> لا يوجد أي مبرر أو سبب لإطلاق هذا الاسم علي الفيلم لأن المحطة لا تلعب أي دور علي الإطلاق

> الاقتباس أهمل الخطوط الدرامية المقنعة في الأصل واعتمد علي اسكتشات مليئة بـ«كليشيهات» مكررة ولا يربط بينها شيء

> أراد صناع الفيلم تلميع «النجم» كريم عبدالعزيز فكانوا مثل الدبة التي قتلت صاحبها  

كم كنت أتمني لو اصفق بملء يدي، للرباعي الذي قدم لنا الموسم الماضي واحدا من أجمل الأفلام المصرية التي امتعتنا واحيت الأمل الذي بدأ يموت في صدرنا.. عن امكانية بعث جديد للسينما المصرية. والذي استطاع الرباعي المكون من بلال فضل كاتبا، وأحمد جلال مخرجا، وكريم عبدالعزيز ومنة شلبي ابطالا من خلال فيلم (واحد من الناس) أن يقولوا بصوت عال ان السينما هذا الفن الجماهيري الكبير.. مازالت الدماء تنبض في عروقه ولازال قادرا علي أن يخلق ورودا حمراء وصفراء وبنفسجية يلقيها في طريقنا الذي أصبح مليئا بالأشواك.

واحد من الناس.. أكد لنا بشكل ما أن السينما الجيدة يمكن أن تجد لها جمهورا والنجاح المادي الذي حققه والايرادات التي سجلها تفوقت بكثير علي بعض الأفلام التافهة التي اصبحت تملأ شاشاتنا.. والتي يصر المنتجون علي تقديمها بحجة أنها تجلب لهم المكاسب العالية.. اذن فالطريق أصبح ممهدا لكي يكتب بلال فضل ما يشاء دون خشية.. وان يقدم أحمد جلال رؤاه السينمائية المتطورة دون عقبات.. وان ينال كريم عبدالعزيز ومنة شلبي الأدوار الجميلة التي يستحقونها والتي يمكنهم أن يؤدوها بدرجة عالية من التفوق والاجادة.

تراجع كبير

لذلك كانت دهشتي كبيرة تكاد تصل إلي عدم التصديق وانا اري هذا التراجع الكبير الذي حققه هذا الرباعي المنسجم في فيلمهم الجديد (محطة مصر) المقتبس من فيلم امريكي باسم (خطوات نحو السحاب) لعب بطولته كينو ريفر. أنا لم أفهم أولا سبب اطلاق عنوان (محطة مصر) علي هذا الفيلم الذي لا تلعب فيه المحطة الكبيرة أي دور درامي سوي تحقيق اللقاء الأول بين بطل الفيلم وبطلته.. هذا اللقاء الذي كان يمكن أن يتم في أي مركز آخر للمواصلات.

لقد عودتنا الأفلام التي تحمل عنوان اسم لمحطة كبيرة.. ان تلعب هذه المحطة دورا متوازنا في الأحداث.. كما حصل مع يوسف شاهين في (باب الحديد) أو أن تظهر لنا نماذج مختلفة من البشر يحيا كل منها عالمه الخاص.. ويجمعهم عالم المحطة الواسع معا رغم ارادتهم، كما في (محطة الوصول) الذي أخرجه فيتوريو دوسيكا ولعب بطولته النجم الراحل مونتجمري كليفنت إلي جانب جينفر جوتس. أو فيلم (المحطة النهائية) البرازيلي.. الذي شكلت فيه المحطة خلفية اجتماعية ونفسية مدهشة ما كان يمكننا أن نفهم أحداث الفيلم دون اللجوء إليها.

في (محطة مصر) فيلم أحمد جلال لا وجود حقيقي للمحطة.. ولا وجود رمزي وحتي أي وجود اقتصادي أو نفسي.. انها مجرد مكان لا هوية محددة له.. خلفية حيادية لا طعم لها ولا لون.. تضع أمامنا أسئلة كثيرة لا يحاول الفيلم أن يرد عليها بل إنه يتجاهل وجود المحطة نهائيا.. في خاتمة الفيلم.. وكأنها اصلا لم تكن.

ونأتي لبنية الفيلم نفسه الذي اقتبسه بلال فضل بخفة دم تعودناها منه.. لنجده أنه مجرد افيهات اسكتشات صغيرة مرتبطة ببعضها بخيط واه لا منطق له.. ولا اساس. ملييء بكليشهات سينمائية سبق أن رأيناها اكثر من مرة. ومن مظهر اجتماعي مبسط لدرجة السذاجة.. لم نعهدها من هذا الكاتب الذي يغمس وينبش عموما بالنار..

كما ان الكاتب لا يحاول أن يرجع للفيلم الأصلي الذي اقتبسه ليمسك بخطوطه الدرامية المقنعة.

تلميع النجم

لذلك بدا لنا أن الفيلم كله.. قد كتب لتلميع نجمه الأول.. واعطائه أكبر قدر ممكن ليعبر عن نفسه وعن امكانياته.. بصورة مباشرة وغير مباشرة.

فهو هذا الفتي الفاتن.. الذي يعمل مندوب مبيعات وتستدرجه إحدي السيدات المتزوجات بمجرد أن تراه لكي يمارس معها الجنس، وهو يتمنع كارها.. إلي أن يصل الزوج علي حين غرة.. فيختبيء في دولاب المطبخ.. ويتلقي علقة ساخنة من الزوج عند اكتشافه.

وهو هذا الخريج الجامعي الذي لا يجد عملا.. والذي يزعجه صياح ناظر المدرس التي تقع بجوار غرفة نومه.. فيمطره بالماء القذر.. ويحرق الميكروفون الخاص بالمدرسة.. وهي صفات كنا نراها محببة ومعقولة.. لو صدرت عن (صايع البحر) هذه الشخصية التي احسن بلال فضل سابقا رسمها.. ولكنها لا تنسجم بالمرة مع الشخصية التي يفترض أن كريم عبدالعزيز يلعبها في محطة مصر.

وهو هذا الشاب الذي يقبل ان يلعب دور العريس المزيف.. عندما تعرض عليه إحدي الفتيات التي قابلها مصادفة في محطة مصر.. وان يذهب معها إلي قصر ابيها بالأرياف ليقيم يومين.. يفعل خلالها ما لا يقبله منطق ولا عقل.

وهو رغم اعجابه بهذه الفتاة الجريئة لا يتورع من أن ينظر إلي خطيبة اخيها نظرات مليئة بالرغبة ولا يتورع من افساد علاقة ابيها مع الفلاحين وتحريضه لهم ودفعهم إلي المطالبة بحقوقهم.

ولا يكف عن اعتبار المنزل منزله.. يفعل به ما يشاء.. يفسد حملة الأب الانتخابية.. ويدس الحشيش دون قصد في طعام الأسرة.. ويدفع بأقراص الفياجرا إلي الأب المريض.. مما يكاد يؤدي إلي موته بأزمة قلبية.. وهو يفعل كل ذلك.. مرتديا كل أنواع الثياب الفاخرة.. والعمامات الأنيقة.. التي لا تدري من أين اتي بها.. وهو الذي صعد إلي عربة القطار لا يحمل إلا الكاتالوجات التي يفترض أن يبيعها (الكاتالوج بمائة جنيه.. نصفها له ونصفها للناشر!!!!!).

وهو ينام مع زوجته المزيفة.. التي ادعت أنها حامل كما تقنع اسرتها بوجوده.. في غرفة واحدة ويقدم لها افيهات مكررة سبق لنا أن رأيناها عشرات المرات في أفلام عربية وأجنبية. لا منطق ولا هدف
كل ذلك يبدو لي دون أي منطق ولا أي هدف.. سوي اعطاء الفرصة لكريم عبدالعزيز كي (يمثل) وكي يثبت لنفسه قبل الآخرين. خفة ظله وقدرته علي التنوع وقدرته علي الاقناع.

كريم عبدالعزيز في محطة مصر.. و ممثل مختلف تماما عن كريم عبدالعزيز في واحد من الناس.. ينقصه التواجد الحقيقي والشخصية الحقيقية والاقناع.. أنه تائه يكرر نفسه ويخاطبها (كما في أحد مشاهد الفيلم) دون أن يصل بها إلي أي شيء من المنطق والصدق.

لقد بدا لي أن السرعة والتعجل في استغلال نجاح واحد من الناس هو السبب الرئيسي في هذا التخبط المؤسف الذي رأيناه.. بحيث أننا لم نعد ندري هل نحن أمام كوميديا الهدف منها الاضحاك بأي ثمن دون مبالاة بالبناء الدرامي للشخصيات.. أم أنه فيلم يريد أن يقول كلمة سياسية أو اجتماعية.. صادرة هذه المرة من انسان (حشاش).. يلعب دورا مزيفا.. يخدع به أسرة كاملة.. مما يحرم كلامه من أي قاعدة منطقية تحسب له..

ولعل إشارته في إحدي جمل الحوار إلي بعض كتاب القصة الجدد.. لا يبرر بالمرة أننا امام انسان مثقف حقيقي.. لان المثقف الحقيقي لا يمكن له ان يتصرف كما تصرف بطل (محطة مصر)..
بل حتي كيانه الأسري (أب سارق محتال.. وأم لا تكف عن الندب والبكاء) لا يسمح له بأن يكون مثالا ايجابيا جيدا.. رغم المرارة التي يعيشها وحالة البطالة التي تدفعه إلي خيانة نفسه. طبعا لا أريد أن أشير إلي أن الاهتمام والتركيز علي البطل كريم عبد العزيز ومحاولة الاستفادة من شهرته وشعبيته قد جعلت الكاتب يضحي بشخصية أخري.. كان يمكن لموهبة بلال فضل الحقيقية ان يجعل منها شعاعا ونورا يضييء الفيلم كله.. وهي شخصية (منة شلبي) الثائرة علي تقاليد مجتمعها وعلي أسرتها.. والتي تحبط في حبها دون سبب ظاهر.. لانني لم أفهم السبب الذي يدفع شابا في مطلع عمره.. ان يحبها ثم يهجرها وهي التي تملك المال والجمال والشخصية والعائلة العريقة(!!!) إنه يهجرها فقط.. لكي يفسح المجال في نهاية الفيلم لكريم عبدالعزيز أن يرتبط بها..!!

تدمير شخصية

لا أفهم كيف ترك بلال فضل شخصية ثرية كهذه تفلت من يده.. خصوصا وان من تلعبها هي الممثلة الشابة التي نراهن جميعا علي أنها ستكون في اقرب وقت واحدة من أكبر نجمات السينما العربية كلها..

لقد فعلت منة شلبي في (محطة مصر) اقصي ما تستطيع أن تفعله لكي تنقذ نفسها ودورها.. ولكن كيف لها أن تحقق ذلك والخيوط التي تجمع شخصيتها خيوط من قصب.. تنكسر في كل لحظة وعند أي لمسة!!

ولكن رغم هذا كله.. لعبت (منة) الدور الوحيد الهاديء في هذا الفيلم الذي تحولت فيه الأنوار كلها إلي البطل.. فاضاعت شخصيته دون أن تضيئها.

أحمد جلال.. وهنا وجه الدهشة.. استطاع أن يفرض نفسه كمخرج في أكثر من مشهد وفي أكثر من تعبير.. رغم القماشة الهزيلة التي كانت في حوزته.

مشاهد الريف التي قدمها.. في شاعرية مدهشة.. وأجواء المحطة في الدقائق الأولي من فيلمه والتي جعلتنا نتحسر أكثر وأكثر علي أن السيناريو الذي يفترض أن تدور أحداثه في المحطة.. ترك هذه المحطة بعد دقائق لينتقل إلي قصر في الأرياف.. تدور فيه وحوله أحداث لا منطق فيها ولا اقناع.. وإنما مجرد أحداث (مصفوفة) لكي تظهر ممثلا.. وتلمعه أمام جمهوره..

لطفي لبيب في دور الباشا السابق صاحب الأملاك يفعل ما بوسعه ليكون مقنعا.. رغم احساسه.. بأنه لن ينجح في ذلك مهما حاول.

انعام سالوسة.. وحدها.. في دور الجدة.. اعطتنا لحظات حلوة وحاولت بخبرتها وتجربتها أن تعطي الشخصية التي تمثلها بعدا إنسانيا خاصا بها.

زيزي مصطفي بوجهها الذي يحمل شعاعا من الجمال القديم والحزن الكامن بالأعماق.. بدت لي كأنها تبحث عن دور افلت منها.. وتحاول اللحاق به.

عناصر هاربة

ايقاع الفيلم.. يتعثر بين الكوميديا والنقد الاجتماعي.. والعاطفة دون أن يمسك بواحدة من هذه العناصر.. فيقويه ويجعله العمود الفقري الحقيقي للفيلم كله.

إنها غصة في القلب.. ان تري هذا الرباعي المدهش يتوه في دهاليز لا تناسبه وان يفعل المستحيل لكي يقدم نجمه الجديد ويقوده إلي القمة.

فكان شأنه شأن الدبة التي أرادت أن تنقذ صاحبها من ذبابة علقت في رأسه فامسكت بحجر كبير ورمته عليها فحطمت رأسه.

انها مصيبة الاستعجال واستغلال النجاح.. وهي سلاح ذو حدين لكن هذه المرة.. كان الحد القاتل هو الذي انتصر.

جريدة القاهرة في 16 يناير 2007

حول إشكاليات الرئاسة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي:

عزت أبوعوف لا يختلف في شيء عن سابقيه ويحتاج إلي من يدعمه ويساعده

صلاح سرميني  

< من الأفضل أن يرأس واحد من قلب الثقافة السينمائية أي مهرجان سينمائي لكن شخصا بعيدا عن السينما قد يكون أفضل كثيرا من آخر قريب منها

< هيا نبني صرحا مع رئيس مهرجان القاهرة فالبناء يحتاج إلي وقت طويل أما الهدم فسريع جدا ولا يتطلب سوي «خبطة» حقد واحدة

 

(عزت أبو عوف)، فنانٌ، وممثلٌ شاهدته سابقاً في فرقة (الفور إم)، ولاحقاً في أفلام عُرضت في مناسبات مهرجاناتية وآخرها فيلم (حليم) لمخرجه (شريف عرفة)، وفيه يجسّد شخصية الموسيقار الراحل (محمد عبد الوهاب).

وكحال سابقيه في رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي(حسين فهمي، وشريف الشوباشي) يتمتع (عزت أبو عوف) بجاذبية خاصة، ولولا ذلك، لما تجرأ مخرجٌ مصري باختياره لدور في فيلم، أو مسلسل، لقد حصل علي ثقة المخرجين بقدراته، ولم يخذله الجمهور، فاحتفظ بمكانته، واستمرارية مشواره الفني.

وقد قرأت كثيراً من الانتقادات الخفيفة، والقاسية عن اختياره، وتتلخص بأنه من ممثلي الصف الثاني، ولم يتابع أي مهرجان في مصر، أو الوطن العربي، أو العالم، ويمتلك ثقافةً سينمائيةً محدودةً لا تخرج عن إطار النشاط المتداول في مصر، ولا أي خبرة إدارية، أو تنظيمية، ولأن مهرجان القاهرة تظاهرة حكومية، يصبح من حقّ السيد الوزير (فاروق حسني) اختيار من يشاء للرئاسة وفق القناعات التي يجدها مناسبة، فهو الضامن الرسمي للحركة الثقافية في مصر، والمسؤول عن سابقها، وحالها منذ وصوله إلي هذه المهمة، وحتي اليوم.

وقد تسني لي متابعة الدورة الثلاثين للمهرجان لمدة أربعة أيام، وتعرفت علي تنظيمه، وبرامجه المختلفة، والكتيبات، والنشرة اليومية التي صدرت عنه، ولم أكتشف أي اختلافات صغيرة، أو كبيرة ما بين دورة سابقة حضرتها في عام 2004، والدورة الحالية، وفكرتُ (حتي إثبات العكس) بأنّ (عزت أبو عوف) ليس أكثر من رئيس (شكلي) للمهرجان بعد الرئيس الشرفي (عمر الشريف).

< تغييرات شكلية

ونحن نعرف بأنه وصل إلي منصبه قبل شهور قليلة من انعقاد الدورة الأخيرة، بعد الاستقالة المُتوقعة لسابقه(شريف الشوباشي) وكانت الاستعدادات في أوجّها، ولم يكن للرئيس الجديد دور جوهري فيها ماعدا بعض التغييرات الطفيفة، والشكلية، والتي لا تظهر لمُتابع مثلي ومع ذلك لفت انتباهي في الكتالوج الرسمي صفحةً بعنوان (لجان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الثلاثين) وقائمةً بلجان مختلفة :

اللجنة العليا، اللجنة الاستشارية العليا، المكتب الفني، لجنة الاتصالات الدولية لجنة الإعلام الدولية، لجنة المشاهدة، اللجنة التنفيذية.

وهي تضمّ الكثير من الأسماء المُؤثرة في الحركة السينمائية، والثقافية بشكل عام، وإذا افترضنا بأنها تنجز عملها بحرية، وديموقراطية، يصبح دور (أبو عوف) شكلياً تماماً، وتتحمل اللجان المُتعددة مجتمعةً مسؤولية الإدارة، والتنظيم، والبرمجة، وعلي رأسهم المكتب الفني الذي يضمّ : سهير عبد القادر طه، يوسف شريف رزق الله، ماري غضبان، أحمد رأفت بهجت، د. رفيق الصبان، أحمد صالح، خيرية البشلاوي، نعمة الله حسين.

وقد لاحظتُ في أسفل الصفحة، بـأنه قد تمّ تشكيل تلك اللجان بناءً علي قرارات وزارة الثقافة لعام 2006، وربما تكون إحدي مُستجدات الدورة الثلاثين.

وهذا يؤكد بأن المهرجان واجهةً للسلطة ـ كما هو الحال في معظم المهرجانات العربية ـ ويصبح طبيعياً بأن يتمّ تعيين رئيسه من قبل وزير الثقافة، وأن يتم تشكيل لجانه بقرارات وزارية.

ومع هذه الإجراءات البديهية في بلدان تتقلص فيها فاعلية الجمعيات الأهلية، لا أجد مانعاً جوهرياً يحول دون رئاسة ممثل (من أي صف كان) لمهرجان القاهرة أو أي مهرجان آخر، إذا انحصرت مهمته في متابعة الخطوط العامة للمهرجان، ولم يتدخل في عمل اللجان المُتفرعة عنه، وهو بذلك يعيد إلي المهرجان صيغة المؤسسات الأهلية التي تنطلق منها معظم المهرجانات الكبري والصُغري في العالم، وفيها نجد أحياناً عمدة المدينة أو أي شخصية اعتبارية أخري رئيساً بينما الفاعل الحقيقي هو المدير الفني أو المُفوض العام، والدور التنفيذي لفريق العمل فيما يتعلق بالإدارة، والتنظيم والبرمجة. وليس بعيداً عن القاهرة فقد اختارت دبي رئيساً كندياً لمهرجانها، لا يمتلك بدوره أي تاريخ سينمائي، ولكنه يعتمد علي فريق عمل، ومبرمجين علي قدرّ كبير من الخبرة، فقد وصل بدورته الثالثة إلي مكانة مرموقة أثارت تساؤلات المهرجانات العربية الأخري، وبدأ يحظي بسمعة لا يتمتع بها أي مهرجان عربي مماثل، ويكفي بأنني كنت يوماً في مكتب العلاقات الخارجية للقناة الفرنسية/الألمانية(آرتي)، بهدف البحث عن صيغة تعاون مع (مسابقة أفلام من الإمارات) في (أبو ظبي)، عندما صارحتني المسؤولة باهتمامها الزائد بمهرجان دبي السينمائي، كي تدرس من خلاله إمكانية بثّ القناة في الإمارات، ودول الخليج .

وكما تسرّع البعض كثيراً في الحكم علي (نيل ستيفنسون) بإدارته لمهرجان دبي، فإن البعض يسابق الريح بالحكم علي رئاسة (عزت أبو عوف) لمهرجان القاهرة، وقبل ذلك لم يسلم من أقلام هؤلاء أي مدير مهرجان آخر : حسين فهمي، شريف الشوباشي، علي أبو شادي، نور الدين الصايل، محمد الأحمد، مسعود أمر الله، د.ماجدة واصف، فريد بوغدير، فتحي الخراط، حمادي كيروم، حميد عيدوني
بعيد أم قريب؟

وفي مرات، تحولت الانتقادات إلي تجريح، وتشهير، ...وهدم، وتحطيم، بدل أن تتجسّد خلافات وجهات النظر بالنقاش، والحوار، وتبادل الآراء، والأفكار.

شخصياً، أفضل واحداً من قلب الثقافة السينمائية ليكون رئيساً لأي مهرجان سينمائي، ولكن، بالمُقابل، ليس كل باحث، أو ناقد سينمائي، أو صحفي يصلح لهذه المهمّة، وأحياناً، فإن شخصاً بعيداً عن السينما( مثل نيل ستيفنسون في دبي) أفضل بكثير من آخر قريب منها.

وأن يكون أحدنا ناقداً سينمائيا فذاً، أو مخرجاً عبقرياً، أو صحفياً لامعاً،.. لا يعني بأنه قادرٌ علي إدارة، وتنظيم مهرجان سينمائي يحتاج إلي خبرة، وموهبة، وشغف، ودور الصحفي، والناقد، وصُناع السينما بكلّ فروعها هو الوقوف إلي جانب أي حدث سينمائي، مهما كان كبيراً، أو صغيراً، وأن يكون همّنا الأساسي نشر الثقافة السينمائية بكافة الطرق، والوسائل، ومنها وصول الأفلام إلي المتفرج أولا،ً وليس لنا، نحن الذين نشاهدها في كل مناسبة.

ومن المفيد بأن نطرح علي أنفسنا الأسئلة التالية : هل حقق المهرجان أهدافه، هل وصلت الأفلام إلي جمهورها، هل ساهم في تثقيفه، وزيادة وعيه السينمائي، هل أثار حراكاً في الوسط السينمائي، والثقافي، والشعبي، هل غير من عادات الجمهور، فترك شاشة التلفزيون في بيته، وتوجه إلي صالات العرض، هل انتعش الجانب السياحي، والاقتصادي قليلاً، أو كثيراً، هل ساهم في تطوير السينما المحلية إنتاجاً، وعرضاً، وتوزيعاً، هل ساعد في تعريف الجمهور الأجنبي بالسينما الوطنية،... هل لفتَ الأنظار نحو البلد، والمدينة المُضيفة، هل أصبحت علامةً فارقة في الخريطة السينمائية، والجغرافية؟ (كما الحال مع كان، فينيسيا، برلين، سان سباستيان، كليرمون فيرون، مانهايم، أوبرهاوزن، بياريتز، نانت آميان).

بناء الصرح

بديهي بأن عملية البناء تحتاج إلي وقت طويل، يبدأ من وضع حجر الأساس، والارتقاء به حجراً بعد آخر ولكنّ عملية الهدم سريعة جدا ويكفي خبطةً واحدةً من رافعة عملاقة، كي يتحطم صرحٌ شامخ، ومهمتنا الصحفية، والنقدية ليست انتقاد هذا، أو ذاك، والكشف عن تاريخه الشخصي، بقدر احترامه، ومساعدته في مهمته لإنجازها كما نحبّ، ونرتضي.

نحن نستخدم أقلامنا، وأزرار لوحة الكمبيوتر، وجوهر عملنا الأفكار، ووجهات النظر، وكلها، بدون استثناء، قابلة للنقاش، والجدل، ومعرضةً للخطأ، والصواب، ولسنا الحاكم بأمر الله ، أوصياء علي السينما، والسينمائيين.

(عزت أبو عوف) الذي أعرفه من بعض أدواره في السينما، والتلفزيون، ولم ألتق به مرةً واحدة في حياتي، هو المدير الحالي لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ويحتاج ـ مثل كلّ القائمين علي المهرجانات العربية ـ إلي من يبني معه صرحاً سينمائياً كبيراً يمتدّ عمره إلي ثلاثين عاماً مضت بكلّ ماله، وما عليه.

جريدة القاهرة في 16 يناير 2007

 

سينماتك

 

رفيق الصيان يكتب:

عن السقوط الكبير للرباعي السينمائي «في محطة مصر»..

أسوأ استغلال لنجاح «واحد من الناس» وأسوأ اقتباس من الأفلام الأجنبية

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك