هناك الكثير من الأفلام التى تركزعلى طابعها الإنسانى، وتمضى بعيدا فى التعامل مع الرسالة الإنسانية بمعناها العاطفى والوجدانى، وهذه الأفلام ينظر اليها الكثيرون على أنها اقرب الى الميلودراما، أو أنها تعلن عن مباشرتها العاطفية لكسب الجمهور والتأثير فيه، ولذلك فهى تعد دائما من أفلام الدرجة الثانية أو الثالثة.

لكن رغم كل ذلك فهذه النوعية عن الأشرطة لا تموت، بل تبقى مؤثرة ويتعامل معها الجمهور والنقاد على أنها ذات فاعلية خاصة تخاطب العواطف البشرية والبعد النفسى الذاتى والجماعى، وخصوصا إذا كان القالب الفنى الذى يحوى موضوعاتها يتناسب مع التطور الفنى للسينما، ويستفيد من المتغيرات الحديثة، ويراهن على الوصول إلى الجمهور بالطريقة المناسبة.

نزعة إنسانية

إن السينما فى جنوب أفريقيا تكاد تقترب من هذا الطرح، فمعظم الأفلام التى اشتهرت بها هى من هذه النوعية الإنسانية ذات الطابع الاجتماعى، والتى لا تغفل معالجة القضايا بالدرجة الأولى فى إطار من السيطرة المحلية الواضحة، والارتفاع بالفيلم إلى الجانب الانسانى الذى يتواصل مع الجمهور العالمى.

بين الحين والآخر يأتى شريط جيد من جنوب افريقيا، من ذلك مثلا شريط "الحمقى" لرمضان سليمان وشريط "الطبل" لزولا ماسيكو وشريط "الغبار الأحمر" لديرك هوبر وشريط "الأمس" الذى رشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم اجنبى 2004 ولم يفز بها، وفاز بها شريط "تسوتسي" فى العالم النامى وهو لمخرجه جافين هود.

لقد اعتمد شريط "تسوتسي" على رواية للكاتب المسرحى أتول فوغارد من جنوب افريقيا، مع بعض التغييرات والإضافات، حيث دارت أحداث والوقائع الفعلية فى الخمسينيات ونشرت الرواية فى الستينيات، ولقد شهدت جنوب أفريقيا متغيرات كثيرة، كان لا بد أن تنعكس على مجريات الفيلم، فقد اختفى الصراع بين البيض والسود، أو على الأقل اختفى بشكله الظاهرى، ومع تراجع نظام التمييز العنصرى فى جنوب افريقيا، فإن اختيارات الفيلم قد سارت نحو آفاق جديدة أساسها العلاقة المتناقضة والمتقابلة؛ الفقر والغنى، والصحة والمرض، وحياة الشوارع وحياة المدينة الحديثة وغير ذلك من المتناقضات التى ركز عليها وأبرزها شريط "توتسى".

فى نهاية الشريط المذكور، يطلب البوليس من تسوتسى أن يرفع يديه الى أعلى معلنا عن تسليم نفسه لقوة البوليس التى تحاصره، وفعلا يرفع يديه، ومع صورة مقربة تخفى باقى الخلفية، يبدو "تسوتسى" وكأنه يحلق أو يكاد، فاليدان جناحان مفتوحان الى أعلى، يتجاوز عن طريقهما الواقع الميئوس منه الى فضاء حالم بالتغيير، الذى ينبئ بالخروج من الكابوس الاجتماعى للجريمة والعنف.

نجاح الفيلم

لكن لماذا وضع الشريط نفسه فى هذا المنظور؟ وبطريقة أخرى ما أسباب نجاح هذا الشريط وأسباب حصوله على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبى لسنة 2005 ثم نجاحه فى مهرجانات أخرى فى عام 2006 وخصوصا ما يتعلق بالنجاح الجماهيريخارج جنوب أفريقيا؟

لا يمكن اعتبار اسم المخرج سببا رئيسيا، لأن جافين هود لم يخرج الا القليل من الأشرطة فى جنوب افريقيا وخارجها، وأشهر أفلامه "الرجل العاقل" 1999، ومشاركته كمساعد مخرج فى الشريط الامريكى "قوة الدلتا" كما أنه أخرج شريطا ناجحا باسم "فى الصحراء والبرية" 2001.

أيضا لا يحتوى الفيلم على ممثلين من نوع النجوم، حيث يكاد بطل الفيلم برسلى شويناغى يمثل للمرة الأولى، وهو ما ينطبق على باقى الممثلين عدا الممثلة تيرى فوتو التى قامت بدور "مريم" والممثل ايان روبرتس الذى قام بدور "الكابتن سميث".

والحقيقة أن اللمسة الإنسانية العاطفية غير المبالغ فيها هى السبب المباشر فى الترحيب الجماهيرى والنقدى بهذا الشريط فى حدود الإنتاج السينمائى الممكن فى جنوب افريقيا. كما أن استخدام الطفل الرضيع باعتباره الأداة التى تنقل توتسى من مرحلة الى أخرى، كان استخداما غير مستهلك فنحن نعلم أن السينما وقبلها الأدب الروائى والفن السردى عموما قد تتعامل مع هذه النوعية من العقد الدرامية، حيث نرى الاشرار يتحولون الى أخيار بمجرد المرور بتجربة أو رحلة تسمح لهم بهذا الانتقال من حالة الى أخرى.

إن هذا ما حدث للصبى المراهق توتسي، وهو صبى الشوارع، والكلمة تعنى المجرم أو قاطع الطريق، حيث لا يعرف باسمه الحقيقى. فى النصف الأول من الشريط نجده فى خانة الاشرار، ثم مع بداية النصف الثانى يحدث التحول التدريجي، من الواقع القاسى الصعب الاحتمال الملوث بالجريمة والقتل البارد، الى واقع افتراضى جديد، مختلف، فعليا لا يتم، لأن توتسى سيودع السجن، لكن نفسيا وداخليا هناك حالة من التغيير تصيب هذا الشخص، عبر عنها الشريط بمشهد ارتفاع اليدين محلقتين الى أعلى رغم انهما فعليا يعبران عن واقع الاستسلام الكامل.

يبدأ الفيلم بمشهد يظهر فيه بعض الفتية وهم يقامرون بمبالغ بسيطة، حيث ندرك أنهم على الارجح لا يعرفون الجمع والطرح ويخطئون فى حساب المبالغ المالية الصغيرة.

وهذه العصابة الصغيرة "بوسطن وبوتشر وآب" يرأسها توتسى والذى نراه يقف لوحده ويواجه الكاميرا معلنا عن نفسه وعن تفرده وتميزه.

هناك خلفيات كثيرة يقدمها الفيلم، منها تلك الإعلانات الكثيرة عن الدعوة لتجنب مرض الايدز، ثم مجريات الحياة فى مدينة كبيرة مثل جوهانسبرج من خلال تتبع ما تقوم به هذه العصابة الصغيرة، وينقل الينا الفيلم عملية اعتداء وسرقة فى وضح النهار فى أحد القطارات، عندما يقتل أحد الاشخاص بقصد السرقة، ويترك وحيدا فى مقصورة القطار ويلوذ الباقى بالفرار.

رحلة تسوتسى

هذه العملية، ربما كانت الأخيرة فى رحلة تسوتسي، فعلى إثرها مباشرة دخل فى نقاش مع رفاقه ولا سيما بوسطن الذى حاول أن يكون مدرسا ولكنه فشل فى الامتحان، بينما كان توتسى صبيا لا يعرف ما هى المدرسة وبالتالى لا يعرف معنى كرامة الشخص، ومعنى الخجل من القيام بعمل معين خاطئ أو مقيت، ورغم أن هذا المعنى قد جاء فى الفيلم عرضا، فإنه شكل باعث للتغيير، وكان بوسطن هو المفتاح لذلك، لأنه الوحيد المتعلم فى العصابة والذى اعتبر أن العصابة قد ذهبت بعيدا فى ممارسة الشر والقتل وأنه لا يستطيع أن يحتمل ذلك، وهو أمر جعل تسوتسى يدخل فى مواجهة مع هذا الغريم الأخلاقى، وبالتالى الفرار بمفرده بعد الاعتداء عليه نحو جهة غير محددة ليجد نفسه قد انتقل الى الضفة الاخرى من المدينة.

مكانيا ينقسم الفيلم الى قسمين.. الأول مناطق الفقراء والهامشيين وسكان أكواخ الصفيح، حيث السرقة والجريمة والاختطاف وقلة الماء وفقدان الإضاءة وحياة التشرد.

القسم الثانى لا يبتعد كثيرا، فهو على بعد مسافة فاصلة فارغة، نجد على إثره العمارات الشاهقة والمدينة الحديثة والأنوار اللامعة من بعيد، ثم الدارات الفخمة المسيجة، وها هو تسوتسى يقف أمام إحدى هذه الدارات، ثم يقرر أن يسرق سيارة المرأة التى تترجل منها أمامه، بعد أن فشلت فى فتح الباب الكبير بواسطة الروموت كنترول لتقرع الجرس، بينما ينهمر المطر بغزارة وحيث أن موتور السيارة يعمل فقد حاول تسوتسى قيادتها والهروب بها، وعندما حاولت المرأة أن تعترضه، أطلق النار عليها من مسدس يهددها به.

هذه التفاصيل تأتى بطريقة متلاحقة، لكن لا أحد يضع لها مخططا واضحا، ولهذا تتوقف السيارة فى منتصف الطريق، وعندما نعود بالذاكرة سوف نجد أن أحد رفاق الشارع يسخر من زعيم العصابة الصغيرة بسبب فشله فى قيادة السيارة وعدم تعلمه لهذا الأمر مثلما فشل فى تعلم أى شيء آخر.

الفيلم يقدم مبررات إذن، من خلال السيناريو، لإيقاف السيارة وتركها، لكن صوت الطفل الرضيع المنبعث من الكرسى الخلفى يقلب الأوضاع، حيث يقرر أن يأخذ تسوتسى الطفل معه فى كيس بضائع وجده داخل السيارة، وبهذا تبدأ الأحداث الفعلية للفيلم.

عودة إلى الخلف

هناك تفاصيل مرتبطة بالطفل الرضيع وهو الضيف الجديد الذى يستقبله تسوتسي، فهو يعمل على تنظيفه ولفه بورق الجرائد ويمنحه الحليب المعلب، ولكن لا جدوى من كل ذلك، ومن هنا تأتى فكرة أن يسلمه لامرأة يلمحها من بعيد وهى تحمل الماء ومعها طفل رضيع أيضا، ويجبرها تحت تهديد السلاح على إرضاع الطفل ثم تقترح ان تقوم بتنظيفه بالماء وتغيير ملابسه.

اللقاء بين تسوتسى والمرأة المرضعة "مريم" يسمح بتقديم بعض التفاصيل عن حياة تسوتسي، ويستغل فترة الإرضاع ليعود تسوتسى الى الخلف، الى أمه المصابة بمرض الايدز والى ابيه القاسى الذى يمنعه من الاقتراب منها، وهو الأب الذى يقتل كلب المنزل الصغير، مما يجبر تسوتسى للهرب من البيت لينسى اسم دافيد ويصبح اسمه "تسوتسى"، ورغم أن فكرة قتل الكلب تبدو مكررة فى الأفلام، فهى استعارة من هوليوود ربما لا تكون معبرة عن عجرفة الأب فعليا، لكنها نقطة انطلاق نحو عدم عودة توتسى إلى بيتهم، ليصبح ابن الشارع والقاتل الذى لا يرحم، والذى لا يتردد ولا يكترث بضحاياه وليست لديه أية مشاعر ود تجاه الآخرين.

بل لا يكاد ينفعل أو يتأثر بما حوله، ولقد ركز الشريط على فكرة حرمان الابن من أمه لتكون مبررا لكل ما يقوم به تسوتسي.

وينجح الفيلم فى مشاهد الاعادة للخلف "فلاش باك" وخصوصا لتلك المشاهد السريعة التى يعدو فيها تسوتسى بحيث يظهر وهو صغير فى حالة هرب أيضا مثلما هو فى زمن سريان أحداث الشريط. تسوتسى هو ابن الضواحى المهمشة، ويعيش فى القسم الأكثر فقرا، يرسله الفيلم الى القسم الآخر، الذى يعيش فيه الأغنياء، ولا تجدى الأسوار المسيجة فى تقديم الحماية، ولا تنفع الوسائل التقنية الحديثة فى دعم الفاصل بين القسمين، فتسوتسى يخترق ذلك ويعود معه طفل رضيع من ربوع الأغنياء الى الضواحى الهامشية للفقراء.

إن الأمر إذن غير مستقر وليست هناك أية ضمانات، فمهما كانت الجدران العازلة قوية، يمكن اختراقها لأن هناك دوائر الفقر والعوز والحرمان تعيش قريبة، وهى بإمكانها ان تكون مؤثرة، ليس فقط على الحاضر، بل على المستقبل وهو الطفل الرضيع.

خطاب فنى مباشر

لا شك أن الفيلم يحتوى على خطاب مباشر، فيه إشارة الى أماكن الخطورة التى ربما لا ينظر اليها بأهمية، اذ لا يكفى أن يصنع الأغنياء سياجات حول أنفسهم لضمان راحتهم، إن الأمر فى حاجة الى أن تكون الرؤية أوسع والحماية أكثر شمولا.

لا يقدم الفيلم الصراع على أنه بين البيض والسود، كما فعلت الرواية فى أصلها، بل يجعل الصراع بين السود أنفسهم، ولهذا كانت العائلة "جون ـ بومبلا" من السود الاغنياء، وكان تسوتسى وعصابته من السود، ولا يوجد الا ضابط شرطة وحيد أبيض وضع ليكون أقل انفعالا فى تعامله مع أفراد العصابة.

هناك بعض التشابه بين هذا الفيلم "تسوتسى" وافلام أخرى، ومن ذلك الفيلم البرازيلى "مدينة الرب" بتركيزه على العنف الاجتماعى وتتبع مرجعياته.

لكن التشابه يبدو شكليا فقط، لأن الفيلم يقترب كثيرا من فيلم آخر وهو "البرتقالة الميكانيكية" 1971 لمخرجه ستانلى كوبريك، وخصوصا فيما يتعلق بتعامله مع العنف، فالمقدمة واحدة، اذ يبدأ كلا الفيلمين بجريمة قتل موجهة ضد شخص من قبل جماعة، ثم هناك امرأة الحانة التى يزورها رجالات العصابة وتستقبلهم هى سلبيا وإيجابيا، ثم هناك أيضا السرقة المنزلية التى تم استبدالها بسرقة الطفل بدون قصد، أيضا تعود العصابة الى نفس البيت السابق، وفى الفيلمين يتم القبض على الزعيم فى نهاية الفيلم. كما أن المرأة العجوز المهددة، تساوى الأم التى فقدت رضيعها وأصابها الشلل النصفى.

رغم كل ذلك فإن خط كل فيلم يختلف ايضا عن الثانى ولا سيما اختلاف شخصية اليكس عن تسوتسي.

حالة من التغيير

يصبح تسوتسى مسؤولا عن طفل رضيع، أشعره ذلك بمأساته السابقة، بطفولته، بأمه التى فقدت ابنها، إن تسوتسى هنا قد تلبسته حالة أمه، فصار الطفل الرضيع من ممتلكاته التى لا يستطيع احتمال فقدها، وهو أمر فيه شيء من الشرود والوهم لكنه وفى البداية كان كذلك فعلا لذلك رفض تسليم الطفل للمرأة المجاورة له لكى تعتنى به.

يبدأ تسوتسى بحالة التغيير التدريجي، فيترك العصابة، ويختفى العنف من طريقه، بل يستدعى صديقه بوسطن المجروح الى بيته لينأى به عن اتباع طريق الجريمة.

وبغرض الحصول على بعض المال لتقديم العون لصديقه بمساعدته لدخول امتحانات التعليم، وكذلك للصرف على الطفل الرضيع، يلجأ تسوتسى مع عصابته إلى نفس الفيلا، ونفس الأسرة، الأب جون والأم المشلولة "بوملا" لسرقة المال، ولكن نحن لا نرى تسوتسى يسرق المال، بل يسرق حليب الطفل وينظر بحيرة إلى ألعاب الطفل فى غرفته الصغيرة.

هنا نشعر بأن سرقة الطفل كانت بدافع آخر، فلقد أراد عن قصد إبعاد الطفل عن أمه، مثلما أبعدت أمه عن طفلها. إنه يعيد نفس التجربة تقريبا، وعندما نعود الى فكرة الفاصل بين الأغنياء والفقراء نجد أن القصد هو تكرار نفس المعادلة. الأم المريضة تفقد طفلها "تسوتسي" لأنها مريضة بالايدز والسبب الفقر والضعف والإهمال، والأم الغنية تفقد طفلها ايضا، وتصبح هى ايضا أما مشلولة. لقد وضعت الأسرتان على نفس المستوى.

ان الفيلم قد سار ببطء نحو التحول، فلم يصبح تسوتسى شخصا إيجابيا بالكامل الى درجة المثالية، بل هو قد سار فى طريق مغاير لطريقه السابق. إنه على مشارف التغيير فقط، وهو أمر قد دفعه للتأثر بكلام المرأة المرضعة، وبالتالى الاندفاع نحو تسليم الطفل لأمه. لقد توقف عن تعذيب الآخرين، بل إنه يدخل فى مواجهة مع الشر فهو يقتل صديقه بوتشر عندما هم بقتل الزوج "جون" عند سرقتهم للفيلا.

عودة الطفل

ورغم ان مشهد القتل هذا قد جاء غير مبرر، فإنه يدخل فى سياق انقلاب تسوتسى على حياته السابقة، فهو شخصية حادة ومندفعة لا تعرف التردد، ومن السهل أن يحول هذا الاندفاع نحو وجهة أخرى.

يقرر تسوتسى تسليم الطفل ويذهب به الى البيت يزوره لثالث مرة بعد أن مر ومعه الطفل الرضيع على المنطقة الفاصلة والتى عاش بها تسوتسى نفسه لمدة طويلة، فى الأنابيب الكبيرة المهملة التى تجمع الأطفال المشردين انتقل بعدها الى كوخ علوى حقير. إن الطفل الرضيع من هذه الزاوية هو مشروع طفل مشرد ايضا، رغم انه من الأثرياء، ولولا التراجع المبرر فى شخصية تسوتسى لصار الأمر كذلك فعلا.

يبدو واضحا أن أهم مشهد فى الفيلم، هو لحظات التطهر التى عاشها توتسى وهو يراقب إرضاع الطفل، فعلاقته بهذه الأم هى التى قادته الى التغيير، فهى ترفض المال الذى جمعه، عندما فر مع صديقه بالسيارة المسروقة من اسرة الطفل الرضيع، ثم باعها ليمنح المال لغيره، بل هو يضعه أمام الرجل العاجز الذى حاول الاعتداء عليه فى البداية بدون رحمة، ثم إن الأم مريم هى التى توحى إليه بتسليم نفسه وإعادة الطفل الى أمه.

فى مشهد آخر يتساءل تسوتسى عن الألعاب البسيطة المعلقة فى بيت المرأة المرضعة، وهى قطع مدلاة من أعلى بخيوط رقيقة، يراها مجرد قطع مكسورة، بينما هى فى الوجه المقابل ذات ألوان لامعة وبراقة تجذب أنظار الطفل الصغير، إن تسوتسى بلا طفولة حقيقية، لا يعرف معنى اللعب، وهو بهذا المعنى يحتاج إلى هذا الطفل ليملأ الخواء الذى يستقر داخله. إن بيت المرأة مرحلة وسط بين كوخ تسوتسى والفيلا.

هى رحلة بستة أيام وفى اليوم السابع يسلم تسوتسى نفسه الى مصيره بعد ان ودع رفاقه، ورغم الاضطراب الذى سيطر عليه حتى اللحظات الاخيرة، فإنه يقبل أن يكون قربانا لأمل منتظر. إنه فيلم جيد ولا شك، يتعامل مع الجمهور عاطفيا وبشحنة من موسيقى البوب الجنوب أفريقية ومواقع تصوير مختارة بعناية، كانت شواهد على مدينة سويتو المشحونة بالألم والأمل وبكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات.

العرب أنلاين في 18 يناير 2007

فى "محطة مصر" .. أحلام وهموم و إحباطات الشباب

هبة عبد المجيد  

إلى أى حد يمكن للحب أن يعيد صياغة البشر، وأن يساعدهم على اكتشاف ما بداخلهم والأهم تغييرهم؟ سؤال لا زال يؤرق السيناريست بلال فضل منذ "حرامية فى كى جى تو" أول فيلم جمعه بكريم عبد العزيز، والذى أعاد طرحه برؤى وتفاصيل مختلفة من خلال فيلم "محطة مصر" اللقاء الخامس بينهما، مستعرضا من خلاله الكثير من المشاكل الاجتماعية وبالأخص البطالة التى يعانى منها الشباب وتدفعهم للتخلى عن أحلامهم وطموحاتهم والقبول بالحد الأدنى لمجرد التواجد على خريطة الحياة.

ونظرا لمأساوية القضية وكآبتها، اختار بلال مناقشتها بشكل كوميدى لأسباب كثيرة ربما فى مقدمتها استعراض عضلاته كمؤلف يمكنه تقديم مختلف الألوان الفنية، وربما لكسر حالة "الجدية" التى عايشها الجمهور بعد فيلمهما "واحد من الناس" والذى قدم قبل بضعة شهور، ولا زالت أصداء نجاحه تحلق فى الأجواء حتى الآن، وربما تلبية لرغبة كريم فى رفع راياته على مساحات أخرى تمنحه موقعا متميزا وسط جيله من النجوم، وربما لكل هذه الأسباب مجتمعة، المؤكد أن الكوميديا الممزوجة بالرومانسية كانت هى الاختيار الجديد والأنسب لهذا الثالوث "كريم وبلال وجلال"، وشاركتهم التنفيذ منة شلبى فى ثانى تعاون يجمعها بهم.

تدور الأحداث حول رضا الشاب الجامعى والذى تضطره ظروف البطالة للعمل كبائع متجول تارة لـ "ولاعات المطبخ" وأخرى لكتيبات تتيح لحاملها إمكانية التمتع بخصم كبير على كثير من السلع، فى إشارة لحالة الركود التى يعانى منها السوق بشكل عام، ويختار رضا "محطة مصر" لممارسة مهامه بوصفها أشهر وأقدم وأكبر تجمع لقطارات السكك الحديديه فى العالم العربي، والتى تخترق البلاد طولا وعرضا ، ليلتقى هناك بمن تقلب حياته رأسا على عقب، بينما يسهم فى تغيير مفاهيمها ونظرتها للحياة، بل يمتد الأمر الى حد تغيير حياة المحيطين بها شكلا ومضمونا.

بعيدا عن الخط الرئيسى للأحداث، اجتهد الفيلم فى استعراض الكثير من أزمات الواقع ومشاكله بطريقة الفلاش، أى إضاءة سريعة مركزة من دون ابتذال أو إخلال لما يعانيه المجتمع من مشاكل مزمنة، مثل الأب الذى تراكمت عليه الديون الى حد عجزه عن تسديد أقساط "الثلاجة" مما اضطره للهروب من منزله حتى يفى بثمنها، أو ناظر المدرسة الذى يستيقظ بطلنا كل يوم على صوته وهو يلقى على مسامع التلاميذ فى طابور الصباح بحكمة وكلمة اليوم، مشيرا لهذه المدرسة بوصفها خطوة على طريق مستقبلهم المشرق والذى سيصبحون فيه سفراء ووزراء باختصار عظماء، بينما الكاميرا تستعرض وجوهاً بائسة لن يكون مصيرها بأى حال أفضل من مصير بطلنا رضا خريج نفس المدرسة.

يستعرض الفيلم أيضا حياة الأغنياء وكيف يراها البعض خالية من الهموم أو المشاكل بينما الواقع عكس ذلك تماما، فالمال لم يحقق لهم السعادة أو الهناء بل جلب لهم مزيدا من الشقاء والتعاسة، باختصار حاول الفيلم أن يستعرض الكثير من سلبيات الواقع وعبثيته أيضا فى قالب من الكوميديا السوداء حيث الضحك فيها أقرب للبكاء.

عبقرية المكان "محطة مصر" لم تتجاوز حدود العنوان، وهى أحد المآخذ على السيناريو والذى فشل فى الغوص بعالمه ومن ثم استخدامه أو تطويعه بما يفيد الأحداث ويثريها.

بعيدا عن هذا كان بلال موفقا بحكم خبرته السينمائية فى تقديم "قماشة" جيدة نجح بدوره المخرج أحمد جلال فى تفصيلها على مقاس كريم عبد العزيز والذى أكد من خلال الفيلم موهبته ككوميديان قادر على الإضحاك بالإضافة لموهبته كممثل يمتلك حضورا وجاذبيه، باختصار قدم الفيلم كريم بوصفه "الجوكر" القادر على تقديم مختلف الأدوار من "الكاركتر" الى "الجان" وحتى التراجيديا رفع فيها راياته، بينما لم يضف الفيلم جديدا لمنة التى يبدو أنها ارتضت التواجد لمجرد التواجد رغم مساحة دورها مقارنة بواحد من الناس والذى لفت الأنظار لموهبتها وأكد حضورها.

أما حرفية أحمد جلال فلم تكن بحاجة للاستعراض بحكم بساطة القصة وكالعادة نجح فى ضبط إيقاع فيلمه بحذف أى ملل أو رتابة ما يجعل الفيلم أكثر قدرة على احتواء مشاعر الجمهور وتأكيد نجومية أبطاله.

العرب أنلاين في 21 يناير 2007

 

عمر الشريف: انفق ببذخ لشعورى بأن مال التمثيل حرام

سلامه عبد الحميد –الألمانية- 

صرح الفنان المصرى العالمى عمر الشريف بأن سبب البذخ فى إنفاقه للمال الذى يجنيه من عمله بالتمثيل هو شعوره بأن "فلوس التمثيل حرام".

قال عمر الشريف إنه يعشق الانفاق لأنه يشعر بأن هذا المال "رزق" للمحيطين به وليس من حقه. وقال النجم الكبير إنه لا يحب المال على الاطلاق وليس لديه أدنى تعلق به مشيرا إلى أنه يعتبر منذ بداياته الأولى بالتمثيل أن "فلوس التمثيل حرام" وأن إنفاقها هو الحل الوحيد للتخلص منها حتى يستفيد بها آخرون هم فى حاجة أكثر إليها.

وبرر الشريف تصريحه المثير بأنه لا يشعر بأنه يجهد نفسه كثيرا مثلما يفعل آخرون فى مهن أخرى للحصول على المال حتى أن ما يحصل عليه يفوق بمراحل كثيرة ما يحصل عليه أشخاص يقضون ساعات طويلة فى عمل مجهد جدا ولا يتقاضون عنه ربع ما يتقاضاه.

وأضاف باللغة العامية المصرية: "يعنى إيه أمثل شوية وأخد كل الفلوس دي.. مش ده حرام" ثم كرر "كنت أقنع نفسى دائما أننى أحصل على هذا المال مقابل العمل كبلياتشو أمام الكاميرا لعدة ساعات وأنه رزق العمال وأصحاب المهن الذين أتعامل معهم".

وجاءت تصريحات الشريف المثيرة خلال لقاء مع الاعلامى المصرى طارق حبيب فى حلقات مسجلة حول مشوار حياته بدأ التليفزيون المصرى عرضها مساء الاربعاء بعنوان "تجربتي" وضمت إلى جانبه عددا من أصدقاءه وزملاءه منهم صديق عمره الفنان أحمد رمزى والممثل هشام سليم.

وحول طقوس عمله بالفن، قال إنه أصبح يشعر بصعوبة أكبر فى تقديم أعمال بالعربية لأن ذلك يزيد من حجم المسئولية الواقعة عليه أمام الجمهور العربى الذى وضعه فى مكانة كبيرة لابد أن يحافظ عليها بينما الأمور فى السينما العالمية أبسط بالنسبة له كثيرا.

وأشار إلى أنه اعتاد منذ بداياته أن يحفظ نصوص الأعمال التى يقدمها بالكامل وكأنها مسرحية قبل بدء التصوير وأنه لم يستطع بعد كل هذه السنوات التخلص من تلك العادة على الاطلاق.

وردا على سؤال لطارق حبيب حول طفولته، قال الشريف: "كنت طفلا مدللا انتمى لأسرة ميسورة الحال لكن هذا لا يعنى أن أهلى فرطوا فى تربيتى أو تعليمى بل إنهم حرصوا جيدا على ذلك وهذا سبب ما أنا فيه الآن".

وعاد الفنان الكبير للتصريحات الساخنة مجددا حيث أكد أن أمه كانت تعاقبه بصرامة على أى خطآ باعتبارها كانت ملازمة له طوال طفولته مشيرا إلى آنه لم يكن يمر يوم تقريبا دون أن تضربه عقابا وأن الضرب كان دائما "بالشبشب" بعيدا عن نظر الآب الذى لم يكن يرضى بذلك أبدا.

العرب أنلاين في 18 يناير 2007

 

ميلوش فورمان يدير أوبرا «نزهة ممولة جيداً» تحت القبة الذهبية

مخرج «طيران فوق عش الوقواق» يعود و«أشباح غويا» إلى براغ

براغ ـ حسن عزالدين 

عاد المخرج السينمائي العالمي ميلوش فورمان أخيراً إلى العاصمة التشيكية براغ التي درس وترعرع فيها، معلنا عزمه الإقامة هذه المرة فترة أطول في ربوعها، لارتباطه «بعمل فنّي خاص» سيميّزه كثيرا عن أعماله السينمائية العالمية.

وللمخرج التشيكي فورمان علاقة خاصة بمدينة براغ التي شهدت انطلاقته الأولى، فهو برغم غيابه المستمر عنها خلف المحيط، لم يترك مناسبة قيّمة تقام فيها إلا وشارك فيها، خصوصا بعد ما ولّى إلى غير رجعة الحاجز الايديولوجي الذي كان سببا أساسياً في هجرته القسرية عنها قبل سنوات مضت.ويعود فورمان هذه المرة إلى براغ ليلعب دورين معا. الأول هو المشاركة في إطلاق عروض فيلمه الجديد «أشباح غويا» (Goyas Ghosts )، والثاني وهو الأهم، إخراج أوبرا جديدة ستحمل اسم «نزهة مموّلة جيداً» سيتم عرضها على خشبة المسرح الوطني في براغ، الذي يعتبر أرقى المسارح التشيكية على الإطلاق.

الفريد في هذه الأوبرا أنها لن تكون من النوع الكلاسيكي المتعارف عليه، بل ستطغى عليها موسيقى الجاز التي سيشرف عليها المايسترو ليبور بيشيك، وقد يشارك في العزف والإشراف الفني ابنا فورمان اللذان حضرا معه من نيويورك، على أن يتم افتتاحها رسميا في الثاني والعشرين من شهر أبريل المقبل. ولم يخف فورمان سعادته من هذه التجربة الفريدة باعتبار «أن الجميع يضعفون أمام القبة الذهبية، ويتمنون تنظيم أي شيء تحت مظلتها»، مثلما أفاد عند وصوله إلى براغ. والقبة الذهبية هذه ليست أي شيء آخر سوى المسرح الوطني الشهير الذي يعتبره التشيك رمزاً وطنيّتهم الحقيقية، نظراً لما يختزنه من فن وثقافة وآلام كثيرة ارتبطت بعملية بنائه مطلع القرن التاسع عشر.

إن فورمان ليس جديدا بطبيعة الحال في مجال المسرح، لكنه شخصياً يعتبر خوض مجال الأوبرا بهذا الشكل بمثابة العنوان البارز الذي سيميّز عمله الفنّي خلال المرحلة المقبلة. وقد سبق له في نهاية الخمسينات من القرن الماضي أن وضع بعض لمساته على البرنامج المسرحي الأول لمشروع «لاتيرنا ماجيكا» الشهير في براغ (مسرح يجمع في الوقت ذاته بين الخشبة الواقعية حيث يؤدي الممثلون أدوراهم وبين السينما التقليدية) بالتشارك مع أسماء لامعة في المسرح التشيكوسلوفاكي آنذاك من أمثال ألفرد رادوك.

قبل عشرة أعوام حاول فورمان خوض تجربة مماثلة مع المسرح الوطني التشيكي، لكن المشروع الذي قدّمه في تلك الفترة، لم يلق الحماس الكافي من قبل المسؤولين الفنّيين الذين لم تعجبهم طريقته باختزال عمل إبداعي من إنجاز بدرجيخ سميتانا، أحد ألمع الأسماء في عالم الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا.

أما في المشروع الحالي، فإن فورمان ومعه المسؤولون الفنيون، يتوقعون أن تكون هذه التجربة ناجحة بامتياز، نظراً لتوفر عدة عوامل أبرزها أن موسيقى الجاز تحظى بقبول واسع بين الجمهور التشيكي، إضافة إلى أن الأدوار الرئيسية ستمنح لبعض أشهر الممثلين التشيك في مجال الاستعراض وغيره من أمثال ييرجي سوخي وييتكا مولافتسوفا وسوزانا ستيفينزوفا وغيرهم..

ولعل أبرز ما يتوافق حوله النقاد، هو أن مجرد ربط هذا العمل باسم ميلوش فورمان صاحب «طيران فوق عش الوقواق» و«أماديوس» و«رجل القمر» والعديد من الأفلام التي حصدت عشرات جوائز الأوسكار وغيرها، سيكون بمثابة الحدث الفني الاستثنائي الذي لن تنساه براغ أبدا.

البيان الأماراتية في 22 يناير 2007

 

سينماتك

 

"تسوتسي".. فيلم من جنوب أفريقيا.. رحلة الخلاص فى سفر الأيام الستة

رمضان سليم

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك