رفيق الصيان يكتب: عن الممثل الذي قاد الفيلم وحده
|
صفحات خاصة
|
المفاجأة الكبيرة التي تقدمها لنا ساندرا نشأت، في فيلمها الجديد «الرهينة» هو نجمها الشاب (أحمد عز) لقد سبق وأن قدمته لنا في (ملاكي اسكندرية) بطلا أول.. يحمل كل معاني الوسامة والرشاقة ويعتمد عليها اعتمادا كليا لكي يظفر باعجاب المشاهدين وخاصة المشاهدات وهذا ما تحقق له علي جانب كبير.. ولم يتوقف الكثيرون علي قوة أدائه أو علي عمق تقمصه للشخصية التي يمثلها.. وهذا ما فعلته قبل ساندرا نشأت ايناس الدغيدي التي أعطته أيضا الدور الرئيسي في (مذكرات مراهقة).. معتمدة هي أيضا علي جمال صورته وسحره الذكوري. لكن أحمد عز في فيلم الرهينة الذي كتب قصته نبيل فاروق وأعد له السيناريو والحوار نادر صلاح الدين شيء آخر تماما.. يختلف اختلافا جذريا عن أحمد عز الوسيم الذي عرفناه واحببناه.. أحمد عز في الرهينة اعصار حقيقي.. وممثل يملك حضورا اخاذا مدهشا.. وممثل يطل علينا بكامل امكانياته فهو قادر علي اثارة البهجة والابتسامة الصادرة من القلب.. حين يجسد شخصية هذا الفتي المصري الخارج من أعماق الحارة الشعبية والذي يسافر إلي أوكرانيا في روسيا ليحقق أملا بعيدا طالما راوده في ان يصبح شيئا لذلك لم يتردد في قبول دعوة صديق له هاجر قبله إلي بلاد (اللبن والذهب) واخبره أنه اصبح من الأثرياء ويملك محلا كبيرا يديره بنفسه ويحيا في فيلا فخمة متعددة الغرف ومليئة بكافة الامكانيات التي يحلم بها شباب مصر.. الذين يجلسون في المقاهي يجترون أحلامهم باحثين عن عمل لا يتوفر لهم إلا بمعجزة.. ممثل كوميدي نحن منذ البداية مع أحمد عز في الطائرة التي تحمله إلي (بلد احلامه).. يثير مشكلة صغيرة في مقعده.. ويطالب بالجلوس في مقعد آخر في الطائرة.. ويتحقق طلبه عندما يوافق أحد ركاب الدرجة الأولي (صلاح عبدالله) علي أن يجلس بجواره. ومن هذه المنطقة القائمة علي حدث صغير.. ستتفرع أحداث كثيرة تقودنا إلي طرح أكثر من مشكلة حارقة.. نعاني منها داخل وخارج البلاد. منذ هذه المقاطع الاولي.. تفجرت موهبة أحمد عز كممثل كوميدي من الطراز الأول.. طريقة نطقه بجمله.. حركته المتوازنة المدروسة، نظرة عينيه المليئة بألف معني، حضوره المدهش الآخاذ الذي أنسانا فورا أننا أمام اكثر نجوم مصر وسامة منذ رحيل العملاق رشدي أباظة.. وإننا الآن نري ممثلا كوميديا مدهشا تطل الكوميديا من عينيه وحركته وطريقة نطقه بجدارة. وتستمر المفاجأة معنا.. حتي نهاية الفيلم.. إذ يظل أحمد عز محتفظا بخواص الشخصية التي يجسدها.. مهما كانت المواقف التي سيواجهها بعد ذلك معقدة أو مثيرة أو بعيدة عن التصديق.. أحمد عز.. هو الانسان المصري البسيط الذي يحمل ذكاء فطريا حادا.. والذي يعرف دائما كيف يتصرف في الوقت المناسب.. إنه حقا يواجه عالما جديدا لا عهد له به.. ولكنه يحاول التلائم معه علي قدر الامكان وبحيوية تمثل الشاب المصري الصميم. وما علينا إلا أن نراه وهو يواجه خدعة صديقه عن الجنة التي اصبح يعيش فيها.. والتي تمخضت عن غرفة في حي شعبي يقطنها عشرة أو أكثر من زملائه بعضهم لم يحصل علي تصريح اقامة رسمي.. ومهدد في كل لحظة بالطرد خارج البلاد.. اما العمل الكبير الذي يعمل فيه هذا الصديق فهو لطبقة شعبية غير مرخصة في طرف من أطراف الشارع يعرض فيها بعض المنتجات المصرية.. وبعض التماثيل الفرعونية المقلدة والتي يضطر ان يغلقها ويهرب بها عندمنا تبدو سيارة الشرطة في المنطقة.. تماما كما يفعل البائعون الجوالون في ميدان العتبة والطرق الصغيرة المؤدية له. عفوية وصدق هذا الموقف الحرج يقدمه أحمد عز بعفوية وصدق احساس مدهشين دون أي مبالغة أو افراط.. ويحقق بذلك نوعا خاصا من التواصل بينه وبين جمهوره. تماما كما يحدث.. عندما يجد المصري الشاب (يوسف) نفسه مقحما في عملية خطف سياسية لا يدرك شيئا من أبعادها.. نظرة الذهول والمفاجأة التي يعبر عنها وهو يستمع إلي كلام المسئول المصري.. ورد فعله علي عملية الاختطاف التي شهدها بنفسه عند خروجه من المطار.. برفقة راكب الدرجة الاولي الذي تبين له أنه أحد كبار العلماء المصريين والذي نال جائزة نوبل عن ابحاثه عن الذرة وتطويرها.. لا أريد أن أعلق علي الأحداث المتلاحقة التي تعقب حادثة الاختطاف.. ولا علي المغامرات اللا منطقية التي تحدث في شوارع أوكرانيا وقصورها وكنائسها.. فهي لا تهم قدر ما يهم تعبير الممثل الذي يخوضها وقدرته علي أن يجعلنا نتابعها بشغف واهتمام رغم رفض منطقنا لها. في الأحداث التي تلت البداية.. والتي جسد فيها أحمد عز شخصية الشاب المصري الذي هاجر إلي بلاد أخري بحثا عن عمل.. وضمانا لمستقبل ينتقل أحمد عز بسلاسة ليصور لنا خيوط الاخطبوط السياسي الذي ابتدأت تحاصره.. دون أن يدرك شيئا يفسر له كل هذه الأسرار.. علاقته بالصحفية الشابة (ياسمين عبدالعزيز) التي كانت أول من حاوره بعد حادثة الاختطاف.. والتي سترافقه حتي النهاية.. حيث ستنمو بينهما قصة حب عذبة.. يتصرف فيها أحمد عز بأخلاق ابن البلد الاصيلة دون تكلف أو تصنع أو افتعال.. ويشعرنا بكل حركة يقوم بها وكل جملة حوار.. إنه مازال هذا المصري الشهم الذي يدرك كيف يجب أن يتصرف.. دون أن يكون قد تلقي تعليما سياسيا.. أو توجهات ايديولوجية خاصة.. بل إن وفاءه لهذا الرجل الذي احتضنه بالطائرة.. والذي اختطف أمام عينيه يدفعه إلي متابعة مغامراته في أوكرانيا.. من خلال مطاردات بالسيارات (اصبحت الآن لازمة لأي فيلم في جميع الأفلام المصرية الاخيرة سياسية كانت أو عاطفية أو بوليسية) ثم مطاردات بالقصور القديمة.. ونهاية شبيهة بنهايات جيمس بوند.. حيث يتعلق أحمد عز بجناح طائرة هلوكبتر تحمل العالم المخطوف وينجح في انقاذه.. وفي دفع الطائرة إلي الانفجار والاحتراق مع راكبتها الجاسوسة الحسناء (نور) التي تلعب لحساب منظمة إرهابية إسلامية.. شكل فج ويطرح الفيلم في هذا الجزء الأخير منه.. قضية المسيحيين والمسلمين بشكل مباشر يصل إلي حد الفجاجة أحيانا ويؤكد علي وجود التضامن الحقيقي بين هؤلاء المسلمين وأخوانهم المسيحيين بعيدا عن موجات التعصب التي تقودها اصابع أجنبية. (ولعل دور نور بجمالها الأوروبي يؤكد ذلك بطريق غير مباشر). لا اريد ان اتوقف كثيرا امام هذا السيناريو المليء بالمغامرات والمطاردات والمبالغات الذي كتبه نادر صلاح الدين والذي وضع في كتابته كل ما يستطيعه عن الصراع الاسلامي ـ المسيحي ومحاولة استغلاله من قبل الجمعيات الإرهابية وإثارة الفتنة الطائفية التي يمكن ان تفجر الكثير من المشاكل في أرض مصر. ولكن ضمن هذا الخليط السياسي التآمري البوليسي المعقد. يطل احمد عز.. رائعا مدهشا مقنعا في جميع المواقف.. عاطفيا عند اللازوم بحدود ما تسمح به أخلاقه الشرقية.. خفيف الدم دائما.. سريع البديهة في اغلب الاحيان. لماحا. ذكيا. يملك رشاقة بدنية وقدرة علي المطاردات.. وينجح في ان يكون في وقت واحد.. توم كروز وبراد بيت مجتمعين. ويبدو أن ساندرا نشأت.. قد احست بهذا التطور الهائل لدي ممثلها الجميل... فافسحت له كل امكانياتها.. وجعلته يقود الفيلم عوضا عن أن تترك الفيلم يقوده.. واثقة انها قد عثرت علي الفارس الحقيقي الذي يمكنه ان يتخطي بها وبفيلمها جميع العقبات.. بما في ذلك.. لا منطقية السيناريو وأحيانا.. ومباشرته الواضحة في الجزء الاخير منه. وحسنا فعلت ساندرا نشأت.. إذ تصرفت علي هذا النحو لأن أحمد عز.. قد وضع الفيلم كله في قاربه المطاطي الصلب.. وجعله يتحدي العواصف والامواج العالية التي كانت تحيط به. ياسمين عبدالعزيز.. تخطو ايضا خطوات تقدم واضحة في أدائها وفي تعبيرها.. ويبرهن انها اصبحت عجينة طيبة.. تعطي احسن النتائج إذا وقعت في أيدي امينة وتبقي في منطقة الظل في أفلام أخري.. ولكن ما من شك في أن هذه الممثلة الشابة تملك طموحا كبيرا وامكانيات متوفرة وان اوتارها قد هيئت تماما.. لتلعب عليها اصابع ماهرة فتخرج أجمل الأصوات.. وإنني أري فيها قدرة حقيقية لممثلة حقيقية يمكنها أن تعطي الكثير إذا عرفت كيف تنتقي قائد الأوركسترا الماهر الذي يعرف كيف يلعب علي أوتارها. الأدوار المساعدة ولا شك أن من ضمن ميزات ساندرا نشأت، حسن اختيارها للادوار المساعدة.. التي تقدمها بشكل منطقي ومقنع.. صلاح عبدالله وسامح الصريطي مثلا.. في دورين متوازنين وكذلك ماجد الكدواني الذي حكم عقله وابتعد عن أدوار البطولة لكي يكرس نفسه ممثلا مساعدا علي قدر كبير من الموهبة والحساسية.. كذلك الممثل المدهش الذي لعب دور صديق يوسف احمد عز بوجهه المصري الأصيل وحضوره العذب رغم كذبه واحتيالاته.. ساندرا نشأت كمخرجة اثبتت مرة أخري.. تطور قدرتها التقنية واحساسها المكاني (اختيارها الشديد التوفيق لأمكنة التصوير من قصور وكنائس وميادين وأسواق..) كما عرفت كيف تحرك كاميراتها بين المجموعات الكبيرة واخص بالذكر مشهد المحطة الرائع في تكويناته وحركة كاميراته ولقطاته الكبيرة والصغيرة أو مشهد المطاردة الأخيرة.. في قصر الارهابيين.. ومشهد طائرة الهلوكبتر.. ومشهد السوق وجميع مشاهد الاختطاف.. وسواها وسواها.. كما عرفت كيف تخفف من ايقاعها المتوتر.. لتشير دون أن تركز علي بداية نمو قصة الحب بين الشاب المصري والصحفية الجريئة. ولابد أن اتوقف امام مشهد النهاية الكثير الايحاء.. فبعد أن تصورنا أن الجاسوسة الحسناء (نور) قد قتلت عند انفجار الطائرة.. فاذا بالمخرجة الذكية تقدمها لنا وقد استبدلت سواد شعرها الفاحم بباروكة شقراء.. تقف لتصور تصريحات العالم المسيحي الذي تم اختطافه ثم انقاذه وتبتسم لنا ابتسامة غامضة وكأنها تشير لنا.. إن الخطر مازال موجودا.. وإن الشر لم يمت بعد. وكذلك هذه الصور التسجيلية لأفراد من الشعب المصري علي اختلاف فئاته.. صور مليئة بالحنان والمحبة والذكاء.. تشير أيضا بشكل خفي.. أن الضحايا الحقيقيين لكل هذه المؤمرات هم هؤلاء الطيبون ذوو الوجوه التي تنطق بعمق المأساة.. وبذور الأمل التي لا تموت. الرهينة فيلم يجمع بين التجارية النظيفة المحترمة.. ويعطي لأفلام المغامرات المصرية بعدا إنسانيا وجماليا.. تحقق بفضل موهبة أحمد عز الملفتة للنظر.. وجمال نظرة ساندرا نشأت لما حولها.. ومن حولها. وأظن أنه قد آن الأوان حقا لمخرجة ذكية وطموح كساندرا نشأت ان تقدم اخيرا الفيلم (الحقيقي) الذي تحلم به.. والذي لا اشك ابدا في وجوده في اعماق قلبها.. مبتعدة قليلا عن النجاحات التجارية التي حققتها حتي الآن.. وطموحة إلي وضع اسمها في مكانه الحقيقي بين صناع السينما المصرية المعاصرة. ولم لا.. مادامت تملك في ممثلها الاثير.. وترا مشدودا جاهزا لتقديم جميع الألحان واصعبها.!! جريدة القاهرة في 23 يناير 2007 |