سينماتك

 

خرج عن صمته الطويل في رد على مقال حيّا مسيرته في «الحياة»...

توفيق صالح: لست كسولاً لكن رحلة البحث عن عمل قاتلة

توفيق صالح

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

قبل أسابيع، ولمناسبة تكريمه اللافت خلال مهرجان قرطاج السينمائي الدولي، نشر الملحق السينمائي في «الحياة» مقالاً – تحية الى المخرج توفيق صالح. وجاء في ثنايا المقال كلام بدا فيه انتـقاد لعدم اقدام صالح على تحقيق أي فيلم جـديد طوال العقدين الأخيرين، مع انه يعتبر ركناً أساسياً من التجديد السينمائي في العالم العربي. ولاح من خلال الانتقاد أن صاحب «صراع الأبطال» و«يوميات نائب في الأرياف» لا يعمل لأنه استسلم الى الكسل.

«استفز» هذا الكلام توفيق صالح الى درجة انه قرر أخيراً أن يخرج عن صمته الطويل، ويحكي لـ «الحياة» كل شيء حول «صمته السينمائي» الطويل. وهو اختار أن تتخذ الرسالة شكل خطاب شخصي، تاركاً لـ «الحياة» اتخاذ قرار نشرها أو عدم نشرها.

وهنا «الرسالة» التي ننشرها باعتبار انها ستشكل وثيقة من وثائق التأريخ للسينما العربية ولمسيرة توفيق صالح المميزة فيها. تقول الرسالة الموجهة الى كاتب المقال ابراهيم العريس:

صحيح أننا لم نتبادل الرسائل من قبل واكتفينا لسنوات باللقاءات القصيرة في مهرجانات السينما المختلفة إلا أنني اعتقد بأن كلاً منا يحفظ للآخر من التقدير والاحترام ما يشجعني على كتابة هذا الخطاب راجياً ان أبيّن لك بعض الحقائق التي تختلف بالضرورة عن كثير مما كتبته في مقالك عني في جريدة «الحياة» (22/12/2006).

أرجو أن أؤكد لك في البداية أن ليس من عادتي الرد على ما يكتب عني، لكن عندما يكتب صديقي الناقد الكبير معلومات غير دقيقة عني فلا بد من وقفة ولا بد من سؤال. وأهم من ذلك لا بد - على ما أعتقد - من تصحيح وشرح لحقيقة ولظروف ما كتب عنه هذا الناقد الصديق.

أعتقد أنني أخبرتك في مراكش أنني اعتزلت العمل في السينما، ولكن من الواضح أنني لم أخبرك عن السبب ما جعلك تستخدم خيالك الخصب في البحث عن سبب معقول لهذا القرار، فتوصلت الى ما كتبت. بينما الحقيقة تتلخص في انني قررت اعتزال العمل في السينما بعد جلسة طويلة مع أحد المنتجين كان طلب اللقاء معي للحديث في أمر يهمه. فإذا بالأمر الذي كان يهمه هو امتحاني (أي والله العظيم: امتحاني) في السينما، وشرح لي كيف أن «إيقاع الفيلم كان في الماضي على أيامي بطيئاً»، سائلاً اذا كنت انا قادراً على تسريعه كما يفعل عباقرة السينما اليوم(؟!). خرجت من مكتبه أكاد أبكي، لماذا نضطر الى تحمل إهانة مثل هذا الشخص عند البحث عن عمل لتوفير لقمة العيش؟! تأملت ما صادفني منذ عودتي الى مصر وتأملت ظروف العمل وأخلاقياته في مجال السينما، فكان لا بد من أن أصل الى قرار بالتوقف عن محاولة العمل احتراماً لنفسي والاعتماد على مصادر أخرى للعيش. فطلبت معاشاً من نقابة السينما أجابوني عليه فوراً (علماً أن من يستلم المعاش لا يحق له العمل في السينما). ولكنني لقلّته أضطر إلى استكمال احتياجاتي من العمل في مجالات أخرى على هامش السينما، تحتاج في أكثر الأحيان الى خبرتي وفهمي للسينما.

قصة من محفوظ

وإذا كان الكسل أحلى مذاقاً من العسل (وهو قول كاذب مثل كثير من أمثال اللغة العربية) فالعمل هو باعث الأمل في الحياة ومولده، وهو إضافة الى ذلك كان ولا يزال مصدر أجمل تجربة فرح في حياتي وأروع شعور بالتضامن في المجتمع مع الآخرين. لا يمكن ان يكون هذا رأي شخص مثلي في العمل، ويرضى بالصدأ والتجمد والفقر الذي يفرضه عليه الكسل. لذلك أرجو أن أحكي لك عما حاولت عمله منذ عودتي الى مصر ربما يتغير رأيك في ما كتبت.

بعد عودتي الى مصر في آخر 1984 بشهر تعاقد معي أحمد زكي لإخراج فيلم لحسابه يكتبه معي صلاح جاهين وتمثله معه سعاد حسني. وبعد شهرين من العمل اليومي مع جاهين أبلغ احمد زكي صلاح بأنه بناء على نصيحة «سيناريست مشهور» لن يعمل أو يمثل هذا الفيلم. فلم يكن أمامي إلا إرجاع العربون الى صاحبه على أمل عرض السيناريو على جهات إنتاجية أخرى.

ولكن بعد مدة اتصل بي صلاح جاهين وسألني عن رأيي في قصة «يوم قتل الزعيم» لنجيب محفوظ فأخبرته أنها جيدة لأنها تتعرض الى تحول الطبقة الوسطى في ظروف الانفتاح وفقدانها ما نشأت وتربت عليه. وأضفت ان من الممكن كتابة سيناريو لها بحيث لا يكلف الفيلم الكثير. فطلب مني جاهين حجزها من نجيب محفوظ، فأخبرته أن لي تجارب سابقة مع نجيب ولا أريد تكرارها فطلب مني دفع العربون الذي يطلبه نجيب على أن نكتب العقد في المستقبل ففعلت. ولكن، وقبل أن نبدأ العمل الجدي في هذه القصة، انتقل صلاح جاهين الى الرفيق الأعلى وظلت القصة عندي لحسابي لأن الظروف لم تساعد صلاح على رد العربون الذي كنت انا دفعته لصاحب القصة.

بعد ذلك بمدة اتصلت بي سعاد حسني وطلبت مني أن تأخذ السيناريو الأول وكانت حماستها للموضوع كبيرة وكانت رقيقة في طلبها، فتنازلت لها عنه وكان يجب بعد ذلك أن أبحث عن عمل. وجاء بعد أيام محمود ياسين وكان معجباً بقصة من تأليف فاضل الاسود، وافقت ان اخرجها ولكن كان الشرط الذي تمسّك به المنتج هو ان يكتب فاضل الاسود السيناريو تحت اشرافي. وبدأنا اجتماعات العمل واقترحت عليه تتابعاً معيناً للأحداث وافق عليها صاحب القصة ولكن في الجلسة اللاحقة وجدت في الورق غير الذي كنت اقترحته عليه. طبعاً تناقشنا ووصلنا الى ما كنت اعتقد بأنه قبول لوجهة نظري. ولكن مرة أخرى كان المكتوب في الورق بعيداً من كل ما تناقشنا فيه. واستمر هذا اجتماعات عدة الى أن عرفت أن الكاتب كان بعد كل اجتماع معي يتصل بالمنتج ويأخذ منه التعليمات التي تختلف عما كنت أوصي به. فأرجعت العربون وعدت الى البحث عمن يوافق على التعامل معي.

أعجبتني في تلك الفترة رواية «الشبكة» لشريف حتاتة فدفعت له مبلغاً صغيراً على سبيل العربون أملاً في قدرتي على اقناع أحد المنتجين بالمشروع لأنه كان يعتمد في بنائه على كثير من التفاصيل التي يحشرونها في الافلام بحجة انها تفاصيل تجارية تعجب المشاهد. وفعلاً وجدت من تحمس لهذا الموضوع وقبل في الوقت نفسه العمل معي. وعندما وصلنا الى مرحلة الاتفاقات المالية عرض علي مقابل كتابة السيناريو والإخراج مبلغاً صغيراً جداً (كان ما يدفع في المتوسط لمساعد مخرج). ولما اعترضت وتبادلنا النقاش قال لي بكل صلافة: «انت لم يعد لك قيمة أو سعر في أسواق السينما في مصر، لقد ابتعدت عن السوق مدة طويلة وعليك الآن ان تبدأ من أول السلم». والحقيقة انني شعرت بجرح كبير، فجمعت أوراقي وخرجت. كنت أيامها لا أزال أعتقد بأن أي قصة لنجيب محفوظ لا بد أن تعجب منتجاً في مصر فقررت العمل في كتابة «يوم قتل الزعيم» للسينما. ورحت أدور بحثاً عمن يقبل انتاج القصة، فشاهدت العجب العجاب: أحدهم اكتشف بقدرة قادر أن موضوع الرواية هو عن أزمة الإسكان!! كيف؟ لا أدري!

وعادت إلي أيامها فكرة كنت أريد كتابتها قبل سفري من مصر وكانت استلهاماً لاسطورة سندريللا على أن تجرى أحداثها في مصر الحديثة في زمن كتابة السيناريو. فكتبت معالجة لها عرضتها على أحد المنتجين، فتحمس لها جداً وتعاقد معي على كتابة السيناريو، بل دفع لي عربوناً جيداً طالباً ان يكون التعاقد على الاخراج بعد الانتهاء من مرحلة السيناريو - ولكن عند الانتهاء من السيناريو كان المنتج قد توقف عن الانتاج وباع مكتبه واشترك في العمل مع شركة أخرى وضاع الاهتمام بالسيناريو الذي سميته «الحلو المر». في هذه المرة لم أعد العربون لأنني كنت انجزت السيناريو كاملاً ودام العمل فيه ما يقرب من أربعة شهور وكما قد تعرف عنوان هذا السيناريو «الحلو المر» مأخوذ عن اسم اوبريت قديم لنويل كاوارد اسمها Bitter SweetS.

بين الفنانة والناقد

أخبرني ناقد مصري (صديقك) أن هناك من يرغب في التعرف عليّ. وبعد أيام عرّفني هذا الناقد الى الفنانة لوسي وزوجها عندما أخذني الى منزلهما، وفهمت من الدعوة بأن هناك تفكيراً بأن أخرج فيلماً لهما، كذلك عرفت في تلك الجلسة انهما لم يسبق أن شاهدا فيلماً لي من قبل وأن قرارهما التعرف الي كان بناء على مشاهدتهما لي أتحدث في التلفزيون في أحد البرامج! فكان لا بد لي من عرض شيء من أعمالي عليهما فأخذت معي في الجلسة اللاحقة فديو كاسيت «صراع الابطال» ونسخة من سيناريو «الحلو المر» حتى تتكوّن لديهما فكرة عما يمكن عمله معي. المهم عند اعادتهما الكاسيت ونسخة السيناريو طلبا مني البحث عن موضوع مناسب لعمل فيلم تكون بطلته لوسي. وبدأ البحث عن موضوع أو عن موقف يمكن البدء منه في كتابة السيناريو. ثم كان بيننا أكثر من لقاء وأكثر من اتصال هاتفي. وكان القليل الذي اقترحته عليهما محل تردد في القبول وأحياناً محل رفض واضح، ومع ذلك استمررت في التفكير والبحث عما يمكن استخدامه في عمل فيلم تصلح مواصفاته للسيدة لوسي. لكن صديقك الناقد فاجأني في أحد الأيام بتحميلي جميل ايجاده عملاً لي. وعند طلبه ثمن مجهوده في ذلك، فقدت أعصابي وقلت ما قلته لهذا الناقد ثم ذهبت الى منزل السيدة لوسي وأنا في منتهى الغضب أعتذر عن عمل فيلم لهما رافضاً الارتباط بأي عمل يكون هذا الناقد طرفاً فيه. هذه باختصار هي حكايتي مع لوسي وزوجها. اذ اننا لم نصل في يوم من الأيام الى اتفاق على موضوع محدد يمكن ان يكون أساساً لفيلم، ولم استلم منهما قرشاً واحداً ولا أرجعت اليهما عربوناً، غير موجود في الاصل، وأي ادعاء منهما أو من غيرهما بغير ذلك (وقد سمعت انهما فعلاً قالا ما كتبته أنت)، هو كذب أؤكده لك وأكرره.

لاحقاً في لقاء مع الدكتور مراد وهبة أستاذ مادة الفلسفة في جامعة عين شمس واحد كبار المتخصصين في ابن رشد، سألني لماذا لا أفكر في عمل فيلم عن ابن رشد، فأخبرته بشكوكي في أن يقبل منتج مصري التعرض لمثل هذا الموضوع. فأفهمني ان «يونيسكو» سيحتفل بذكراه وقد رصد أموالاً لتشجيع التأليف عنه وتشجيع الجمعيات التي تقدم ندوات عنه. وكذلك حدثني عن امكان تشجيع أي أفلام يمكن عملها عنه. ثم سأعدني لدى المسؤولين في أحد الاديرة في القاهرة كي أستخدم مكتبتهم في البحث عما يمكن أن يفيدني من فكر وسيرة ابن رشد لعمل فيلم عنه. واستمررت هذا البحث اليومي في المكتبة حوالى شهرين. ثم خلال تصفحي إحدى الجرائد أو المجلات قرأت أن يوسف شاهين سيقوم بعمل فيلم عن ابن رشد! اتصلت بمن كان يستطيع أن يخبرني بالحقيقة، فقيل لي إن يوسف في باريس وانه قابل مدير «يونيسكو» ليشكو أمامه عن مشاكله في مصر مع المحاكم ومع التيارات المتطرفة بخصوص فيلمه «المهاجر». وهو في المناسبة طلب منه المساعدة والنصيحة، فانتهى لقاؤهما بأن اقترح عليه مدير «اليونسكو» عمل فيلم عن ابن رشد ووعده بأن تكون المساعدة المالية من «يونيسكو» من نصيبه. عندما علمت بهذا توقفت طبعاً عما كنت أبحث عنه، لأنني كنت أعلم أنه بغير المساهمة المالية من «يونيسكو» لن أجد في مصر من يتحمس من المنتجين لمثل هذا الموضوع. وأنت طبعاً أدرى بذلك. وعتابي لك الآن انك لم تسألني عن سبب التخلي عن فكرة فيلم ابن رشد على رغم لقائنا في تلك الفترة أكثر من مرة. فالأمر كما ترى أبسط من أن يكون سبباً في اعتباري لغزاً غريباً. وأبسط من القول إن مشروعي عن ابن رشد كان سنوات قبل ولادة مشروع يوسف شاهين. مشروعي كان قبله بما يقرب من ثلاثة أشهر فقط. وعلى ذكر يوسف شاهين أذكر انه كان أرسل إليّ مع الفنان سيف عبدالرحمن، وأنا في العراق القسم الأول من قصة «الحرافيش» لنجيب محفوظ وانتظر سيف في بغداد حتى أعطيه رأياً كان بالموافقة طبعاً. وأخبرته بأنني سأكون في القاهرة بعد شهرين عند الاجازة المدرسية للاولاد، حيث يمكن أن نلتقي ونناقش كل الأمور، فاذا اتفقنا أظل في مصر ولا أعود الى العراق إلا لجمع حاجياتي. وفي الميعاد الذي حددته كنت في القاهرة أناقش شاهين في ذلك المشروع. ولما بدأنا الحديث عن الامور المالية، فاجأني بأغرب رد، قال: «نحن لا ننتج افلاماً للغير أحضر مبلغ كذا ونحن نتعهد لك باستكمال موازنة الفيلم من مصادر مختلفة، وينتج الفيلم لحسابك» وكان جوابي: أولاً، أنا لم أمتلك في أي فترة من حياتي المبلغ الذي طلبه. وثانياً أنا لا أريد انتاج فيلم لحسابي. وثالثاً انه لم يعد بعد ذلك ما نناقشه. وعرفت بعد ذلك أن موقفه الغريب هذا كان سببه اكتشافه بعدما وزع القصة الثانية والثالثة على الغير، بأنه في الحقيقة كان قد اشترى القصة الاولى فقط وانه كان من حق الغير شراء أي قصة أخرى من مجموعة «الحرافيش» فاضطر الى التوقف عن مشروعه وحاول التخلص مما وقع فيه فبيعت كل قصص «الحرافيش» الى آخرين إلا القصة الأولى التي ظلت معه حتى اليوم من دون انتاج.

«حضرة المحترم» لم اقرأها حتى اليوم، ولكنني كنت شاهدت سهرة في التلفزيون العراقي مأخوذة عنها ولم أتحمس لما شاهدت فمن أين أتيت بمعلوماتك؟ الشيء نفسه بخصوص «وكالة عطية» أنا لم استمر في قراءتها حتى النهاية لأنني لم أتحمس لما قرأت، وأعتقد بأنني أبلغت رأيي في حينها الى خيري شلبي فمن اين مرة أخرى جاءتك هذه المعلومات التي تنشرها؟

المهم انني بدأت بعد ذلك العمل في مشروع كنت أحلم بتنفيذه منذ سنوات. وعندما عرضته على القطاع العام في مصر لتنفيذه قيل لي إنه لا يصلح للسينما. وتكرر هذا الكلام في كل مرة ذكرت فيها هذا المشروع وهو نقل موضوع وافكار كتاب «قرية ظالمة» للدكتور محمد كامل حسين الى السينما - عملت شهوراً على فترات قصيرة في بناء سيناريو لهذا العمل الذي يتحدث عن آخر يوم في حياة السيد المسيح من وجهة نظر اليهود والرومان، وينتهي بتفسير اسلامي عن موضع صلبه - لا بد أنني رويت فكرتي عن هذا المشروع الى شخص ما لأن الخبر نشر في الصحافة أكثر من مرة. حتى اتصل بي من لا أعرفهم قائلين: «اشمعنى السيد المسيح؟ لماذا لا تفكر في موضوع إسلامي؟ ثم جاءت حادثة نجيب محفوظ فنصحني المقربون بتأجيل هذا المشروع الى وقت آخر، فتوقفت فعلاً عن العمل وان كنت أفكر في هذه الأيام بالعودة الى انجازه على أن أتركه لكي يخرجه في المستقبل غيري.

أما عن المنتج التونسي حسن دلدول فهو يشارك صديقه صالح فوزان السعودي الذي كان يقيم وينتج افلاماً في مصر. وهما طلبا مني ذات مرة تحضير عمل لهما وكان تعاملي مع صالح فوزان فقط الذي كان يتردد على القاهرة باستمرار فاقترحت عليه القصة بعد الأخرى إلى أن تحمس بعد شهور لقصة «مراعي القتل» لمؤلف شاب هو فتحي إمبابي، فكتب معي العقد وسلمني العربون، ولكنه اختلف مع المؤلف في سعر القصة فتأجل التفاوض بينهما الى مابعد عودة صالح فوزان من رحلة الى فرنسا للقاء شريكه. وعند عودة صالح الى مصر اخبرني أن حسن دلدول لن يوافق على العمل معي إلا اذا كانت القصة من تأليفي وتكون تحديداً نقلاً من وجهة نظري لأحوال مصر اليوم. وبعد أيام اتصل بي دلدول من فرنسا لكي يؤكد هذا - فأخبرته بعدم قدرتي على كتابة مثل هذا السيناريو، فأنا قد أقبل انتقاد مصر على ان يكون ذلك من داخل مصر وفي حدود قوانينها. ولكن ان أخرج فيلماً يصور خارج الحدود المصرية وبأموال غير مصرية ويطلب مني صراحة انتقاد مصر فيه، فهذا موضوع لا استطيعه. واستمر هذا الموقف لأكثر من سنة كل منا يتمسك برأيه حتى فتح علي الله بفكرة كان من الممكن من خلالها السخرية من الحياة والعادات المصرية بشكل مقبول. فاتصلت بالمنتجَيْن اقترح الفكرة فطلبا أن أسافر للقائهما في بيروت. فسافرت وعرضت عليهما المشروع فوافقا من دون حماسة وأبلغاني أن ما اقترحه لن يكون فورياً بل ثاني فيلم من انتاجهما يستعدان لانتاج فيلم سعودي او عن السعودية ولن يتفرغا الى عملي إلا بعد الانتهاء من ذلك المشروع. عدت الى مصر يوم 11 ايلول (سبتمبر) الشهير عام 2001، وقابلت صالح فوزان بعد ذلك عند مروره على القاهرة وعرفت منه عن مشاكل يجتازها مشروعهما السعودي وانهما لن يستطيعا تأكيد ارتباطهما بمشروعي. فاقترحت ان أرد العربون فرفض صالح فوزان الأمر متنازلاً عنه ثم أضاف مازحاً، انهما اذا استمرا في الانتاج سيخصمان مبلغ العربون من أجري في المستقبل. وانتهى الأمر ولم اسمع منهما شيئاً طوال أربع أو خمس سنوات بعد ذلك. أما تساؤلك عن أسباب عدم اهتمامي بنقل قصص نجيب محفوظ الى السينما فهو لا مكان له في هذا الخطاب.

أخيراً أرجو ألا تكرر انني انتظرت شيخوختي حتى أبدي علامات المرض والاعياء، فإذا كنت لا تعرف أرجو أن أعلمك أنه أجريت لي قبل ما يقرب من سنتين عمليتان جراحيتان لاستئصال أورام سرطانية من جسدي. وأنا حتى الآن قيد العلاج حتى لا تظهر أورام أخرى في مكان آخر. اضافة الى ذلك فأنا كنت أشكو من مرض السكر من مدة ولكن بعد فترة من العمليتين اختلطت أمور السكر معي حتى اختلط الاسيتون في البول وهو أمر قاتل (وكنت اعرف صديقاً مات من ذلك قبل سنوات). فاضطررت الى الاعتماد على الانسولين بوحدات كبيرة يومياً. ومع ذلك وعلى رغم تبديلي ثلاثة انواع من الانسولين والتزامي الدقيق بالعلاج والحمية في الاكل فنحن غير قادرين على ضبط السكر منذ حوالى ستة شهور. مرض السكر هذا بوضعه الحالي هو الذي يفرض علي الاعياء، فاذا فكرت قليلاً أو كتبت ارتفع السكر فأشعر بالإعياء، وإذا كان السكر منخفضاً أشعر بالإعياء أيضاً، اما اذا انخفض كثيراً فيغمى عليّ. لقد حير هذا الأمر أكثر من طبيب متخصص في السكر.

فهل يا ترى بعد كل هذا الشرح لا أزال في نظرك لغزاً كسولاً أدعي الإعياء والمرض حتى لا أعمل؟

الحياة اللندنية في 26 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك