هيفاء المنصور... مخرجة سينمائية، وكاتبة، وممثلة، تأتي من بلد لا تبدو النظرة فيه إلى الفن و «المتعاملين معه» واضحةً ومحددةً، مهما بلغ رقي ذلك الفن وسمت أهدافه. هي تحمل الكثير من الطموح في مقابل القليل من الإمكانات المادية التي لم تمنعها يوماً من ترجمة كل ما تحمله من هموم وقضايا مجتمعها إلى صور سينمائية، هي وإن تواضع طرحها وأسلوب تقديمها إلا أنها وجهت أنظار المهتمين إلى هذه الشابة العربية الخليجية السعودية. بلغ عدد تجاربها السينمائية لحد الآن 4 أفلام هي «من؟» و «الرحيل المر» و «أنا والآخر» وأخيراً «نساء بلا ظل». فيلمها الثالث خصوصاً وهو الذي يعالج قضايا التعدد الفكري في السعودية، اعتبر واحداً من أبرز التجارب السينمائية في الخليج وربما يكون هو ما شجعها على الاستمرار وإكمال مسيرة بدأتها من دون تخطيط مسبق. حاز جائزتين دوليتين، الأولى جائزة أفضل سيناريو في مسابقة أفلام من الإمارات في مارس/ آذار من العام 2004، والثانية فوزه بتنويه خاص في مهرجان روتردام للفيلم العربي بهولندا في يونيو/ حزيران من العام 2004، وتم عرض الفيلم في الولايات المتحدة، ومهرجان دبي الثقافي لسينما المرأة، ومهرجان فلاينغ بروم العالمي لسينما المرأة في العاصمة التركية (أنقرة)، وكذلك بينالي السينما العربية في باريس، ورشح للعرض في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام القصيرة والتسجيلية، ومهرجان بيروت السينمائي، ومهرجان مونتريال للعالم العربي في كندا. «الوسط» التقت المنصور أثناء عرض خاص أقامه نادي البحرين للسينما لفيلمها الرابع «نساء بلا ظل» وهو من الأفلام الوثائقية، ناقشت المنصور من خلاله قضية المرأة في المجتمع السعودي، وعلاقتها بالرجل، طارحةً بعضاً من الإشكالات الثقافية والفكرية كعمل المرأة وقضايا الاختلاق والزواج وحرية الاختيار، مستعرضةً موقف الدين من هذه الإشكالات، وكان معها هذا اللقاء...

·         كيف جاء قرار دخولكِ مجال الإخراج السينمائي؟

- أحب مشاهدة الأفلام بشكل كبير، وأحب السينما، أما قرار دخولي فلم يكن له تخطيط مسبق لكني شعرت في فترة معينة بأني أريد أن أعمل شيئاً أحبه كثيراً. كنت في المسرح المدرسي وكنت مهتمة حينها بالإخراج وكتابة السيناريو. كل ما في الأمر، إني قررت أن أعمل شيئاً أحبه، فقدمت فيلمي الأول «من؟» الذي لم أكن أتوقع له أي نجاح، لكن تفاجأت بنجاحه بعد عرضه في الإمارات. الشعور بالنجاح والصدى الجيد والتجاوب من الناس هو ما شجعني على تقديم فيلم آخر، والاستمرار في هذا الطريق وإكمال المشوار.

·     حدثينا قليلاً عن معاناة الفنان السعودي، هل يعيش أزمةً تفرضها القوانين والأعراف الدينية وربما حتى السياسية؟ وكيف هو الحراك الثقافي في السعودية؟

- لا أتوقع أن تكون الأزمة التي يعيشها الفنان لها علاقة بالسياسة، فما يحدث هو أن هناك رقابةً تفرض خطوطاً حمراءَ يقف عندها الفنانون، وإن كانت السعودية تمر الآن بمرحلة انفتاح، ولكن هناك الكثير من الفنانين والفنانات السعوديين الذين يشاركون في أعمال خليجية درامية كثيرة وإن لم يَكُنَّ معروفات على أنهن سعوديات، بل إن الطلب يزداد عليهن حين تعلن جنسيتهن.

المشكلة التي يعانيها الفنان السعوديخ خصوصاً، والخليجي عموماً تتمثل في النظرة الدونية التي يحملها البعض إلى الفنان، وهي نظرة لم يتمكن بعض الفنانين والفنانات الخليجيين من التعامل معها بشكل صحي. وضع الفنان الخليجي أصبح الآن محل تساؤل كثير من الناس نتيجة فساد بعض الفنانين، ونحن نتمنى أن تتغير هذه النظرة ويظهر الفنان بمظهر مختلف. الآن الكثير من الفنانين تخطوا هذه النظرة، فالوضع كان صعباً جداً ولكن نتمنى أن تضخ دماء جديدة تنظر إلى الفن على أنه مهنة سامية وشيء جميل، والفنان ليس بالضرورة هو ذلك الذي يضحي بأخلاقياته. يجب أن يكون هناك إحساس أن الفنان جزء من المجتمع وأن يتم التعامل معه بأريحية وهناك ممثلون محترمون مثل: هشام عبدالرحمن.

ولا تعتبر المنصور عدم وجود صالات عرض سينمائي في السعودية مؤشراً على عدم وجود حركة سينمائية أو وعي سينمائي في هذا البلد إذ «لا يعود ذلك إلى أن الفيلم محرم، فأشرطة وأقراص الأفلام تباع لدينا في المجمعات». أما السبب الحقيقي لانعدام وجود صالات العرض هذه فهو كما تشير «يعود إلى رفض البعض فكرة اجتماع عدد كبير من الأشخاص في مكان مغلق وهو ما يعتبرونه أمراً يحمل نوعاً من الشبهة، وهذا يجري على أي مكان مغلق وليس دور العرض فقط. أعتقد عموماً أن بعض السعوديين لديهم نوع من الشيزوفرينا فهم لا يرفضون دخول السينما في البحرين، ولكنهم يرفضون فكرة وجودها في السعودية».

كما ترفض اعتبار وجود صالات العرض تلك مؤشراً على وجود حراك سينمائي في السعودية، فإنها تنفي كونه المؤثر الأساسي على غياب الحراك السينمائي، فمشكلة السينما في السعودية خصوصاً والخليج عموماً هي أنه «ليست لدينا عقلية تتعامل مع السينما، فلا يوجد معاهد متخصصة حتى أقسام في جامعاتنا تدرس النقد الفني أو ما شابه، لا يوجد لدينا كتّاب سيناريو كما أننا لم نطور الكوادر البشرية في هذا المجال.

بل إننا لم نملك العمق الكافي الذي يمكننا من تناول الكثير من القضايا المهمة التي يمكن لها أن تقدم أعمالاً سينمائيةً راقيةً. حتى لو أردنا طرحها فعلنا ذلك بطريقة ساذجة فنحن لسنا مدربين للتعامل مع القضايا بطريقة سينمائية».

وتنفي المنصور أن يكون لرجال الدين السعوديين أي موانع بشأن قيام صناعة سينمائية سعودية، مؤكدةً أن المنع يقتصر على العرض في السعودية فقط «ونحن لا نضع في نظرنا أن يكونوا سيئين وخصوصاً أن المدرسة الدينية في السعودية بدأت تتغير، وبدأت نقد بعض أدبياتها القديمة، والآن هناك آراء غير متطرفة كثيرة علينا أن نحترمها ونتواصل معها بشكل جيد».

مضيفةً أنه «يجب ألا نفكر في أن الفيلم ممنوع أو غير ممنوع، وألا ندخل معركة منع بعض الأفلام. لا نريد أن نطرح أحكاماً مسبقةً ولا نريد أن ندخل في مواجهة مع التيار الإسلامي. نحن نكن لهه كل الاحترام لكن يجب أن يعرفوا أننا مختلفون عن الجيل السابق، ثم إننا لا نريد أن نقدم أعمالاً خلاعيةً، إنما نريد أن نطرح قضايا مجتمعنا، وأنا واثقة بأنهم يقدِّرون أهمية وضرورة طرح ومناقشة هذه القضايا».

وتتساءل: «ما الذي يمنع أتباع التيار الإسلامي في السعودية أنفسهم من أن يقدموا أعمالاً سينمائيةً إسلاميةً ليس لتبادل الاتهامات مع التيارات الأخرى، ولكن لتقديم طرح راقي؟».

·     كيف هو وضع المرأة الفنانة؟ وكيف تتعامل هيفاء مع هذا الوضع؟ وأي معاناة تسبب لكِ حقيقة كونكِ امرأةً سعوديةً تحمل هماً سينمائياً ورؤيةً سينمائيةً في بلد يرفض حتى أن تقوم فيه دور عرض سينمائي؟

- الموقف الذي يتخذه المجتمع من المرأة الفنانة في رأيي يعتمد على نوعية الفنانة، وأي شخص قادر على فرض احترامه على المجتمع، ثم إن الناس لا يمكنها احترام الفنان الذي يدخل السجن مثلاً.

شخصياً، لم أشعر بأن المجتمع قلل احترامه لي بعد تقديمي تجاربي السينمائية، وعلى رغم أني غير محجبة، لكن الكل يعرفني ويعرف أخلاقياتي. قد ينتقد البعض آرائي التي أطرحها، ولكن لم يشعرني أحد يوماً بالسوء لكوني فنانة.

وتضيف المنصور «الفنانة العربية عموماً تعاني وجود هذه النظرة السيئة، والممثلات الجديدات الآن يحاولن الخروج من هذه النظرة وبوتقة أن الممثلة منحرفة وما إلى ذلك. الآن كذلك يوجد توجه شبابي يفرض وجود المرأة زميلةً، فهو غير موجود في السعودية لا لشيء إلا أنه ليست لدينا ممثلات كثر، كما أن غالبية من برزن على الساحتين الفنية أو الإعلامية كانت لهن مواجهات صارخة مع المجتمع، وإن كانت كثير من السعوديات أثبتن وجودهن على الساحة الإعلامية.

·         ما الأسلوب الذي تتبعه هيفاء في معالجتها قضايا مجتمعها؟ وما الخط السينمائي الذي تفضله؟

- لم أحدد بعد أسلوباً خاصاً بي أو خطاً سينمائياً أتبعه فأنا لاأزال في البداية. أشعر بأني لم أتشكل سينمائياً بعد، أو أني في بداية تشكلي، لاأزال أبحث عن أدواتي، إذ لا أملك مهاراتٍ سينمائيةً ولست ضليعةً من الكثير من الأمور.

كل ما أرتكز عليه كخط الآن هو إيماني بالقضايا التي أقدمها وصدقي في التعامل معها وكذلك حرصي في اختيار القضايا القريبة إليّ؛ لتكون لي وجهة نظر في هذه القضايا أشرك الآخرين فيها. أنا أعتقد أن إيماني هذا هو الكفيل بإيصال رسالتي إلى المتلقي.

أما عن نوعية الأفلام التي تميل لها فتقول: «أحب التوثيق في أفلامي، لكن خطتي القادمة هي تقديم فيلم روائي طويل ستنتجه شركة روتانا، ولم أختر له اسماً بعد، كما لم أحدد موضوعه، ولكني أتوقع أن أركز فيه على بعض قضايا المرأة.

·     فيلمكِ الثالث «أنا والآخر»، دعوتِ فيه إلى نبذ العصبية والوحدة الوطنية، وعرض متزامناً مع مبادرة «الحوار الوطني» التي أطلقها الملك عبدالله الذي كان حينها ولياً للعهد، هل كانت خطوة تقديم مخرجة سينمائية لفيلم يدعم هذه المبادرة مقصودةً وربما تأتي ضمن برنامج عمل يفعِّل تلك المبادرة ويسير باتجاه تعزيز دور المرأة وهو ما دعت إليه المبادرة كذلك، أم أنها كانت مبادرةً ذاتيةً من هيفاء نفسها اغتناماً منها الفرصة التي ربما لم تتكرر؟

- شعرت أن الوقت مناسب لطرح تلك القضية والابتعاد عن كل شخص متقوقع ونابذ الآخر. كانت مبادرةًَ ذاتيةً شجعتني على اتخاذها الأوضاع السياسية والاجتماعية المناسبة حينها لطرح تلك الفكرة. طبعاً أنا أدعم السياسة السعودية وخصوصاً تلك التي تهتم بتمكين المرأة، وإعطاء دور أفضل للتعايش السلمي بين المواطنين، فنحن نريد أن نعيش في بلد يكن فيه المواطنون احتراماً لبعضهم بعضاً ويكون للمرأة فيه دور أكبر.

عموماً، فيلمي ذاك عرض في مهرجانات كثيرة، وحقق نجاحاً على مستوى النقاد الذين أشادوا به كما حصل على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان أبوظبي لأفلام الشباب. أما في داخل السعودية فهو وعلى رغم وجود حال من التوجس والخوف والارتياب في أي شخص يتحدث بصوت مختلف، فإن فيلمي حاز إعجاب كثير من السعوديين ممن تسنى لهم مشاهدته، وعلى رغم اعتراض البعض على طرحه، فإنهم آمنوا برسالته.

·     ركزتِ على قضية تنقيب المرأة في فيلمكِ «نساء بلا ظل»، ألا تعتقدين أن هناك قضايا أخرى عليكِ أن تناقشيها تتعلق بالواقع النسائي السعودي؟ هل يزعجكِ اللون الأسود الذي تتشح به المجتمعات النسائية السعودية، أم أنها خطة ستلحقها خطوات؟

- لا اللون الأسود لا يزعجني، وبالتأكيد هناك قضايا كثيرة تعانيها المرأة السعودية، ولا يمكن تغليب أهمية إحداها على الأخرى، لكن النقاب في رأيي قضية مهمة فهو يمنع المرأة من فرص عمل كثيرة ويؤثر عليها في أمور كثيرة، فهو مثلاً لا يشعرها بالثقة وهذا أمر مهم حتى في سيكولوجيا المرأة إذ يجب ألا تشعر بأنها عورة وأنها يجب أن تُغطى تماماً.

هناك قضايا كثيرة أتمنى أن يطرحها آخرون لإثراء المجتمع. الساحة مطروحة للجميع وجميل أن يطرح الجميع أفكارهم بطريقة سلمية وفنية وفي الأخير هذا ما يبقي المجتمعات.

·         لماذا تتجه هيفاء هذه المرة إلى السينما التسجيلية؟

- حين بدأت مشواري، أردت أن أقدم ما يعجبني أكثر، فعملت فيلماً قصيراً. أنا عموما أريد أن أعثر على نفسي كفنانة؛ ولذلك يجب أن أجرب كل شيء. لذلك أنا أجرب شيئاً آخرَ هذه المرة من خلال فيلمي التوثيقي، وهي محاولة تعلمت منها الكثير، كما أنها لفتت انتباهي إلى أني أحب هذه النوعية من الأفلام، سابقاً كنت أقول إني لا أريد أن أصبح صانعة أفلام وثائقية لكني الآن أصبحت قريبةً جداً من هذا النوع. كان همي أن أقدم الروائي الطويل بعد القصير، لكن الآن أفكر في تقديم المزيد من الأفلام الوثائقية؛ لأنها أقوى في تقديم رسالتها كما أن كلفتها أقل.

الوسط البحرينية في 18 يناير 2007

 

بني البشر Children of Men

سوداوي... مرعب ولا يخلو من عنصرية

الوسط - منصورة عبدالأمير  

إذا كنت أحد أولئك الذين يحبون بريطانيا، ويحملون عشقا خاصا لعاصمتها لندن مدينة الضباب، فأنصحك ألا تشاهد فيلم Children of Men الذي يعرض حاليا في سينما السيف، لأنك حينها سترى صورة أخرى مختلفة تماما عن كل ما تحمله ذاكرتك لهذا البلد، ولمدينة لندن خصوصا. الصورة الجديدة لن تسعد حواسك بل ستصيبك بشيء غير قليل من الأسى بسبب ما يزعم صانعو الفيلم كونه مستقبل هذه المدينة، إذ تبدو لندن مدينة قذرة شبه مدمرة وكأنها خرجت للتو من حرب ساحقة، تنتشر في شوارعها العصابات ولا يبدو لرجال شرطتها أي هدف سوى اشاعة مزيد من الفساد. ملئت جدرانها بكثير من الشعارات الغرافيتي وعلى رغم كون ذلك واقع حال جدران لندن اليوم، فإن الفيلم يبالغ في نقل الصورة لتعتقد لوهلة أنك في مدينة تملأها شعارات مغطاة بجدران وليس العكس!

يتضح لنا أن شعارات الجدران ليست سوى وسيلة لمناهضة حكم العكسر الذي يحاول إحكام السيطرة على المدينة بعد أن أصبح كل شيء فيها خارج نطاق السيطرة. كيف لا وشوارع المدينة تغص بالمهاجرين غير الشرعيين الذين تطاردهم الشرطة البريطانية، أو بالأحرى الجيش البريطاني، في أزقة وحارات لندن. مفهوم الأمان أصبح أمرا من الماضي في هذه المدينة، إذ لا يخلو يوم من دون أن يسمع دوي انفجار في أحد أحيائها، أو في أحياء المدن المجاورة، ليفربول كانت آخرها كما نفهم من حوار يدور في أحد المشاهد بين بطلي الفيلم ثيو فارون (كلايف أوين) وجاسبر (مايكل كايني) يشار فيه الى أن هذه الانفجارات قد تكون مدبرة من قبل الحكومة للتغطية على فضائح بعض الوزراء. بالمناسبة، لا يوضح الفيلم هوية هذين الشخصين، لكننا نعلم أنهما البطلان وأنهما يسيران الحوادث وأنهما أنزه من نقابل من شخصيات، وأنهما يضحيان بحياتهما من أجل إنقاذ البشرية!

طبعاً هما بريطانيان انجليزيان، ويواجهان طبعاً كثيراً من القسوة والحقد والأنانية والتآمر وغير ذلك من كل من يحيط بهما، وغالبيتهم لا ينتمون للعرق الانجليزي! تحيط بهما المؤامرات لكنهما يتمكنان من كشفها، ويخسران في سبيل حبهما لنشر الخير والسلام صديقتهما، أو حبيبة فارون السابقة جوليان تايلور (تقوم بدورها الرائعة جوليان مور).

قبل الدخول في قصة جوليان هذه علينا أن نعرف أن هذه الصورة القاتمة السوداوية المرعبة تصور لندن في العام 2027 أي بعد 20 عاما من الآن، حين تكون البشرية قد مرت بكارثة مرعبة قبل 20 عاما قضت على أي أمل لها بالتناسل، إذ وبعد أن تنتشر حمى الانفلونزا في العام 2008 وتقضي على من تقضي، يصيب نساء العالم عقم يبدأ بحالات اجهاض غير مبررة تجتاح النساء في كل مكان، ثم تتحول الى عقم تعجز النساء بسببه عن حمل أي نطفة في أرحامهن وليهدد البشرية بالانقراض.

طبعاً تبدو بريطانيا بحسب الفيلم المكان الأكثر أمانا في العالم، إذ انهار العالم بأجمعه لأسباب لم تبدُ واضحة، وإن كان تقرير بثته قناة الـ «بي بي سي» في أحد مشاهد الفيلم أعطى تلميحات لما قد يكون السبب، إذ يعرض التقرير صورا لبعض اكبر مدن العالم، لنشهد تفجيرات في احداها ونزاعات مسلحة في أخرى، و... نساء محجبات يرفعن أكفهن عاليا ويبدون كما لو يشاركن في مسيرة. الطريف أن النساء جميعهن يرتدين الشادور الايراني، لكن اللقطة مأخوذة بحسب التقرير من مدينة كوالالمبور!

يبدأ فيلم الخيال العلمي هذا بمقتل أصغر فتى في العالم وهو البالغ 18 عاما وبضعة اشهر وعدة ايام. الفتى انجليزي طبعاً، ويقتل في أحد شوارع لندن لرفضه توقيع أوتوغراف أحدهم، ومن تعليق لبطلي الفيلم فارون وجاسبر على خبر مقتله نتمكن من الامساك بأول خيوط الكارثة التي يعيشها البشر أو التي سيعيشونها بعد عشرين عاما من الآن.

وفارون يؤكد أن اسباب حال العقم التي تجتاح البشر تلك غير معلومة، إذ يمكن أن تكون الأبحاث الجينية هي السبب ولربما كانت اشعة جاما أو التلوث الذي يملأ العالم هما ما أديا بالبشرية الى تلك الكارثة المروعة. ما لا يعلمه الاثنان، وما سيعرفه فارون بعدها ويدفع حياته ثمنا له هو أن الأمل الوحيد للبشرية التي تسير نحو نهايتها يقبع في رحم إحداهن، إمرأة من أصول إفريقية ويبدو أنها احد المهاجرين غير الشرعيين، لم يوضح الفيلم ذلك لكن الفتاة تصرح بأنها تخشى أن يسرق البريطانيون جنينها إن اعلنت حملها، لينسب بعد ذلك الى أية امرأة سوداء تحمل الجنسية البريطانية.

تتقاطع خطوط هذه الفتاة مع فارون، حين تلجأ لجماعة سرية طالبة منها ايصالها الى ما يسمى بالمشروع البشري، وهو معمل ابحاث متنقل يحاول ايجاد خلاص للبشرية يتخفى على هيئة قارب صيد، ويجوب بحار العالم بحثا عن أمل. الجماعة السرية تتشكل من مجموعة من البريطانيين ذوي الاعراق المختلفة، ترأسهم جوليان، حبيبة فارون السابقة، التي تلجأ إليه للحصول على أوراق رسمية تصرح للفتاة بالمرور عبر المدن البريطانية لتصل الى حيث ترسو السفينة تلك.

تتوالى حوادث كثيرة ويقطع فارون رحلة طويلة يكتشف فيها الكثير من الحقائق والأمور ثم يفقد صديقته جوليان وجاسبر صديق عمره، وأخيرا يتعرض لطلق ناري يفقد على أثره حياته لكن بعد أن يتمكن من ايصال الفتاة الى بر الأمان وينقذ البشرية.

أهم ما يميز الفيلم هو اخراجه بطريقة جيدة، وهو العمل الذي قام به المخرج المكسيكي الفونسو كوارون، الذي قدم عددا لا بأس به من الأعمال السينمائية الجيدة، لعل أشهرها الجزء الثالث من هاري بوترHarry Potter and the Prisoner of Azbakhan. كوارون تمكن من تقديم صورة بائسة للغاية معبرة عما يفترض أن تؤول إليه الأمور، واستطاع شد المتفرج واشعاره بحال اليأس التي تعيشها جميع الشخصيات، كما قدم صورة للمدينة تستحضر الى الذاكرة تلك التي قدمها المجنون كوانتين تارانتينو في مدينة الخطيئة Sin City.

كذلك جاء اختيار الممثلين موفقا، جميعهم أدوا أدوارهم ببراعة وتقمصوا الشخصيات بشكل مقنع، ولا فخر للمخرج في قدرتهم على اقناع المشاهد بالحوادث، فالممثلون الرئيسيون هم مجموعة من أفضل وأقوى الوجوه أمثال مايكل كيني، وكلايف أوين، وجوليان مور، وتشويتيل ايافور.

ما يؤخذ على الفيلم هو النفس العنصري الذي يمكن أن يستشعره المشاهد بكل بساطة عبر مختلف المشاهد وخصوصاً تلك التي تصور المهاجرين غير الشرعيين. طبعاً هؤلاء المهاجرون معظمهم من العرب وبعض دول أوروبا الشرقية. وهؤلاء، بحسب الفيلم، يستحقون تطبيق القوانين العسكرية عليهم وعزلهم في مخيمات تشبه تلك التي يزعم أن اليهود عزلوا فيها في بدايات القرن الماضي. فهؤلاء لا يفعلون شيئا سوى اثارة الفوضى والتخريب والتدمير وقتل الأبرياء ويملأون الجدران بشعارات تدعو الى الانتفاضة، أو «الانتفادا» كما يتضح في بعض المشاهد.

ولا يكتفون بذلك، بل إنهم يتظاهرون رافعين شعارات «الله أكبر»، ولا أعرف لماذا يغطون وجوههم بأقنعة تشبه تلك التي يرتديها مقاتلو حماس! ثم ينخرطون بعد ذلك في مواجهة مع الجنود البريطانيين، ويعيثون فسادا في الأرض التي تطعمهم وتأويهم بعد أن تدمر العالم!

كذلك لا يخلو الفيلم طبعاً من نبرة الفخر الزائف التي يزعم أن الانجليز يحملوها، والتي تقنعك كثير من المشاهد بوجودها فعلاً لديهم، فالانجليزي هو النزيه الوحيد وكل من حوله متآمرون. وهو الذي يدفع حياته من أجل انقاذ البشرية واسعاد الآخرين، فيما يفكر الآخرون بأنانية مفرطة ويتعاملون مع الأمور ببشاعة وقسوة!

عموماً الفيلم جيد ويقدم رسالة خطيرة ومرعبة للغاية، لكن يأبى صانعوه إلا أن يحشوه بكثير من عنصريتهم وفخرهم الزائف ليفسدوا روعة المشاهدة وليقللوا من قيمة الرسالة المنقولة عبره.

الوسط البحرينية في 18 يناير 2007

مفارقات إنسانية السينما

بقلم : عدنان مدانات 

يتضمن الفيلم الجنوب أفريقيتسوتسي الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2006 مفارقة لافتة للنظر وتستحق التأمل فيها. فالفيلم يعكس من خلال حكايته معاناة إنسانية لفتى أسود يرأس عصابة من الفتيان، وهو فتى قاسٍ لا يتورع عن قتل ضحاياه بدم بارد. وفي الفيلم أكثر من مشهد قتل من هذا النوع. يعتدي هذا الفتى ذات ليلة، وبهدف السرقة، على امرأة وهي على وشك الدخول بسيارتها في مرآب منزلها ويطلق عليها النار ويصيبها بجراح خطيرة، ثم يسرق سيارتها وينطلق بها. وبسبب عدم خبرته بالقيادة ينحرف عن الطريق فتتعطل السيارة. وحين يهم بالهرب يُسمع صراخ طفل رضيع مستلق في المقعد الخلفي. فما يكون منه، وبعد تردد، إلا أن يخطف الطفل الرضيع ويهرب به.

بعد هذا الحادث يتغير مسار الفيلم إلى حد كبير، ولا يعود الموضوع يتعلق بعصابة فتيان، بل بمأساة بطل الفيلم الذي قرر الاحتفاظ بالطفل بعد أن ملأه وجود الطفل معه بعواطف إنسانية جعلته يستعيد بألم ذكريات طفولته البائسة ويحاول التعويض عنها عن طريق تبني الطفل. ومع ذلك يقرر في نهاية المطاف، إثر صحوة ضمير، أن يعيد الطفل إلى أمه التي باتت مقعدة.

بصرف النظر عن هذا الجانب من حكاية الفيلم المبني وفق قواعد الميلودراما، وهو الأمر الذي يؤثر في النفوس الطيبة وقد يجعل بعض المشاهدين يستنتجون أن الفيلم إنساني النزعة، ثمة مشهد قصير في الفيلم بدا لي قاسيا مزعجا وصادما للمشاعر إلى حد يشي بانعدام الإنسانية عند من صنعوه. وهنا لا بد أن أستدرك قبل وصف المشهد المعني وأقول إن هذه الملاحظة لا تقتصر على المشهد المعني في فيلم توتسي، بل تشمل آلاف الأفلام المعاصرة التي يمكن وصفها بالأفلام السادية، والتي تستغرق في تصوير العنف الدموي البشع وكأنها تستمتع بعرضه على المتفرجين. وليس الهدف من هذه الملاحظة تقديم تحليل للفيلم، بل الهدف هو استغلال هذا المشهد كنموذج يفيد في توضيح الفكرة.

نراقب في المشهد المعني من فيلم توتسي طفلا رضيعا نائما، طفلا لا حول له ولا قوة، فيما أسراب النمل تتجول في أنحاء وجهه، وفيما يحاول خاطفه الفتى، إذ فاجأه المنظر وأرعبه، أن يزيح النمل المتجول فوق وجه الطفل بيده .

وهذا المشهد واقعي وحقيقي تماما. وهو في واقعيته هذه، وبالعلاقة مع ضحيته، أي الطفل الرضيع النائم الذي لم يتورع صانعو الفيلم عن جعل النمل يدب فوق وجهه فعلا، يبدو لي أكثر عنفا وبشاعة من مشاهد العنف الدموي الوحشي في أفلام الآكشن، لأن العنف في هذه الأفلام، وعلى الرغم من ما قد يثيره في النفوس من مشاعر الرعب أو التقزز والنفور، ومهما كانت صوره متقنة التنفيذ وتظهر وكأنها حقيقية تماما، إلا أنه عنف ممثل يعرف المتفرجون مسبقا إنه مصنوع بواسطة الخدع والمؤثرات البصرية.

في حين ينتمي هذا المشهد إلى تراث المدرسة الطبيعية التي شرعنت الحكي عن ما كانت المدارس الأدبية السابقة عليها تعدّ، من منطلقات احترام الوظيفة الأخلاقية للأدب، أنه لا يجوز الحكي عنه، فإنه، ولكونه لا يعتمد على الكلام بل على الصورة الحية المباشرة، يجسد جرأة هذه المدرسة على الأخلاق بقسوة مقززة.

من حيث المبدأ، كان يفترض في مشهد كهذا يتعرض فيه طفل لهذا العنف أن يثير ثائرة المعنيين بحقوق الإنسان عموما والأطفال خصوصا والمنتمين إلى الهيئات والمنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية، وربما حتى جمعيات الرفق بالحيوان، غير أن المشهد مر بسلام ولم يعترض عليه أحد، وصار الفيلم حديث الإعلام بعد أن نال جائزة أميركية كبرى تسببت في إثارة فضول الناس لمشاهدته.

يمكن تفسير هذا الأمر على النحو التالي: المشهد المذكور هو جزء من فيلم هو بدوره جزء من عدد كبير جدا من أفلام تندرج في إطار سينما واسعة الانتشار كانت وما تزال لا تتورع، يوما إثر يوم، وعلى نحو متسارع الوتيرة وبإتقان غير مسبوق، عن المغالاة في تصوير العنف الدموي وعرضه في أقسى ممارساته وأبشع أشكاله وحالاته، وتتسبب نتيجة التكرار في تصوير مشاهد العنف وعرضها بمناسبة ومن دون مناسبة، في تعويد العين والأذن والنفس على استقبال ومن ثم تقبُّل صور العنف البشعة المنفرة دونما اعتراض وكأنها من طبيعة الأمور.

الجائزة التي حصل عليها فيلم توتسي هي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. تنافس الفيلم على هذه الجائزة مع فيلم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد (فيلم الجنة الآن) والذي يتمحور حول استعداد اثنين من الشبان الفلسطينيين للقيام بعملية انتحارية ضد جنود إسرائيليين، وهي نوع من العمليات التي يصفها الغرب بالإرهابية، وتركز محطات التلفزيون العالمية على عرض المشاهد المصورة في مسرح هذه العمليات والتي تتضمن صور أشلاء القتلى وأجساد الجرحى الملطخين بالدماء أو المبتورة أجزاء من أعضائهم.

يبين المشهد الأخير من الفيلم أحد هذين الشابين وقد نجح في ركوب حافلة مليئة بالجنود الإسرائيليين الذين يريد قتلهم. وينهي المخرج المشهد بشاشة بيضاء تماما يقصد منها القول إن الشاب قد فجّر نفسه. ثم إن المخرج يتوقف عند هذا الحد ولا يصور عملية التفجير، وبالتالي لا يعرض أمام أنظار المتفرجين صورا بشعة منفرة فيها قتلى وجرحى ودمار، أي أن المخرج التزم بالمبدأ الأخلاقي في التعبير الفني ولم ينجرّ وراء سرطان عرض مشاهد العنف وسار بذلك عكس التيار السائد في السينما العالمية، وهذا ما عدّه الكثير من النقاد الغربيين واحدا من إنجازات الفيلم.

من نافل القول انه لا يجوز وضع صورة لوجه طفل تتجول فوق أعداد من النمل في حالة مقارنة مع صورة إنسان مقتول مغطى بالدماء ومحاط بالأشلاء من حيث شكل العنف ومنسوبه في كل منهما، لكن بالمقابل، من المنطقي عدّ الصورتين كلتيهما تعتمدان المبدأ نفسه.

*ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 19 يناير 2007

 

(مرايا الصمت).. نواف الجناحي يتدفق صوراً جميلة..

قراءة: رجا ساير المطيري 

رغم قصر عمر السينما الإماراتية إلا أنها أفرزت لنا جيلاً شاباً يمتلئ بالموهبة والإبداع ويمتلك رؤيته الخاصة في صناعة الفيلم ومن هذا الجيل يبرز اسم المخرج والمصور الفوتوغرافي (نواف الجناحي) صاحب التجربة السينمائية اللافتة والمتفردة بإخلاصها للغة البصر واستغلال كافة الإمكانات التعبيرية التي تضمنها الصورة، فأفلامه التي صنعها حتى الآن تجعله حالة مميزة في مسيرة السينما الإماراتية باعتباره صاحب اتجاه مستقل يبتعد عن الخطابية والمباشرة والتقليدية التي تضج بها السينما العربية عموماً. وإذا ما قررنا أن السينما هي في نهايتها (صورة) تتحدث وتحكي وتقول باستقلالية تامة فإن الأفلام التي تحمل توقيع (نواف الجناحي) هي أقرب إلى الحالة السينمائية الخالصة.

بدأ نواف الجناحي مسيرته مع الإخراج عام 2002بفيلم (هاجس) ثم أتبعه بفيلم (على طريق) الذي برزت فيه بصمته الخاصة والمميزة حين ألغى الحوار وجعل الصورة هي البطل الأول والأخير. الفيلم يصور رجلاً يركض ويركض حتى النهاية!. وبهذه البساطة ينجح (نواف) في تفجير معانٍ فلسفية عميقة. وبنفس الأسلوب قدم فيلمه الثالث (أرواح) عام 2004والذي صوّر فيه مجموعة من الأشخاص يواجهون الكاميرا، ثم يواجهون موتهم، كل على حدة. وهذه الأفلام الثلاثة يستطيع المهتم أن يشاهدها عبر موقع المخرج في شبكة الإنترنت (www.njan7.com).

فيلم (مرايا الصمت) هو آخر أعمال (نواف الجناحي) وقد شارك به في الدورة الماضية لمهرجان دبي السينمائي ضمن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة وسيشارك ضمن قسم (بانوراما عربية) في الدورة القادمة لمسابقة أفلام من الإمارات. وهو يحكي بلغة بصرية رمزية وبلا حوار قصة المدنية والتطور العمراني الكبير الذي طال الإمارات في السنوات الأخيرة وكيف أن هذا التطور جاء على حساب الإنسان الذي انسحق وانطحن تحت أرتال من الإسمنت والطوب. إن الإنسان يعاني الضيعة والخواء ولا ملجأ له ولا منجى من هذا الصخب ومن هذه السجون الأسمنتية سوى العودة إلى داخله، إلى أحلامه، فهي العزاء الوحيد حتى لو لم يضمن تحقيقها.. ألسنا نعشق الحياة؟ إذن فلنتجه صوب أنفسنا لأنها هي المكان الوحيد والأخير الذي يشع بهذه الحياة أما الخارج فلم يعد إلا سجناً كبيراً مكوناً من شوارع وبنايات!.

قد يكون هذا التفسير مطابقاً لما يريده المخرج وقد لا يكون! وهنا تحديداً نحن نتحدث عن أبرز سمة في سينما (نواف الجناحي) إنها مفتوحة على كل الاحتمالات تقبل كافة التفاسير فلكل واحد منا تفسيره الخاص والصحيح! وهذا يجعلها سينما مستفزة تقود إلى التفكير وتجبر المشاهد على المشاركة في تركيب الصور وترتيب معانيها حتى يصل في نهاية الطريق إلى المعنى النهائي. وإذا ابتعدنا عن المعنى وعن الفكرة التي يقدمها فيلم (مرايا الصمت) واتجهنا ناحية الجمالية البصرية فنحن أمام سمة أخرى مهمة تصبغ سينما (نواف الجناحي) بشكل دائم تتمثل في جمال الصورة.. فهنا ومنذ بداية الفيلم نرى سيلاً كثيفاً ومتدفقاً لصور متتابعة تسير خلف بعضها البعض باتساق منطقي يصنع (فكرة) محددة ويطورها حتى يصل إلى الذروة على خشبة المسرح. وكل صورة من هذه الصور تحمل جمالها الخاص الفاتن الذي زاد من بريقه روعة التشكيل وذلك العبث المدروس باللون والضوء. لتكون النتيجة فيلماً (جميلا) وجذاباً في شكله يوازي نصاعة الفكرة واستفزازها. وهذه العناية بالجانب الجمالي نابعة - ربما - من كون (نواف الجناحي) في الأساس مصور فوتوغرافي يتذوق الصورة ويتحسس مكامن الجمال فيها.

الرياض السعودية في 18 يناير 2007

 

أسس أكاديمية للسينما والتلفزيون في بغداد...

قاسم عبد: لا أعرف أين تبدأ حياتي وأين تنتهي السينما

دمشق – فجر يعقوب 

كان المخرج العراقي قاسم عبد شارف على الانتهاء من تصوير الحاجز الاسرائيلي المعروف باسم سوردا، والذي كان يجثم عند مدخل مدينة رام الله الفلسطينية المحتلة على مدى ثلاث سنوات، حين أزيل الحاجز ما اضطره لأن يصور بيده وبشكل سري قصة ولادة وتحول وزوال حاجز سوردا في فيلمه التسجيلي الذي يحمل الاسم نفسه. «الحياة» التقت المخرج عبد الذي أطلق قبل فترة أكاديمية لتدريس السينما والتلفزيون في بغداد:

·         لم تستخدم في الفيلم اي مؤثر صوتي. هل هو إخلاص منك للحالة الواقعية التي عملت عليها؟

- في اعتقادي أن المؤثرات هي حيل سينمائية أو فيديوية، وربما جاء التقليل منها ليمنح الفيلم صدقاً أكثر، على رغم أنها رسائل تعبير لا يمكن الاستهانة بها. لقد رأيت أن موسيقى الفيلم مثلاً تكمن في وقوف الطلاب على الحاجز الاسرائيلي. عملية التفتيش بحد ذاتها منحت الفيلم «موسيقى داخلية» جعلتني أستخدم جملة صوتية واحدة تتلخص بقول الجندي الاسرائيلي: «صفين يا جماعة»، ثم يقوم بترديدها بالعبرية. وقد استخدمت الجملة نفسها أكثر من مرة في السوق الذي أنشأه الفلسطينيون عند الحاجز بالتزامن مع مفردات هذه السوق اللازمة... «بوظة باردة... أي حاجة بشيكل» الخ. لقد أفدت من الأصوات الطبيعية التي توفرت لدي واعتبرتها أحد الحلول المونتاجية المبدعة.

·         ألم تخف من أن بناء الفيلم بهذه الطريقة قد يظهر للمشاهد غير المدقق بالتفاصيل التي تتحدث عنها وكأنه بناء أولي غير منجز؟

- دعني أقول أن ليس هناك فيلم في وسعه أن يرضي كل الأذواق. هناك أفلام تمتع الجمهور وأفلام لا. صحيح أن المشاهد مهم جداً في هذه العملية، ولكن أنا كفنان أبحث عن شيء يرضي قناعاتي. وفيلم «حاجز سوردا» أبطاله ليسوا هم الناس، بل الأشياء التي تحيط بهم، لهذا لا تجد أشخاصاً، بمقدار التحولات التي تجرى عند الحاجز نفسه. البطل الرئيس هو المكان، وهو نفسه يتحول إلى زمن من خلال هذه التحولات، والحاجز بهذا المعنى كان بالنسبة لي بمثابة مسرح أرى على خشبته في كل يوم أشياء جديدة، وكان هذا يعتمد في الدرجة الأولى على التصوير سواء أكان علنياً أم سرياً. أنا أردت أن أطور الأشياء عبر الزمن، فالمكان يعكس آلام الناس ومعاناتهم. وواحد من الأشياء التي أردت أن أراها هي أن الفلسطيني ليس ضحية أبداً. أنا أردت أن أقول إن الفلسطيني كأي مواطن آخر على وجه هذه البسيطة لديه القدرة على العيش والتحدي والتكيف مع كل حالات خنقه عبر هذه الحواجز.

·         ثلاث سنوات وأنت تعمل على الحاجز نفسه بشكل متقطع... ألم يؤثر هذا في رؤيتك؟

- أنا كفنان مستقل أبحث عن المكان الذي أجد فيه قصة. لا أعرف أين تبدأ حياتي وأين تنتهي السينما. أصور صبحاً ومساء أي شيء يلفت نظري، وأنا مصور بالأساس، فدراستي الأساسية هي التصوير السينمائي، ولدي امكان التحكم بالكاميرا. لقد صورت أنا بنفسي 95 في المئة من مادة حاجز سوردا بلا أخطاء تقنية. ووجدت أن عين الحياة وعين السينما التي ألتقط بها الأشياء تتداخل في شكل لا يصدق.

·         في نهاية الفيلم يختفي الحاجز الاسرائيلي... هل هذا ما أردت الوصول إليه من خلال سفرك الدائم إلى هناك؟

- سعادتي تكمن في أن أكون في المكان الذي أريد أن أصور فيه. ربما لا يمس هذا أحداً غيري، ولكنني مقتنع بأن روعة السينما الوثائقية تكمن في أن يستطيع واحد أن يعمل فيلماً إذا لم يتوافر لديه أشخاص آخرون. يمكنك في هذا النوع من السينما أن تكون في أي مكان، وتجمع منه الأشياء المختلفة وتمنحها الاحساس الذي تريد.

·         أنت أسست أخيراً أكاديمية لتعليم السينما في بغداد... لماذا أكاديمية وليست مدرسة أو معهداً، وأنت تعرف الأوضاع في العراق؟

- بعد سقوط صنم بغداد المدوي استبد بي الحنين لأعود إلى العراق بعد ثلاثين سنة قضيتها في المنفى. وفكرت في ما يمكن لي أن أعمله بالتعاون مع المخرجة العراقية ميسون الباجه جي ونقدمه للعراق. وفي المناسبة هذا القرار اتخذناه كعراقيين في رام الله ونحن نقيم دورة للفيلم الوثائقي هناك. أردنا بقرارنا أن ندفع الحياة في العراق ولو سنتيمتراً واحداً إلى الأمام، فقد كانت لدينا خبرة في إعداد الطلاب للسينما، ذلك أننا بقينا في فلسطين مدة عشر سنوات ونحن ندرّس السينما في معهد القدس للسينما. وهكذا قررنا بناء كلية للسينما والتلفزيون في بغداد، والهدف الأساسي منها هو إعادة تأهيل الشباب العراقي للعمل بالتقنيات الحديثة وتدريبه على صناعة الفيلم الوثائقي بعيداً من الضغوط السياسية والدينية والعشائرية. عملنا ثلاث دورات في التصوير والاضاءة والصوت والمونتاج والاخراج وأنتجنا أربعة أفلام، منها فيلم «أيام بغدادية» الذي نال الجائزة الفضية في قطر وذهبية روتردام السنة الماضية.

الحياة اللندنية في 19 يناير 2007

 

سينماتك

 

عرض آخر أفلامها في نادي البحرين للسينما

هيفاء المنصور: السينما الإسلامية مطلوبة... ومعالجاتنا السينمائية سطحية

الوسط - منصورة عبدالأمير

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك