سينماتك

 

السينما العربية والطموح التقني

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

بالنسبة للسينما، فإن الإبداع والتقنيات أمران متلازمان، فالإبداع في مجال الإخراج السينمائي جزء لا يتجزأ من الإبداع التقني، لأنه قام عليه وبفضله. إن استيعاب التقنيات المتنوعة والسيطرة عليها والإبداع في استخدامها أمر لا مناص منه من اجل تحقيق فيلم ناجح.
كل التقنيات السينمائية عبر مراحلها المختلفة كانت تهدف إلى تكريس هذه الطبيعة الخاصة بالسينما ذات العلاقة بالوهم بالواقع، وبالتالي ضمان ردود الفعل المطلوبة، أي ردود فعل النوع الأول، من قبل المشاهدين.

في السنوات الأخيرة تطورت التقنيات إلى درجة باتت تقربها من أعمال السحر. وصار امتلاكها يشكل حلما لسينمائيي العالم، خصوصاً سينمائيي العالم الثالث، والسينمائيين العرب من ضمنهم، الحالمين بإبراز مواهبهم العبقرية، الطامحين لتحقيق أفلام تنافس أفلام أقوى الصناعات السينمائية الكبيرة. ويتركز الحلم في العادة حول التقنيات الحديثة المعقدة التي تستخدم كاميرات ومعدات تصوير ذات قدرات غير عادية تستند إلى التقنيات الرقمية المتطورة القادرة على إنجاز المؤثرات السمعية والبصرية المبهرة. ويشكل العجز الموضوعي عن امتلاك هذه التقنيات بتكاليفها وخبراتها وخبرائها حجة بالنسبة للسينمائيين العرب تبرر الإنجازات دون المستوى المأمول للأفلام التي يحققونها. بالمقابل، هنالك تقنيات أخرى مهمة أكثر بساطة واقل كلفة ولا يشكل امتلاكها أية صعوبة، تقنيات صغيرة، لكنها، إن لم تؤخذ في الحسبان فسيعجز الفيلم عن تقديم صورة صادقة مقنعة مؤثرة حتى ولو استخدمت في الفيلم تقنيات متطورة. هذه التقنيات الصغيرة وبعضها بدائي مستخدم منذ زمن طفولة السينما تبقى الأساس الأول الذي يشيد فوقه معمار الفيلم، وامتلاكها وامتلاك وتراكم خبرات استخدامها وتوفر خبراء متخصصين في مجالها أمر لا مناص منه ويشكل المهمة الأولى الملقاة على عاتق المبدعين. بعض هذه التقنيات يتعلق بالمهارة والدقة الحرفية بما يؤدي إلى المصداقية والإقناع والتأثير، وبعضها الآخر يتعلق بالمنجز الفني التعبيري والجمالي. وفي الواقع فإن جزءا من أزمة الكثير من الأفلام العربية في مجال الاستحواذ على عقول ومشاعر المشاهدين ينتج عن تجاهل هذه التقنيات الصغيرة التي تشكل ألف باء فن وحرفيات صناعة الفيلم.

ومن البديهي في أن تتسبب قلة الخبرة في التعامل مع التقنيات، إضافة إلى شح التجهيزات التقنية، في إضعاف المستوى الفني ومن ثم الإبداعي للأفلام. وقد شكّل هذا الواقع على الدوام عنصرا من عناصر الأزمة البنيوية للسينما العربية، في مستوياتها الفنية والإبداعية، وهي أزمة لم تقتصر على البدايات بل استمرت عبر مراحل تطور هذه السينما وصولا إلى الزمن الحاضر والذي بدأت هذه الأزمة تتعمق وتتخذ أبعادا جديدة مع دخول صناعة الفيلم مرحلة السينما الرقمية، ذلك أن الحديث عن التقنيات السينمائية بات يتطلب تقسيمها إلى قسمين. القسم الأول يمثل التقنيات الأولية الضرورية لصناعة الفيلم والمهارات الحرفية الملازمة لها، مثل الاستخدام السليم للإضاءة وتسجيل الأصوات وهندسة الديكور والمناظر والمكياج والأزياء وغير ذلك من عناصر تشكل ركنا أساسيا من تقنيات الفيلم، ناهيك عن التقنيات الخاصة بالإبداع بحد ذاته من حيث تقنيات كتابة نصوص السيناريو والإخراج والتمثيل والمونتاج، وغير ذلك من النواحي التي تعتمد على المهارات والخبرات الشخصية. أما القسم الثاني من التقنيات الواجب التعامل معها وإتقان استخدامها، فهو يجسد الحاجة إلى مستوى أرقى من التعامل مع الجوانب التقنية الأكثر تعقيدا وتنوعا، وقدرة أكثر على تأمين المتطلبات الإنتاجية الكافية، إضافة إلى الحاجة إلى المزيد من المهارات والخبرات الفنية الشخصية. وهذا القسم هو ما يمكن أن ندرجه تحت بند شامل هو المؤثرات والخدع البصرية.

وبالنسبة للسينما العربية بالذات، فإن المشكلة الأساسية التي تجابهها من الناحية التقنية، تنتمي حتى الآن إلى القسم الأول، أي إلى الحاجة إلى المزيد من امتلاك التقنيات واكتساب الخبرات المتطورة اللازمة لصناعة الفيلم. وفي هذا المجال تحديدا، يبدو أن السينما العربية المعاصرة قد قطعت شوطا كبيرا في اتجاه اكتساب المهارات الحرفية اللازمة. وقد عكس هذا الأمر نفسه عبر تحسن المستويات الحرفية والفنية الإبداعية للأفلام العربية الحديثة التي يحققها المخرجون العرب الشباب في أقطارهم كافة، وصولا إلى نوعيات فيلمية تجسد حالة إبداعية حقيقية تعتمد على طموح وجرأة المخرجين على خوض غمار التجريب والتحديث والاستفادة من أحدث المنجزات التقنية، لا سيما منها التقنيات الإلكترونية، حيث صار العديد من المخرجين يستخدمون اكثر فأكثر هذه التقنيات الإلكترونية.

تضع تباشير عصر السينما الرقمية صانعي الأفلام العرب أمام إشكالية مزدوجة، ترتبط أولا، باستمرار الحاجة إلى التعامل مع التقنيات التقليدية، وثانيا، بأن التقنيات الرقمية التي ألغت الكثير من وسائل التقنيات القديمة مثل شريط السليلويد وما يترتب عليه من عمليات طبع وتحميض وغيرها، لم تلغ بالمقابل الحاجة إلى إتقان بقية التقنيات المرتبطة بصناعة الفيلم التقليدية. ومن ناحية ثانية فما تزال ثمة حاجة لاكتساب الخبرة في التعامل مع التقنيات الرقمية، خصوصاً ان شروط العرض الجماهيري التجاري في صالات السينما العامة ما تزال محكومة بتقنيات العرض التقليدية والتي تستوجب تحويل الفيلم المصور من حالته الرقمية إلى شريط السليلويد من مقاس 35، أي أن التقنيات الرقمية حلت جزئيا الكثير من إشكاليات تنفيذ الفيلم، لكنها ما تزال بحاجة إلى مواءمة نفسها مع تقنيات العرض التقليدية.

وهنا نصل إلى السؤال الإضافي المطروح أمام السينما العربية المعاصرة، وهو: كيف يتسنى لها أن تبني العلاقة المرجوة مع جمهورها بما يشجعها على النمو والاستمرار في النمو؟ على مستوى صناعة السينما العربية ككل، يمكن القول إن الإجابة عن هذا السؤال تفترض الحاجة إلى حل منظومة من الإشكاليات المرتبطة بتأسيس متين للبنية التحتية لصناعة السينما، بما فيها تأسيس شبكة توزيع وعرض ملائمة. وأما على مستوى صناعة الفيلم بوصفه منتجا فنيا إبداعيا، فإنه علينا أن نجد الجواب انطلاقا من خصوصية فن الفيلم من حيث هو يقوم على عدة عناصر، أهمها، على الرغم من كل شيء، فن قص الحكاية، ذلك انه بالنسبة للغالبية العظمى من مشاهدي الأفلام، فإن أساس ما يجذبهم في الفيلم هو الحكاية المؤسسة على عناصر التشويق بكل أنواعه وقدرة الفيلم على إثارة العواطف والانفعالات، سواء منها المضحكة أو المحزنة. ومن الواضح إن الإبهار التقني وحده والمستند إلى المؤثرات البصرية، لا يدوم تأثيره طويلا، إذ يصبح مع الزمن أمرا معتادا ويفقد بريقه وتأثيره على المشاهد، في حين إن القص المشوق يلاقي استجابة دائمة من قبل الناس.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 26 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك