سينماتك

 

ملاحظات حول الجينيريك عند رومان بولنسكي

بقلم - ألكسندر تيلسكي:  ترجمة - مصطفى بدوي*: 

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

يعد ألكسندر تيلسكي واحدا من بين أبرز النقاد السينمائيين في فرنسا، وهو يدرس (الجينيريك) في المدرسة العليا للسمعي البصري. كما أنه مدير تحرير مجلة»كادراج«، وهو باحث في مختبر الأبحاث السمعية البصرية في جامعة تولوز ٢ بفرنسا، وعضو في النقابة الفرنسية للنقد السينمائي. بالاضافة الى كونه كاتب ثلاثة أعمال جديدة حول المخرج رومان بولنسكي.

من هنا، تنبع أهمية أبحاث ألكسندر تيلسكي الذي يمتاز بالعمق والرصانة في تحليلاته ذات الطابع التطبيقي بامتياز.

والقارئ العربي اليوم بعامة، والمهتم بالمجال السينمائي بخاصة، في أمس الحاجة الى الاطلاع على مثل هذه النقود (جمع نقد) والتحاليل للاستفادة من الأدوات الاجرائية للنقد السينمائي، الذي تبلور في فرنسا. وتشكل تولوز أحد معاقله الأساسية، وتيلسكي أحد أبرز أقطابه...

عندما نستحضر المخرجين الذين تعمقوا في الكشف عن الامكانات التي يتيحها الجينيريك، نتذكر مباشرة أوتو بريمينجر وألفريد هتشكوك، وجون لوك غودار وفرنسوا تريفو، أو  سيرجيو ليون أيضا والى حد ما بيدرو ألمودوفار حاليا، وسبينايك لي أو تيم بيرتون أيضا.

في بداية الستينات، عندما عرف الجينيريك ثورة فنية، وأعطى رومان بولنسكي (الذي كان واحدا من أتباع سول باس (١) تشريفا لـ »لائحة الأسماء« التي كانت الى حد ما ملتزمة سياسيا. عن تجربة فيلمه »اشمئزاز ٦٥٩١« يحدثنا المخرج اليوم، قائلا »كنت أصر على اقحام موريس بندر الذي كان قادرا على خلق جينيريك رائع لفيلم »اشمئزاز« ٥٦٩١. كان ذائع الصيت آنذاك؛ وكان عليه أن يصير أكثر نجومية«.

طوال مسيرته، كان رومان بولنسكي يصر على استثمار الجينيريك؛ ويلح على المنتجين في ذلك، اضافة الى توظيف أكبر الخطاطين والتقنيين في هذا المجال، كما هو الشأن بالنسبة لموريس بندر (من نيويورك)، وبقدر أكبر البولوني جان لينيكا مع تجربة (بدون مخرج٦٦٩١)« بفتح الميم«.

استعان بولنسكي برسامي الكتب الفرنسيين، وبخاصة أندري فرانسوا كما هو الشأن في (حفلة مصاصي الدماء٧٦٩١)  وجان ميشال فولون في فيلم (ماذا٢٧٩١)، علاوة على المبدع الأمريكي واين فيتزجيرالد في فيلم (شايناتاون٤٧٩١) . كما استعان بالمبدعين الذين لا يمكن تجاوزهم في مجال الجينيريك الفرنسي، كميشال فوشيه في فيلم (المكتري٦٧٩١) وفريديريك مورو منذ فيلم (تيس) الى حدود الان.

كان رومان بولنسكي دائم الوعي بأن الجينيريك في السينما يستحق وقتا وافرا، وانتباها، وعناية جمالية، ووسائل هامة أيضا تسمح بـ (ابداع) - (بالمعنى الفني للكلمة).
في اطار بحثنا الجامعي الذي أهديناه الى (الجينيريكات) عند بولونسكي(٢)، كان لدينا الشرف لمناقشة ذلك مع المعني بالأمر أساسا، وهو الذي لا يجري الا مقابلات نادرة جدا. ووافق على العودة الى بسط مفهومه الخاص والفني
للجينيريكات.

بالنسبة للمخرج (بولنسكي) فان أول ملاحظة تفرض نفسها دفعة واحدة هي (أن الجينيريك جزء من تركيب الفيلم نفسه، وهذا ما يدفع بالأسلوب ويبلغ رسالة الفيلم. اني أقارنه (يقصد الجينيريك) بافتتاح الأوبرا، وبالمعنى نفسه لكلمة - »افتتاح« »تماما كالافتتاح الموسيقي، حيث يفرض على المؤلف أن يرسم الخطوط العامة لمقطوعته).

في أفلام رومان بولنسكي ليست الموسيقى المكتوبة لأفلامه أساسا، دائما هي التي تكثف التيمات الموسيقية اللاحقة للفيلم، بل إن الجينيريك ككل هو الذي ينشط مناخ الفيلم، ويلخصه ويبلغه. يقول في هذا الصدد »حاليا هناك كثير من الجينيريكات، حيث حركة الفيلم تدغم مع العناوين عن طريق الطباعة الفوقية. لا أحبذ هذه الطريقة مطلقا. بالنسبة الي، يجب أولا معرفة كيفية الزج بالجمهور في مناخ الفيلم. الجينيريك يسمح بدفع العمل الى الأمام«.

من بين الجينيريكات المصممة التي أنجزها بولونسكي لكشف مناخ الفيلم، نستحضر جينيريك المقدمة(الافتتاح) في فيلم (مكبث١٧٩١) المجرد من الموسيقى أساسا (وهو الوحيد الذي تنعدم فيه الموسيقى في أعمال بولنسكي)، يقول »لم تكن لدي الامكانات لتصوير المعركة، ولكن كان بامكاني الايحاء بها عن طريق الصوت من  خلال الجينيريك، مثلما يبدأ - مكبث - تماما بعد المعركة«. ولربما كانت  طريقة - بالنسبة للمخرج - للدفع بالفيلم الى الأمام دون الاعتماد على الموسيقى الهوليودية، ولكنه كان يعتمد على التجارب الموسيقية لمجموعة الأذن الثالثة (٣).

هناك جينيريكات أخرى لبولنسكي تعنى بمناخ الفيلم في جانبه الكامن في السواد والاضطراب، كما هو الشأن بالنسبة لفيلم (المكتري ٦٧٩١)، الذي أسندت مهمة العناوين فيه والطباعة الفوقية الفوتوغرافية الى المبتكر التاريخي للجينيريكات  في فرنسا جون فوشييه. خاصة في تلك السلسلة من اللقطات التي تسجل الى يومنا هذا، الحاضر في جانبه المتخيل (بحيث ان الكاميرا تتموج في ساحة خلفية  بطريقة تدعو الى الدوار والقلق). يحكي لنا بولنسكي ذلك، قائلا »قلت في نفسي علي باستعمال كل هذا الأسلوب التقني الجديد لخدمة الجينيريك. كان من الصعب جدا أخذ مناظر الجينيريك، لقد قضينا من أجل ذلك وقتا طويلا«.

وكيفما كان الحال، فان هذه الطريقة أثناء أخذ المناظر الجمالية للجينيريكات هي علامة على اهتمام بولنسكي بمقدماته. وهذا شأن جينيريك فيلمه (الباب التاسع ٩٩٩١) على وجه الخصوص، اذ كان يتمنى في البداية جينيريكا في ثلاث دقائق ولكنه في الأخير أخرجه في دقيقتين لأسباب مالية. غير أنه فكر قبل ذلك في أخذ مناظر الجينيريك بطريقة تجعل الجمهور يغوص في نبرة الفيلم، يقول »عند نهاية أخذ المناظر واستعداد كثير من أعضاء الفريق لمغادرة المكان بسبب ضعف الميزانية، جلست الى بعضهم وكان بينهم مدير التصوير داريوس كوندجي. وبعد عرض الأبواب الجميلة للكنيسة التي صورناها وخاصة في طليطلة باسبانيا، تمسكت أكثر بما كنا نصور من أبواب قديمة بغية استعمالها في جينيريك المقدمة. كانت تبدو لي طريقة جيدة لتبرير عنوان الفيلم«.

نتيجة أخرى لنجاح هذه الصيغة في تبليغ الفيلم، ففي الجينيريك الفقير لفيلم (عازف البيانو٢٠٠٢) الذي أدير من دون مؤشر اسمي أو استهلالي (باستثناء اشارة واحدة هي »فارسوفيا ٩٣٩١«)، يقول »لم أكن أريد أن أستهل الفيلم بجينيريك يحيل على السينما، كنت أريد مقدمة من دون زخارف ولا محسنات حتى لا يتحول الفيلم الى وثائقي، ويبقى خياليا«.

ومهما كان الأمر، فهذه المقدمة (البولونية) لـ (عازف البيانو) (مونتاج الصورمأخوذ من أرشيفات تاريخية بالاضافة الى موسيقى شوبان في العمق) تعكس ربما الطبيعة التاريخية بالأساس أو »الموجهة« نحو التاريخ في جينيريكات بولنسكي.

لقد أولى بولنسكي عناية خاصة لطيبوغرافيا (طباعة) العناوين عقب جينيريكات المقدمة. لقد طلب بولنسكي من واين فيتزجيرالد الاشتغال على طباعة دقيقة جدا لفيلم (شايناتاون ٤٧٩١) يقول »كنت أريد جينيريكا من نوع فن الزخرفة الذي بامكانه أن يشي بالأسلوب القديم للفيلم يضاف الى هذا أني لا أعرف ان كنت قد استطعت فعلا أن أسترجع تعبيرا اشاريا قديما في بداية الجينيريك«.

إنها رغبة لمجابهة الطباعة (الطيبوغرافيا) والجينيريك في الماضي وفي التاريخ، تلك التي  ترتسم اذا بالتأكيد عند رومان بولنسكي. كما لو أن كل الجينيريك - بهذا المعنى - فضاء موجه الى المجابهة والتفكير في مرآة التاريخ والماضي.

ويعترف لنا المخرج أثناء مناقشتنا له عن الأصل (التاريخي) للطباعة المستعملة في جينيريك المقدمة في فيلم (مكبث١٧٩١)  قائلا: »فيما يخص جينيريك - مكبث - كنت أتمسك بكل شدة بايجاد طباعة أصيلة للطبعة الأولى للمسرحية. قمت بخطوات عديدة لرؤية هذه الطبعة بشكل عيني، غير أني لم أتمكن من ذلك.الى أن، وبالصدفة، رأيت ولمست أول طبعة فوليو لـ »مكبث« عند صديق، وهو لورد انجليزي، فوظفتها لتصور طباعة جينيريك هذا الفيلم«.

إن المقتضى الطباعي عند رومان بولنسكي يجد مظهره الساخر بعيدا عن بعده التاريخي الصارم في فيلم (بدون مخرج) »بفتح الميم«،

حيث الطباعة المتحركة

والمتموجة، تشي ربما بفيلم يستلقي على خيط (هاتفي) متذبذب بل خطر. ولقد أسند بولنسكي الى المخرج البولوني جان لينيكا مهمة ابتكار هذا الجينيريك ذي الطيبوغرافيا الفريدة والمتميزة، يقول »كانت أول مرة أخرج فيها »ويقصد لينيكا« جينيريكا«.

وبعد عام على هذا الفيلم، يطور بولونسكي في فيلمه( حفلة مصاصي الدماء) البعد الساخر لجينيريكاته التقديمية. ويحد بشكل أقل من المحاكاة الساخرة »الباروديا«؛ ولكن دون أن ينفي السخرية تماما. يعلق بولونسكي على الجينيريك المصمم لفيلم (طفل روزميري ٨٦٩١) ضاحكا، بقوله »الترقيم  الوردي بالحروف والمطرز الذي استعملته في الجينيريك وكذا الأغنية التي وظفتها، كانتا طريقا خاطئا«. انها السخرية نفسها التي تبدأ بها الافتتاحية التي تدور في الجينيريك المكتوب بنفس اليد التي كتبت فيلم (ماذا٢٧٩١) يعترف بولونسكي  قائلا »كنت أحب كثيرا عمل جان ميشال فولون، وفكرت في كون أسلوبه يناسب أسلوب »ماذا«. لقد وجد الفكرة في كتاب لما قلب صفحاته، فكما هو الأمر بالنسبة لأفلام ٠٣٩١-٠٤٩١هو الذي كتب بنفسه ويده كل العناوين«.

فالألوان الصاخبة والبدائية المستعملة مع الطوبوغرافيا الخطية، كانت طريقة لتقديم الجانب البالي والمضحك لشخصية هذه الشابة الأميركية. مثال آخر هو جينيريك فيلم (فرانتيك ٨٨٩١) الذي وصفه بولونسكي قائلا »كنت أريد أن أبدأ بالطريق السيار المشؤوم الذي يسلم كل أمريكي من المطار الى باريس، بعيدا عن الكليشيهات البصرية المعتادة التي ألفها كل أمريكي مع برج ايفل أو مونتمارتر. أردت اذا أن أبين من خلال الجينيريك هذا »النيون« الاشهاري على امتداد الطريق السيار«. اذا عكفنا على تصفح جينيريكاته منذ أفلام سنوات ٠٦٩١الى سنوات  ٠٠٠٢، فان بولنسكي لا يتذكر طبعا  كل جينيريكاته بتفصيل، ولا صيغة صناعتها؛ رغم أنه يبدي عناية شخصية وفنية بمسألة الجينيريكات.

وبالمقابل فانه قادر على التفكير والتنظير لدورها وتاريخها  في الأفلام بصفة عامة. انه لا يريد تحليل جينيريكاته بنفسه ملتمسا مقاربة ابداعية أولا و»حدسية«؛ أكثر منها عقلية.

بالنسبة لرومان بولنسكي، فان  أغلب أفلامه تنتهي بجينيريك عارض. كما  أنها ليست احالة على السينما الكلاسيكية ،يقول بولنسكي»فأنا أستعملها لأننا نقرأ من اليمين الى اليسار ومن الأعلى الى الأسفل، اذ هي الحركة المتتالية التي تسمح للمتفرجين بالقراءة اللائقة«.أ و هي، أيضا، الاستعمال الدائم للعناوين الموضوعة بـ »شكل حركي« في جينيريكاته. انها ليست علامة على قلق الأسماء رمزيا »العائدة« و»الهاربة« و»غير القابلة للحجز«، ولكن بالنسبة للمخرج هي (عناوين تتحرك لأن السينما هي قبل كل شيء حركة) يؤكد بولنسكي. هكذا، فعندما نغامر بأن نلتمس من بولنسكي الاجابة عما اذا كانت عنايته بالجينيريكات تجد جذورها في ذوقه الاحتفالي والحلم، و في الأسلاف والتوقيع. فانه يسخر منا.. ونحس بأن دورنا، كمؤرخين ونقاد ومتفرجين، هو تلقي وتأويل وتحرير محضر لنا وله، بفضل ما أبداه لنا بطريقة غريزية على الشاشة، دون أن يعرف أو يريد أن يقول ما قاله الا بصريا.  

*كاتب من المغرب

مجلة ( كادراج) - سبتمبر ٦٠٠٢

الأيام البحرينية في 26 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك