سينماتك

 

إدوارد نورتون يتألق بأدائه ويتجاوز حدود الموهبة

أبو ظبي ـ محمد الأنصاري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

إذا كانت السينما في أحد أوجهها، قد صنعت من الصورة عالماً من التسلية والمتعة البصرية المدهشة؛ وإذا كان أحد أهداف الأفلام السينمائية الرحيل بالمشاهد من عالم الواقع المجرد إلى عوالم من الأخيلة، والطيران به بعيداً إلى فضاءات لا متناهية من السحر، فإن ذلك ما صنعه الممثل إدوارد نورتون في أدائه العبقري الجميل في فيلمه المعروض حالياً «الساحر» (THE ILLUSIONST) الذي يحكي قصة العشق الرومانسية بين الساحر «آيسنهايم» والأميرة الهنغارية «صوفيا» في نهاية القرن التاسع عشر، ويروي بخيالية تبعد عن الواقع قصة انتحار ولي عهد النمسا «ليوبولد» بعد اتهامه بقتل الأميرة، التي كان من المفترض أن تكون قرينته ومليكته على عرش إمبراطورية النمسا والمجر.

أدى أدوار البطولة في الفيلم مجموعة مختارة من نجوم السينما، على رأسهم النجم المتألق إدوارد نورتون في دور الساحر، والفاتنة جسيكا بيل بدور الأميرة صوفيا، والنجم البريطاني روفوس ساويل بدور ولي عهد النمسا «ليوبولد»، وبول فالنتاين بدور مفتش عام شرطة فيينا، وأخرج الفيلم نيل برغر، والقصة مأخوذة من رواية حملت اسم «الساحر آيسنهايم» للكاتب ستيفن ميلهاوسر، وصورت أغلب مشاهد الفيلم في فيينا، أما العرض الأول له فكان يوم 18 أغسطس من العام الفائت في الصالات الأميركية، وصادف ذلك اليوم تاريخ ميلاد البطل «نورتون» الذي ولد عام 1969 في ولاية كولومبيا الأميركية. تبدأ أحداث الفيلم مع هروب الطفل ويليام من بلدته الريفية الصغيرة، بعد أن ارتبط بحالة حب مراهقة بالأميرة الصغيرة «صوفيا» إحدى سيدات القصر الإمبراطوري النمساوي، وتتواصل الأحداث بعد سنوات ، تحديداً في أواخر القرن التاسع عشر- مع مجيء ساحر يحوز شهرة واسعة في «فيينا» ويشكل ظاهرة يتحدث عنها الجميع، ويحمل هذا الساحر اسم «آيسنهايم»، والذي يتبين فيما بعد أنه الصبي الصغير الذي هرب من قريته قبل سنوات عديدة، يقدم الساحر عدة عروض على مسارح فيينا، وينال إعجاب الجميع.

بينما تثور الشكوك لدى كبير مفتشي الشرطة حول شخصية هذا الساحر، ويبادله شعور الشك هذا ولي عهد النمسا المغرور «ليوبولد»، الذي كان في حينها يجهز نفسه لخطة سرية للإطاحة بأبيه «فرانس جوزيف»، وكان يتحضر أيضاً لإعلان خطوبته بالأميرة «صوفيا» التي كانت تمثل الشق الهنغاري في معادلة الإمبراطورية، يتجه الجميع لرؤية أعمال الساحر في المسرح، وحينها يتعارف الاثنان «صوفيا» و«آيسنهايم» على بعضهما البعض، وتعود جذوة عشق الطفولة إلى سابق عهدها، ويتفق الاثنان على عدم الافتراق ثانية، والهرب من بطش ولي العهد المغرور. وتتواصل أحداث القصة، مع دخول آيسنهايم في صراع مع الأمير، وتنتهي بانتحار ولي العهد بعد اتهامه بقتل الأميرة صوفيا، ويتبين فيما بعد أن الأميرة وباتفاق مع الساحر «آيسنهايم» قد أعدا خطة ذكية للإيقاع بالأمير المغرور، حيث تظهر اللقطات الأخيرة للفيلم الأميرة صوفيا والساحر في إحدى القرى البعيدة، وقد أحاطت بهما زهور النرجس البري في مشهد من أجمل مشاهد الرومانسية.

وقبل الخوض في تفاصيل الفيلم الفنية وأداء بطله «نورتون» الذي كان ساحراً في تمثيله، ينبغي الحديث بواقعية تاريخية عن بعض التفاصيل التي -ربما- يغفل عنها المشاهد تحت سطوة المناظر الخلابة والشد الجميل الذي تفرضه أحداث القصة، حيث تشير المصادر التاريخية إلى حقيقة تفيد بانتحار الأمير «ليوبولد» في عام 1889 وعلاقته الشائكة بأبيه الإمبراطور العجوز فرانس جوزيف، وانتقال ولاية العهد إلى الدوق «فرانس فرديناند» الذي لم يهنأ بهذه الولاية كثيراً.

حيث اغتيل في سراييفو على يد صربي من عصابة «الكف الأسود» عام 1914، وتندلع على إثرها الحرب العالمية الأولى التي أودت بحياة 50 مليون إنسان، ورغم أن بعض المصادر تورد رغبة «ليوبولد» بالارتباط والزواج من البيت الهنغاري من الإمبراطورية؛ وورود اسم إحدى الأميرات في بعض الوثائق القديمة، إلا أن المصادر تورد في انتحار الأمير رواية أخرى ربما تقرن انتحاره بمعرفة والده الإمبراطور بخطته السرية للإطاحة به.

جمع الفيلم بين الحقيقة التاريخية والخيال الفني في تنفيذ الرواية، لإرسال رسالة مفادها أن الحب لا يولد ولا يعيش بسهولة، بل أن هناك بحاراً من الدماء قد تسفك في الطريق إلى العشق، ورغم الانتقادات اللاذعة التي وجهها بعض النقاد العرب ـ ونقول العرب لأن رأي أغلب النقاد الأجانب لا يتفق مع تلك الآراء ـ إلا أن الفيلم استطاع تقديم قصة رومانسية يختلط فيها السوريالي بالواقعي، والتقليدي المبني على أساس العلاقة بين الحبيب الفقير ـ متمثلاً بالساحر ـ والحبيبة الغنية -متمثلاً بالأميرة صوفيا- وبين الرمزي الذي يظهر في الجو المسرحي الروحاني الذي خلقه المخرج بإتقان وأداه «نورتون» بتفوق.

ولا يفوتنا أن نشير إلى المزاوجة الرائعة التي استطاع الفيلم إنجازها بين المسرح والسينما، حيث الديكورات المسرحية المنفذة بإتقان والتي تحيل الخشب إلى عالم من البهجة البصرية قد يتذوقها البعض باعتبارها عوالم سحرية تمتع البصيرة قبل البصر، وقد يراها البعض ديكوراً جامداً لا يتعدى المادة، وكل يرى على شاكلته، ولا يخفى القول إن ما ساعد في إبراز الصورة كقصة متكاملة.

حتى وإن كان الفيلم صامتاً ـ هي تلك المناظر الرائعة والأزقة والبوابات والحصون والمسارح التي تذكر بعصر النهضة الأوروبية التي تعج بها العاصمة التشيكية «براغ» التي نفذت فيها مشاهد الفيلم، والتي تشابه إلى حد التطابق العاصمة النمساوية فيينا، وكأنهما توأمان ولدا من أم واحدة، وقد أشار عدد من النقاد البارزين إلى أن فيلم «الساحر» يشكل نافذة رومانسية تعيد الحياة لهذا النوع من السينما تم صياغتها بتعويذة أوروبية وجرى تنفيذها بوسائل أميركية.

ومن هؤلاء النقاد الذين يمكن العودة لمقالاتهم في مواقعهم ووسائل إعلامهم التي يعملون بها: كلوديا بويغ المحررة الفنية لصحيفة «يو أس إي توداي» وبيتر ترافرز من صحيفة «صن» وستيفن مولدن من «نيويورك تايمز» وعشرات غيرهم، وإنما نثبت بعض تلك الأسماء التي رأت في الفيلم أيقونة فنية تتناغم في جو رومانسي سحري، كي نبعد عن أنفسنا مقولة الرأي الواحد التي يتخندق خلفها بعض الكتاب في تحليلهم لبعض الأفلام.

أما إدوارد نورتون الذي أدى دور «الساحر آيسنهايم»، فإن الشهادة بحقه تأتي من الجمهور والنقاد على حد سواء، فمنذ أن ألقى هذا الممثل الشاب قنبلته «الذرية الأولى» في هوليوود ـ على حد تعبير بعض النقاد- من خلال أدائه الرائع في فيلم «قاعة المحكمة» مع ريتشارد غير عام 1996، بعد أن جرى اختياره من بين ألفي ممثل شاب، وهو ينتقل بهدوء وبخطى ثابتة نحو النجومية، ورغم ظهوره القليل في السينما مقارنة بآخرين، إلا أنه حين يتعلق الأمر بالنقد المنصف، فإنه يعتبر النجم الأول في التمثيل ضمن جيله، فلا يمكن أن ينسى العالم أداءه المتميز في فيلمه «تاريخ أميركا المجهول» الذي ظهر فيه بدور عنصري من البيض يقود جماعة من النازيين.

كما أنجز مع براد بيت أحد أكثر الأفلام جدلاً للقرن الفائت «نادي القتال» الذي أظهر فيه نورتون موهبة لا يدانيها أحد في الأفلام التي تعتمد الشخصيات النفسية المعقدة كأبطالٍ لها، وأعاد في هذا الفيلم إلى الأذهان دوره المعقد والغريب في «قاعة المحكمة»، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أنه أجاد إلى حد الإذهال في الحركة والصوت والإيماءة في دوره كأمير للقدس في فيلم «مملكة الجنة» رغم عدم ظهور صورته طيلة الفيلم.

حيث كان يختفي خلف قناع ذهبي لإصابة شخصية ذلك الأمير بالجذام، ورغم ذلك فقد استطاع أن يقدم دوراً رائعاً لا يستطيعه غيره ـ بحسب تعبير الممثل السوري غسان مسعود ـ الذي شاركه البطولة بدور صلاح الدين الأيوبي، أما في فيلم الساحر، فقد استطاع نورتون أن يتجاوز الموهبة ويطغى بصورته وشخصيته وأدائه على بقية النجوم، واستطاع أن يتلبس الدور ـ بل أن الدور تلبسه ـ إلى الحد الذي يشد المشاهد في صالة السينما أو على المسرح ـ حيث يقدم عروضه السحرية ـ إلى كل سكنة وحركة من حركاته، ورغم طغيان صورة نورتون وشخصيته على الفيلم، إلا أن ذلك لم يمنع من تميز في أداء النجوم الآخرين.

ونختم بالقول إن فيلم الساحر هو تحفة فنية اجتمعت فيها الدراما بالرومانسية والتاريخ والواقع بالسوريالية الغامضة، وهو عبارة عن مسرح سينمائي -أو سينما مسرحية- أو قل ما شئت عنه، فهو في النهاية تعويذة أوروبية استطاعت أن تسحر المشاهد وتقدم سينما ممتعة.

السفير اللبنانية في 27 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك