاريخ والذاكرة. لا أحد يعلم عنها ولا أحد يذكرها كذلك القلائل يعرفون حقيقة أمر الالتباس ووجود صورة أخرى هي الحقيقة وهي تخالف في وقائعها الصورة الرمز.

بناءً على هذه المفارقة قام المخرج بتسجيل ذاك الشريط الذي يكشف فيه ملابسات مسألة تعتبر الآن تافهة بعد مرور 60 عاماً على وقائعها. ولكنها آنذاك شكلت أزمة ضمير ومزقت وجدان الجنود الثلاثة الذين استفادوا من تضحية غيرهم. هم أبطال قاتلوا ولكنهم ليسوا فعلاً أبطال هذه الصورة.

لهذا السبب صمت الأب طوال عمره ولم يذكر وقائع الحادث لابنه الذي استدل على الحقيقة من خلال مراجعة الأرشيف والأوراق والقصاصات والأوسمة التي تركها في ذاك الصندوق.

القصة جميلة فهي تروي حكاية أب من خلال الابن. فالأب صمد طوال سنين يخجل من قول الحقيقة حتى لا ينال من قوة الدولة ومعنويات الجيش أو يقلل من احترام الناس لتلك الصورة الرمز.

الابن وجد في قصة والده بطولة. ومنها انطلق لرواية حقيقة الخبر. فالأب بطل ولأنه كذلك أحس بعقدة ذنب لأنه خطف الأضواء عن ناس يستحقون التكريم والتبجيل. كذلك انطلق الابن من «علم الآباء» ليحطم صورة الحرب وليكشف أن الجنود في الميدان هم الأبطال بينما أؤلئك الذين يتاجرون ويتبجحون في الصالونات فهم من الفئة المزيفة التي تسرق تضحيات الناس لكسب الأصوات أو لجلب الأموال إلى الخزينة.

الفيلم مع الجنود وضد الحرب. حتى هؤلاء الثلاثة الذين هبت أميركا لملاقاتهم اسقطوا من الذاكرة بعد انتهاء الحرب. فالدولة تخلت عنهم ورجال الأعمال تجاهلوهم ودخلوا في عالم النسيان. فالبطولة مجرد كلمة لا قيمة لها وهي اخترعت لوظيفة محددة وحين تنتهي تلك الوظيفة يسقط الأبطال في عالم النسيان كما يتساقط الجنود على أرض المعركة.

معركة ايوا جيما

جزيرة ايوا جيما هي إحدى جزر أرخبيل أوغاساوارا الياباني وتعني «جزيرة الكبريت»، وتقع على بعد 1.080 كم جنوب العاصمة (طوكيو). دارت في هذه الجزيرة معركة طاحنة سميت بمعركة ايوا جيما، طرفاها هما الولايات المتحدة الأميركية واليابان وكان ذلك في شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار العام 1945، خلال حملة على المحيط الهادي جرت أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية. الاحتلال الأميركي الذي عرف حينها باسم عملية الانفصال كان يهدف إلى الاستيلاء على القواعد الجوية اليابانية في جزيرة ايوا جيما.

وتشتهر المعركة بالصورة (إلى اليمين) التي تظهر 5 رجال تابعين لشركة أي سي، الفوج الثاني، الفوج البحري الثامن والعشرين، الفرقة البحرية الخامسة، الفيلق البحري الأميركي، بالإضافة الى شركة الملاحة البحرية الأميركية، وهم يرفعون العلم الأميركي على قمة جبل سوري باشي يبلغ ارتفاعها 166 متراً، وهي أعلى قمة في الجزيرة. وقد استولى جنود البحرية الأميركية على جزيرة سوري باشي خلال الأسبوع الأول من القتال. وقتل 3 من بين 6 ممن رفعوا العلم قبل أن تحرر الجزيرة بالكامل. وكان القتال شديداً عانت فيه اليابان من خسائر كثيرة، إذ بلغ عدد الأسرى اليابانيين 22.000 أسيراً، لم ينجو منهم سوى 1.083 أسيراً. أما الولايات المتحدة فقد خسرت 6825 جندياً في المعركة. في الوقت ذاته كان الحلفاء يكسبون الجولة في المحيط الهادي، وكان النصر في جزيرة ايوا جيما خطوة نحو الجزر اليابانية الأخرى.

بطاقة الفيلم  (Flags of Our Fathers )

التصنيف: دراما، حروب ـ تمثيل: ريان فيليبس، آدم بيتش، جيسي برادفورد، جيمي بيل، بين والكر ـ إخراج: كلينت ايستوود        توزيع: وارنر بروس، بيكتشر انترناشيونال، دريم ووركس ـ أرباح الفيلم: 33.306.143 دولاراً أميركياً

الوسط البحرينية في 8 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك