سينماتك

 

«الملكة» لستيفن فريرز وثيقة أكثر من رواية

كاريكاتورات أمراء وملكة حقيقية

نديم جرجوره

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

تكمن الملاحظة الأولى حول الفيلم الأخير للمخرج البريطاني ستيفن فريرز «الملكة»، في مسألة فنية بحتة: إن الشقّ الوثائقي فيه «أفضل» بكثير من الشقّ المتخيّل، المقتبس أصلاً من وقائع جرت فصولها في خلال أسبوع واحد فقط، بدأ ليلة 30/31 آب .1997 ذلك أن التخييل لم يبلغ مرحلة إبداعية تتلاءم والحدث الإنساني الناتج من موت الأميرة ديانا وصديقها رجل الأعمال المصري عماد الفايد في نفق «ألما» في باريس، في حين أن التوثيق المستلّ من الصُوَر التلفزيونية الكثيرة بدا أكثر تأثيراً ومصداقية وشفافية و«واقعية». فهو، أي التوثيق، لم ينقل الواقع، لأنه كان الواقع. في حين أن الجانب الدرامي المتخيّل، الذي أعاد تصوير الوقائع من خلال شخصيات تمثيلية، ظلّ عادياً في منحاه السينمائي، بل ظهر، في بعض اللقطات والمتتاليات المشهدية، أقلّ من عاديّ، قياساً لحرفية مخرج من طراز ستيفن فريرز، أثبتت سيرته الفنية أنه قادرٌ على تحقيق الجميل والصادم، وقياساً لمفردات العمل السينمائي، إذ إن «الملكة» حافظ على سوية عادية في جوانبه التقنية والفنية والدرامية، من دون أن يبلغ مستوى الإبهار أو الجماليات المثيرة للتساؤل والبهجة.

توثيق ومتخيّل

بين التوثيقي والمتخيّل، استعاد ستيفن فريرز ذاك الأسبوع الأسود، المليء بالتحديات، والحيوي على مستوى الأحداث الناتجة من موت الأميرة في حادث سير مأسوي: فالشعب البريطاني مصدوم بموت أميرته، والعالم بأسره حزين ومرتبك، في حين أن العائلة المالكة في بريطانيا آثرت الصمت المطبق، واستمرّت في تنفيذ برنامجها اليومي (تمضية عطلتها الصيفية وكأن شيئاً لم يحدث)، ووافقت على مطلب عائلة الأميرة بإقامة جنازة شخصية وشعبية، وليست ملكية. أسبوع مليء بأسئلة معلّقة حول «الملكية البريطانية»، وحول علاقة الملكة إليزابيت الثانية تحديداً بالبريطانيين، وموقع اللايدي ديانا، التي وصفها رئيس الوزراء توني بلير بأنها «أميرة الشعب»، في النظام الملكي وفي المشهد الإنساني البريطاني أولاً وأساساً، ومكانة رئاسة الوزراء في الهرمية الإدارية للمملكة، وقدرة هذا المنصب على التأثير في النظام الملكي الصارم والمتزمّت، ومدى فعالية التأثير الملكي على رئاسة الوزراء أيضاً. أسئلة متفرّعة من موت الأميرة ديانا، كشفت، في خلال أسبوع دام بالقهر والدمع والغضب والحزن والألم، حجم المكانة الإنسانية التي تمتّعت بها الأميرة الراحلة في قلوب الملايين، وأظهرت الرغبة الشعبية البريطانية في التغيير والعصرنة (بدليل الفوز الساحق لتوني بلير في انتخابات رئاسة الوزراء قبل أسابيع قليلة على الحادثة المأسوية، هو الحامل برنامجاً إصلاحياً وتغييرياً وعصرياً و«ثورياً» حينها)، وعكست تطلّع الناس إلى ضرورة مواكبة المرحلة التاريخية الجديدة التي بدأ يعيشها العالم عشية بدء قرن جديد.

على الرغم من أهمية هذه الأسئلة كلّها، وفي مقابل هذا الحادثة المأسوية وتداعياتها، لم يتحرّر «الملكة» من وطأة التبسيط الميلودرامي، المطعّم بلحظات انتقادية ساخرة ومضحكة، متعلّقة بتفاصيل خاصّة بسلوك الملكة وأفراد عائلتها، وهي لحظات جميلة وقليلة، لكنها لا تصنع فيلماً سينمائياً بدا أقرب إلى المعالجة التوثيقية البحتة منه إلى فيلم روائي «متخيّل». ذلك أن أسئلة كهذه، انبثقت من حادثة موت قلبت أحوال بريطانيا والعالم رأساً على عقب ولو لفترة زمنية قصيرة، شكّلت مادة درامية خصبة استفاد ستيفن فريرز منها، لكن بطريقة عادية وبسيطة، بدل التعمّق في جوانبها وتفاصيلها، والذهاب بها إلى حدودها القصوى. بدا فريرز في «الملكة» وكأنه «يتشبّه» بأوليفر ستون في «المركز العالمي للتجارة»: الحادثة مأسوية تطال قلوب الناس ومشاعرهم، لهذا يُستحسن عدم التعمّق بالخلفيات والأبعاد، وعدم طرح أسئلة ثقافية وإنسانية وسياسية تمسّ جوهر الهوية والوجود والعلاقات. غير أن المادتين الدراميتين لـ«الملكة» و«المركز العالمي للتجارة» قادرتان على ممارسة الانتقاد والمواجهة: فالموضوع الأصلي يتعدّى الحادثة المأسوية إلى النقاش الدائر حول الملكية نفسها ونظام تعاطيها مع المجتمع البريطاني، وإلى الأسباب والخلفيات التي أدّت إلى وقوع هذه المجزرة الرهيبة في الحادي عشر من أيلول .2001 فالنقاش البريطاني حيوي وفاعل في بنية المجتمع والثقافة البريطانيين، والأزمة المتعلّقة بالهوية والوجود والعلاقات «انفجرت» بعنف إثر وقوع الجريمة، وبات تناولها مهمّاً وضرورياً. باتت الملكية على المحكّ لحظة وقوع الحادثة، لأن البريطانيين طرحوا أسئلتهم الفعلية على الملكة ونظامها الملكي، حول أسلوب حياتها وكيفية تعاطيها مع لحظات تمسّ الشعب كلّه، وآلية اشتغالها في هذا الزمن. والإدارة السياسية الأميركية وُضعت على بساط التشريح العام، بسبب هذه المجزرة، وبات الجميع راغباً في فهم «ما الذي حدث، وكيف حدث، ولماذا حدث».

تحية أم نقاش؟

يُمكن القول إن التأثير الإنساني لحادثة موت الأميرة ديانا قابلٌ لمواجهة تحدّيات الأسئلة المعلّقة في شؤون الحياة والمجتمع والثقافة، لأن الحادثة نفسها كشفت الخلل الفظيع في العلاقات الداخلية بين أفراد العائلة أولاً، وبين العائلة المالكة والشعب ثانياً. وجريمة الحادي عشر من أيلول قابلة لطرح أسئلة صدامية تطال الوجود الأميركي بأشكاله المختلفة. لكن المخرجَين آثرا الابتعاد عنها في فيلميهما الأخيرين، ربما لأنهما قرّرا أن يكتفيا بإنجاز تحيّة إنسانية عابرة: البريطاني للأميرة ديانا، عشية الاحتفال بالذكرى العاشرة لرحيلها، والأميركي لضحايا الجريمة القذرة التي نفّذها متزمّتون إسلاميون بحق الإنسانية، عشية مرور خمسة أعوام على وقوعها.

إذاً، اختار ستيفن فريرز أسبوعاً واحداً فقط، لتقديم صورة مختصرة عن مسألتين اثنتين: الحادثة المأسوية نفسها وتداعياتها المختلفة، والنظام الملكي وكيفية تعاطيه مع الحادثة. وذلك بين لحظة وقوع الحادثة ليلة 30/31 آب، ورضوخ الملكة إليزابيت الثانية لرغبة الشعب، بمشاركتها إياه في الجنازة التي أقيمت في السادس من أيلول. وبين التاريخين، قدّم فيلم «الملكة» مجموعة من اللحظات الإنسانية المؤثّرة عن ديانا ونشاطاتها وعلاقتها بالإعلام وهروبها منه وموقفها من العائلة المالكة (مشاهد توثيقية تلفزيونية)، ولقطات متفرّقة عن الأسلوب الذي اعتمدته الملكة (وبعض أفراد عائلتها) إزاء الحادثة وتداعياتها (الجانب الروائي). وإذا أدّت غالبية الممثلين، الذين اختير بعضهم لشبه في أشكالهم والأشخاص الحقيقيين (توني بلير وزوجته شيري والأمير تشارلز مثلاً)، أدوارها بشكل عادي للغاية، لا يخلو من تقليد ساذج قد يراه البعض سخرية من الأشخاص الحقيقيين، فإن الممثلة البريطانية هيلن ميرن أبدعت في تأدية دور الملكة إليزابيت، بارتباكها المكبوت، ونطراتها الغامضة، وصلابتها المشكوك بها (تنهار في الغابة لحظة مواجهتها أيلاً يطارده زوجها وحفيديها لاصطياده)، وتمسّكها الصارم بالتقاليد المتّبعة في النظام الملكي، خصوصاً فيما يتعلّق بمسألة الأميرة ديانا، ثم برضوخها لمشيئة الشعب، بعد إلحاح توني بلير الذي اغتنم فرصة وقوع الحادثة لتثبيت زعامته الشعبية. ظلّت هيلن ميرن متماسكة بأدائها الجميل في خلال أحداث الفيلم كلّها، وبدت أكثر الممثلين قدرة على الإقناع ببراعتها التمثيلية اللافتة للنظر.

السفير اللبنانية في 1 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك