سينماتك

 

المخرج الألماني توم تايكور حقق استقبالاً كان يعتبر مستحيلاً...

«العطر»: البحث عن الذات في عالم بشع وبلا روح

أمستردام - صلاح حسن

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

قد يكون من المفيد إن نشير، قبل الحديث عن الفيلم الذي اقتبسه توم تايكور من رواية «العطر» لباتريك ساسكند ويعرض حالياً الى حكاية تقول إن الفرنسيين اكتشفوا العطور لأنهم لم يعرفوا الاستحمام من قبل، ولكي يتخلصوا من الروائح التي كانت تنبعث من أجسادهم. لكن هذه الحقيقة عندما تترجم إلى شريط سينمائي بصري ستشكل صدمة للمشاهد المعاصر الذي لم ير العالم الأسود في القرن الثامن عشر في وسط باريس الباروكية.

منذ البداية يزجنا المخرج مباشرة في قلب هذا العالم الأسود وبالتحديد في أحشاء المدينة الغارقة بأوحالها، حيث سوق بيع السمك بكل نتانته وقاذوراته المكشوفة والمضمرة. بائعة السمك الشابة تضع مولودها فوق أحشاء الأسماك والنفايات والوحل، وتتركه يصرخ من دون ان تستطيع ان تلمسه بسبب هذا القرف الذي يشبه الكابوس والذي يجرد الجميع من أرواحهم. لذلك تحاول ان تهرب من هذا العالم، غير أن الآخرين يكتشفون الأمر وبذلك تساق الأم إلى المشنقة ويذهب الطفل إلى بيت الأيتام، مستنقع آخر أكثر بشاعة وقسوة.

يولد الطفل بلا روح وبلا رائحة في جسده ككل الناس، ولكنه في المقابل يتمتع بقدرة أسطورية على التعرف الى الروائح بكل أنواعها ويستطيع شمها على بعد مسافات طويلة. فله القدرة على شم روائح البشر والصخور والنباتات والأخشاب وتمييزها. هذه القدرة تدفع صاحبة بيت الأيتام الرهيبة إلى بيعه لصاحب معمل للجلود الذي يبيعه بدوره إلى صاحب معمل للعطور بعد ان يصبح شاباً قابلاً للتداول كأي سلعة.

من تلك اللحظة نستطيع ان نتابع شخصية هذا الكائن كرينوليه (الممثل البريطاني المدهش بن وشاو) الذي ولد في المستنقع وعاش في مستنقع وانتقل إلى عالم آخر هو عالم الروائح الزكية الذي يملكه بالديني (داستن هوفمان)، حيث ينجح في صناعة أنواع جديدة من العطور تشجع صاحب المحل في إعطائه الحرية الكاملة في التجريب من اجل اكتشاف عطور جديدة توصل إلى الثراء والشهرة. غير أن الشاب لا يجد في هذا المعمل ما يبحث عنه وهو عطر خاص اكتشفه ذات يوم في جسد فتاة عذراء قتلها من دون ان يعرف انه ارتكب جريمة وبقي هذا العطر الخاص في مخيلته وأنفه الأسطوري وينبغي الحصول عليه مهما كلف الأمر لأنه بمثابة مصير غير قابل للجدل الذي لا طائل من تحته.

جرح يصدم

إزاء هذه الحال يجدر بنا من اجل تحليل هذه الشخصية ان نستعين بعلم النفس وبالتحديد عالم النفس كارل يونغ في بحثه الشهير عن الذات وعملية التفرد. يقول يونغ: «تبدأ عملية التفرد، أي توصل المرء الشعوري إلى الاتفاق مع مركزه الداخلي أو نفسه الكلية – بصورة عامة مع جرح يصيب الشخصية وما يرافق ذلك من معاناة. اذ إن هذه الصدمة غالباً ما ترقى إلى مستوى النداء». حسناً، اذا عدنا إلى الشخصية وفهمنا جرحها النرجسي (الافتقار إلى الرائحة الخاصة والمعاناة – فقدان الروح) فأننا سنعرف ذلك الإصرار في الحصول على عطر غير مسبوق (البحث عن الذات وعملية التفرد وبالتالي تحقق الانا). وكما يقول يونغ فأن هذه الصدمة ترقى إلى مستوى النداء الذي لن يقف أي عائق في طريق تحقيقه حتى ولو كلف ذلك حياة العشرات من العذراوات في مدينة باريس وضواحيها. وهذا ما يحدث، اذ يستطيع هذا الرجل تصنيع عطره الخاص قبل ان يلقى عليه القبض ومن ثم يساق إلى المشنقة. وفي اللحظة التي يطالب فيها الجمهور بإنزال أقصى العقوبات به، يطلق منديلاً مضمخاً بالعطر الجديد يدفع هذا الجمهور العريض الى ممارسة جنسية جماعية بما في ذلك الكاردينال الذي حضر عملية الإعدام.

لا يمكن تفسير هذا الفيلم في اعتقادنا إلا بهذه الطريقة، واي تحليل آخر سيسقط في التبسيط أو الانحراف والمجانية. ونعول بهذا الصدد على الإخراج والتمثيل والتصوير والمفردات الأخرى التي ساهمت في صناعة هذا الفيلم اللافت. فقد كان المخرج يعرف جيداً أي نوع من الشخصيات تلك التي ينطوي عليها كرينوليه فاقد الروح والرائحة، اذ قامت كاميرته الحساسة للغاية بعكس دواخله الدفينة الغامضة والغريبة من طريق فلاشات سريعة معبرة. وقام الفنان البارع بن وشاو الذي يقدم أول دور رئيسي في حياته باستخدام جسده من دون أن يعطينا ولو فرصة واحدة لمراقبة مشاعره التي ظلت ميتة ولم تظهر على وجهه حتى النهاية، بحيث بدا كما لو انه كان منوماً. حتى انه في أكثر المشاهد إثارة في لحظات القتل لم يبد أي نوع من الانفعالات مهما كانت صغيرة. وقد أراد المخرج من ذلك أن يعطينا انطباعاً بأن ما يقوم به كرينوليه ليس جريمة قتل بمقدار ما هو مصير مقرر سلفاً ولا فرار منه. وقد استطاع المخرج أن يخفف من حجم التراجيديا في فيلمه من خلال تاجر العطور داستن هوفمان الذي ما زال يحتفظ بتلك الروح المنفتحة والاداء العفوي غير المتكلف والاطلالة المريحة مقارنة بمشاهد القذارة والبؤس من جانب والقتل من جانب آخر.

يكمن نجاح هذا الفيلم في تكامل مفرداته السينمائية التي بدت مترابطة ومشذبة، فهناك السيناريو المتقن حتى في ما يتعلق بالتفاصيل الصغيرة، ساهمت الكاميرا الساحرة كثيراً في الإفصاح عن أجوائه النفسية والحسية واللونية إلى حد كبير وبجمالية اقرب ما تكون إلى روح الشعر بحيث كان في إمكاننا أن نشم رائحة أجساد النساء ونلمس شعورهن المبللة.

يعد هذا الفيلم لمخرجه الألماني توم تايكور من أهم الأفلام الأوروبية المنتجة في السنوات الخمسين الأخيرة، وقد عرض حتى الآن في خمسة بلدان أوروبية هي ألمانيا وفرنسا وايطاليا وهولندا وبلجيكا، وحقق أرباحاً تزيد على ستين مليون يورو. شاهده في ألمانيا وحدها أكثر من مليون مشاهد وفي فرنسا العدد نفسه، أما في هولندا فقد بلغ عدد مشاهديه مئة ألف مشاهد. وفي الولايات المتحدة وصل صداه إلى هوليوود بعد عرضه مباشرة ويتوقع له النقاد ان يحصد الكثير من الجوائز ربما الأوسكار. الفيلم كما أشرنا معد عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الألماني ساسكند حققت نجاحاً منقطع النظير وطبع منها خمسة عشر مليون نسخة وترجمت إلى اثنتين وأربعين لغة.

الحياة اللندنية في 2 فبراير 2007

 

بن وايشاو.. صغير السن قدم أداء راقياً رفع من مستوى العمل

«برفيوم» سينما أقل من خيال الرواية

دبي ـ حسين قطايا 

طوعت السينما أعمالاً روائية كثيرة. محولة صيغة لغة الأدب المكتوب إلى لغة بصرية، تراكم على مخيلة الكاتب ونصه الأدبي صيغا تخييلية، تحاكي الأصل وتتجاوزه أحياناً، أو تقصر عنه في أحيان أخرى، فتفشل في تحقيق الاقتباس، لأسباب تتعلق بوساعة فضاءات النص الأدبي المقتبس عنه، وغياب قدرة «المخرج» لان يولد فضاءات سينمائية موازية لأشكال السرد الأدبية. فلا تعود العلاقة بين النصين الأدبي والبصري علاقة مركبة، أو جدلية. وهذا اقل ما هو مطلوب في أي عملية «تناص»، أي بناء نص ثان خارج تكوينات النص الأول.

تتيح خشبة المسرح هذه العملية بيسر، على عكس الفيلم السينمائي. الخشبة تتحلى برحابة من طبيعتها، والفيلم محدد الأفق بحجم الكادر. استخدام الإكسسوارات كذلك مختلف في كلا الفنيين. هذا لا يعني ولا يشير أبداً إلى عجز للسينما، بقدر ما يؤشر إلى عجز بعض المخرجين السينمائيين عن توليد رؤية.

كما هو حاصل مع مخرج فيلم «برفيوم» توم تايكير، الذي جسد رواية شهيرة بالاسم ذاته للكاتب باتريك سوسكايند، الذي صنع عالما غرائبيا سحريا، عن شخصية متخيلة بالكامل تدعى جان باتيست غرونوي. يولد في زمن التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في أوروبا القرن الثامن عشر، ولادة بشكلها ومضمونها تشي برموز كثيفة متداخلة حد التصادم العنيف بتناقضاتها، ومعقودة على موهبة غرونوي الفذة في التقاط روائح كل شيء وكل كائن، إنسان أو حيوان، حي أو ميت، لا فرق، أمام حساسية انف يوغل في إسرار الحياة عبر روائحها، التي لا يكتفي بها غرونوي فيحاول الإضافة إليها، رائحة هي الأعظم والأروع، المنسوجة من جثث لواتي فاتنات قتلهن وغلفهن بالشحم لسحب عطرهن الخاص.

ينجح غرونوي بمسعاه ويسيطر على المجتمع برمته بهذا العطر الساحر.ينظر إليه كملاك، وهو القاتل. يعتبر المحرر وهو المكبوت الأسير. يأكلونه في النهاية وهو الجائع الأزلي. ويمكن تعداد الكثير من هذه المتقابلات في رواية غزيرة بهذا النحو .لكنها لا توحي لمخرج فيلم عطر بأكثر من أن يقدم فيلما يطبق على مخيلة قارئ الرواية، التي تحولت مع تايكير إلى سيناريو عاجز، يستخدم التعليق الصوتي على الأحداث بدل يصور الأحداث ذاتها. يلتقط مفاصل الحكاية ويقتل انفتاحها التخييلي بحركة الكاميا التقليدية وبكوادر كلاسيكية لا رؤية فيها ولا إبداع أو استنباط او إضافات. فقط يسقط في بلادة باردة، لا حول له ولا قوة، معتمدا على شهرة الرواية الكبيرة بان تنجح عل شباك التذاكر.

يجسد الممثل الانجليزي الشاب بن وايشاو شخصية جان باتيست غرونوي، بأداء لا تجده إلا عند ممثلين كبار ومخضرمين. و مع انه صغير السن إلا انه رفع العمل من مطبات المخرج، وأدار نفسه، وألف دوره في كل مشهد أمام المشاهد، هنا يمشي بحركة لساقيه تجر خلفها السرد والفيلم معا. وهناك يصمت فنحبس أنفاسنا. وكذلك هي تعبيرات الوجه والجسد كلها تشي بإبعاد الشخصية المركبة والمعقودة على سلسلة شيفرات، هي عبارة عن مفاتيح لأبواب الحياة المتضمنة حيوات كثيرة كما هي رواية باتريك سوسكايند. فيها روايات كثيرة.

ولا يمكن إغفال الدور الذي قام به القدير داستان هوفمان في شخصية صانع العطور «بالديني»، الذي يستفيد من موهبة غرونوي ويعلمه من خبرته بعض الشيء، ويعلم الممثل الشاب الكثير من روح الأداء خصوصا من دوره بفيلم آخر تحت عنوان «رجل المطر». «برفيوم» رواية كبيرة لم يستطع المخرج توم تايكير أن يصنع منها فيلماً كبيراً.

البيان الإماراتية في 10 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك