سينماتك

 

إياريتو وكوارون وتورو ورودريغيز وصعود الفيلم المكسيكي

قصــة القصــص الأربــع

محمد رضا

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

في اليوم التالي لإعلان نتائج جوائز «غولدن غلوب»، في حفلة شوهدت من قبل نحو 210 ملايين مشاهد في أنحاء العالم، بينهم نحو 50 مليون مُشاهد أميركي (في 20 مليون منزل)، صدرت الصحف المكسيكية سعيدة بالفوز المهم الذي حقّقه فيلم «بابل» بنيله جائزة أفضل فيلم درامي. أثنت العناوين على «جمعية المراسلين الأجانب في هوليوود» مانحة «غولدن غلوب»، وحملت الصفحات الأولى صُوَر مواطنها المخرج إليخاندرو غونزاليز إياريتو رافعاً الجائزة بيده وقد ارتسمت ابتسامة عريضة على محياه. ثلاثة أو أربعة أصوات أقلّ، وكانت الابتسامة ستغيب عن وجهه والترحاب عن الصحف المكسيكية. عوضا عن النجاح وردّات فعله في الصحافة المكسيكية على الأقل، كان لا بدّ من توقّع رذاذ ساخن من منتقدين يرون أن استبعاد «بابل» ومخرجه لم يكن أمراً صحيحاً. ومن تابع الحفل يعلم أن احتمال فوز الفيلم بالجائزة الكبرى كان يتضاءل، فمن بين الجوائز السبع التي رُشّح إليها، توالت النتائج من دون أن ينال أي واحدة منها. وفي كل مرة كان يفوز مرشّح آخر، كانت تتضاءل احتمالات فوز الملحمة المتعدّدة القصص بأي جائزة، حتى لم يبق من الترشيحات السبعة كلّها إلاّ الترشيح لجائزة أفضل فيلم درامي، التي كانت من نصيبه.

«بابل»، الذي فاز بجائزة أفضل مخرج في الدورة الأخيرة (أيار الفائت) لمهرجان «كان»، عملٌ كبير بين أفلام العام الماضي. كما أنه فيلم «عملاق» بالنسبة إلى طموحات عدد من السينمائيين المكسيكيين الذين يجدون أنفسهم هذه الأيام موضع حفاوة وتقدير من قبل المجتمع السينمائي الدولي، لا لشيء إلاّ لأنهم اشتغلوا بجهد في خلال الأعوام القليلة الماضية، بغية الوصول الى النجاح الذي يستحقّونه. كُتب الكثير، شرقاً وغرباً، عن هذا الفيلم الذي يسرد أربع حكايات، كلّها آسرة، تبدو منفصلة وهي بالغة الاتحاد، تتناول الحياة غير العادية لشخصيات غير مميّزة. ولدان وأسرتهما في المغرب، سائحان أميركيان، فتاة يابانية صماء بكماء في طوكيو، خادمة مكسيكية في الولايات المتحدة  تحضر عرساً في قرية مكسيكية، ومشاهدون يحاولون ربط القصص بعضها ببعض، مدركين أن شيئاً من كل ما يرونه لا بدّ من أن يكون له علاقة بالشيء الآخر. من يكترث بالتعمّق، يدرك أن وراء الفقر البادي في القرية المغربية وفي البلدة المكسيكية صلة، وأن بين السائحين الحاملي الهوية الأميركية (تشخيصاً ومفهوماً) والفتاة اليابانية البعيدة التي تعيش عالمها الموصد من حولها وعليها، صلة. ينتقل الفيلم بين هذه الشؤون من دون ترتيب ظاهر، لكن بقدرة متجانسة على ابتداع اللحظات الجاذبة للاهتمام طوال الوقت، ومن دون تفريق، إلى أن يبدأ المشاهد فهم كنه العلاقة بين القصص المروية.

بالقدر نفسه من الاهتمام بالسياسة والعلاقات، لكن في المستقبل غير البعيد، يتقدّم المخرج المكسيكي الآخر ألفونسو كوارون بفيلمه الجديد «أطفال الرجال». كوارون خطّ طريقاً أشقّ وأصعب من طريق زميله إياريتو، فهو وُلد قبل 45 سنة في فقر مدقع، وكابد لأجل العمل في السينما، وأمضى الثمانينيات ونصف التسعينيات وهو يعمل مساعد مخرج حيناً ومصوّراً حيناً آخر لأفلام قصيرة أوّلاً ثم طويلة، ومونتيراً في أعمال عدّة، وحتى ممثلاً، قبل أن يلجأ الى هوليوود التي أتاحت له إخراج فيلم عائلي بعنوان «الأميرة الصغيرة» (1995). عاد من بعده الى المنوال السابق، إلى أن أتيحت له فرصة أخرى من خلال تحديث رواية تشارلز ديكنز «توقعات عظيمة» (1998). كان عليه العودة الى المكسيك ليُحقق فيها نجاحه الحقيقي الأول. في العام ,2001 باشر تصوير «وأمّك أيضا»، حول رحلة طريق تنطلق من المدينة صوب الريف المدقع في الفقر مع شابين وامرأة يتمنّاها كل منهما. الفيلم لفت الأنظار الى المخرج على نقيض فيلميه السابقين. وهذا ما قاده الى إخراج «هاري بوتر وسجين أكزابان»، أفضل أفلام السلسلة وأكثرها دكانة.

«أطفال الرجال» رحلة الى ما بعد انهيار التواصل الذي يحذّر منه زميله (وصديقه) إياريتو. ألفونسو كوارون اقتبس رواية كتبتها ب. د. جيمس ونشرتها في العام 1953 (وهو العام نفسه الذي كتب فيه إيان فليمنغ أولى روايات جيمس بوند «كازينو رويال»). تختلف «أطفال الرجال» الرواية عن روايات الكاتبة، إذ إن معظم أعمالها السابقة بوليسية، أما هذه فوضعتها في عصر المستقبل، وتحديداً في خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وإن شحنتها، كعادتها، بالهموم الاجتماعية. ما فعله ألفونسو كوارون وكاتبه تيموثي سكستون هو زيادة الشحنة الاجتماعية، ودفع الأحداث الى العام ,2027 ولو أن ظروفها، كما يسهل الإدراك، تحيط بنا اليوم. مفاد الفيلم أن النساء أوقفن الإنجاب منذ ثمانية عشر عاماً. أصغر «الأولاد» قتل في عملية إرهابية وهو في الثامنة عشرة من عمره. في بريطانيا، أصبح الحكم فاشياً مطلقاً، تواجهه جماعة إرهابية تدّعي الدفاع عن حقوق المهاجرين الواقعين بين نيران الجيش البريطاني والجماعة الإرهابية على حدّ سواء. في ظلّ ذلك، هناك الصحافي البريطاني الأبيض (كلايڤ أووين) الذي تُعهد إليه مهمّة تأمين وصول الفتاة الأفريقية كي (كلير هوب أشيتي) الى برّ الأمان، ليكتشف بعد قبوله المهمة بامتعاض أنها الحبلى الوحيدة في العالم.

لا مجالَ كافياً للتأكيد على كنه الحرفة التي يعمد اليها المخرج في تصوير قصّته على خلفية داكنة، تظلّلها انتقادات سياسية وطروحات تستدعي الاهتمام. يجد المُشاهد إشارات متعددة، من سجن أبو غريب الى الفارس العربي المقهور، ومن وميض الأمل الى الإيحاء بأن العالم ينتظر «مسيحا» جديداً، ولو أنه يقطع هنا بصفعة تعيد الحالم الى واقعه.

من حق المكسيك إذاً أن تفتخر بنجاح ولديْها ألفونسو وأليخاندرو، ولو أن النجاح يمتد ليشمل سينمائيين مكسيكيين آخرين أيضاً. غويلرمو دل تورو يُضمِّن فيلمه الجديد «متاهة بان» هجوماً على الفاشية في كل الأزمنة، وإن تعامل الفيلم، تبعاً لزمن أحداثه، وفاشية الجنرال فرانكو في خلال الحرب الأهلية الإسبانية. «متاهة بان» فانتازيا من بطولة فتاة صغيرة لكن ذلك لا يجعله فيلما عائلياً. على العكس، لا يبتعد المخرج (الذي سبق وقدّم فيلمين أميركيين مرعبين هما «بلايد 2» و«مولود في الجحيم») عن العنف، ولا يتغاضى عن تقديم علاقات أسروية بعيدة عن جادة الصواب. الضابط الذي تزوّج بأم الفتاة نموذجاً للشخصية السادية في علاقاته مع الآخرين. رجل تتمنّى موته بأقرب مما يتمنّاه الفيلم نفسه.

لكن العام 2006  شهد، قبل هذه الأفلام كلّها، تحقيق فيلم آخر لمخرج مكسيكي الأصل أيضاً، يُدعى روبرتو رودريغيز. بدأ هذا المخرج من «المارياشي»، الذي سرد أحداثاً تقع في قرية مكسيكية غير بعيدة عن الحدود الأميركية، ليدخل النظام الهوليوودي بنجاحات فنيّة غير متساوية. وبعد سلسلة «سباي كيد» (ثلاثة أجزاء) وأفلام تشويقية أو مرعبة عدّة، أنجز، في مطلع العام الماضي، «سن سيتي» بالمشاركة مع فرانك ميلر. ما جعل هذا الفيلم ممتازاً جملة من الاختيارات الفنية المهمّة، منها الالتصاق بالأصل غير الخاضع للتهذيب والحفاظ على ما فيه من عنف وخشونة. إلى ذلك، وعلى الرغم من أن الفيلم لم يكن كرتونياً، فإن الممثلين الذين شاركوا فيه (بروس ويليس وميكي رورك وجيسيكا آلبا وروزاريو دوسون وبنثيو دل تورو وآلايجا وود وباورز بوث)، التصقوا بشخصياتهم كما لو أنها لا تزال مرسومة، ومنحوها قليلاً من التمثيل وكثيراً من الالتزام بروح مبدعها فرانك ميلر. أُنجز الفيلم بالأبيض والأسود، كالرسومات، وتخلّلته شطحات فنية كثيرة للربط المطلق بينه وبين مصدره. كل شيء كان مدروساً ومصيباً حتى لو بدا فوضوياً. إنه أفضل عمل حقّقه رودريغيز الى الآن، منذ فيلمه الصغير «المرياشي»، الذي حقّقه قبل نحو عشرة أعوام.

(هوليوود)

السفير اللبنانية في 27 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك