إذا كانت صناعة السينما في العالم العربي تعاني من أزمة حقيقية، فإن الطرف الأساسي المتضرر من هذه الأزمة هو الإنتاج السينمائي التجاري الموجَّه للجماهير العريضة بهدف جني الأرباح من شباك التذاكر. وفي الحقيقة فإن أزمة هذا الطرف تختلف عن الأزمة التي يعاني منها الإنتاج السينمائي للأفلام التي تسعى لتحقيق طموحات فنية وفكرية من حيث أن نجاح الإنتاج السينمائي التجاري هو السبيل لتركيز صناعة السينما وجعلها تقف على قدمين راسختين في الأرض فتؤسس بالتالي لتقاليد تجعل من استمرارية الصناعة السينمائية واقعا حقيقيا، وهذا بدوره يسمح للسينما الأخرى أن تجد لها حيزا ضمن هذه الصناعة. وإذا كان عدم النجاح الجماهيري التجاري للأفلام ذات الطموحات الفنية الفكرية أمرا مفهوما بل وحتى متوقعا، فإن عدم نجاح الأفلام ذات التوجه الجماهيري التجاري يعني أن هنالك أزمة حقيقية ذات طابع بنيوي. وتشير خريطة الإنتاج السينمائي في العالم العربي إلى أن إنتاج الأفلام الجماهيرية التجارية في الكثير من الدول العربية مثل لبنان وسوريا ودول المغرب العربي في تناقص مضطرد وبدرجة اقل في مصر.

وإذا كان مطلوبا من السينما ذات التطلعات الفنية الفكرية أن تكون مبدعة، فإن هذا المطلب في الحقيقة ينطبق أيضا على السينما التجارية الجماهيرية التي يفترض فيها أن تتمكن من تكريس تقاليد خاصة بها وأن تبدع في تطوير هذه التقاليد وفي إغنائها بمضامين جديدة. غير أن تتبع مسيرة السينما العربية الجماهيرية التوجه والتجارية الهدف، وبخاصة السينما المصرية الأقدم والأكثر خبرة والأوسع انتشارا من بين السينمات العربية الأخرى، يدل على أن هذه السينما لم تنجح في صياغة تقاليد ناجحة لبنية الفيلم الجماهيري ذات الوصفات المضمونة والمجربة والقابلة للتطور والاستمرارية عن طريق عناصر تشويق إضافية يمكن الانطلاق منها لطرح أفكار ومضامين ومواضيع غير متكررة بما يضمن النجاح المتواصل لهذه الأفلام عندما تعرض جماهيريا.

في السنوات الماضية شهد الإنتاج السينمائي للأفلام في مصر تراجعا كميا من ناحية، وعزوفا جماهيريا عن الإقبال على مشاهدة الأفلام، من ناحية ثانية. ثم برزت فجأة ظاهرة جديدة تمثلت في النجاح الجماهيري الساحق لفيلم كوميدي جديد هو سإسكندرية رايح جاي الذي بفضله صعد نجم الممثل الكوميدي محمد هنيدي. هذه النجاح أدى إلى إنتاج أفلام كوميدية متلاحقة من النوعية نفسها وصعود نجوم كوميديا جدد كانوا كلهم من ممثلي الصف الثاني، وإذ عجز المتابعون عن فهم الأسباب الحقيقية لنجاح هذه الأفلام وللصعود المفاجئ للكوميديين الجدد، وإذ عدّ النقاد مستوى هذه الأفلام بسيطاً ومحتواها ساذجاً، فإن المدافعين عن هذه الموجة الجديدة رأوا أن أهميتها تكمن في أنها أعادت الجمهور إلى صالات العرض، وأنقذت، بالتالي، صناعة السينما من أزمتها.

لكن هذا التفاؤل، في الحقيقة، لا يدل على شيء أكيد. ونجاح هذه الموجة الجديدة من الأفلام الكوميدية قد لا يستمر طويلا في الزمن بحيث يمكن أن تعود الأزمة من جديد. ذلك أن نجاح هذه الموجة هو نجاح مرحلي مرتبط، على الأغلب، بمزاج جماهيري مرحلي قد يتغير في أية لحظة. فهذا الوضع ليس جديدا، بل كان من الأوضاع الملازمة لتاريخ علاقة الجمهور بالفيلم العربي، ذلك أن الإنتاج السينمائي كان يتم على شكل موجات مرحلية. ففي فترة ازدهر الفيلم الغنائي ثم اختفى من الساحة، وفي فترة أخرى ازدهر الفيلم الكوميدي ثم تقلص الاهتمام به وانتشرت على نحو متلاحق موجات أفلام أبطالها من قاع المجتمع وأفلام عن حكايات الحرافيش وأفلام المخدرات وأفلام النقد السياسي وهكذا دواليك. وفي فترات أخرى كان النجاح الجماهيري يعتمد على سطوع نجم أحد الممثلين قبل أن يعاود الهبوط.
وكان صعود وانحسار هذه الموجات يتم بالرغم من أنها جميعها كانت تعتمد على وصفات جاهزة متكررة أساسها استخدام الميلودراما للتأثير العاطفي على الجمهور العريض، إضافة إلى الإثارة الجنسية على الطريقة الشرقية ودعم ذلك كله بنظام سالنجوم. أي أن هذه الوصفات التي تعدّ مضمونة، لم تكن فعالة بحيث تضمن استمرارية الموجة، أو بتعبير أدق، استمرارية النوع الفيلمي الذي تمثله هذه الموجة أو تلك. وفي الواقع فإن جذور أزمة الإنتاج الجماهيري للأفلام في السينما العربية تعود إلى العجز عن تطوير أنواع سينمائية جذابة بحد ذاتها وذات ديمومة ومتضمنة إمكانية التجديد المتواصل والانفتاح على آفاق جديدة للتعبير عن قضايا الوجود الإنساني.

تدلنا خبرة السينما العالمية، وبخاصة السينما الهوليوودية، على أن بعض الأنواع السينمائية تحافظ على جاذبيتها مع الزمن، أولاً بفضل بنيتها الخاصة التي تميزها، وثانيا، بفضل العمل المتواصل على إغناء هذه الأنواع بمواضيع وأفكار جديدة والعمل على تطوير الحبكة التقليدية لتتمكن من التعبير عن قضايا الإنسان الشمولية المصيرية. هذا ما يفسر، مثلا أن أفلام الغرب الأميركي (الويسترن أو رعاة البقر) لم تفقد جاذبيتها مع الزمن ولم تقف عند حد معين بل ظلت تتجدد. كما إن بعض أفلام الغرب الأميركي ما تزال تعدّ حتى الآن من روائع السينما العالمية، وأحد الأمثلة هو فيلم وقت الظهر للمخرج فريد زينيمان. كذلك هو الحال بالنسبة لأنواع فيلمية أخرى مثل الأفلام البوليسية أو أفلام الرعب أو أفلام الخيال العلمي، بل إن هذا هو ما يفسر أيضا انتشار تقليد إنتاج السلاسل الفيلمية ضمن النوع الواحد (مثل سلسلة أفلام الرعب التي بدأت بفيلم سهالوين واستمرت بنجاح جماهيري لتصل حتى الآن إلى سبعة أجزاء). وقد يدور في ذهن بعضهم أن استمرارية نجاح هذه الأنواع يعود لاستخدامها أحدث التقنيات بما توفره من مؤثرات بصرية مدهشة للعين والأذن، ولكن هذا الاعتقاد الصحيح جزئيا يتجاهل المضامين الجديدة التي توضع في الحبكات التقليدية والتي تؤدي إلى المحافظة على النوع مع إضافة تفسيرات جديدة ودلالات معاصرة وتتمكن من تحويل الحدث العادي إلى تراجيديا ومن تحويل البطل العادي إلى بطل تراجيدي.

وفي الواقع فإن مسألة النوع الفيلمي هي من الخبرات الأساسية التي مارستها واكتسبتها السينما الأميركية. وقد عدت، وبعد مشاهدتي فيلم داود عبد السيد ارض الخوف الذي رأى فيه البعض تقليدا لأفلام المافيا، إلى الكتاب المهم الذي ترجمه للعربية مدحت محفوظ من تأليف الباحث الأميركي ستانلي جيه سولومون بعنوان سأنواع الفيلم الأميركي وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. ففي هذا الكتاب يشير الكاتب إلى أن ثمة فارقاً بين إعادة إنتاج قوالب مألوفة وبين التكرار السافر. وهو يؤكد انه من اجل الوصول إلى فن أنواعي: سيجب على صانعي الأفلام أن يتوسعوا في تعميق بصيرتهم التأملية في البنى الأسطورية للنوع. وفوق كل شيء آخر، فالنوع هو تجهيزة ملائمة تضم مجموعة من الأفعال الإنسانية المتميزة التي يمكن الرجوع إليها مرات ومرات، للوصول إلى فهم جديد للدوافع أو الحاجات الإنسانية الأساسية. وهو يعرف النوع السينمائي على أنه الترتيب الواضح لقوالب الحكي بهدف إنتاج خبرات معينة ترتبط بها من فيلم إلى آخر. والشعبية المتواصلة لأنواع سينمائية معينة، ك(الويسترن) والأفلام الموسيقية والحربية، لعقود عديدة، وعبر طرز متغيرة واحساسات جديدة، أمر يوحي بأن هذه القوالب نفسها تعتمد على أحداث أو أنشطة حركية متميزة الخصائص وذات تميز أزلي.

لم تعرف السينما العربية الجماهيرية مثل هذه الممارسة، ولم تتمكن من صوغ تقاليد راسخة من ضمن بنية النوع الفيلمي( يمكن أن نجد في السينما العربية الحديثة مثالا استثنائيا على هذا التجديد في النوع من خلال الفيلم المصري ارض الخوف للمخرج داود عبد السيد والذي يستند على البنية التقليدية لنوع الفيلم البوليسي من خلال مادة وحكايات عصابات المخدرات ليجعل من الشخصية الرئيسية فيه بطلا تراجيديا وليحول الصراع التقليدي بين الخير والشر إلى سؤال فلسفي معاصر وعميق). والبنية الوحيدة الرئيسية الملازمة للإنتاج السينمائي على مختلف أنواعه كانت الميلودراما، التي كان منتجو الأفلام يظنونها الوصفة السحرية، فيما كان النقاد يعدّونها من العيوب الرئيسية في الأفلام الجماهيرية العربية. وربما أن نقاد السينما يتحملون قسطا كبيرا من المسؤولية في هذا المجال، فقد ظلت أسئلة وملاحظات النقاد السينمائيين العرب تدور في فلك إشكالية التعبير الصادق في السينما عن قضايا الواقع والتمنيات العامة غير المدروسة بتحقيق المعادلة بين الفن والترفيه، ولم تسع تلك الجهود النقدية نحو البحث الدقيق في إمكانات تطوير السينما الجماهيرية نفسها ودراسة قضايا البنية ووسائل التعبير الفنية الملائمة.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 12 يناير 2007

 

 مخـــــــرج أفـــــــــلام التـحــــريـــك مـيــشـــــــال أوســــلـــو مــن بــــيــــروت لـمــــــنـــاســـبـــة صــــــدور "أزور وأســــــمـر"

ليت الأميركـيين يقـتـرحـون عليَّ عـرضـاً لكـي أصــفعـهم بالعـقـد!

هوفيك حبشيان 

"اريد أن يشعر هؤلاء الأغبياء الذين يحرقون السيارات في ضواحي باريس أنهم طيبون ونبلاء". هكذا يعبّر نجم سينما التحريك الفرنسية ميشال أوسلو عن أفكاره. تمييز عنصري، تسامح، صراع حضارات، مصالحة بين الاديان، هذه هي ابجديات أوسلو، ليس على الشاشة فحسب انما في السلوك اليومي. بحفنة من الافلام، استطاع هذا الرجل الخمسيني العفوي وغير المدعي، التأسيس لنمط بصري حيث بساطة الرسوم هي كلمة السّر. لم تكن طريق أوسلو للوصول الى ما وصل اليه من ابتكار في "ازور وأسمر" الذي نال ما يستحقه من موازنة (نحو 6 ملايين اورو) وجوائز واستحسان شعبي، طريقاً سالكة على طول الخط، لكن كم تبدو كوابيس الماضي القريب، بعيدة من اللحظة الآنية أمام هذا الحلم بعالم أفضل الذي ولد تحت ريشة أوسلو وقلمه وانامله السحرية. في بيروت، كانت هذه المقابلة حول سينما ميشال أوسلو.

سلكتَ درب سينما التحريك، وليس السينما التقليدية. لماذا؟

ـــ أرتاح الى الرسم والأعمال الحرفية والخيوط والغراء. لطالما أحببت ذلك. في صغري، لم يكن لدينا تلفزيون ولم نكن نذهب الى السينما. لذا تسليت كثيراً وابتكرت أشياء صغيرة من أشياء عدة. واتضح لي في وقت متأخر ان التحريك يحقق أحلامي. لذا أعددت نفسي في هذه السنوات الأولى من حياتي باللعب والفبركة والرسم ومحاولة اختبار جميع الفنون الموجودة.

ألم تتعلم من أفلام تحريك أخرى، والت ديزني مثلاً؟

ـــ لا، أفلام التحريك الوحيدة التي كنا نشاهدها كانت لديزني، وما زالت تعجبني حتى الآن. بعد "الجميلة النائمة"، لم تعد أفلام ديزني تهمني. "بيتر بان"؛ "ساندريللا"؛ "دامبو"؛ كلها تعجبني. لكن الأفلام التي تلت ينقصها السحر. مع هذا الفيلم أردت أن أنفتح على السحر، والساحرات، والقصور الزرق، والنجوم التي تبرق.

وفي أي لحظة قلت إن هذه ستكون مهنتك؟

ـــ في الـ20 من العمر.

هل كنت أنجزت شيئاً ما قبل هذا العمر؟

ـــ انجزت أعمالاً صغيرة، بكاميرا والدي، لكنها ليست جيدة. ثم سارت المسائل وحدها لأنه في تلك المرحلة لم يكن هناك من مدرسة. ابتكرت كل شيء. لم أذهب الى مدارس، ولا الى استوديوات لأفلام التحريك، لذا لا أعلم كيف تُنجَز هذه الأمور هناك. أنا جاهل. بنيت دائماً وحدي هيكليات صغيرة وحاولت أن أحزر كيف تُنجز هذه الأمور، وكنت أجد أحياناً حلولاً لم ينجح آخرون في إيجادها.

لكنك درست الفنون الجميلة.

ـــ نعم، الفنون الجميلة في أنجيه، وفنون الديكور في باريس. وأمضيت أيضاً عاماً في الولايات المتحدة.

لكن، أليس من رابط كبير بين الاثنين؟

ـــ بالطبع، أنا أرتكز على الرسم، هذا الفن الذي يغويني. فيه أجد نفسي أكثر عزماً واستقلالية. ما أريده ارسمه. لا يكلّفني إنجاز "قصر الساحرة" أكثر من صنع رجل يمشي في الشارع.

نشعر أن الفنان يتمتع في سينما التحريك، بحرية أكبر...

ـــ نعم، مع أن إنجازها يتطلب وقتاً طويلاً. زملائي يصنعون فيلماً بستة أشهر، أما أنا فيلزمني 6 سنوات (ضحك).

ماذا عن تجربة عيشك في افريقيا؟ الفيلم عابق بهذا الحنين الى ارض الطفولة.

ـــ نعم، قصدت المدرسة الابتدائية هناك، في غينيا. كانت بداية جيدة جداً قبل الانتقال الى آسيا، لأني رأيت العالم أمامي فوراً، وأدركت على عكس الآخرين، أن المكان الذي أقطن فيه ليس الوحيد على وجه الارض. كانت هناك حضارتان في متناولي: الحضارة الأفريقية السوداء، والحضارة الفرنسية، كوننا كنا نعود الى الريفييرا الفرنسية، مسقط رأسي، في العطل السنوية. في غينيا، كان هناك طوائف متعددة، من بروتستانت وكاثوليك ومسلمين. وكان ذلك طبيعياً. البيض والسود كانوا كلهم طبيعيين في نظري، وكنت أظن أن الكل فرنسيون. كانت بداية ممتازة، مع أشخاص متوازنين، وسلام مطلق، بلا جرائم. كان في امكاننا التنزه في كل مكان، والذهاب حيث نشاء، نستقل القطار صغاراً، من دون أهلنا، للتوجه بعيداً. كان والداي يعرفان أن الناس هناك سيحموننا. ثم ذهب والداي المعلّمين الى فرنسا، الى منطقة لا يعرفانها مطلقاً، أنجيه، في شمال غرب فرنسا، وهناك عانيت قليلاً، لأني كنت أعتدت العيش تحت أشعة الشمس، وكان الطقس غائماً والأرض مبللة، وكان الناس يتبعون قوانين لم أعرفها. كنت أدعهم يعاقبونني في المدرسة ولا أعرف لماذا، وكنت أكره بلادي.

هل كانت طفولتك سعيدة؟

ـــ تماماً. حصلت على كل ما لزمني. كان أبي نبيلاً وصاحب سلطة، وأمي محبة وفنانة. كان والدي ينزعج قليلاً لأنه "باض" ابناً فناناً، سيرسم يوماً نساء عاريات. لم يكن ذلك لائقاً. كان لي اخوة، ومنزل جميل، وتلقيت تربية استثنائية. كنت الابيض الوحيد في صفي، لكن لم أسمع الا في وقت متأخر عن التمييز العنصري. علمت ايضاً ان في الولايات المتحدة ثمة حمامات للسود واخرى للبيض. كان ذلك يفوق الحقيقة بالنسبة اليّ.

هل بدأت تفقد براءتك من ذلك الحين؟

ـــ (ضحك). ما زلت بريئاً جداً. نفقدها تدريجياً عندما نقرأ تاريخ الانسانية والصحف.

هل أغناك اختلاط الثقافات وساعدك في إنجاز أفلامك لاحقاً؟

ـــ اظن أني مواطن بلا هوية منذ الطفولة. عشت في بيئة ذات أديان متعددة، ولا يمكن أحدها أن يثبت أنه الحقيقي. فهمت الكثير من القضايا وأنا في العاشرة من العمر، وكلما تعلّمت، أصبحت أكثر سعادة. إذاً أنا فرنسي لكني أيضاً غيني، وأصبحت مصرياً عندما اكتشفت مصر، ويونانياً عندما اكتشفت اليونان...

لكن كيف تفعل لئلا تحمّل الفيلم رسالة ما، إذ إن أفلام التحريك تحتوي عادةً على رسالة؟

ـــ ما أردت أن أفعله قبل كل شيء هو أن أسحر المشاهدين. أردتهم أن يخرجوا من الفيلم ويشعروا أنهم يحلقون فوق الغيوم. وأردت لهذه السعادة أن تدوم بعد نهاية الفيلم. أفلامي ليست مخدرات. فعندما يتناول المرء المخدر، يشعر أنه سعيد، لكن عندما يزيل مفعوله تكون الأوضاع أسوأ من قبل.

ما الذي تفعله لكي تدوم هذه السعادة بعد الفيلم؟

ـــ أقول الحقيقة. البناء والديكور والمجوهرات والصداقات في أفلامي كلها حقيقية. كل ما اقوله حقيقي. مدينة الأديان الثلاثة موجودة، في لبنان وفي فرنسا أيضاً.

الأديان الثلاثة في لبنان؟ لا...

ـــ ... الآن لا، لكني متأكد أنه كان هناك معابد لليهود أيضاً هنا.

أيمكنك التحدث عن بساطة الحياة؟

ـــ تكمن التقنية التي ألجأ اليها في عدم الكذب وإظهار مسائل أؤمن بها فحسب. عندما أجد أن هناك شيئاً ما ليس صادقاً تماماً، أصلحه عندما أُعيد قراءة النص للمرة الثانية.

ألا ينبغي أن يكون المرء مجنوناً لكي ينجز فيلم تحريك؟

ـــ نعم، لأن ذلك يتطلب الكثير من الجهد والمثابرة. ويجب أن تؤمن بما تفعله لكي لا تضيق ذرعاً ذات يوم. في المقابل، أشعر أني ساحر. وأصدّق أن الشخصيات لها وجود حقيقي عندما أشاهد الفيلم.

ألا يجب أن تجيد التحكم الرباني بالشخصيات لتنجز فيلم تحريك؟

ـــ لا أتحكم بالأشخاص، انما بالدمى، وأسيطر على الشخصيات، وأكون أشبه بالله. ولديّ ملائكة يعملون معي، يؤمنون بالعمل الذي أنجزه. لكن ليس من اللائق أن أقول عن نفسي إني الله. سوف أُرجَم (ضحك).

لكن في نطاق عملك، أنت لا تقل عن الخالق أهمية. هل أنت مؤمن؟

ـــ ليس كثيراً. حروب الأديان هذه تثير اشمئزازي. أشعر بالحياد حيال المؤمنين، لكني لا أستطيع أن أؤمن. ترعرعت مع 5 أديان من حولي، ورأيت أن الجميع متشابهون، وأن هناك طيبين وأشراراً، مهما تكن أديانهم.

على أي حال، أعمالك يرحَّب بها في فرنسا.

ـــ لم أُنتَقَد الا على نحو ايجابي، والأولاد يحبون أفلامي. يؤثر "أزور وأسمر" في الأهل أيضاً. جاء بعضهم اليَّ وقالوا إن فيلمي جعلهم يبكون. أعتز بفرنسيتي، لكني أملك ما يكفي من الطاقة كي لا أحاول انجاز أفلام فرنسية. أنا من أنا.

أعرف أنك مناهض لأميركا...

ـــ الحكومة الأميركية تسجل أرقاماً قياسية في الحاق الضرر بالجميع. لكن أميركا بلد شاسع، وفيه ناس أحبهم؛ أذكياء، ومنفتحون. لا يمكنني أن أكون ضد أميركا، لكن حكومة بوش كارثة عالمية.

مع ذلك يملك بوش السلطة المطلقة ويتحكم بكل شيء. لا يمكن أن يكون مغفلاً...

ـــ بلى، هو يثبت ذلك كل يوم. وهو محاط بفريق مخيف.

هل تتخيل فيلم تحريك بطله بوش؟

ـــ لا، لا أعمل الا في مجال الحكايات، وأظهر أشخاصاً أذكياء ومتوازنين.

لا يمكن مشاهدة الفيلم خارج الظروف الحالية، ولا سيما تلك الدائرة في الشرق الاوسط.

ـــ عندما نشاهده نفكر فعلاً في الراهن، لكنها قصة أساسية.

ما لفتني أيضاً هو استعمال اللغة العربية.

ـــ أردت القضاء على الرفض الذي يشعر به الناس تجاه هذه اللغة، وإبرازها بصورة ايجابية. لذا استخدمت لغة عربية كلاسيكية جميلة.

حتى انك لم تشأ أن تكون المقاطع العربية مترجمة.

ـــ في ذلك أيضاً وقاحة وأناقة ورسالة. أردت ألا يفهم المشاهد مسائل بين وقت وآخر، تماماً مثل المهاجر، لأن الفيلم هو عن الهجرة. ومن جهة أخرى، من الانيق أن ننجز فيلماً يحتوي على لغات عدة. في الحياة، ليس من ترجمة. لذا، يشعر الراشدون ببعض التشوش، بينما يعتبر الأولاد ذلك طبيعياً جداً ولا يطرحون أي سؤال.

في أي حال، الأولاد أذكياء أحياناً أكثر من الراشدين في قراءة افلام التحريك.

ـــ دماغهم يمتص كل شيء. أما نحن فتعلمنا ولم نعد قادرين على تلقي الجديد.

هل صحيح ان من الصعب أن تعثر على موزع خارج فرنسا بسبب مشهد إرضاع؟

ـــ ظننت بعد "كيريكو"، حيث كانت النساء عاريات الصدور والأطفال عراة تماماً، أني لن أواجه بعد اليوم مشكلة مع الأنغلوفونيين. في سنغافورة مثلاً لم يصنف الفيلم مناسباً لجميع الاعمار بسبب مشهد للعراة. وعندما عُرض الفيلم في مهرجان كان، سألني صحافي إذا كنت اقبل بقطع مشهد الافتتاح كي يجاز توزيعه في الولايات المتحدة، فرفضت حتى الاجابة عن السؤال. ثم قرأت مقالاً في "هوليوود ريبورتر" يمتدح الفيلم، لكن يبدو ان مشهد الافتتاح هذا تلقّاه البعض كنوع من التحدي الفرنسي لأميركا. لكني لم أفكر يوماً في أن أتحدى أميركا بمشهد إرضاع!

ألم ترغب يوماً في العمل هناك؟

ـــ لم أكن ضد الفكرة. الآن أنا ضد ذلك. لأني مقتنع بأن عليّ العمل للعالم القديم. أشعر أني أوروبي - متوسطي.

ألم تتلقَّ أيّ اقتراح؟

ـــ لا. أنا منزعج قليلاً. لم يحاول الأميركيون "إنقاذ روحي". ليتهم يقترحون عليَّ عرضاً لكي أصفعهم بالعقد في وجههم.

اليوم، أنت تمعن في الاستقرار. لكنك مررت بمرحلة صعبة في حياتك.

ـــ نعم، مررت بفترة من البطالة القاسية. شعرت أني أشبه بكاساندر. كان أبولو أعطاها موهبة استثنائية تكمن في استشراف المستقبل، لكن بما أنها لم تكن لطيفة معه، جعل الناس لا يصدقونها. أنا كنت أملك موهبة إنجاز أفلام التحريك، لكن لا أحد أراد تصديق ذلك. رحت أنجز أفلاماً قصيرة وحصلت على جوائز في جميع المهرجانات لكني لم أفلح في العثور على المال لانتاج المزيد. رحت اتساءل إن كان عليَّ فعلاً المتابعة في هذا المجال، لأن لا أحد كان يأخذني على محمل الجد، مع أني كنت واثقاً من أني أجيد هذه الصناعة. اتذكّر اني كنت أنظر من نافذتي الى العاملين في كناسة الطرق، وأقول في سري إني قد أتقن ذلك. في المقابل عندما كنت أنظر الى العاملين في جمع النفايات، كنت أجد ذلك مهنة صعبة وتتطلب جهداً بدنياً أكبر.

• "وحوش" هو فيلم التحريك المفضل لديَّ. ما رأيك فيه؟

ـــ أفضّله على "شرك". ليس سيئاً لكنه بعيد من ثقافتي: عندما كنت صغيراً لم اشعر بالخوف من الوحوش تحت سريري، وأجد أن موضوع الخوف ليس مناسباً للأولاد. لا يغويني ذلك وأكره "هالووين". بالنسبة اليَّ، تشكل المقبرة الراحة الأبدية، حيث يصبح المرء زهرة، ولا ينبغي أن تثير المدافن أي خوف، لأنها تعني الهدوء والراحة.

النهار اللبنانية في 12 يناير 2007

«نساء بلا ظلال» يخيف المصورات الفوتوغرافيات...

هيفاء المنصور: فيلمي يعيد الاعتبار الى مكانة المرأة السعودية

دمشق – فجر يعقوب 

سيرتبط اسم المخرجة السعودية هيفاء المنصور طويلاً بفيلمها «نساء بلا ظلال»، ولكن هذا لا يقلقها، فهي لا تنتظر كثيراً، لأنها ستقدم على تجربتها الروائية الطويلة الأولى، و «الفيلم يلقى الكثير من الاعتراضات، كما أنه يلقى الكثير من التشجيع والاستحسان»، بحسب ما أنبأتنا المنصور بنفسها حين كانت تعرض الفيلم ضمن إطار عروض السينما السعودية التي أقيمت قبل فترة في نانت غرب فرنسا، ثم استكملت بنشاط تصويري وفني في باريس.

ولما كان الفيلم يدنو من علاقة المرأة بفن التصوير كان من الطبيعي أن نسأل، للمناسبة، حول هذا الفيلم، بعضاً من مصوّرات سعوديات كن يشاركن في النشاط وهكذا، فيما قالت أسماء الصواف وهي مصورة فوتوغرافية سعودية إن «الفيلم لم يوضح صورة المجتمع السعودي برأيي، فهيفاء لم توضح للناس كيف نعيش، وكان يجب عليها أن تعرض للصورتين، إلا أنها لم تترك لنا مجالاً لنقول شيئاً، واكتفت بتناول الصورة السلبية».

وذهبت المصورة الشابة رزان مسلم إلى القول إن هيفاء المنصور «شجاعة لأنها تناولت هذا الجانب، ولكنها لم تسلط الضوء على حقيقة وضع هؤلاء النسوة اللواتي ظهرن في فيلمها وهن يعانين أصلاً من صعوبات اقتصادية ومعيشية في مناطقهن، ويرغبن بالبقاء أسيرات للعادات والتقاليد».

فيما تؤكد المصورة سارة القرم في حديث مع «الحياة» أن من «إيجابيات الفيلم انه يمنح هؤلاء النسوة إمكان التعبير عن أنفسهن، ولكن ما أخشاه أن يأخذ المشاهد الغربي حيث يعرض له الفيلم بكثرة، انطباعاً نهائياً عنا، ومع ذلك فإن الفكرة جديدة».

هنا حوار مع هيفاء المنصور التي عملت في الآونة الأخيرة أيضاً منتجة في فيلم «كيف الحال» الذي أنتجته «روتانا» من إخراج الكندي الفلسطيني الأصل، ايزودور مسلم:

·         ما زلت تسافرين مع «نساء بلا ظلال»، وما زال يثير الردود العاصفة من حوله... لماذا برأيك؟

- برأيي إننا لا نزال نخاف من مواجهة مشاكلنا بأنفسنا. نحن نحب أن نهرب من المشكلة، ونتمنى أن تحل نفسها بنفسها من دون أن نقترب منها، ونحن مسكونون على الدوام بهاجس الآخر، وما الذي يفكر فيه هذا الآخر نحونا. وربما هذا هو السبب الذي يجعل بعض الناس يشعرون بأن الفيلم يتحداهم، على رغم أنني أحس بأن الفيلم بسيط جداً، ولا يتطرق الى أي من المحظورات الاجتماعية في بلادنا. علماً أن لدينا الكثير من القضايا الإشكالية التي تحتاج إلى المزيد من النقاش.

·         هناك مجموعة من المصورات الفوتوغرافيات السعوديات أحسسن بأن الفيلم لا يمثلهن...!

- نعم فيلمي لا يمثلهن: لأنهن شريحة قليلة جداً، وهن شريحة مرفهة من النساء السعوديات، علماً أنها الشريحة نفسها التي أنتمي إليها .إذاً، نحن لا نمثل المرأة السعودية...!

وأنا أتمنى أن يكون هناك نساء كثيرات يتاح لهن الفرصة مثل هؤلاء الفتيات اللواتي جئن إلى باريس للمشاركة في معرض فوتوغرافي جماعي، وأتمنى أن يكون لدى الكثير من السعوديات فرصة المشاركة في معارض، فنحن من أجل هذا نعمل أفلاماً. وأنا على أي حال فخورة بهؤلاء السيدات والآنسات السعوديات.

·         ماذا عن مشاريعك المقبلة بعد هذه الوقفة الطويلة مع «نساء بلا ظلال»؟

- الأهم في حياتي المهنية الآن هو أن مسؤولي «روتانا» قدموا لي الدعم كي أصنع الفيلم المقبل، وبإمكانات تقدم سينما حقيقية وملتصقة بالواقع السعودي. وهذا يجعلني في مصاف النساء المتميزات، وهذا يشعرني بالرضا عن نفسي.

حقيقية أو مستقلة؟

·         هل تعتقدين بأن «نساء بلا ظلال» لا ينتمي الى السينما الحقيقية؟

- إنه ينتمي إلى السينما المستقلة، أو بالأحرى الى سينما التجارب الشخصية. وأنا إذا كنت أدخل الآن إلى التيار العام من هذا إلا لأنني أصبحت مجربة، ذلك أنني أنا من قامت بالمونتاج والإضاءة والقسم الأكبر من التصوير.

·         حتى تصنع مخرجة مثلك فيلماً في السعودية ما هو المطلوب؟

- هذا يعتمد على نوعية الفيلم. وعموماً أصبح الآن في وسع الكثير من النساء أن يعملن فيلماً بالتقنيات الرقمية، لكن توزيع الفيلم يظل هو المشكلة، فأنت تحتاج هنا إلى شركة للدعاية. وأنا الآن أعمل مع «روتانا»، وهذا يوفر عليّ مجهودات كبيرة ويجعلني أركز على الإخراج.

·     هل تشعرين بنفسك الآن أنك أصبحت مدللة بعدما بدأت أفلامك تعرض في المهرجان وتعتبر مساهمة في التأسيس لسينما سعودية تلفت الأنظار؟

- أحس بأنني فعلاً مدللة في شكل من الأشكال، ليس كأي فتاة مدللة لأنني أمتلك دعماً من طرف مهم له تجارب في دعم المرأة السعودية. بالفعل أنا مدللة، وأعتقد بأن المرأة السعودية يجب أن تبرز نفسها.

·     أنت تعرضين فيلمك أمام جمهور غربي، والبعض قال إنه يخشى أن تعلق هذه الصورة للمرأة السعودية بذهن هذا الجمهور حتى من بعد أن تقطع هذه المرأة شوطاً في التطور المطلوب؟

- أعتقد بأن الخوف من نظرة الآخر لنا جعلتنا نخاف من أن نكون شفافين وصريحين مع أنفسنا. والذي لا ندركه هو أن الغرب يحترم الاعتراف بالخطأ، ويحترم الصدقية في التعبير عنها، وهو يحترم البحث عن حياة أفضل وإنسانية أفضل. ومن هذا المنطلق أعتقد بأن فيلمي يضيف إلى رصيد المرأة السعودية ويعيد إليها اعتباراً تستحقه، لكنه يسهى عن بال كثر في الخارج والداخل.

·         قالت» إحداهن» إن الصورة نفسها سوف تخيف هذا الغرب، ومع ذلك لكل شيء جديد حلاوته...

- إذا كانت الصورة تخيف من في الغرب فنحن يجب أن نفكر بعيداً في ما يفكر فيه هذا الغرب. وإذا كانت الصورة مخيفة إلى هذا الحد فنحن يجب أن نعمل على تغييرها، وإذا قبلنا بها، فيجب ألا يهمنا ما يقوله الآخرون. الفيلم يقول إن هناك تغييراً في المجتمع السعودي، وحراك يدفع بالمرأة إلى الأمام، وهذه صورة جميلة جداً يجب أن نتأملها طويلاً، كما يجب أن تتخلى المرأة عن سلبيتها خصوصاً أن كل العوامل مساندة لها الآن...!

·         ما هي هذه العوامل برأيك؟

- الآن هناك محاولات حقيقية لتوسيع فرص العمل أمام المرأة، وهناك دعم رسمي لهذا التوجه، وتدور أحاديث حول إعطاء المرأة المزيد من الحقوق الاجتماعية، وكل هذه الفرص لن تكتمل إذا لم تكن المرأة ايجابية في التعامل معها.

·         هل تعتقدين بأن لولا هذا الحراك الثقافي والاجتماعي لما ظهر فيلمك؟

- من المؤكد أنه لو لم يكن هناك حراك ثقافي واجتماعي لما تمكنت المرأة السعودية من محاولة تغيير وضعها.

الحياة اللندنية في 12 يناير 2007

 

مشاركة في المهرجانات وليست للعرض الجماهيري

السينما الخليجية 2006.. أعمال تأسيسية واتجاهات لم تتشكل

انتهى العام السينمائي الخليجي (2006) مع مهرجان دبي السينمائي الدولي، الذي افتتح يوم العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وما تحقق وأنتج خليجياً قبل هذا الموعد، عُرض في هذه المناسبة التي بدأت تشكل حدثاً إقليمياً ودولياً ينافس المهرجانات القائمة والراسخة عربياً، خصوصاً أنه افتتح أعماله في اليوم التالي لاختتام مهرجان مراكش وبعد يومين من مهرجان القاهرة.

لكن، خليجياً، لم تكن هذه الدورة الثالثة مشجعة، على رغم أن من شروط المسابقة الرسمية للمهرجان التي أطلقت هذا العام أن يكون صناع الأفلام المشاركة عرباً أو ذوي أصول عربية، وأن تتناول الأفلام أوضاع العالم العربي. وقد شارك في مسابقة جائزة ‘’المهر’’ بأقسامها الثلاثة (الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام التسجيلية) 115 فيلماً من 47 دولة، في حين لم ينافس أو يحقق حضوراً إلا فيلم خليجي واحد، هو ‘’أمينة’’ للمخرجة اليمنية خديجة السلامي، الذي فاز بالجائزة الفضية من فئة الأفلام التسجيلية.

وقبل مهرجان دبي، الذي استَبعَد من مسابقته الرسمية رابع فيلم سينمائي إماراتي، ‘’حنين’’ للمخرج محمد الطريفي، علماً أنه عُرض في غير مهرجان عربي، كانت الدورة الخامسة من مهرجان ‘’أفلام الإمارات’’، الذي ينظم سنوياً في المجمع الثقافي بأبو ظبي مارس/ آذار باردةً، على صعيد الأفلام المشاركة في المسابقة، على رغم فتح أبوابها للمرة الأولى أمام الأعمال الخليجية عموماً.

ولعل أبرز الأعمال التي عُرضت في هذه التظاهرة غير الجماهيرية، التي يتابعها طلاب الجامعات والمعنيون، هو فيلم ‘’نساء بلا ظل’’ للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، الذي فاز بجائزة الفيلم التسجيلي (المسابقة الخليجية)، علماً أنها فازت قبل عامين أيضاً (2004) بجائزة أفضل سيناريو عن فيلمها الشهير ‘’أنا والآخر’’.

الوقت أو الزمن عنصر مشترك يجمع الكثير من الأفلام الخليجية أثناء إنتاجها. فكلها تقريباً تتأخر وتؤجل مرة تلو الأخرى مواعيد الانتهاء منها. وبطل هذا السيناريو للعام 2006 فيلم المهد للمخرج السوري محمد ملص. فقد كان مقرراً أن يُنجز هذا العمل التاريخي الإماراتي ذو الموازنة الأعلى خليجياً (فاقت الثلاثة ملايين دولار أميركي) قبل انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان دبي، إلا أن أسباباً متعددة حالت دون ذلك. علماً أن ملص قد انتهى من أعمال التصوير في الإمارات (الفجيرة) وسوريا (تدمر)، وبات الفيلم الذي تعود قصته إلى ما قبل الإسلام وتروي غزو أبرهة الحبشي جزيرة العرب ومقاومة القبائل لحملته في مرحلة فنية تُنجز في غير عاصمة عربية داخل استوديوهات ومختبرات شركات عريقة.

يذكّر فيلمُ ملص بأول فيلم روائي طويل يمني، ‘’يوم جديد في صنعاء القديمة للمخرج اليمني بريطاني المولد والجنسية بدر الحرسي، فهذا العمل الذي حاز في مهرجان القاهرة - الدورة 29 لعام 2005 جائزة أفضل فيلم عربي، وتؤدي الممثلة اللبنانية دانيا حمود دور بطولته (إيناس)، لم يتأخر إنجازه وحسب لأسباب عدة منها اعتراض أهل صنعاء عليه واعتباره يتضمن إساءة إليهم وإلى ‘’سمعة البلاد’’، وإنما مازالت أصداؤه تتفاعل. فقد نافس في مهرجان القصبة الدولي برام الله فيلم ‘’عمارة يعقوبيان’’ على جائزة الجمهور.

إذاً، أفلام العام 2006 كثيرة، ويبدو القطاع الخاص الخليجي المرتبط بالتلفزيون خصوصاً متحمساً نوعاً ما لإنتاج بعض الأعمال، مع توقع الربح على رغم الموازنات العالية، لكن الأهم من ذلك هو أن بعضَ هذه الأفلام يُعتبر تأسيساً أو افتتاحياً في نوعه. فهناك بين الأفلام البارزة التي لا يتجاوز عددها العشرة، أول فيلمين روائيين طويلين سعوديين، ‘’ظلال الصمت’’ للمخرج عبدالله المحيسن، الذي لفت الأنظار حقاً واعتبر أول فيلم روائي سعودي نظراً الى انه من اخراج السينمائي السعودي المعروف عبدالله المحيسن، و’’كيف الحال’’ للمخرج الكندي إيزدور مسلم، الذي أنتجته شركة ‘’روتانا سينما’’ وشارك فيه هشام عبدالرحمن نجم برنامج ستار أكاديمي. وهناك أول فيلم خليجي روائي طويل للصغار هو حباب وكلاب الساحر إخراج وتأليف حمد الشهابي. وهناك أول فيلم وثائقي خليجي بالإنجليزية وعن ثلاثة نماذج نجاح من بين السيدات الخليجيات، للمخرج الأميركي آرت جونز، إنتاج البحرين. وربما تجوز إضافة حكاية بحرينية ثالث أفلام المخرج البحريني بسام الذوادي كأول فيلم خليجي يتطرق لموضوع المواطنين اليهود وهويتهم العربية، على خلفية الصراع العربي - الإسرائيلي والهزائم العسكرية العربية المتتالية.

ثمة مفارقة أخرى تَعبر الكثير من أفلام العام. فباستثناء كيف الحال وحباب وكلاب الساحر، لم تُعرض تلك الأعمال على نحو شعبي ولم يشاهدها الجمهور الخليجي بعد. كأن السمة الغالبة على الإنتاج السينمائي الخليجي هو المشاركة في المهرجانات المختلفة وعروضها، بمعزل عما إذا كانت تلك الأفلام جماهيرية أم لا، على رغم ارتفاع موازنات الكثير منها مهما سعت إلى ضبط الكلفة وتقليصها من خلال اللجوء إلى اليد التقنية الفنية الهندية الأرخص من الأوروبية أو الأميركية.

وإذا كان هذا الكلام عن هاجس المهرجانات لا ينطبق على الفيلم الإماراتي طرب فاشن (بلغت كلفته نحو مليون دولار) الذي توجه بالدرجة الأولى إلى صالات العرض، معتمداً على نجومية بطله سعود أبو سلطان، فإن جماهيريته لم تُثبت أو تظهر.

فهذه السنة أيضاً تنتهي من دون بلورة اتجاهات أو استراتيجيات سينمائية خليجية فنية وإنتاجية، على رغم زيادة الإنتاج وارتفاع عدد الأفلام والجهات الممولة، سواء كانت شركات إنتاج أم رؤوس أموال خاصة تعمل في قطاعات تجارية وصناعية أخرى. واليوم لا يمكن مثلاً الجزم إذا كان فيلم حكاية بحرينية ضمن سينما المقاولات، علماً أن مخرجه بسام الذوادي أنجز فيلمه السابق بواسطة التقنيات الرقمية، ما اعتبر تشجيعاً على إنتاج أفلام تجارية ظهرت في الكويت والإمارات. وكأن سينما المقولات إذا نمت يكون سببها السينمائيُ نفسه الذي لا يجد ممولاً، فيرتكب ما أمكنه.

الوقت البحرينية في 12 يناير 2007

 

فلم الأنسة الصغيرة المشعة (Little miss sunshine)

محمد موسى -هولندا:  

شيء رائع حقا ان يحظى فلم صغير مثل "الانسة الصغيرة المشعة" بأهتمام النقاد والجمهور معا . الفلم الذي رشح لعدة جوائز غولدن غلوب سوف يكون حاضرا في ألأوسكار القادم ايضأ مع آمال مشروعة بالفوز باحدى الجوائز الكبرى.

قصة الفلم التي تتعرض لطريق أسرة امريكية عادية في البحث عن ذاتها الصافية غير شائعة كثيرا في هوليود ، من الصعب  الآن تذكر عشرة أفلام هوليودية تكون الأسرة  كقصة او كبناء أجتماعي في جوهرها ، قصص عن محنة او انبعاث اسرة ما نادرة كثيرا في هوليود التي بقيت وفية لتاريخها المعروف ولم تتأثر بسينمات ناضجة مثل السينما الأوربية مثلا والتي تفرد لتلك المواضيع مساحات دائمة.

فلم "الانسة الصغيرة المشعة" يقضي اكثر من ثلاث أرباع  وقته في الطريق بين مدنييتين أمريكتيين بعيدتيين في البلد الشاسع. الاسرة التي لا تملك مالا كثيرا تقرر ان تسافر بباص قديم الى مدينة بعيدة من أجل اشراك أبنتهم  بمسابقة جمال غاية في السخافة للفتيات الصغيرات واللواتي لا يتجاوز أعمارهن العشر سنوات.

الطريق الطويل  الذي تقطعه العائلة والوجود معا في حيز مكاني صغير ومغلق يدفع الشخصيات الى التصادم ويسرع في تكسر الصدء الذي سببه الأبتعاد وغياب التواصل.عندما تصل العائلة الى مكان حفلة ملكة الجمال تلك تكون الأسرة قد عادت الى  نفسها والى أصلها الأول الطيب.

أحد  الأشياء المثيرة عن فلم "الانسة الصغيرة المشعة" انه كان قريبا جدا من السقوط في عاطفية زائدة لكنه نجح بتمكن في البقاء بعيدا عنها ، في لحظات كثيرة بدا ان الفلم سوف يتبع خطى التوقعات "المرجوة" منه لكنه كان يبتعد كل مرة ليأخذ طريقه الخاص.

في الطريق مثلا  وعندما يموت الجد المدمن على المخدرات تبتكر العائلة معا خطة تغلفها الكوميديا لاخذ الجد معهم  الى المسابقة خوفا من ان تعطل أجرات الدفن رغبتهم  في الوصول مبكرا الى موعد مسابقة الجمال.

الفلم الذي يقدم ومنذ مشاهد البداية مسابقة الجمال كاتجاه وهدف يسلكه السيناريو والشخصيات يتلاعب كثيرا "بتوقعات" جمهور أعتاد على نجاحات مفآجاة لابطاله في هكذا مواقف  ويقدم مسابقته الخاصة به!

الفلم يتضمن انتقادات حادة لبعض ظواهر الحياة في امريكا ، منذ مشهد البداية وعندما تجلس الأسرة الى مائدة الطعام المتكون من وجبات الطعام السريع مع سلطة اعدت في البيت ولا يأكلها احد! ، الى انتقاده القوي الى قيم النجاح السطحية وضغط الحياة الامريكية على البعض لتحقيق نجاحات كبيرة.

كوميديا الفلم تستحق وقفة أيضا ، المواقف الكوميدية الهادئة والمبطنة يعود نجاحها الى سيناريو ممتاز وشخصيات مبتكرة والى ذلك الأنتقال السريع من مشاهد حميمية عاطفية الى مشهد كوميدي يجلب الضحكات ثم الرجوع مرة أخرى الى مناخ الفلم الدرامي المهيمن.

 أجتماع الشخصيات وحده في مشهد العشاء في بداية الفلم  مثلا هو مشهد كوميدي خالص  بتنوع وغرابة شخصياته واختلافها عن الصورة المعتادة لها في السينما والأعلام الامريكي ، الجد العاطل عن العمل والمدمن على المخدرات  والمضطر للعيش مع ابنه  ، الأبن المراهق الذي يمتنع عن الكلام مع الأخريين في المنزل ويكره كل شيء بحياته  ، الخال الجنسي المثلي و القادم لتوه من المستشفى بعد محاولته قتل نفسه والطفلة التي لا تتجاوز العاشرة ببدانتها القليلة ونظارتها والتي تطمح للفوز بلقب ملكة جمال للفتيات!!!

في الفلم اضافة الى الدور المهم للممثلة الاسترالية الأصل "توني كويلته" (Toni Collette) والتي لعبت دور الأم وهو الدور الذي بقى ايجايبا على طول الفلم كان هناك حضورا ممتازا للممثل "كريغ كينيير" (Greg Kinnear) والذي لعب دور الاب في العائلة كرجل يجري خلف حلم النجاح  والذي لا ينسجم مع أمكانياته المحدودة.

أدوار الممثليين  الآخريين كانت ممتازة وخاصة الصبي المراهق الذي بقى صامتا لمعظم الفلم  ليتحدث في النهاية  بجمل معدودة في مشاهد كبيرة التعبير خاصة عندما يصرخ لوقف اشتراك اخته في مسابقة الجمال التي لا تناسبها والتي يديرها ناس اقل ما يمكن وصفه بهم هو الغرابة الكبيرة!

قصة الفيلم

تقرر العائلة الامريكية المتكونة  من الاب والأم وصبي وفتاة اضافة الى الجد والخال  والتي لا تملك مالا كثيرا السفر الى مدينة امريكية بعيدة من اجل مشاركة ابنتهم التي لا تتجاوز العاشرة في مسابقة "الانسة الصغيرة المشعة". في الطريق تبدا مشاكل العائلة بالبروز لكن حماسهم لا يضعف لأكمال الرحلة التي يبدو ان الجميع كان بحاجة لها!!

معلومات عن الفيلم

أخراج: Jonathan Dayton ، Valerie Faris

أنتاج: أمريكي ـ سنة الأنتاج : 2006

بطولة: Toni Collette ، ، Alan Arkin ، Paul Dano ،  Greg Kinnear ، Steve Carell

نوع الفيلم :كوميدي – دراما ـ طول الفيلم :101 دقيقة 

الفيلم صالح للمشاهدة لفئة R

موقع "إيلاف" في 12 يناير 2007

 

سينماتك

 

السينما العربية الجماهيرية وإشكالية النوع الفيلمي

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك