لم يخطئ، بالطبع، الذين وجدوا فيلم بريان دي بالما الأخير «الداليا السوداء» معقداً أكثر مما يحتمل موضوعه. ولم يخطئ معجبو سكارليت جوهانسون اذ رأوا ان الدور الذي لعبته في الفيلم لم يكن في مستواها. كان ثانوياً تقريباً. بل لم يجانب الصواب كل الذين قالوا ان توزيع الأدوار في الفيلم لم يكن صائباً، وان الحادث الذي هو العمود الفقري للفيلم، ضاع وسط حكايات جانبية ليس ثمة ما يبرر حضورها جميعاً. باختصار لم ير أحد أن في امكان هذا الفيلم أن يفوز بأية جائزة كبرى، أو أن يسبغ كبير مجدٍ سينمائي على أي من العاملين فيه، ولا سيما دي بالما الذي ربما كان واثقاً حين كان يشتغل عليه انه قد يعود عليه بأوسكار أو أكثر. لا أوسكار في الأفق... ولا حتى نجاحاً تجارياً كبيراً. ومع هذا من المؤكد أن «الداليا السوداء» هو أحد الأفلام التي دخلت، وستدخل أكثر وأكثر، تاريخ السينما، من الباب العريض. وذلك، قبل أي أمر آخر، لأن الفيلم له خصوصية لافتة: انه يقدم جانباً من تاريخ السينما نفسه. جانباً – عتماً من دون شك – من تاريخ هوليوود. ونحن نعرف أن معظم الأفلام التي حققتها هوليوود عن هوليوود، كانت دائماً ذات سحر لا يقاوم، حتى حين تكون ضعيفة الاخراج أو السيناريو، وهي ليست كذلك دائماً. بل يمكن القول إن «الداليا السوداء» نفسه، ليس فيلماً ضعيف الاخراج والسيناريو. وإضافة الى هذا علينا ألا ننسى ان الفيلم مأخوذ من رواية لجيمس ايلوري، وهو أحد أساطير رواية التشويق البوليسي في أميركا اليوم. فماذا اذا عرفنا، زيادة على هذا، ليس فقط ان الفيلم ينطلق من حادثة حقيقية شكلت لغزاً عصياً في تاريخ هوليوود، بل يشكّل أيضاً اطلالة على جريمة ارتكبت خارج هوليوود، هذه المرة، وكانت ضحيتها ذات يوم والدة جيمس ايلوري نفسها؟

جثة في مكان ما

ولئلا يبدو كل هذا الكلام غامضاً غموض أحداث الفيلم، نوضح: في سنوات الأربعين في لوس أنجيليس وجدت جثة الحسناء المتطلعة لتكون نجمة في السينما، اليزابيت (بيتي) شو، مرمية في مكان ناءٍ غير بعيد من هوليوود وقد فرغت من أحشائها وتبدو عليها آثار تعذيب. وحتى اليوم بعد عشرات السنين لم يستطع أحد أن يحل لغز تلك الجريمة التي طاولت صبية في الثانية والعشرين من عمرها، كانت اعتادت ارتداء السواد، في خرق لقواعد التزيي الهوليوودية. المهم، بعد ذلك بسنوات وخارج كل هذا الاطار، وجدت جثة والدة ذاك الذي سيصبح كاتباً بوليسياً شهيراً، وقد اغتصبت صاحبتها. وقد بدا من الواضح لاحقاً، أن جيمس ايلروي، ذلك الكاتب، لم ينس أبداً ما حدث لوالدته، لكنه حين أراد أن يكتب عنها، مزج بينها وبين اليزابيت شو في رواية – تعويذة واحدة، حيث انه اذ افترض – في الرواية – حلاً للغز موجهاً أصابع الاتهام الى شخصية محددة من شخصيات الرواية، ولو تعدّياً على الحقيقة التاريخية، أحس أخيراً أنه ارتاح من شبح أمه الذي كان يطارده طوال سنوات شبابه كما يبدو!

غير أن هذا كله سيبدو ضئيل الأهمية في الفيلم نفسه، مقارنة بجانبه الآخر: الجانب الهوليوودي الخالص والساحر. فكما أشرنا، ينتمي «الداليا السوداء» الى ذلك النوع من السينما الذي تلتفت اليه هوليوود بين الحين والآخر، لتحقق ضمن اطاره عملاً سرعان ما يتخذ مكانته الفنية والتاريخية. ويقيناً أن ليس من السهل وضع لائحة بكل أفلام هوليوود الهوليوودية، ولكن يمكن – على سبيل المثال – ذكر النماذج الأشهر – وربما الأفضل في أحيان كثيرة –، من «سانست بوليفار» لبيلي وايلدر، الى «مولد نجمة» لجورج كيوكر، ومن «أسبوعان في مدينة أخرى» لفنشنتي مينيللي، الى «آخر العمالقة» لإيليا كازان، ومن «رحلات ساليفان» لبرسون ستارجس، الى «صباح الخير يا بابل» للأخوين تافياني. وطبعاً يمكن مواصلة هذه اللائحة الى ما لا نهاية... ولكن في الوقت نفسه يمكن الاقتراب أكثر من أيامنا هذه، لنقول ان الموضوع الهوليوودي يزداد ممارسة لسحره على السينمائيين في شكل مكثف خلال السنوات الأخيرة. وثمة حالياً، فقط، في دور العرض العالمية أفلام عدة تتناول، ضمن هذا الاطار ذاته، عالم هوليوود، والبيئة الفنية العامة المحيطة بعاصمة السينما في العالم. اذ اضافة الى «الداليا السوداء» نزل الى أسواق الاسطوانات المدمجة فيلم آتوم ايغويان الأخير «أين تكمن الحقيقة» الذي يتحدث أساساً عن جريمة، راحت ضحيتها أيضاً ممثلة شابة، ضحية لصراع ما بين نجمي سينما واستعراض – ربما يكونان دين مارتن وجيري لويس -، وفيلم «الطيار» الرائع الذي حققه مارتن سكورسيزي قبل فيلمه الأخير «المرحّلون»، كما تباع حالياً النسخ الأولى من الفيلم المتحدث عن حياة بيتر سيلرز. وبالكاد نسي المعجبون فيلم «أشباح ووحوش» الذي تناول حياة جيمس وال ومقتله، أحد كبار مخرجي الثلاثينات والأربعينات الذين قدموا شخصية فرانكنشتاين في السينما فانقلب الوحش عليهم.

أما الفيلم الذي يعتبر الأحدث في هذا المجال فهو يقدم موضوعه، من خلال عنوانه، من دون لف أو دوران، ليشكل منافساً أساسياً لفيلم «الداليا السوداء»، ونعني به فيلم «هوليوود لاند». ولئن رجح معظم النقاد كفة هذا الفيلم الأخير على كفة فيلم برايان دي بالما، فإن ثمة قاسماً مشتركاً بين الفيلمين: جريمة هوليوودية، يصعب كشف كل ألغازها. ولكن اذا كانت جريمة «الداليا السوداء» طاولت فتاة مجهولة تحاول أن تشق طريقها في هوليوود، فإن جريمة «هوليوود لاند» طاولت نجماً كان واسع الشهرة في الخمسينات، هو جورج ريفز الذي كان أول من قام، واشتهر جماهيرياً، بأداء دور «سوبرمان» في الحلقات المسلسلة التي صورت في هوليوود، ذلك الحين، عن البطل الجبار الطائر. ريفز وجد ذات يوم من العام 1959، ميتاً في حمام شقته. وبدا للوهلة الأولى أنه مات انتحاراً. ومع هذا لم تصدق ام الممثل هذا، بل آمنت بأن ابنها مات قتلاً، وهكذا يندفع التحري الخاص غريب الأطوار لويس سيمو (ادريان برودي) الى محاولة الوصول الى الحقيقة. في البداية لا يبدو سيمو واثقاً من الأمر، لكنه مع هذا، ولأسباب ارتزاقية، يؤكد أن ثمة جريمة ويزود صحف الإثارة ببعض الأخبار والمعلومات التي كان يراها مبالغة تساعده فقط على ربح المال. لكنه بالتدريج يبدأ – هو نفسه – تصديق ما يذهب اليه، ويستعيد التحقيق بالفعل، حتى يصل الى الكثير من النتائج والقلبات المسرحية.

حتى أسوأ مخرج

يمكننا هنا أن نوافق النقاد الذين فضلوا «هوليوود لاند» على «الداليا السوداء» ولو لمجرد أن الأول يركز موضوعه في شكل أفضل، وعرف كيف يختار من لعبوا الأدوار، هذا على رغم أن آلن كولتر، مخرج «هوليوود لاند» يقدم هنا فيلمه الأول، بينما نعرف أن بريان دي بالما، مخرج «الداليا السوداء» هو من المخضرمين الهوليووديين. بل هو أكثر من هذا: واحد من أصحاب اللحى (الى جانب كوبولا وسكورسيزي ولوكاس وسبيلبرغ) الذين اشتهروا بأنهم، قبل ثلاثة عقود ثوّروا هوليوود وبدّلوا السينما الأميركية وربما العالمية أيضاً. بل ربما يكون تميز كولتر كامناً هنا: في معرفته أن فيلمه مراهنة على الاستمرار، ولذا اشتغل عليه بعناية جعلته واحداً من أبرز الأعمال الفنية التي خرجت من هوليوود أخيراً. خصوصاً أن هذا الفيلم يدور في حلقة مفرغة مقصودة، ما يعني ان الحبكة ليست ما همّ المخرج – وكاتب السيناريو – بل رسم الجو الهوليوودي، وهذا يذكرنا للمناسبة، بفيلمين كبيرين آخرين، يعود كل منهما الى سنوات قليلة منصرمة، دنوا أيضاً من موضوع هوليوود: فيلم «مالهولاند درايف» لدايفيد لينش، وفيلم «اد وود»: لتيم بورتون. الأول يبدو منتمياً الى العالم الذي سينتمي اليه لاحقاً «الداليا السوداء»، أما الثاني فيقف نسيج وحده مقدماً حكاية من كان يُتعارف على أنه «أسوأ مخرج في تاريخ السينما»، المخرج أد وود (قام بالدور في شكل رائع جوني ديب).

اذاً، بين فيلم أراد منه كاتبه – ثم مخرجه بأمانة على الأقل – أن يكون تعويذة خاصة («الداليا السوداء») وآخر عرف بقوة كيف يرسم المناخ الهوليوودي («هوليوود لاند»)، عادت عاصمة السينما الى الواجهة. ومن الواضح هنا أن هذه العودة المزدوجة، لأنها تتم من طريق موتين وتحقيقين ارتبطا بهوليوود، تدفعنا الى التساؤل عن السبب الذي يجعل حضور هوليوود في ذاكرة السينما والسينمائيين، مرتبطاً بالجريمة. حيث لا بد لنا من أن نلاحظ هنا أن معظم الأفلام التي ذكرنا، تتمحور حول جريمة، أو تنطلق من انتحار (بل ويحدث في «سانست بوليفار» أن يحكى لنا الفيلم كله من وجهة الصحافي – ويليام هولدن -، الذي تفتتح أحداث الفيلم عليه وهو ميت في حوض السباحة في فيلا النجمة الغاربة – غلوريا سوانسون -)؟ هل في هذا دلالة ما؟ هل الجريمة، في هوليوود تتخذ معنى مختلفاً عنها في أي مكان آخر؟ يقيناً أن أسئلة مثل هذه تبقى في رسم علم الاجتماع وتحليلات السلوك الجماهيري العام. ومع هذا يمكن القول هنا ان بروز هوليوود من خلال الجرائم وضروب الانتحار والأحداث الكبرى التي تطاول النجوم، أو يكون هؤلاء طرفاً فيها، أمر يعود الى عقود طويلة ماضية، سبقت حتى تجرؤ الهوليووديين على معالجة هذا الجانب من تاريخ مدينتهم. واذا كان سبق لنا، في سلسلة حلقات نشرناها في «الحياة» قبل سنوات أن تناولنا حكايات عدة حقيقية عن جرائم جرت في هوليوود أو حولها، فإن ما يمكن قوله هنا، لمناسبة الحديث عن هذا النوع من السينما، هو أن معظم تلك الحكايات حولت لاحقاً الى أفلام، وغير مرة بالطبع. نقول هذا وفي ذهننا حكاية قتل الثري وصاحب الصحف ويليام هيرست للسينمائي توماس إنس خلال رحلة بحرية على يخت الأول الذي كان يعتقد أنه انما يطلق النار على تشارلي شابلن لأن هذا كان يحاول انتزاع عشيقته ماريون دايفز منه، ثم حكاية الجريمة التي أسفرت عن مقتل عشيق فاتنة الخمسينات لانا تورنر «على يد ابنتها» كما قيل يومها، ولا تزال ثمة أسئلة حتى اليوم عما اذا لم تكن لانا هي القاتلة (في هذا الإطار لا بأس أن نذكر أن ثمة فيلماً سيحقق عن هذه الحكاية قد يصل الى كشف بعض الحقائق والألغاز...)، وطبعاً حكاية مارلين مونرو وجيمس وال (الذي تحدثنا عنه أعلاه)... فإذا ما أوصلنا التساؤل الى فيلم آتوم اغويان... يصبح منطقياً ان نلاحظ تضافر السحر الذي يمارسه ربط هوليوود بالجريمة، ربطاً شكل سر المكانة التي ستكون من الآن وصاعداً في المدونات الهوليوودية لفيلمي بريان دي بالما وآلان كولتر الحديثين.

نرجسية وأسطورة

فقط لا بأس من العودة الى الاشارة هنا الى أن هذا كله ليس جديداً، حيث ان هوليوود كانت بدأت حديثها عن هوليوود باكراً جداً، منذ بداية سنوات العشرين من القرن الفائت، على الأقل، حين قام ويل روجر ثم هارولد لويد، مرات كثيرة بأدوار في أفلام تتحلق من حول السينما، وذلك قبل أن يمثل بنغ كروسبي وماريون دايفيس معاً في «الذهاب الى هوليوود» ثم همفري بوغارت متنقلاً من دور منتج (في «استعداد») الى دور كاتب سيناريو (في «مكان وحيد») فدور مخرج (في «الكونتيسة الحافية»)، فاتحاً الطريق لكبار أتوا بعده لاعبين أدواراً هوليوودية، خيالية أو نابعة من الواقع، في عشرات الأفلام، «الهوليوودية – الهوليوودية»، التي لم تعدم بين الحين والآخر من يتهمها بنرجسية الاعجاب بالذات.

ولكن هل حقاً، بعد كل ما أشرنا اليه من أفلام، يجوز الحديث عن اعجاب لهوليوود بنفسها عبر هذه الأفلام؟ من الصعب الموافقة، ولكن – في المقابل – يمكن طبعاً الحديث عن امعان هوليوود في اضفاء سمات الأسطورة على ذاتها وتاريخها ولو عبر عملية جلد ذات دائمة. فهل يمكن اعتبار هذا نرجسية مقلوبة مثلاً؟

الحياة اللندنية في 19 يناير 2007

 

يفتتح بشريط وثائقي - سياسي بتقنية الإحياء الافتراضي للكومبيوتر...

مهرجان «صن دانس» يكرّس صعود «الشاشة الرابعة»

أحمد مغربي 

في تآزر لافت بين التكنولوجيا الرقمية والفن السابع، أعلن مهرجان «صن دانس»، الذي تستضيفه بلدة «بارك سيتي» بولاية يوتاه الاميركية بين يومي 18 و28 كانون الثاني (يناير) الجاري، عن مبادرة رقمية - فنية مع خليوي «آي - بود فون» iPod Phone. تقضي المبادرة بوضع الأفلام الخليوية المشاركة في مهرجان «صن دانس»، والتي يزيد عددها على 40 شريطاً، على المخزن الرقمي التابع لخليوي «آي- بود فون» على شبكة الانترنت. وتمكن هذه الخطوة جمهور الخليوي والانترنت من الحصول على تلك الأفلام التي تُصنع بواسطة الكاميرا الرقمية في الهواتف الخليوية.

ويستطيع الجمهور الحصول على تلك الأشرطة مقابل دولارين للفيلم. وفي المقابل، أعلن منظمو المهرجان، عبر موقعهم على الانترنت، أنهم يسعون الى الإستفادة من انتشار جهاز «آي - بود فون» لنشر مفهوم «الفيلم المستقل» Independent Film، الذي يعتبر أساساً في ظهور «صن دانس فيستيفال».

فن وتكنولوجيا رقمية

تستدعي تلك المبادرة، التي جاءت بعد ربع قرن من انطلاقة المهرجان السينمائي ذي الملامح المميزة، الكثير من التفكير؛ وخصوصاً لجهة العلاقة التي تزداد تشابكاً بين التكنولوجيا الرقمية في المعلوماتية والاتصالات؛ والفن السابع. واستباقاً، ثمة أفق مرتسم فعلياً لتحوّل عميق يصنع حالياً نوعاً جديداً من الفن، يمكن تسميته «الترفيه الرقمي الاتصالي». كما تبدو قبضة الكومبيوتر والانترنت وكأنها تشتد في الامساك بمقاليد الفن السابع، الذي صار أيضاً ساحة لتحقيق الكثير من المفاهيم العميقة للفن الرقمي.

وقبل أن نعيد تأمل مبادرة «صن دانس»، يجدر القول إن عالم الاتصالات بات ينظر الى الخليوي باعتباره «الشاشة الرابعة» Fourth Screen.

برز هذا المصطلح همساً في العام 2004. وتكرّست التسمية عندما نقلت الشركات العملاقة للخليوي مؤتمرها الدولي السنوي في العام 2006 الى... مدينة «كان» الفرنسية مؤكدة انها تعمدت هذا الاختيار لتكريس البُعد الترفيهي في شاشة الخليوي. وفي «كان»، التي تستضيف سنوياً أحد أشهر مهرجانات السينما في العالم، تكرّست تسمية الخليوي «شاشة رابعة»! ثمة تقاطع آخر في السياق عينه، ففي تلك السنة أيضاً، كرّس مهرجان «صن دانس» أشرطة الخليوي باعتبارها نوعاً ينتمي الى الفن السابع، عندما خصص جائزة لتلك الأفلام. وزيادة في التقاطع عينه، يجدر التنبّه الى أن الكثير من اختصاصيي الترفيه البصري يشيرون الى جوائز «صن دانس» وكأنها أوسكار من نوع ما، خصوصاً مع الميل المتزايد لهذا المهرجان لملاقاة الفن الرقمي وأدواته وشبكاته!

ويمكن المضي خطوة أبعد، في نسج العلاقة المتداخلة بين التكنولوجيا والفن السابع، بالقول إن المهرجان الراهن يعتز بأن موقعه الالكتروني، بعد مرور ربع قرن على انطلاقته، نال جائزة «ويبي» Webby التي تصف نفسها بأنها «أوسكار الانترنت والفن الرقمي». وفي سياق مواز، يلفت أن المبادرة جاءت بعد أيام من الاعلان عن هاتف «آي- بود فون»، الذي اكتسب بسرعة اسمه المختصر «آي فون» iPhone؛ الذي جاء نتيجة تحوّل جهاز لتشغيل الموسيقى الرقمية (هو «آي بود») مع خصائص الاتصالات في الخليوي، إضافة الى الكثير من مواصفات المساعد الرقمي الشخصي، وكذلك دُمج مع مزايا أداة الألعاب الالكترونية ومُشغل مواد الميلتي ميديا (بما فيها أشرطة الخليوي)!

ولم يتردد ستيف جوبز، مدير شركة «آبل» التي تُراهن على «آي فون»، في وصف الجهاز بأنه «مجموعة من الأجهزة». ووصف الهدف من اطلاقه بأنه «اقتطاع» جمهور الترفيه والاتصالات، من الجمهور العام للكومبيوتر والانترنت! لنتذكر أيضاً أنه جهاز صنع نوعاً خاصاً من شبكات الترفيه البصري الرقمي، وبالاحرى ترفيه «الميلتي ميديا»، عُرف باسم «بود كاستنغ» Pod Casting.

ولنضف ضربة أُخرى في تلك الشبكة المُعقّدة بالقول إن المهرجان الراهن، يفتتح بفيلم سياسي من نوع جديد، ينتمي الى الفن الرقمي (وكذلك للخليوي) بأكثر من المفهوم التقليدي للسينما. اذ يفتتح مهرجان «صن دانس» بشريط لبريت مورغان عنوانه «شيكاغو 10»، وقد صنعه مورغان، وهو مخرج سينمائي مهتم بالسينما الوثائقية ومن هواة الكومبيوتر، بأسلوب التحريك بالكومبيوتر Computer Animation ، المعتمد على التقنيات الافتراضية، بالطريقة التي تصنع بها أفلام تحريكية مثل «قصة سمكة قرش» و«شريك - الغول (بجزءيه)» و«نيمو» و«كارز (سيارات)» و«انكريديبالز (القاهرون)» و«فلاشد أواي (ذهب في البالوعة)» و«مدغشقر» وغيرها. ويوصف الفيلم الجديد بأنه «وثائقي سياسي»، أي انه يُشبه ما صنعه مايكل مور في أفلام مثل «بولنغ من أجل كولمباين» و«فهرنهايت 9/11» وغيرهما. و«شيكاغو 10» فيلم عن فضيحة التجسس في «ووترغيت» في العام 1968 . ويُشارك في الفيلم ممثلون معروفون مثل نيك نولته وروي شنايدر وجيفري رايت وليف شرايبر وهانك أزاريا. ويعتبر شريط «شيكاغو 10» افتتاحاً لنوع جديد من الأشرطة: الفيلم الوثائقي – السياسي - التحريكي Computer Animated Political Documentary. ويرتكز على إمكانية تحويل معطيات السياسة الى صور انطباعية من الفن الرقمي. وبقول البعض، إنه نوع سينمائي جديد كلياً ولد من تشبع الفن السابع بالفن الرقمي!

الأخطبوط الرقمي

الارجح ان للخيارات التقنية في مهرجان «صن دانس» أسبابها العميقة التي تنبع من قلب الفن السابع. ولا يتسع المقال لتفصيل تلك الأسباب. لكن مراجعة تاريخ المهرجان على مدار ربع قرن توحي بأن تلك الخيارات تبلورت بصورة تدريجية، انطلاقاً من الفكرة الأساسية لمهرجان «صن دانس»: صنع مساحة فنية للفيلم المستقل. إذ يعتبر منظمو المهرجان أنهم يصنعون مساحة بديلة من الأفلام التي تنتجها الصناعة الهائلة للأفلام في أميركا، والتي تعتبر هوليوود قبلتها ومصنّعها الأكبر والأهم، والتي تعبر عن نفسها بالمهرجانات المعروفة مثل حفل «الأوسكار». يميل صُنّاع «صن دانس» للتعريف عن انفسهم باعتبارهم يمثلون نوعاً من ذائقة موازية، أو بديلة. وتدريجاً، سار المهرجان نحو تبني الوسيط الرقمي، وخصوصاً شبكة الانترنت، فصار حضوره على الشبكة الالكترونية هو الشكل الفني الأساس لوصوله الى أعين الجمهور. ولا يتردد الموقع الالكتروني للمهرجان في القول إنه وصل في ربع قرن، الى مرحلة «مهرجان أون لاين»، فكرّس علاقة جديدة مع الجمهور المتلقي، المتفاعل عبر الشبكة الالكترونية. كما يُعتبر تبنيه أفلام الخليوي، التي يصنعها الجمهور كنوع فني، مؤشراً الى الذهاب عميقاً في تغيير العلاقة بين (الأشرطة المرئية – المسموعة) والجمهور المتلقي. وفي هذا السياق، أعلن الممثل الاميركي المخضرم روبرت ردفورد في الخريف الفائت، عن صنع سلسلة من أفلام الخليوي القصيرة، بالتآزر مع مجموعة من أصحاب «المحارف» الرقمية في أوروبا. والمعلوم ان ردفورد هو مؤسس مهرجان «صن دانس» وقطبه المحرك وربما أيضاً صاحب أهم الافكار التجديدية فيه. ولذا، لا يعود مستغرباً ألا تتردد احدى الصحف الالكترونية للشباب الاميركي، هي «وايرد نيوز»، في وصف الوضع الراهن لـ «صن دانس» بأنه «المهرجان الذي يصل اليك بدل أن تصل اليه». وفي مثال آخر، بادر «صن دانس» الى اعتماد تقنية البث اللاسلكي الواسع «واي ماكس» Wi Mx لتكون أول تجربة لبث مواد بصرية - مسموعة. ومع كثافة استخدام الانترنت، والاتصال مع شبكات الخليوي، واستعمال شبكات «بود كاستنغ»، والاستفادة من تقنيات البث الواسع بموجات الراديو «واي ماكس»، بات مهرجان «صن دانس» يشبه أخطبوطاً رقمياً هائل الأذرع.

وثمة خيط من التفاعلية مع الجمهور الواسع، ومن الحضور القوي للمشاهد - المُشارك الذي يصنع الفن ولا يكتفي بتلقيه - وغيرها من الأمور التي تحتاج الى نقاشات أوسع.

يُعطي ما سبق ومضات عن المضامين التي تحملها التقنية، وعلاقتها مع خيارات البشر وخيالهم وابداعهم ومجتمعاتهم وصناعتهم وغيرها من الأشياء التي تصنع حياتهم اليومية. ليست تلك الأشياء هينة ولا سطحية الأثر؛ فقد لاحظ ابن خلدون، منذ القرن الرابع عشر، أن ما يتخذه الناس من وسائل في معاشهم يتصل بأحوال المُلك والسياسة والدول ومصائر الأُمم.

الحياة اللندنية في 19 يناير 2007

نظرة على مهرجان روتردام السينمائي الدولي...

دعم للأفلام الجديدة وفرقة موسيقية نسائية إيرانية

يوخنا دانيال 

يفتتح مهرجان روتردام السينمائي الدولي دورته السادسة والثلاثين في 24 كانون الثاني (يناير) الجاري بفيلم «الهوائي» La Antena للمخرج الأرجنتيني الشاب إستيبان سابير. والفيلم الذي يعرض خلال مسابقة جوائز النمر، هو ثمرة تعاون مهرجان روتردام الدولي عبر الدعم المالي الذي يقدمه الى السينمائيين في الأقطار النامية من خلال صندوق هوبرت بالس Hubert Bals Fund. وإضافة الى فيلم «الهوائي»، فإن المهرجان يشهد عرض 18 فيلماً آخر صنعت بدعم من الصندوق المذكور، من بينها ثمانية أفلام تعرض لأول مرة عالمياً.

وعن فيلم الافتتاح تقول ساندرا دين هامر مديرة المهرجان: «انه واحد من أكثر الأفلام أصالة وجدّة، وهو مصنوع بطريقة رائعة. انه بيان او تصريح أخّاذ ضد هيمنة وسائل الإعلام الجماهيرية، وهوسها بالتكرار وإعادة الاستخدام. انه الاختيار المثالي لفيلم ليلة افتتاح مهرجان روتردام الذي يطمح الى دعم وتشجيع التنوّع والأصالة».

ويمكن النظر الى هذا الفيلم باعتباره مجازاً او استعارة حول سلطة وسائل الإعلام العصرية والدور الذي تلعبه في حياة البشر، وخصوصاً التلفزيون... إذ تدور أحداث الفيلم في مدينة سريالية تغطيها الثلوج، يحكمها السيد TV. هذا الديكتاتور يسيطر كلياً على جميع الكلمات المنطوقة، ويستخدمها في البثّ التلفزيوني وإنتاج الغذاء اللازم لسكان هذه المدينة الغريبة. وهكذا، فان سكان هذه المدينة «الإعلامية» يصبحون عديمي الكلام، ومعتمدين كلياً على هذا الديكتاتور المابعد حداثوي. لكن... هناك مغنية اسمها «لا فوا (الصوت) تفلت من سلطان السيد TV. انها وابنها الصغير الشخصان الوحيدان القادران على الكلام في هذه المدينة الخرساء. ثم ينضمّ إليها، رجل من سكان المدينة وأبوه وابنته الصغيرة في محاولة للإطاحة بسلطان هذا الديكتاتور غير المسبوق.

هذا الفيلم المصنوع كلياً بالأبيض والأسود... وبقليل من الكلام أيضاً، يشكّل إيماءة حبّ وعرفان الى السينما الصامتة والتعبيرية منها بخاصة. ومع ذلك، فان الفيلم يستخدم ويستفيد من العديد من التقنيات الرقمية العصرية والمؤثرات الخاصة المتطورة في مجالات الغرافيكس والتحريك وغيرها.

والمخرج استيبان سابير من مواليد بوينس آيرس عام 1967، وقد أخرج أول أفلامه «المسحوق الناعم» عام 1996، والذي ينظر اليه باعتباره واحداً من أوائل الأفلام التي تنتمي الى ما يطلق عليه النقّاد والمراقبون مصطلح «السينما الأرجنتينية الجديدة». وسابير ينشط في قطاعي السينما والتلفزيون منذ أكثر من عشر سنوات في مختلف المجالات، كمصور او مدير تصوير أحياناً وكاتب نصوص سينمائية أيضاً. وقد انصبّ الدعم الذي قدّمه مهرجان روتردام لفيلم «الهوائي» في مجالات تطوير النصّ السينمائي والمراحل الإنتاجية النهائية او اللاحقة.

صندوق هوبرت بالس

يلعب صندوق هوبرت بالس التابع للمهرجان دوراً يُحتذى من الهيئات المانحة العالمية الأخرى في دعم صناعة السينما وصنّاع الأفلام في الأقطار النامية و/أو أقطار الجنوب عموماً. إذ إن المنح المالية التي يقدمها الصندوق في (مجالات تطوير النصوص والمراحل الإنتاجية اللاحقة والتوزيع داخل بلدان المنشأ وغيرها)... تشكّل اعترافاً فنياً وقبولاً أولياً بالمشروع السينمائي المعني، وتسهّل اجتذاب ممولين آخرين لذلك المشروع.

وخلال العشرين سنة الماضية قام الصندوق بتقديم الدعم الى ما يقارب الـ 600 مشروع سينمائي حول العالم. وفي كل عام، يخصص الصندوق ما يزيد على مليون يورو لدعم النتاجات السينمائية المختلفة. ومن بين أحدث المشاريع التي دعمها الصندوق هي فيلم «مناخات» للمخرج نوري بيلغ سيلان، وفيلم «أوبرا جاوا» للمخرج غارين نغروهو، والفيلم الفائز بجائزة النمر لعام 2006 «جنيه الكلب» للمخرج مانويل نييتو زاس.

وفي عام 2006، قدم هذا الصندوق الدعم الى 58 مبادرة ومشروعاً سينمائياً حول العالم. والجديـر بالذكر ان هذا الصنـدوق يقوم بتمويله كل من وزارة الخارجية الهولندية، ومنظمات ومؤسسات تنموية غير حكومية متعددة في هولندا، إضافة الى شبكة البثّ العام الهولندية. ومن بين الأفلام التي حظيت بدعم الصندوق، والتي سوف تعرض في أقسام وفاعليات المهرجان المختلفة في هذه الدورة يمكن الإشارة الى الأفلام التالية: «الحب ينتصر على كل شيء» للماليـزي تان شوي موي، و«الهوائي» للأرجنتيني استيبان سابير، اللذان يتباريان في مسابقة جوائز النمر الرفيعة المستوى. «أوبرا جاوا» للإندونيسي غارين نغروهو، و«آرارات – أربع عشرة نظرة» للأرميني دون أسكاريان، المعروضان في قسم ملوك ونجوم. «الفنار» للأرمينية/الروسية ماريا ساكيان، و«بركات!» للفرنسية/الجزائرية جميلة صحراوي في قسم سينما العالم. «كلاب المطر» للماليزي هو يوهانغ، و«العشب» للصيني وانغ ليرين، «قبل ان نقع في الحب من جديد» للماليزي جيمس لي، «أنطونيا» للبرازيلية تاتا أمارال، و«الفيل والبحر» للماليزي وو منغ جن (قسم سينما المستقبل)... ويلاحظ طغيان الحضور الماليزي والصيني في المهرجان في شتى الأقسام والتظاهرات خلال هذا العام.

وبالنسبة الى السينمائيين العرب الراغبين في الاستفادة من منح هذا الصندوق يمكنهم المراسلة والاستفسار من خلال القسم الصحافي لمهرجان روتردام على العنوان التالي

press@filmfestivalrotterdam.com ، او زيارة الموقع الرسمي للمهرجان

www.filmfestivalrotterdam.com. علماً ان آخر موعد لتقديم الطلبات للحصول على الدعم المالي من الصندوق هو الأول من آذار (مارس) 2007.

فاعليات ونشاطات أخرى

يركّز مهرجان روتردام عموماً على التجارب السينمائية المجدّدة والمستقلة، ويعمل على تسليط الضوء على «الجواهر المدفونة او غير المصقولة» في عالم السينما... مبتعداً عن السينما التقليدية الشائعة والأسماء والنجوم الكبيرة المعروفة عالمياً. ولا يكتفي المهرجان بإتاحة الفرصة لعرض الأفلام المستقلة وذات الطابع الفني والتجديدي، بل يساهم في تمويلها وإنتاجها أيضاً من خلال المنح التي تتراوح بين 10 آلاف – 30 ألف يورو.

وفي هذه الدورة سيتم التركيز في نشاط «صنّاع سينما وفنانون تحت الضوء» على المخرج الفرنسي/الموريتاني عبدالرحمن سيساكو باعتباره واحداً من أبرز المخرجين الأفارقة المعاصرين حيث سيعرض فيلمه السياسي المعروف «باماكو» الذي يعتبر واحداً من أبرز عروض المهرجان. كما سيتم التركيز على المخرج الصيني من هونغ كونغ «جوني تو» حيث سيتم عرض عدد من أفلامه الشهيرة مثل «انتخاب» و «انتخاب 2» و «الثلاثي البطل» وغيرها.

ومن النشاطات المهمة، المرتبطة بصندوق هوبرت بالس والمكملة لعمله نشاط (CineMart) او سوق الأفلام المشتركة الإنتاج، الذي يستمر خمسة أيام ويوفر فرصة اللقاء بين أصحاب المشاريع والمبادرات السينمائية والممولين المحتملين من منتجين وموزعين وشركات كبرى. وفي هذا العام هناك 46 فيلماً مستقلاً معروضاً في «سينمارت» لبعض أهم الأسماء في عالم السينما الفنية مثل كيم كي-دوك، محمد صلاح-هارون، ستيفن ايليوت، بروس ويبر وآخرين... لقد واجه المسؤولون عن هذا القسم صعوبات حقيقية في اختيار الأفلام المعروضة من بين أكثر من 500 مشروع عُرضت عليهم. كما يتضمن القسم ورش عمل ودورات تدريب قصيرة لصنّاع الأفلام الشباب خلال أيام المهرجان وبعد انتهائه أيضاً. وهناك جوائز مالية في هذا القسم من المهرجان مقدمة من قناة «آر تي» الفرنسية/الألمانية، ومن «مؤسسة الأمير كلاوس» الهولندية أيضاً.

كما سيسلط خلال أيام المهرجان الضوء على مدينتي بوخارست وطهران، من خلال عروض أفلام روائية وتسجيلية وحفلات موسيقى حية لفنانين من رومانيا وإيران. وهناك فرقة بنات موسيقية من ايران تقدم أغاني وموسيقى الراغ والريغاي تحمل اسم «أبجيز» يتوقع ان تكون مركزاً للاهتمام في هذا المهرجان. إضافة الى ذلك هناك سلسلة معارض فنية «غير تقليدية» تصاحب أيام المهرجان الذي يبدأ في 24 كانون الثاني وينتهي في 4 شباط (فبراير) وتستمر حتى بعد انتهائه... هذه العروض تمزج الفنون التشكيلية بالعروض السينمائية والفيديوية والغرافيكية وألعاب الفيديو والكومبيوتر تحت شعار لافت للنظر «سرعة الضوء»، حيث تركّز على الدور غير التقليدي الذي يلعبه الضوء (تقنيات وتطبيقات ومعدات) في حياتنا الفنية والثقافية واليومية أيضاً.

الحياة اللندنية في 19 يناير 2007

 

حين تغدو «النظرة الأخيرة» أول نظرة حب

الرباط – خالد الخضري 

«أنت لست صينية ولا فتاة هوى... وأنا أتيت لألقي عليك آخر نظرة قبل ان أفقد بصري نهائياً حتى يكون أجمل شيء أراه في هذه الحياة جسد امرأة ووجهها». هذا هو مغزى فيلم «النظرة الأخيرة» الذي كان أحد العروض اللافتة في الدورة الاخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي، حيث حصل على جائزة الاتحاد الدولي للنقاد للمخرجة المكسيكية باتريسيا أرياجا خوردان، التي تقدم من خلال حكاية علاقة انسانية فذة بين فنان تشكيلي يفقد بصره تدريجاً وشابة جميلة تشتغل خادمة في بيت للهوى تجبرها مديرته على الاختلاء بهذا الزبون «المتميز»، والذي لا يطلب منها أي شيء سوى ان يطلي جسدها بصباغة حمراء كي يراها باعتبار ان اللون الاحمر هو الوحيد الذي ظل يراه قبل ان تنسدل ستارة بصره من غير ارتفاع ثانية.

في الفيلم وما ان يغادر هوميرو الفتاة حتى تلحق به قائلة: «أنا ايضاً مدينة لك، خذني معك»، فتتشابك ايديهما لينطلقا في اتجاه ممتد عبر خط طويل للسكة الحديد كله أمل وتفاؤل ببداية حياة جديدة، ما يذكر بآخر لقطة في فيلم «الازمة الحديثة» لشارلي شابلن حين تتأبط بوليت غودار ذراع الصعلوك ويمضيان في طريق طويل مفتوح ومشرق لا يلويان على شيء ولديهما كل شيء.

وبهذا تغدو تلك «النظرة الاخيرة» التي ألقاها هوميرو على جسد ماي هي النظرة الاولى التي فتحت سكة التواصل والحب بينهما وكأن الفيلم برمته ما هو الا مقدمة لهذه العلاقة التي قد يبني عليها أي متفرج حكاية اخرى او يصور فيلماً ثانياً من خياله بناء على ما شاهده من احداث ومعطيات.

فيلم مفعم بالشاعرية والرومانسية الحزينة، نتعاطف مع بطله ونعطف عليه حين يفجع في أعز ما يملك الا وهو نور عينيه خصوصاً أنه كان مبدعاً تشكيلياً مرهفاً يعتبر الضوء واللون أكسير حياته... فغدا مجبراً على التعامل مع الكائنات الخارجية من خلال اللونين الاساسيين في الحياة «الأحمر والأزرق» خصوصاً الاول الذي لوَّن الفيلم في كثير من المشاهد، حتى وإن استمرت حياة البطلين منفصلة، حيث ظل المخرج يصور مسار كل واحد منهما على حدة باستقلال متواز وغير محايد. فكم مرة تقاطع طريقاهما من دون أن يلتقيا بل جلست مرة وراءه في الكنيسة حيث كان على مرمى قبلة منها والعكس صحيح من غير ان يتعرف احدهما الى الآخر الى ان قاده سائق التاكسي الى المكان الذي تشتغل فيه وكان ما كان... فتحبه من كل قلبها بفضل سلوكه الخلقي وإعجابه بروحها وسموها قبل جسدها.

وهكذا عزفت المخرجة على نغمتين تبدوان مختلفتين لكنهما من مقام واحد وان اختلفت الآلتان. بحيث اضحى الاختلاف تكاملاً. فكل واحد منهما حكمت عليه الاقدار بأن يحيا بعكس ما يؤمن به ليعيش. هي ابنة مومس وتشتغل في بيت للعاهرات، لكنها مصرة على الحفاظ على شرفها وبراءتها، وهو رسام يعيش ويتنفس الألوان لكنه يفقد بصره ويصر على رغم ذلك على التشبث بآخر لون وآخر جمال يكحل به عينيه قبل ان يغشاهما الظلام الى الابد. وتدفق اللون الاحمر يغزو الشاشة لباساً اكسسوارات، صباغة وفراشات... في بيت الرسام كما في خيمة ماي التي غدت بدورها فراشة ليلية هائمة تبحث عن الضوء، الى حد الاحتراق كما فسر هوميرو لسائق التاكسي. لكن هذه الفراشة البريئة بدل ان تحترق بنار القذارة، استنارت بنور العقل ونور النبل الانساني... فأحبت منقذها من «آخر نظرة».

الحياة اللندنية في 19 يناير 2007

 

2006 أفضل سنة للفيلم الفرنسي

باريس – ندى الأزهري 

حقق الفيلم الفرنسي، خلال العام الفائت، أفضل انجاز له منذ اثنتين وعشرين سنة بعدما احتل 45 في المئة من سوق الأفلام المعروضة في فرنسا مقارباً في ذلك النسبة التي حصل عليها الفيلم الأميركي والتي وصلت الى 45.8 في المئة. كما حققت دور العرض زيادة مقدارها 7.5 في المئة في نسبة التردد عليها خلال العام ذاته (188 مليون بطاقة دخول).

وأوردت احصاءات المركز الوطني (الفرنسي) للسينما، أن حصة الفيلم الفرنسي في السوق كانت مرتفعة على نحو خاص خلال السنة الماضية (45 في المئة) مقارنة بالتي سبقتها (36.6 في المئة). كما بينت الأرقام وجود زيادة كبيرة في نسبة الإقبال على مشاهدة الفيلم الفرنسي وصلت الى 32.2 في المئة مقارنة بالعام الماضي. أما في ما يتعلق بالفيلم الأميركي فلم تتجاوز هذه الزيادة 6.8 في المئة. اضافة الى ان حصة هذا الأخير في السوق الفرنسية (45.8 في المئة)، شهدت انخفاضاً طفيفاً في عام 2006 وصل الى 0.3 في المئة.

كذلك انخفضت حصة الأفلام الأخرى الأوروبية والآسيوية وغيرها من 17.3 في المئة عام 2005 الى 9.2 في المئة في العام الماضي. وفسر هذا الانخفاض بغياب الأفلام الكبرى من نوع «هاري بوتر» و «سيد الخواتم» والتي كانت حققت نجاحاً ساحقاً في العامين الماضيين. وقد استفادت السينما الفرنسية من هذا الغياب، حيث شهدت ستة أفلام منها تردد أربعة ملايين مشاهد.

وتجدر الإشارة الى أن دور العرض في فرنسا «تبتكر» دوماً المناسبات لجذب الجمهور الى شاشاتها، حيث يجرى على المستوى الوطني تنظيم «عيد للسينما» وكذلك «ربيع» لها، يخفض خلالهما سعر الدخول الذي يتراوح عادة ما بين 7 و 9 يورو للفيلم الى أقل من النصف. وتبلغ نسبة الفرنسيين الذين يرتادون الدور ستين في المئة. ويحقق الطلاب أعلى نسبة تردد، تليهم الفئات ذات التأهيل العالي فالطبقة العاملة.

الحياة اللندنية في 19 يناير 2007

 

سينماتك

 

من «الداليا السوداء» الى «هوليوود لاند» عاصمة السينما تمعن حديثاً عن نفسها...

للجرائم مكانة أولى وللحكايات فعل التعويذة في النفوس

ابراهيم العريس

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك